نقد خطبة إبليس بين الماضي والحاضر

رضا البطاوى البطاوى في الأحد ٠٩ - أكتوبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد خطبة إبليس بين الماضي والحاضر
الخطيب محمد صالح المنجد وعنوان الخطبة غريب فإبليس شىء من الماضى لا علاقة له بما يدور حاليا من الشرور منذ أن دخل النار بعد عصيانه لأمر السجود لآدم(ص) وطرد من الجنة
ومن يراجع آيات القرآن سيجد أن لا ذكر له فى آيات ما بعد آدم(ص) وحتى القيامة لأن الله يستعمل بدلا منه الشيطان وهو شهوات النفس وهو هوى النفس ولن يوى آية واحدة ذكر فيها تذكر صدق ظنه فى كفر الناس فى قصة أهل سبا"
"ولقد صدق عليهم إبليس ظنه "
وقد استهل الخطبة بتذكير الله والرسل(ص) للناس بعداوة الشيطان وهو ليس إبليس لأن إبليس هو أحد شياطين الإنس والجن فقال :
"فإن الله سبحانه وتعالى قد خلق الشيطان ابتلاء للعباد وأخبرنا بعداوته لنا وأمرنا بعداوته فقال: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} وأوصى الأنبياء أولادهم بذلك فقال يعقوب لولده يوسف: {إن الشيطان للإنسان عدو مبين} "
ونلاحظ أن الرجل فرق بين إبليس وغيره معتبرا إياه الشيطان الأكبر فقال:
"هذه العداوة التي بدأت منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم. وإبليس هو الشيطان، والشيطان كل عات متمرد من الإنس والجن. فأما الشيطان الأكبر وهو إبليس فإنه مشتق من أبلس إذا أيأس لأن الله أيأسه من رحمته. وهذا الشيطان الأكبر ورأس الأبالسة من الجن كما قال الله: {إلا إبليس كان من الجن}
وهؤلاء الجن قيل أنهم كانوا في الأرض قبل الإنس. وكانوا يفسدون فيها ويسفكون الدماء. ولذلك لما خلق الله آدم وأخبر الملائكة أنه سيجعله خليفة في الأرض {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} وذلك لما رأوا من إفساد سكان الأرض من قبل آدم. أو أن الله تعالى قد أطلعهم على ذلك. وقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن بني الجان لما أفسدوا في الأرض بعث الله عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور. رواه الحاكم وصححه فصار إبليس مع الجن فقيل: إن الملائكة أسرته."
وهذا الكلام خاطىء مناقض لكلام الله فأول من عصى الله أى كفر به هو إبليس بدليل أن من قلده فى عمله بعده كان من اتباعه كما قال تعالى :
"قال فاخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين"
ثم قال:
"فلما صدر الأمر للملائكة وكان إبليس يسمع هذا الأمر بالسجود لآدم سجد الملائكة إلا إبليس. تعالى وتأبى. واستكبر وعصى. ولذلك أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن هذا الإباء والعناد بأنه كفر. فقال إبليس متكبرا: {أأسجد لمن خلقت طينا} واستعمل القياس الباطل عندما قال: {خلقتني من نار وخلقته من طين} فأراد أن يتعالى بأصله، ومتى كان الأصل سببا للاستعلاء؟ لا يرفع أحدا عند الله إلا عمله. وهكذا عصى وتكبر بينما الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وكان إبليس لعنه الله لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه. فجعل إبليس يطيف به فينظر. يطيف به ينظر ما هو. فلما رآه أجوف، أي له جوف، عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك. رواه مسلم "
والخطأ أنه آدم(ص) كان وحده الأجوف أى له جوف وهو ما يخالف أن الجن لهم أجواف لأن منهم رجال كما قال تعالى :
"برجال من الجن"
والكل له أجواف كما قال تعالى :
" ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه"
ومن ثم كان الأولى أن يضل أهله الجن من قبله
ثم قال :
" قال أهل العلم: إن إبليس شغله التلبيس فأعرض عن الأمر بالسجود. وقال مفاضلا بين الأصول: خلقتني من نار وخلقته من طين. ثم اعترف ثم اعترض على الملك الحكيم فقال: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} {أنا خير منه} فامتنع وأهان نفسه وعرضها للعنة والغضب والعقاب. واستكبر إبليس وناصب آدم العداوة وكان سببا في نزول آدم وزوجه من الجنة كما أخبر الله"
والخطأ هنا أن إبليس سبب طرد الأبوين من الجن ولم يرد ذلك بلفظ إبليس وإنما ورد لفظ الشيطان وهو شيطان نفس آدم(ص) وشيطان نفس زوجته فى قوله تعالى:
