المعنى الحقيقي للجزية في القرآن
عن مفهوم الجزية القرآني و إحياء الطَير في قصة إبراهيم

أحمد بغدادي في الأربعاء ٢٦ - أكتوبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

باسم الله الرحمن الرحيم

كان من المفترض أن يتطرق البحث إلى سؤال إبراهيم عليه السلام، الله سبحانه و تعالى ، عن كيفية إحياء الموتى ، و حقيقة ما حدث، والذي يختلف عن السرديات التراثية التفسيرية المُجانبة ل الواقع…. و نظراً لتشعُّب الإستشهادات القرآنية المرتبطة ب تفسير إحدى الكلمات الرئيسية ، كان لزاماً بيان الآية 29 أيضاً من سورة التوبة، والتي احتوت أيضاً على إشتقاق آخر لنفس الكلمة الرئيسية التي سبق الإشارة إليها.

قال الله تعالى :

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍۢ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(البقرة - 260)

في قوله تعالى كلمتان تستلزمان البيان، و لو في الحدِّ الأدنى :( فَصُرْهُنَّ ) +( جُزْءًا ) و ذلك نظراً لفساد التفسير القائم في الكلمتَين.
و بحسب التفسيرات التراثية، ف ( فَصُرْهُنَّ ) هو التوثيق الشديد، أي إحكام ربط الطير فلا تقدر على الحركة، أو الذبح و نتف الريش ، و ( جُزْءًا ) هو التقطيع و التمزيق …

و نحن هنا لن نناقش معنى( أربعة) و نحدد نوع الطير سواء كان داجناً أم غير ذلك،فما يعنينا هنا هو العِبرة من الحدث الهائل في رمزيته، و الذي طمسته سطحية فكر المفسرين، بالقول أن الطير ذبحت فعلاً، ثم خُلطت بعد تقطيعها، ثم وضعت أجزائها على قمم الجبال، وأن إبراهيم عليه السلام شاهد الأجزاء المقطعة و الريش و الدماء تعود لمواضعها، و شاهد الطير تعود للحياة ثم تنساق سعياً إليه.

أما السؤال من قبيل: أين كان إبراهيم…. طبعاً هذا تفصيل لم يذكره أحد حسب ما أعلم، لأنهم انهمكوا بتضخيم الصورة النمطية عن ذبح وتقطيع و نتف ريش، وغفلوا عن خاتمة الرد الإلهي( وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )

أما فيما يخص الآية 29 من سورة التوبة، فلن أعرض لما هو السائد من التفسير عند من يدَّعُون تمثيل الإسلام و أهله من أنها آيةْ عامة تبيح أنفُس و أموال و أراضِ الآخرين من أهل الكتاب في حربٍ شاملة حتى يدفعوا ضريبةً مالية سمُّوها " الجِزية" ، والتي تعفيهم من الخدمة في جيوش المسلمين مقابل توفير الحماية لهم ( إرتزاق يعني)...

هو إذاً صراعٌ قائم حتى يوم القيامة ما بين أهل كتاب، أو ذِمَّةٍ يعيشون ضمن دولة الإسلام " الفقهية الحَشَوِية" ، و ما بين هذه الدولة نفسها و دول أهل الكتاب المحاذية و النائِية … …. في سبيل المال، لا شيء آخر… وطبعاً الواجب على دول أهل الكتاب أن يتركوننا في شأننا و لا يغزونا أو يتآمروا علينا، سيَّما وأن هناك مَهْدِياً ينتظر في غَيَابَة الجُبِّ سَيَثِب علينا ثم عليهم و يفجر أنهاراً من الدماء ليقيم بعدها دولة العدل يُسيِّد فيها الملسمين المُستضعفين بعد قرونٍ من المذلة و المهانة :

( قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍۢ وَهُمْ صَٰغِرُونَ ) (التوبة - 29)

– الأصول اللسانية ل ( فَصُرْهُنَّ) + ( جَزْءًا [ البقرة 260] + جِزْيَة [التوبة 29] ) :

– أولاً : ( صُرْهُنَّ ) :

ينحدر هذا الإشتقاق من الجذر الثنائي الحَرف ( صَرْ )... و،بالطبع، فإن اقتِحام الأحرف الضَمِيرية المُؤلِّفة ( ا، و، ي ) قد يكون في بداية أو قلب أو نهاية الفعل، كذلك قد يتضاعف الجذر نفسه أو يتكرر أحد أحرفه وفق المعنى المُرَاد من ناطقه =

– أصرَّ، يُصرُّ، إصرَار ، صِرَّة
– صَوَّر، يُصوِّرُ، صُورَة + صُوْرٌ
– المُضاعَف : صَرْصَرْ
– المُكرَّر المُبالَغ : صَرَر + صَرِير
– إسم الموضع/ المكان : ( مِصر ) ، كما في : ( مسجد ) من ( سجد )، و( موثق ) من ( وثق ).

