مفهوم الرضاعة و الحول في القرآن الكريم
عن الرِضَاعة في القرآن الكريم + يَتَرَبَّصْنَ بِ أَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ وَعَشْرًا

أحمد بغدادي في السبت ٠٧ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

عن الرِضَاعة في القرآن الكريم + يَتَرَبَّصْنَ بِ أَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ وَعَشْرًا

ظهر مؤخراً تيارٌ يتزعمه مشخصاتية و أشباه علماء و مدَّعي طب عبر وساىل التواصل الإجتماعي المتعددة يحذرون الناس منتناول الألبان و مشتقاتها، و انهم يستهدفون بهذا الكشف عن مؤامرة كونية تستهدف تدمير صحة الناس في الخفاء…

النشاط المحموم ذاك بثَّ الرُعب و الهلع فعلاً بين الناس وعلى امتداد العالم فامتنع كثيرون عن تناول الألبان و الأجبان الخبيثة،مستعيضين عنها طبعاً…. بمنتجات بديلة…

أشباه العلماء أولئك قاموا بالتركيز في دعواهم على وجود هرمونات نمو حيوانية تعطى للبقر من أجل زيادة إدرار الحليب، وهذه الهرمونات تنتقل إلى اللبن …بالاضافة إلى حقن البقرة ب كميات كبيرة من المضادات

الحيوية، الامر الذي يؤدي أيضاً إلى ظهور الأجسام المضادة في اللبن الذي نتناوله … و هذا يشكل خطراً على صحة الناس، و يجب دَرْ ئُه بالامتناع عن تناول الألبان و مشتقاتها كلياً…

طبعاً، الذي لديه أدنى علم بهذه الأمور يعلم تماماً بأن المعدة البشرية تهضم و تفكك كل تلك البروتينات تماماً و لن ينتج عنها أيُّ ضرر على الاطلاق، و حتى لو أُعطيَت الهرمونات الحيوانية للبشر مباشرةً عن طريق الوريد، فإنها لن تحدث شيئاً، أو تصنع فرقاً، لأنها و ببساطة لن تتراكب مع الآليات المستقبلة في الخلايا البشرية.

مبعث هذه المقدمة هو وَهمٌ نعيشه منذ ألف ومائتي عام عن كون لبن الأم و كميته و مدته سقايته الأساس في تحريم الطفل المتغذي من ذلك اللبن على الأم * المُرضِعة * و أخواته في * الرِضَاعة *، لأنه و ببساطة سَيَسلُك، أي لبن الأم، نفس الطريق الذي سَيَسلُكه لبن الأنعام، و الذي نتغذَّى عليه و على مشتقاته، نحن البالغون ، و سيتم هضمه و يتفكك لعناصر أولية يستفيد منها جِسم الطِفل النَامي كما تستفيد أجسامُنا من منتجات لبَن الأنعَام .

– عن السِقاية و الرِضَاعَة :

قال الله تعالى : ( وَ إِنَّ لَكُمْ فِى ٱ لْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً نُّۖسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَٰنَفِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ )المؤمنون - 21

( وَ إِنَّ لَكُمْ فِي ا لْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّۖسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَا ئِغًا لِّلشَّارِبِينَ ﴿ ٦٦ النحل﴾

( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴿ ١٥ محمد﴾

( عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَۖحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴿ ٢١ الانسان﴾
( تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴿ ٥ الغاشية﴾

( وَ أَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَ أَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴿ ٢٢ الحجر﴾
( لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَ أَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴿ ٤٩ الفرقان﴾
( وَ أَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا ﴿ ١٦ الجن﴾
( وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَ أْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِي لًا ﴿ ١٧ الانسان﴾
( وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَ أَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا ﴿ ٢٧ المرسلات﴾
( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ﴿ ٢٥ المطففين﴾

