دور السعودية في تدمير العراق

د. عبد الخالق حسين في الخميس ٢٦ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

هناك ثلاث دول في منطقة الشرق الأوسط تشكل محور الشر، وهي السعودية، مفرخة الإرهاب الوهابي التكفيري، وإيران، مصدِّرة للثورة الإسلامية الشيعية والقلاقل، وسورية البعثية، حاضنة الإرهاب بمختلف أنواعه وأشكاله. وقد تم القضاء على العضو الرابع في محور الشر، ألا وهو النظام البعثي الصدامي الساقط في العراق بجهود قوات التحالف الدولي وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المؤكد أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في المنطقة إلا بتغيير أنظمة هذه الدول الثلاث أو بتغيير سياساتها. والدولة الوحيدة القادرة على تحقيق هذا الغرض الإنساني الحضاري النبيل هي أمريكا.

فدور السعودية في دعم الإرهاب ونشره في العالم بات معروفاً لدى القاصي والداني، إذ نشرتُ قبل مدة مقالة لي بهذا الخصوص بعنوان (دور السعودية في دعم الإرهاب والتطرف والتخلف). كما وبات معروفاً أيضاً أن الإرهاب الإسلامي هو نتاج العقيدة الوهابية التكفيرية المتطرفة. وتأكيداً لما نقوله، فقد نشرت مجلة ميدل ايست مونيتر-MidEast Monitor (عدد يونيو - يوليو 2007) دراسة أكاديمية موثقة ومهمة للسفير الأميريكي السابق لدى كوستريكا (كورتين وينزر) جديرة باهتمام المعنيين باستقرار المنطقة .
(يورد وينزر على لسان اليكسي اليكسيف أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط . ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 بليون دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005م واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004م.). (رابط الدراسة أدناه، باللغتين العربية والإنكليزية).

دور السعودية في تدمير العراق
إلا إننا في هذا المقال نريد التركيز على دور المملكة العربية السعودية في إشاعة الفوضى والخراب في العراق رغم ادعاءاتها بخلاف ذلك. إذ هناك أدلة مادية تؤكد إرسال السعودية الإرهابيين إلى هذا البلد والدعم المالي الكبير والمعنوي الذي تقدمه لعصابات التخريب وتحت مختلف المعاذير. ولإثبات ذلك نذكر الحقائق التالية:
1- إن عداء السعودية للعراق ليس جديداً بل له جذوره التاريخية، يرجع إلى بدايات تأسيس الدولتين، السعودية على يد الملك عبدالعزيز آل سعود، والدولة العراقية الحديثة على يد الملك فيصل الأول. إذ كان هناك عداء تاريخي بين العائلتين، أشراف مكة وأل سعود كما هو معروف. إضافة إلى ذلك فهناك عداء عقائدي مذهبي للحركة الوهابية ضد الشعب العراقي، حيث كان "الأخوان" الوهابيون البدو يشنون هجمات وحشية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على المدن العراقية مثل النجف وكربلاء وبدافع الطائفية والنهب، قتلوا الألوف من سكانها ونهبوا خزائن العتبات الشيعية المقدسة، واستمرت هذه الهجمات حتى تأسيس الدولة العراقية في أوائل القرن العشرين، ولكن القوات البريطانية آنذاك كانت تتصدى لها وتردها على أعقابها وأعطتها دروساً لا تنسى.
2- وفي عهد ثورة 14 تموز 1958، شنت السعودية، أسوة ببقية الدول العربية ودول المنطقة، حملة عدائية شديدة ضد الثورة بحجة الخطر الشيوعي. ولكن وراء الخوف من الخطر الشيوعي المعلن، كان هناك العامل الطائفي. وبهذه المناسبة من المفيد أن أقتبس مما نقله السيد مرتضى الشيخ حسين عن صديق له، في فصل من مذكراته، نشره في صحيفة الديوان قبل سنوات ثم أعاد نشره على موقع (البرلمان العراقي) في 25 أيلوا/سبتمبر عام 2004، يعطي فكرة عن مدى طائفية النظام السعودي وحقده على الشعب العراقي وثورة تموز، فيقول الأستاذ شيخ حسين ما يلي:
[ومن ذكرياتي عن العراق وقيادة عبد الكريم قاسم في فترة وجيزة ما حدثني به صديقي الدكتور عباس حلمي الحلي. وكان من قبلُ قد درس وتخرج بدرجة دكتوراه من ألمانيا في إثناء الحرب العالمية الثانية. قال: بعدما تخرجت من الدراسة اشتغلتُ في الجامعة العربية في القاهرة فتعرفت من خلال عملي على شخصيات رسمية كبيرة في الجامعة منها شخصية فيصل عبد العزيز السعود، فكانت لي معه صداقة جيدة. وبعد ذلك اشتغلت في العراق وكيلا لشركة كروب الألمانية. وبعد ثورة 14 تموز 1958 زرتُ الرياض لأشغال تتعلق بالشركة فمررت بصديقي فيصل العبد العزيز السعود في مقر وظيفته وكان رئيساً للوزراء في الرياض آنذاك . فرحب بي وقال لي لقد احضرك الله لي. انها فرصة سعيدة بانك جئت اليَّ بهذه الايام. أين تقيم الآن؟ فاجبته باني مقيم في فندق سميته له فقال لي انا اليوم مشغول جداً وارجو ان تمر بي هنا غداً صباحاً . ثم امر موظفيه بان ينقلوا شنطتي من هذا الفندق الى فندق خاص آخر على نفقتة الخاصة. وفي اليوم الثاني زرته فرحب كثيراً بي وسألني مهتماً كل الاهتمام بحكومة عبد الكريم قاسم قائلاً: هل ان عبد الكريم قاسم سنّي أم رافضي " أي شيعي " فأجبته: حسبما اعرف فان والد عبد الكريم قاسم مدفون في مقبرة سنّية وعادة الشيعة أن يدفنوا موتاهم في النجف. ولهذا يتضح لي ان عبد الكريم قاسم سنّي. فأجاب رئيس الوزراء فيصل عبد العزيز السعود: " لقد طمأنتني الآن وأرحتني لأننا نريد أن نتخذ موقفاً سياسياً إزاء العراق. لقد كنا في حيرة منها انك أوضحت لي المشكلة فاننا لا نسمح ان تكون للروافض حكومة ولن نتعامل معها. اما الآن فموقفنا واضح منها ولن نعارضها "]. انتهى.
ولكن في الحقيقة استمر السعوديون في معارضة حكومة عبدالكريم قاسم لأن قاسم كان فوق الطائفية ووضع سابقة بتخليه عن المورث التركي الطائفي في حكم العراق. الغرض من الاقتباس أعلاه، هو التأكيد على أن النظام السعودي طائفي إلى حد النخاع وفي جميع مراحله، وكما جاء على لسان الملك فيصل: (لا نسمح ان تكون للروافض حكومة ولن نتعامل معها.) وهذه السياسة طفحت على السطح مؤخراً عندما رفض الملك عبدالله بن عبدالعزيز استقبال السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الحالي بحجة أنه متعاون مع إيران!!

