ف 9 : المرأة فى ( الزكاة المالية ) ( 2 ) مقدار الزكاة المالية

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٩ - أكتوبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

ف 9 : المرأة فى ( الزكاة المالية ) ( 2 ) مقدار الزكاة المالية
القسم الأول من الباب الثالث : عن تشريعات المرأة التعبدية بين الاسلام والدين السنى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 9 : المرأة فى ( الزكاة المالية ) ( 2 ) مقدار الزكاة المالية
مقدار الزكاة ؟
لا زلنا نذكّر أن ما نقوله يشمل الرجل والمرأة . وعن مقدار الزكاة المالية نقصد : الصدقة والانفاق فى سبيل الله جل وعلا . ونقول :
1 ـ يلفت النظر أن رب العزة جل وعلا حدد النصاب في الميراث بالنصف والثلثين والثلث والربع والسدس والثمن، وجعل ذلك من حدود الله جل وعلا ، وحذر من يتعداها بالخلود في النار : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) النساء ) ، ويلفت النظر أيضا أن القرآن حدد نسبة النصف من الصداق للمطلقة قبل الدخول بها : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) 237) البقرة ). وفي نفس الوقت فإن التحديد الصارم لمقدار الزكاة أو الصدقة لم يأت في القرآن الكريم، والسبب أن الميراث وحقوق المطلقة من حقوق البشر التي لابد من تحديدها بالدقة منعاً للخلاف بين الناس، أما الإنفاق في سبيل الله فهو تعامل خاص بين الله سبحانه وتعالى والمؤمن ويعود نفعه على المجتمع، لذا اكتفى القرآن فيه بالضوابط دون تحديد نسبة ليتيح الفرصة للتسابق في الخير ولينمي في نفس المؤمن عوامل التقوى ومحاسبة النفس والضمير، أو أن يتمكن المؤمن من " زكاة / تزكية وتطهير نفسه" وذلك هو هدف الزكاة ومعناها.
2 ـ ثم إن المؤمن في نهاية الأمر هو الأدرى بحقيقة الدخل الذي يأتيه ، وهو أعلم من غيره من البشر بحدود إمكاناته ومدى الضروري في استهلاكه ومدى ما يستطيع الإنفاق به في سبيل الله ، ومتى ينفق ومتى يؤثر على نفسه ، ومتى يكون الوقت الأنسب والمقدار الأمثل ، إلى آخر تلك التفصيلات الدقيقة شديدة الخصوصية في أحواله المادية والعائلية والإجتماعية والتي لا يطلع عليها إلا المولى الأعظم سبحانه وتعالى . وإذا كان الانسان يستطيع أن يخدع مصلحة الضرائب ـ وأحياناً ـ ما يفعل برغم تحديد النسب الثابتة فيها ـ فإنه لايستطيع أن يخدع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والمؤمن يعلم أن ربه سبحانه وتعالى يراه ويعلم خباياه ويكافئه إذا تصدق ويعاقبه إذا بخل وأمسك. من هنا كان الأنسب هو الضوابط التقريبية لا الحدود الثابتة. يكفى قوله جل وعلا : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة )
3 ـ وجدير بالذكر أن القرآن بينما يحدد النسب الصارمة في الميراث فإنه يترك المجال مفتوحاً أمام إجتهاد المؤمن في الخير في موضوع الوصية عند الموت، فالقرآن يجعل الوصية عند الموت حقاً مكتوباً على المتقين إلا أن مقدارها ليس بنسب محددة صارمة كالميراث ، ولكن يخضع للمتعارف عليه وبتقدير الموصي نفسه مع مراقبة المحيطين به حتى لايحدث إجحاف في الوصية. هذا لأن الوصية تعامل بين الموصي وربه جل وعلا قبل أو قبيل أن يلقى ربه جل وعلا ، ولذلك فيه مجال مفتوح له للخير ، بينما تظل بقية التركة خاضعة للنسب المقررة في الميراث من النصف والربع والثمن. وبذلك دخلت الوصية في مجال تقدير شخصى شأنها شأن الصدقة، ودليلنا أن الوصية لها مستحقوها الذين أوصى الله جل وعلا بإعطائهم الصدقة، فالله سبحانه وتعالى يقول عن الصدقة الفردية : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة ) فالصدقة الفردية للوالدين والأقارب واليتامى والمساكين، ويقول تعالى عن الوصية: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ) ، فالمستحقون فى الوصية والصدقة يخضع إعطاؤهم للتقدير الشخصى وليس بنسب محددة سلفا .
4 ـ وكيف يحدد الله جل وعلا نسبة محددة للصدقة والزكاة المالية وهو:
4 / 1 : يدعو المؤمنين للتسابق في الإنفاق في سبيل الله؟. قال جل وعلا : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) آل عمران ). فهنا دعوة للتسابق والمسارعة للزكاة والصدقة في كل حال من اليسر والعسر
4 / 2 : يعد جل وعلا من ينفق فى سبيله جل وعلا ويتصدق باضعاف ما يقدمه . قال جل وعلا :
4 / 2 / 1 : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) البقرة )
4 / 2 / 2 : ( وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) سبأ )
5 ـ بل إن رب العزة جل وعلا ــ وهو الغنى عن العالمين ـ يجعل الإنفاق فى سبيله قرضا له جل وعلا ، ويعد بمضاعفة الأجر . قال جل وعلا :
5 / 1 :( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن ) .
5 / 2 : ( وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ) (20) المزمل )
5 / 3 : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة ) . تمعّن هذه الدعوة العامة للجميع فى قوله جل وعلا: ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ) . وحيث يوجد هذا الأسلوب فلا يمكن أن تتخيل وجود نسبة محددة. فالتسابق في الخير ينفي وجود النسبة الثابتة .
الحق المعلوم فى الصدقة والانفاق فى سبيل الله جل وعلا :
1 ـ وقد يُقال أن هناك حقا ( معلوما ) جاء فى قوله جل وعلا : ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) المعارج )، ونقول : هو ( حق معلوم ) للمؤمن يلتزم به بينه وبين نفسه ، مع التذكير بأن هذا من صفات المتقين ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات ).
2 ـ هذا المؤمن المتقى يعلم أن الزكاة المالية هى ( حق ) مفروض عليه ، وموكول اليه تحديد هذا الحق ومقداره ، من مال الله الذى يأتيه رزقا . ووصف الزكاة المالية ( من صدقة وإنفاق فى سبيله جل وعلا ) بأنها (حق ) جاء أيضا فى قوله جل وعلا :
2 / 1 :( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) (141) الانعام )
2 / 2 ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) (26) الاسراء)
2 / 3 ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) الروم )
بين الايثار والاعتدل فى الزكاة المالية
يوم القيامة سيكون أصحاب الحنة درجتين : السابقون المقربون ثم أصحاب اليمين .( الواقعة : 7 : 27 ، 88 : 91 ). فى عبادة الزكاة المالية فأصحاب الدرجة العليا هم الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم فقر وخصاصة . هذا ما كان عليه بعض الصحابة الأبرار من الأنصار ، قال عنهم جل وعلا : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر ).
ما عدا ذلك فهناك ضوابط فى إطار التوسط والاعتدال ، سواء فى النفقة الشخصية على النفس ومن تلزمهم نفقته من الزوجة والأولاد ، أو الانفاق فى سبيل الله جل وعلا زكاة مالية . قال جل وعلا :
1 ـ ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) الفرقان )
2 ـ ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) (29) الاسراء )
3 ـ ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ) (219) البقرة ). العفو هو الزائد بعد الانفاق الشخصى المعتدل المعقول .

اجمالي القراءات 1947