الواضح من الآيات القرآنية الكريمة بأن كل شرابٍ من ماءٍ أو لبنٍ يُتَعيَّشُ به : مُنْسَاقٌ ضمن سِيَاق، وهو بهذا سُقْيا و ما خُصِّص منه فهو : سِقاية…

وهذا شَاملٌ لجميع الأعْمَار من الكَبِير الشَايب إلى الصَغِير المُقمَّط بالسَرِير، أي لا يخرج عن ذلك اللبَنُ الذي تسقيه الوالدة لطفلها، هي تَسْقيه ، لا تُرضِعهُ إياه… لأن * الرِضَاعة * أمرٌ مختلف تماماً، و لقد انتُزِعَ المعنى الموروث المُتغلِّب من العَجَم المُفسِّرين عن طريق القراءة السِياقية للنَصِّ المُقدّس، ليس إلا . وليس لهم به إلا الظن.

– المَرَاضِع أم المُرضِعَات :

لطالما أثَارت الآية 112 من سورة القصص إنتباهي و تعجُّبي منذ سِنٍّ مُبكِّرة ،و ذلك قبل أن أبْدَأ دِراسَة الأصْوَات و الحُروف العَرَبِية و عِلْمَ بِنَاء الكَلِم العَربِي القُرْآني :

( ۞ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴿ ١٢ القصص﴾
( الْمَرَاضِعَ ) : الكلمة هنا واضحة لا لبس فيها، و هي تشير وبدون شك إلى ( أمْكِنةً) لا
( نِسَاءً )، و تُقصَدُ من أُناسٍ مَولُودٌ لهم ، يُعهَدُ لمن يقُومُ بها، بالمواليد الجدد، وذلك لاحتوائهم بالعناية و الرعاية اللازمة …. كون الوَالِدة الوَاضِعة، لأول مرّة، لا تملك الخبرة اللازمة لذلك، أو أن ذلك كان من عُرفٍ سَا ئِدٍ يُرسَل فيه الطِفلُ إلى جَوِّ الطَبِيعة المَفتُوح حتى يَتَأسَّس جَسَدِيِّاً هناك على المَتِين من ا لأُسُسْ.

– عن الحرف ( ر ) و عن الثُلاثي : ( رَضَعَ ) :

التَفصِيل سيكون في الجَذرِ الثُنائِي الحَرف للاشتقاق الثُلاثي ( رَضَعَ ) مُختصَراً، ثم بيَانُ الثُلاثِي بمعناه الكامل مع تقديم أمثلة أخرى مشابهة، بمشيئَة الله

و كما أشرت في أبحاثٍ سَابِقة ، فإن لكل حَرْفٍ في العَربِية وجهان معنويان، و ( ر) في الثُلاثي (رضعَ) هنا هو في وجهه السَالِب، أي غير الفاعل، وبهذا يكون هذا الحَرْفُ على تَضَادِ مع بقية الفعل أي الحَرفَين الباقيين، كونهما في حالةٍ فاعِلة، و هو بهذا، أي ( ر) يُنَكِّسُ الاشتقاق الثُلاثِي كَامِلاً.

–( ر) : يَلعَبُ حرفُ ( ر) السَالِب في ( رَضَعَ ) دَوْرَ النَكْسِ و التَقلِيص تَراجُعاً في البَسطِ التناظُرِي بين قُطبَين مُتقابلين …

يقدم هذا الحرف نفس المعنى السَالِب في الكلمات التالية :

رَدَّ …. رَجَعَ … رَمَدَ (رَمَاد) … رَكَمَ/ رَقَمَ …. رَبَصَ…رَدَعَ …. رَتَعَ…. رفَقَ، مِرفَق، رَفِيق… رَبَضَ…رَبَطَ… رَشَدَ /رَشِيد…. رَسَّ / رسَى … رَصَّ/مرصُوص … رفَثَ… ربَعَ / أربعة

( ربَعَ / أرْبَعة) : وإنما سمى هذا العدد في العربية هكذا لأن الحيوان يضم قوائمه الأمامية و الخلفية أثناء الجَري فتصبح كواحد، ثم تتفرق مرةً أخرى لكي يتقدم مسافةً إضافية.