( صَرْ ) : إلزَامُ الشَيء ، عن يَمِينِه و شِمَاله ، ثم جعلهُ للأمَام ، سَعْياً و طلباً إلى هدفٍ ما .

قال الله تعالى : (... يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٨ الجاثية﴾

( يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا ) يمضي ملزماً ذاته على العصيان و الإستكبار و العناد، متمسكاً بمواقفه الرافضة للذكر الحكيم،و البقاء على ما هو عليه.

– ( كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ) :

( مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿١١٧ آل عمران﴾

و هي الرِيحُ التي فيها خصيصة فيزيائية إذا أتت على شيءٍ صَبغَتهُ حسب صِبْغتِهَا وغيَّرَت باطنه حتى ظاهره بنفس الدرجة من السَوِيَّة و التأثير … كريح الصقيع مثلاً، فهي تحرق الزرع و الشجرالمثمر الأخضر من داخله لخارجه تماماً كما تفعل النار في الحطب فيصبح مُكتسِيَاً بالسَواد.

– ( فِي صَرَّةٍ ) :

( فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴿٢٩ الذاريات﴾

تمر على الإنسان حالة نفسية تُملي عليه الفعل أو رد الفعل ضمن مسلكٍ محدد يحرِّض كذلك نوعيةً محددةً من الكلام في التفاعل مع آخرين . و لمعرفة تفاصيل أخرى عن " صِرَّة " زوج إبراهيم، فهناك آياتٌ أفي سورٍ أخرى تعطي مزيداً من التفصيل عن ذلك.

مزيدٌ من الآيات البيِّنات :

( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿١٣٥ آل عمران﴾

( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ ﴿٤٦ الواقعة﴾

( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ( 7 نوح﴾

– ( يُصَوِّرُكُمْ، صُورَةٍۢ ،ٱلصُّورِ ) : السائِد المفهوم عند أغلب الناس هو أن " الصُوْرَة " هي المظهر و الشكل الخارجي للإنسان، و هذا التأويل فيه شيءٌ من الصحة، لكنه ليس كل الحقيقة :

﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [ آل عمران: 6]

( فِىٓ أَىِّ صُورَةٍۢ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ ) (الإنفطار - 8)

( ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ قَرَارًا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ ) (غافر - 64)


إذاً، كما نرى ( يُصَوِّرُكُمْ، صُورَةٍۢ ،ٱلصُّورِ )، واقتحام الواو في قلب( صَرْ) لإعطاء علاقة نابعة من الذات بين معنى
( صَرْ) و المعطوف عليه هذا المعنى مُحيطيَّاً …

نضرب هنا أمثلةً لسانيةً أُخرى تنحُوا نفس المَنحى الإشتقاقي :

( فَوْرٌ ) و( فُوَرَان ) من( فَرَّ )... ( سُوْرٌ ) و( سِوَار ) من ( سَرَّ )...( كَوْرٌ ) و( تَكْوِيرٌ) من ( كَرَّ ).

( يُصَوِّرُكُمْ ) : الصُوْرَة هي خِصْلَةٌ جِذْعِية تُطبَعُ على النفس/الروح، يضعها الله سبحانه و تعالى في المَولُود، ف تَرْسُم طَبِيعَة و شَخصِية المَولُود في كل حياته التي سيحياها …

ليس المعنى هنا أن الإنسان يُولَد مسيَّراً فاقداً لإرادته…لا… على الإطلاق…

لقد اقتضَت الحكمة الإلهية أن لا يكون جميع الناس ذوي طبيعة واحدة، و إنما اقتضَت التَغَايُر و الإختلاف عن الآخر… التَغايُرالواقع ضمن الإرادة الحُرَّة للأنَا العُليَا المُسْتَحكِمة..

بدون الصُورة المركَّبة، سيكون جميع البشر نسخةً كربُونية عن بعضهم البعض. و باختلافهم تكوينياً في جوهر النفس أو الرُوح ، سيكون البشر حينها مُكمِّلين لبعضهم البعض، و ستكون مُقارباتهم الإجتماعية و النفسية و الفكرية والعلمية أفضل و نِتاجُ ثمارها أشمل.

بدون المجادلين و المُلحدين ما كان للفكر القرآني أن يتطور، ولا لهذا البحث أن يوجد. هم جزء من المعادلة الكونية.