3- كذلك منذ ما قبل الحملة على إسقاط النظام الفاشي في العراق، صدرت عشرات الفتاوى من مشايخ الوهابية في السعودية تحرض الشباب على التطوع لمحاربة "الروافض". واستمر أئمة الوهابية في السعودية إصدار هذه الفتاوى التحريضية لتجنيد الشباب للذهاب إلى العراق وتدميره. ونحن نعلم أن السعودية هي دولة بوليسية لا يمكن أن تصدر هذه الفتاوى دون موافقة الحكومة وعلى أعلى المستويات.
4- نشرت صحيفة لوس انجليس تايمز الامريكية، مقالا للصحفي نيد باركر جاء فيه أن 45% من عدد كل المقاتلين الأجانب الذين يهاجمون القوات الأمريكية والمدنيين وأفراد قوات الأمن العراقيين هم من السعودية، بينما يشكل القادمون من سوريا ولبنان 15% و من شمال أفريقيا 10% ، وحوالي نصف الـ 135 محتجزا أجنبيا في العراق هم سعوديون. ويعتقد أن المقاتلين السعوديين قد قاموا بأغلب التفجيرات الانتحارية مقارنة بباقي الجنسيات الأخرى. وهذه هي المرة الأولى التي يدلي فيها مسئول أمريكي بتفاصيل الدور السعودي في العراق وقد طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع. ويشير المقال أيضا إلى أن 50% من المقاتلين السعوديين قد قدموا إلى العراق بغرض تفجير أنفسهم، وأنه خلال الستة أشهر الماضية قام هؤلاء بقتل وجرح 4000 عراقي. ويضيف أن هذا الوضع قد جعل الجيش الأمريكي في موقف صعب حول مقاتلة عدو ينتمي لدولة حليفة رئيسية لم تتمكن أجهزتها من منع تسرب المقاتلين الى العراق لمهاجمة القوات الأمريكية والمدنيين العراقيين والحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد.
5- نشرت صحيفة عراق الغد الإلكترونية من مصادر موثوقة "بان المملكة العربية السعودية دفعت للسيد حارث الضاري مبلغا قدره 50 مليون دولاراً غرضها تجميع الفصائل المؤيدة لتوجهاته الدينية والسياسية والدفعة الأولى كانت 13 مليون دولاراً، الأمر الذي يثير سؤالاً عن دور الحكومة السعودية في زعزعة استقرار العراق. وتواصل هذا الدور عبر مساعدة الأطراف الساعية الى تدمير العملية السياسية في العراق الديموقراطي الوليد."
6- كما ونشرت صحيفة " نهرين نت " الإلكترونية قبل أيام تقريراً جاء فيه: (رفض السفير السعودي في لندن، استلام رسالة احتجاج على الفتاوى التكفيرية الصادرة من علماء الوهابية والتي دعت إلى هدم ضريح الامام الحسين عليه السلام في كربلاء وهدم ضريح زينب عليها السلام في الشام . وقدم هذه الرسالة ممثلون عن اعتصام قامت به الجالية العراقية في لندن أمام مبنى السفارة ... وقال المشرفون على هذا الاعتصام في تصريح لـ " نهرين نت " ان هذا الاعتصام انما هو بداية لحملة إعلامية ودبلوماسية واجتماعية وثقافية ضد علماء التكفير في السعودية وفتاواهم التي سببت قتل مئات الآلاف في العراق وهدمت المراقد المقدسة التي انتهت بتفجير المرقدين الطاهرين في سامراء .

وما تقدم ما هو إلا غيض من فيض، كما يقولون. وعليه لا نأتي بجديد إذا قلنا أنه لا يمكن تحقيق أي استقرار في المنطقة ما لم يتم تغير أنظمة هذه الدول الثلاث وخاصة السعودية، أو تغيير سياساتها لتجنب شعوبها والمنطقة المزيد من الكوارث.
ـــــــــــــــــــــ

اجمالي القراءات 21183