نقول في العَامِّية الفِطرية :( تربَّع المرء) :أي ضمَّ يَديه فوق رجليه أثناء الجلوس.

- مثلٌ عملِيٌ : الثلاثي : (رَشَدَ / رَشِيد) : في الجزء الفاعل من الثلاثي هذا، أي الثُنائِي (شَدَّ ) نرى المعنى التالي :

ما خَالَف و تجَاوز بتفصِيله الحُدود الذَاتِية الدُونِية .

( أشْدُد به ا لأَزْرَ) : أي الخُرُوج بالأزر مَدَّاً و طُغيَاناً من حُدودِه الدُونِية الطبيعية.

و لو أبدلنا الحرف ( د ) فيه بحروف موازية مشتركة معه في العلاقة الرَحْمِية الصَوتية طَرْفِياً
( ت، ط ) لأصبح لدينا :

( شَتَّ < أشتات ) : وهو حال البَعث عند خُروجِه من دُونِية التُرَاب الجُزَيئِية.
( شَطَّ < شَططاً) و من مبالغته) شَطَن( : من تجَاوزَ على حُدودِ إمكَانات ذاتِه و مقَامِه و خصَائصه.
ماذا يفعل (ر) السَالِب مع اقتحامه على بداية (شَدَّ),الجزء الفاعل من الكلمة ؟

يُنَكِّسُهُ كما سبق و قلنا :

( رَشَدَ / رَشِيد ) : الذي يُعِيد ضَبطَ تجَاوزَات و مُخَالفات الهَوى و الأنَا على حُدودِ العَقْل و البَصِيرة الذاتيان إلى حُدود الأصل …

هنا نصل لبيان :

– الثلاثي : ( رَضَعَ ) : الجزء الفاعل في هذا الثلاثي، أي (ضَعَّ ) ، لا يمكن تَحسُّسُ معنَاه دون حُروف ضَمِيرية مُؤلِّفَة:

( ا، و، ي، ى )

كذلك يجب الرجوع هنا للحرف ألفا الأسَاس ل (ض)، و الذي هو : ( د) :

–(دَعَّ ) : إطلاقُ الشيء من وِعَائِية و استِيعَابية إلى المَشَاع و المُطْلَق… و من اشتقاقاته :

( دَعَا ، دُعَاء ).

( فَذَٰلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ )الماعون -2) :

اليَتِيمُ تَعرِيفاً هو من فُلِقَ عن حَالٍ يَطْوِيه ويَحنُوا عليه .

و (دَعُّهُ) هو إخراجه مرةً أخرى من حالته اليَتِيمِيَة تلك و معاملته معاملة البَالغ الرَاشِد الذي يُحاسَب على كل صغيرةٍ و وكل سَقْطَة.

مع استبدال (د) ب (ض) ، يتحوَّر المعنى قليلاً كون (ض) أكثر تحديداً على من يقع عليه الفعل من ( د) :

– ضَعَّ < ( وَضَعَ ، يضعُ، وضَعَت )

( وًضَعَت ) : وَلَدَتْ و أنْجَبَتْ ب طَلْقِ الجنين، من بين يديه و خلفه، من وِعَائية استِيعَابية إلى العَالَم الخَارجِي . و نقول أيضاً :

( وِضِعَ الكِتاب ) : إخراجه من من أصل وعا ئِيته المحيطة به إلى العَلَني المُطلَقْ :
كذلك من اشتقاقاته :

–( ضَيَّعَ، يُضيِّعُ ).