يمكن إعطاء اختصار بسيط عن صُوَر البَشَر، وهي أربعُ صُوَر يمكن ملاحظتها في سلوك و طبع الأفراد الذين يتم التعامل معهم عن قُرب و لمدة طويلة :

1- النارية
2- التُرابية
3- الهوائية
4- المائِية

هذه الخِصَال الجِذْعِيَة الأربَع ليست أصل مادة الخلق في النفس/الروح، إنما صفاتها الناضِحَة من خصائِصها المادية المادية الرئيسية هي التي تتجلَّى في طِبَاع و سُلُوك الَمرء الذي يملك إرادة تنميتها أو وَأدِها.

–( الصُور) :

( وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ )
(الزمر - 68)

هي نواميس الطاقة و المادة و الحياة و كل قانونٍ سَارً سَيَجرِي عليه قانون الضِدّيَة عبر النَفخ، أي إلقاء كلمة الله تعالى فيها ، و لم يكن الصُور ( بُوقاً ) على الإطلاق إلا في عقول من اخترع ذلك …


–( مِصر) : هي الأرض التي تلتقي و تصيرُ إليها تفرُّعات الأنهار التي تفرَّقت من قبل.


– ثانياً : ( جَزْءًا + جِزْيَة ) المُشتقَّة من الجَذر الثنائي الحُرف ( جَزَّ ) :

– إشتقاقاته : و كما في الإشارة السابقة، والتي نعيدها هنا :

( اقتِحام الأحرف الضَمِيرية المُؤلِّفة ( ا، و، ي ) قد يكون في بداية أو قلب أو نهاية الفعل، كذلك قد يتضاعف الجذر نفسه أو يتكرر أحد أحرفه وفق المعنى المُرَاد من ناطقه ).

– ( جَزَّ ) : هو العبُور الظَاهِر بينِيَّاً لشيءً في وَسَطٍ ما ، والبَالِغُ الأجَلِ المُحدَّد له ضمنه.
لو أخذنا خَيطَاً ، و وضعناه على سطح البحر، لما احدث فرقا. لكن لو مَرَّرنا حَبْلاً غليظاً( فَسَيجُزُّ ) الماء.

اشتقاقاته :

– (جَازَى / يُجَزَّى ) و ( يُجَازِي ) و( جُزْءٌ ) و ( جَزَاء )... على وزن :

(مَرَّ … يُمارِي/ يَمِيرُ و نَمِيْرُ …مِرْيَة و مَرَّة … / مِرَاء / مَرِيء )
( دَعَّ ) ( دَعَا ) ( يدعُوا ) ( دَعِيْ / دَاعِ ) ( دُعَاء )
( جَفَّ ) ( جَافَى ) ( يُجَافِي ) ( جَفَاء )
( بغَّ ) ( بَغَى ) ( يبغِي ) ( بَاغٍ / بَغَاء /إبتِغَاء )


– ( جَاوَزَ ) و( يُجَاوِزُ ) و( جِزْيَة ) و( جَوَاز )

– التَحدِيد و الطَلَب ( تجَاوَزَ، يتَجاوَزُ )


*- ( فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) : سيدخل الجحيم و يتعمَّق فيها بما قدَّر الله سبحانه له من عذابٍ سيُحيط به من كل جانب :

( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴿٩٣ النساء﴾

*- ( وَجَاوَزْنَا…الْبَحْرَ) : أولجناهم بالقُدرة و الهيمنة خلاله رغم كل القوانين و الظروف المضادة :

( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴿١٣٨ الأعراف﴾

( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٩٠ يونس﴾

ينطبق ذلك على النهر أيضاً :

( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍۢ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّىٓ إِلَّا مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةًۢ بِيَدِهِۦ ۚ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ ۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍۢ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةًۢ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴿٢٤٩ البقرة﴾

كذلك مجمع البحرين : ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبًا ﴿٦٢ الكهف﴾

*- ( جَزَاءُ ) : ما سينتهي خلاله سَعْيُ الإنسان رهينٌ بما كسبه في الحياة الدنيا :

( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿١٩١ البقرة﴾

( أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿٨٧ آل عمران﴾
( أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿١٣٦ آل عمران﴾
( إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴿٢٩ المائدة﴾


*- ( جِزْءٌ ) :

( لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَٰبٍۢ لِّكُلِّ بَابٍۢ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ) (الحجر - 44)

هذه الآية المباركة أشغلتني، إذ أنها مُصَاغَة بطريقةٍ يعجز الفِكر عن وصفها . و الواضح أن عِبَارة ( لِّكُلِّ بَابٍۢ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) ليست حَشْوَاً َزائِداً،حَاشَى و كَلَّا.

الآية طبعاً تَصِفُ أبواب جهنَّم : مُدْخَلات زَمكَانِية أشَار لها القرآن الكريم بالرَمْزِية… وتعبِّر عن دركاتها و طبقاتها حسب مراتب المعذبين فيها.