الآن أصبح (رَضَعَ ) وَاضِحاً بيِّنَاً :

– ( رَضَعَ /أرضَع، يُرضِعُ ) : و يعني الانكفاء في البَسْطِ بين قُطبَين حتى الضَبطِ التام للجنين المُطْلِقَ من وِعَائِيته و بِيئَتِه الحَاضِنة، أي رَحِم الوَالِدة…

إذاً الإرْضَاعُ هو : الرِعَاية القريبة المُحدِّدة و الضابِطَة الهَامِش ل المَولُود الخَارِج لفضَاء العَالَم الجَدِيد عبر حفظه من بَأسِ نفسه وما حوله.

هي إذاً عِناية شاملة تتضمن كل الأوجُه حيث يمثل التَنظِيف و التَغذِية جُزْءَاً عَابِرَاً منها.

هنا ندرك معنى المَراضِع الحقيقي في قوله تعالى :

( ۞ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴿ ١٢ القصص﴾

حيث رُفِض الطفلُ موسى من قِبَل كل أماكن حضانة الأطفال القائمة في الريف، ولم يتعهَّده أحدُ من النساء أبداً، و لو كانت الرِضَاعة تعني سِقَايته باللَبَنِ ، لكان تُوفِّيَ بزمنٍ طويل من قبل أن تقُصُّه أُختُه و تدل آل فرعون على مَرْضَعِ والدته التي سيعيدونه إليها وهم لا يشعرون من هِي .

۞ وَ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَ إِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَ أَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لَا تَخَافِي وَ لَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ٧ القصص﴾

مزيد من الآيات عن الرضاعة :

۞ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴿ ٢ الحج﴾

– الرِضَاعَة و الحَوْلُ :

۞ وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْٰلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةٌۢ بِوَلَدِهَا وَ لَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ فَ إِنْ أَرَادَا فِصَا لًا عَن تَرَاضٍۢ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍۢ فَ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَ إِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوٓاْ أَوْٰلَدَكُمْ فَ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ ءَاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱ للَّه وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱ للَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴿ ٢٣٣ البقرة﴾

الحَولُ ليس عاماً ، مثل أن كلمة الرسول تختلف عن كلمة النبي اختلافاً جذرياً… ولن أدخل في جدال الفقهاء الذي لا ينتهي، فهم للأسف لا يجيدون غيره.

(الحَوْلُ ) هو ما يمنعُ و يحُدُّ مكانياً أو زمنياً بين شيئين في مُحِيطٍ دائِريٍ غير مكتمل. و العِبارة الأخيرة (غير مكتمل) سيدرك القارئ معناها مع انتهاء بيان الكلمة.

بالنسبة للحَولِ الزمني فهو تتابُعٌ مُتجلٍّ في عِدَّة الشُهور المحددة و المُعبَّر عنها بالدَا ئِرة غير المكتملة.. ذلك لأن الحَول كما سبق و قلنا أقل من أثني عشرة شهراً.

بالنسبة ل الحَوْلِ المكَانِي ، عندما نقول : (حَوْلَ البَيت ) فهذا يعني حدود البيت محيطياً عدى فُرْجَة بسيطة.

( حَاْلَ ، حِيْلَ ، يَحُولُ ) :

(.... وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ )
( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِ أَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِۚنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكٍّۢ مُّرِيبٍ ()سبأ - 54

( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱ لْأَعْرَابِ مُٰنَفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍۢ ( التوبة 101

– تحديد مُدَّة الحَول بالنص القرآني القاطع :

قال تعالى :

( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَ إِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَۗ اللَّه عَُزِيزٌ حَكِيمٌ )البقرة - 240

طبعاً هذه الآية أشكلت على المفسرين، كالعادة، فقالوا بأنها ناسخة أي مُبطلة لآية سابِقة في نفس السورة:

( وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا يَتَرَبَّصْنَ بِ أَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ وَعَشْرًا فَ إِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِىٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَۗٱ للَّه بُِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ()البقرة - 234

و منهم من حاول التوفيق بين الآيتين بالقول بزيادة حَوْلٍ /عامً كامل عن الأربعة أشهر وعشرة أيام.