اللافت فيها قوله تعالى ( لِّكُلِّ بَابٍۢ مِّنْهُمْ ) ، حيث أن ( مِّنْهُمْ ) في الآية الكريمة تعود على اصحاب الجحيم لا الأبواب، أما( بَابٍۢ ) فهي هنا في حالة فعلية لا إسمية : التَبوِيب = أي نَقْلُهم بين جَانِبَين مُتَناقِضَين، و المعنى هو:

( لِّكُلِّ بَابٍۢ مِّنْهُمْ ) : ( لكل من بَابَ / تَبوَّبَ منهم ، من الخارج إلى الداخل ) - - - - > ( جُزْءٌ مَّقْسُومٌ )

( جُزْءٌ ) هو المَسَار المُحدَث المُخترِق للزمكان المُفضِي إلى الجَحِيم:، و الهمزة في الكلمة تفيد العَزْلَ ، أما ( مَّقْسُومٌ ) أي مُحدَّد و مُخصَّص ل أفواج أصحاب الجحيم حسب درجات عذابهم سَيُوفَضُون . و المعنى أن لكل بابٍ مسارات متعددة.

– أخيراً : بيانُ الآيات :

- أ - ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍۢ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(البقرة - 260)

قام به إبراهيم، عليه السلام، بما أمره به الله سبحانه، وقام بِصَرِّ الطَيْر، و المعنى أنه جعلها تَتعوَّدُ عليه بجعل نفسه مركز اهتمامها، و قِبْلَة توجُّهِهَا… تَؤمُّه من أجل الغِذاء و الماء، ف تتعوَّدُ على شكله و وَجْهِه ، و تَحْفَظُ نَبْرَة صَوْتِه ، ضِمن مكانٍ مَحصُورٍ لحدٍّ ما .

لقد قام بِتَدْجِينِهَا و تَأنِيسِهَا لنفسه…

( ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍۢ مِّنْهُنَّ جُزْءًا) :

( جُزْءًا) هنا هي حَاْلٌ، أيْ أنَّ ( الجَعْلَ ) أو( الإيصَال ) ل الجبل تَمَّ عن طريق( المُجَاوزَة )، حيث قاد كُلَّاً منها عبر تَضَارِيسَ وَعِرَة أو غِطَاءٍ نَبَاتِيٍ كَثيِف …

( ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ) : نادَى إبراهيم، عليه السلام، كل طَيْرٍ من الأربعة بصِفته أو نَعْتِه… فاستجابَت الطَيرُ من فَوْرِها سَعْياً إليه.

هذا بيانٌ صعب التصديق، أليس كذلك؟

فلنقرأ قوله تعالى : ( وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلْأَرْضُ بِأَمْرِهِۦ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلْأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ) (الرّوم - 25)

قال الله سبحانه :( ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلْأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ).. هي دعوةٌ إذاً ، كل فردٍ يناديه الله تعالى، فيستجيبُ العَبْدُ خارجاً من التُراب فوراً، سَاعِياً كما سَعَت الطير إلى إبراهيم عندما ناداها.

لذلك قال الله سبحانه،. لإبراهيم ، في نهاية الآية : ( وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )

مثلٌ عملي في غاية البساطة و الوضوح، تَعْجَزُ الكلمات عن وصفه.

ب - قول الله تعالى :

( قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍۢ وَهُمْ صَٰغِرُونَ ) (التوبة - 29)

ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰاب في الآية ليسوا فِئةً أو مِلَّة محددة… هم عبَدةُ الطاغُوت… و الطاغُوت هو مِلَّةُ كل من أكره الناس الأحرَار على غير الفِطْرَة السليمة، فحرَّم الحَلال، و حلَّل الحرام، حتى و لو كان يدَّعِي الإسلام أو متهوداً أو نصرانياً أو دَهْرِياً … أُوتِيَ كتاب الله تعالى من قبل ، فأعرَض عنه…

هؤلاء تقاتلهم الفئة المؤمنة التي تقيم دولة العَدْل و المُسَاواة، و لا تُكرِهُ احداً، و لا تضطهدُ أحداً بحسب اعتقاده… تقاتلهم حتى يعطُوا الجِزْيَة، و هي مَسَارِب و طُرُق آمنة ضمن مناطق سلطاتهم، يمنحونها لمن يريد العبور و الهجرة إلى أرضٍ لا يُفتَنُ أو يُكرهُ فيها على غير ما يعتقد. يعطونها عن أيديهم، أي بحمايتهم و مرافقتهم... هي حرية عبُور الأشخاص و الأفكار و المعلومات عبر طرقٍ آمنة في قلب أراضِ الظالمين ..

و الله تعالى أعلم
اجمالي القراءات 1545