– البيَان :

لم يذكُر الله تبارك و تعالى أن (وَعَشْرًا) تعني = 10 أيام، على الاطلاق…وبتركيزٍ بسيط على الآيَتَين ندرك التالي :

أن الترَبُّص في قوله تعالى، آية 234 ( يَتَرَبَّصْنَ بِ أَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ وَعَشْرًا ) : تَرَبُّصَان، لا تَرَبُّصَاً وَاحِداً. والمعنى المُرَاد هو:

يَتَربصْنَ بأنفسهن أربعة أشهر للضرورة المجتمعية، و يَتَربصْنَ فوق ذلك زِيادةً 10 أشهُر لهدفٍ آخر تظهره الآية التالية ذات الصِلَة …

، وبهذا ندرك أن قوله تعالى في الآية 240 ( مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) هو بَيَانُ مُرْجَأ للسابقة (وَعَشْرًا) في الآية 234, وبالتالي الحَولُ القرآني الزمني = عشرة أشهرٍ كاملة .

لذلك كان ختام الآيتَينِ 234 و 240 شبه متطابق :

( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِىٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ) 234 + ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ ) 240

و الذي يفيد بانتهاء الأجَلَين المُتَّصِلَين : 4 +10 متاع السكن =14 شهراً

ولقد أتَتْ الكلمة ( بِٱلْمَعْرُوفِ) مُعرَّفةً ب (ال) في الآية 234 لكونها ذكرت الترَبُصَين :4+10
بينما ذُكِرَت الكلمة نفسها مُنْكَّرةً في آية 240, (مِن مَّعْرُوفٍ) لكونها ذكرت الحَول العُشري فقط.


وبالتالي قوله تعالى :۞ وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْٰلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِۖمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ… ) ٢٣٣ البقرة﴾

يعني أن الرضاعة الطبيعية الكاملة = عشرون شهراً. وهي مُدَّةٌ كافية لنمو الطفل حتى تظهر الأنَا لديه عبر تطور وَعْيِه، لأنه يُولَد و الأنَا لديه منعدمة حيث يعتبر نفسه امتداداً لكل الموجودات حوله ومع ظهور وجه الأم المتكرر له، و الذي يقترن تدريجياً لديه بالغذاء و الابتسامة و البُكاء و الراحة و أحياناً الوجع عبر نشاطات تصيبه، تنموا و تكتمل الأنَا فيه مع استقلال نفسه، أي :

الأًنَا، عن المحيط الموجود في نهاية الرضاع .

– حَمْلُ الكَره و فِصَالُه ( ثَلَٰثُونَ شَهْرًا ) :

۞ وَوَصَّيْنَا ٱ لْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَٰنًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلَٰثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحًا تَرْضَٰىهُ وَ أَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِىٓ إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ۞)الأحقاف - 15

مُدَّةُ الحَمل الطبيعي هي 280 يوماً، أي تسعة أشهُر و تسعة عشر يوماً من السنة القمرية . و حَمْلُ الكَره هو الحَمل الذي يتجاوز موعِده المُحدد و يكون عِبْ ئَاً ثقيلاً على الحَامِل، وقد يَصِلُ حتى أُسبُوعَين إضافيين = 294 يوماً، أي ما يُقارب العشرة أشهر قمرية.

وقد يستلزم مُحرِّضات من أجل تفعيل الطَلْق، أو التَدخُل عُنْوَةً بالقيصرية … لذلك هو حَمْلٌ كَرْهٍ و وَضْعُ كَرْهٍ.

١٠ حملُ الكَره + ٢٠ حَوْلان : إرْضَاع و فِصال = ثَلَٰاثُونَ شَهْراً

– حَمْلُ الوَهْنِ و فِصَالُه :( وَفِصَٰلُهُ فِى عَامَيْنِ ) :

( وَوَصَّيْنَا ٱ لْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وۥَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍۢ وَفِصَٰلُهُ فۥِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ )لقمان - 14

حمْلُ الوَهْنِ هو نتيجة وَهَنٍ و ضَعْفٍ بُنْيَوِي في جسمِ الحَامِل أو انتِكَاسةٍ عَابِرة تعْتَرِيها فتُوهِنُها زيادةً فوق وَهْنِها، و تؤدي إلى ولادةٍ مبكِّرَة قبل الأجَل المُستَحِق بشهور، أي الوَضع في الشَهر السَابع أو السَادس… والمَولُود في هذه الحَال يكون ضَعِيفاً، ولا تكفيه عِشرُون شَهْراً حتى الفِصَال، لذلك زِيدَت أربعة أشهرٍ حتى يكتمل بُنيَانه...

– أخيراً : الرِضاعُ وعِلَّةُ التَحريم :

قال الله تعالى :

۞حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَ أَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَٰٰلَتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱ لْأَخِ وَبَنَاتُ ٱ لْأُخْتِ وَ أُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِىٓ أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَ أُمَّهَٰتُ نِسَآ ئِكُمْ وَرَٰبَٓ ئِبُكُمُ ٱلَّٰتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآ ئِكُمُ ٱلَّٰتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَ إِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَٰلَٓ ئِلُ أَبْنَآ ئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْٰلَبِكُمْ وَ أَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ
ٱلْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِۗنَّ ٱ للَّه كََانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿ ٢٣ النساء﴾

تَعرِضُ الآيات البيِّنات المُحرَّمات من النِساء على الرِجال في صيغةٍ تبدوا كأنها تذكيرٌ بِقَديمٍ فَطَرَ الله تعالى عباده عليه، قبل أن تتنزَّل الآياتُ مرةً أخرى لتعيد التأكيد عليه : ۞ حُرِّمَتْ ۞.

في البُنَى الاجتماعية البطريركية التي يَتسيَّد فيها الأب/ والِد الوالِد، العائِلة الكبرى، و التي يَضطرُّها إلى ذلك البُنية الاقتصادية القائمة على الزراعة و الرَعي التي تحتاج تضافُر عددٍ كبيرٍ من الأيدي العاملة، غالباً ما

يتزوج الأخوة ضمن سكنٍ موحَّد تُؤوِي فيه النساء الأسبق بالزواج ، المُنجِبات أولاتِ الخِبْرة ، بنين و بنات اللاتي يتزوجن بعدها…. و ربما تسقيهم من لبنها… و لا تتخفَّى تلك النِسَاء من الظهور أمام أولئك البنين حتى بعد البلوغ فهي تعاملهم كأبناء لها، كذلك يفعلون ، فهي بمثابةِ أُمِّهم الثانية…

و كثيراً ما يَأبَى الشَباب من الزواج من بنات أعمامهم حتى لو لم يكن هناك سُقْيَا لهم في الصِغَر من لبَن أُمَّهَاتهِن، فيقول: أحسَبُها ك أُختٍ لي وكذلك تتَّخِذ الكثير من البنات أبناء أعمامها كإخوةٍ لها.

هذه فِطرةٌ من الله تعالى، بلا شك… و هذا هو مبعث التحريم الذي لم يُشكِّل اللَّبنُ فيه أسَاسَاً أوَّلِياً في يومٍ من الأيام…

فالأم التي تُرضِع إبن جارتها مثلاً، تنشَأ بينها و بينه، و يشاركها في ذلك زوجها و أبناءها و بناتها، تنشأ بينهم مَوَدَّةٌ و رَحمةٌ فيصبح الصغير فرداً أصِيلاً من العائلة… حتى عندما يكبُر تَتعاظَم تلك المَودَّةُ والحميمِيَة العائِلية في قلبه ونفسه تجاههم، ويبادلونه هم أيضاً المشاعر ذاتها.

و الله تعالى أعلم
اجمالي القراءات 1118