"فأزلهما الشيطان عنها "
وذكر اللفظ فى الوسوسة فى قوله"فوسوس لهما الشيطان"
وتحدث عن المؤامرة وهى ليست مؤامرة لأنها تنسب الفعل لغير فاعله فقال :
" وكانت المؤامرة تدور على شجرة الخلد وملك لا يبلى. لكي ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما. فغر إبليس آدم بالخلد وهو ليس بخالد. وفتنه بهذه الشجرة التي نهاه الله عنها. وجاءه من باب الممنوع وراءه سر. إن السر هو الخلد. فلما وقع آدم (ص) فيما وقع فيه وتاب إلى الله بقي إبليس على تمرده وعدوه وقال لربه: {قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا} "
والملاحظ فى الآيات أنها لا تذكر إبليس على الإطلاق لأنه الرجل طرد من الجنة على الفور وكلام الروايات الكاذبة يحدثنا أن إبليس خدع الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فدخل الجنة فى صورة حية وهو كلام لا يقوله إلا الكفار فالله لا يخدعه أحد وإلا كان هذا اتهام له بالنقص والفعلة سبحانه وتعالى عن ذلك
وتحدث عن تعهد إبليس فقال :
" وهكذا تعهد أن يستأصل ذرية آدم بالضلال. وطلب من الله أن يمهله ويؤخره، فاستجاب الله لطلب إبليس ابتلاء واختبارا للعباد ولحكم يريدها عز وجل. فكان إبليس أطول من في الأرض عمرا. فمكث فيها من أول البشر مع آدم وسيبقى إلى قيام الساعة لا يموت حتى يأمر الله بالنفخ فيصعق ويموت مع من بقي على الأرض والدليل على أن إبليس سيبقى تأخير الله له عندما طلب من ربه فقال: {لئن أخرتن إلى يوم القيامة}
وهكذا يبقى طويلا في العمر سيئا في العمل."
والتعهد المذكور كذب محض وهل يصدق إبليس ؟
كما أنه طبقا لكلام الله ليس فى الأرض وإنما هو محبوس فى النار كما قال تعالى :
" اخرج منها مذءوما مدحورا"
والأمر بالهبوط كان لاثنين آدم(ص) وزوجته لقوله :" اهبطا منها"
وأما إبليس فكان إخراجا أو طردا ولذا سماه الله الرجيم الملعون :
"فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين"
"فاللعنة هى عذاب الله وهو موجود فيه حتى القيامة
وحدثنا عن غوايته لابنى آدم(ص) وهو كلام بلا دليل فلا يوجد فى آيات القصة لفظ إبليس فقال :
"مكث يتربص ببني آدم حتى أغوى أحدهم بقتل أخيه."
وتحدث عن أنه لم يقلح طوال عشرة قرون فى ايقاع الناس فى الشرط فقال :
" ولم يستطع أن يصل في البداية إلى إيقاع ذرية آدم في الشرك فلبث يزين لهم المعاصي عشرة قرون حتى ظفر منهم بشرك عظيم في قوم نوح. واستطاع أن يخدع أولئك القوم برجال صالحين لما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يدعون أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت"
ومع نفى المنجد لحصول الشرك عشرة قرون بين أولاد آدم(ص) ناقض نفسه فجعل الشرك يحدث بمجرد نزول آدم(ص)( الأرض حيث قال:
"وحصل الشرك لأول مرة في الأرض بعد نزول آدم إليها. وقال ابن عباس : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. رواه البخاري"
والحديث كاذب فليس بين آدم (ص) ونوح(ص) عشرة قرون وإنما قرون كثيرة جدا ثم ماذا نسمى القاتل لأخيه ؟
أليس كافرا ؟
وتحدث عن أن إبليس المسجون المعذب فى النار أغزى القرون المتتابعة فقال :
"واستمر إبليس في الإغواء بعد إهلاك قوم نوح فاجتهد في عاد وثمود. وقال تعالى: {وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين}
وجعل يغر الكفار جيلا بعد جيل. حتى صار الجيل الذي فيه محمد (ص)وقامت الحرب بينه وبين الكفار. كان الكفار يؤز الشيطان أزا. {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب} "
الآيات ليس فيها أى ذكر لإبليس ومن ثم فلا وجود لإبليس فى أرضنا والقول بوجوده فيها هو نفى تهمة الكفار عن الكفرة فإبليس لا يغوى أحد لكونه مسجون فى النار وكل ما يحدث هو أن شياطين الإنس والجن هم من يضلون ويغرون أنفسهم كما قال تعالى :
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون"
وحدثنا عن غوايته المزعومة لقريش فقال :
"وكانت قبيلة قريش بمن معها تخشى من بني كنانة. فجاءهم إبليس على صورة سيد بني كنانة لكي يقول لهم: إنا لن نغير عليكم. وهكذا شجعهم على قتال المشركين. فخرج المشركون إلى بدر. فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه. ولما رأى الملائكة عرف أنه لا تقوم للكفار قائمة. وقال حينئذ متبرئا: {إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب}. وهو كذاب أشر لا يخاف الله. وقد غر قريشا، فكان القتل فيهم فقتل من صناديدهم من قتل فقال حسان :
سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين الأمر ما ساروا
دلاهم بغرور ثم أسلمهم ... إن الخبيث لمن ولاه غرار
وجاء إبليس يوم بدر في جند من الشيطان معه رايته في جند من بني مدلج. كما قال ابن عباس . فقال للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. فلما اصطف الناس أخذ رسول الله (ص)قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين فولوا مدبرين. وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس. فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين ولى مدبرا. فقال الرجل: يا سراقة. أي الذي تمثل به إبليس. أتزعم أنك لنا جار. فقال: إني أرى ما لا ترون. إني أخاف الله والله شديد العقاب. وفي اجتماع المسلمين على العبادة والطاعة موسم عظيم لإذلال إبليس. ولذلك ما رؤي الشيطان في يوم هو أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة. وأيضا فإن الشياطين تصفد إذا دخل رمضان. ففي مواسم الطاعة والعبادة تكون الشياطين أغيظ ما تكون وأحقر ما تكون وأهون ما تكون وأضعف ما تكون. هذا الشيطان الذي يوسوس للإنسان بالكفر والشرك. {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين}"
وتلك الروايات عن مشاركة إبليس فى حروب بدر وغيرها ورؤيته فى يوم عرفة كذب لأن الرجل كان ملاكا والملائكة فصيل من الجن وكلهم لا يراهم أحد إلا يوم القيامة كما قال تعالى :
"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين"
وتحدث عن عدم رؤيته فقال:
" إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم "
مع تحفظى على تفسير الرؤية بالرؤية البصرية
ثم قال :
"وقد قيل إنها نزلت في راهب تعبد ستين سنة، وإن الشيطان أراده فأعياه. فعمد إلى امرأة فأجنها: أي تلبسها وأصابها بالجنون. ولها إخوة. فقال لإخوتها موسوسا لهم: عليكم بهذا القس يداويها. فجاؤوا بها إليه فداواها. وكانت عنده فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت فعمد إليها فقتلها بتسويل الشيطان. فجاء إخوتها فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إنك أعييتني. أنا صنعت هذا بك. فأطعني أنجك. فاسجد لي سجدة. فلما سجد له قال: إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين. فذلك قول الله: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} فتخلى عنه إبليس فصلبه إخوة المرأة."
وهذه الحكاية باطلة لا دليل عليها من الوحى
ثم حكى لنا حكاية عن الشجرة المعبودة فقال :
"ولا زال يغوي العابدين ويوسوس إليهم ويثبط الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. ومن ذلك تلك القصة المروية أن شجرة كانت تعبد من دون الله. فأراد رجل أن يقطعها تغييرا للمنكر. فقام غضبا لله تعالى فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله. قال: إذا أنت لم تعبدها فما ضرك من عبدها. قال: لأقطعنها. فقال له الشيطان: هل لك فيما هو خير من ذلك؟ لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك. قال: فمن أين لي ذلك؟ قال: أنا لك. فرجع فلم يقطعها فأصبح فوجد دينارين عند وسادته. وهكذا قطع الشيطان الدينارين يوما فغدا هذا الرجل ليقطع الشجرة فقال الشيطان: كذبت ما لك إلى ذلك سبيل. فلما أراد أن يقطعها ضرب به الأرض فخنقه. فقال: إنك جئت أول مرة غضبا لله فلم يكن لي عليك سبيل. فخدعتك بالدينارين فتركتها فلما جئت غضبا للدينارين سلطت عليك."
وهذا الحكاية لا أصل لها وهى حكاية من اخترعها إما قصد بها الرمزية وهى أن من يغضب لله ينتصر ومن يغضب لشىء من الدنيا لا ينتصر وإنما ينتصر عليه شيطانه
وتحدث عن تعهد الرجل الكاذب مرة أخرى فقال :
"وقد كان إبليس لعنه الله يحاول إغواء الصالحين من هذه الأمة بكل سبيل. يأتيهم من بين أيديهم. يشككهم في آخرتهم ويأتيهم من خلفهم فيزين لهم دنياهم. ويأتيهم عن أيمانهم فيشبه عليهم أمر دينهم ويثبطهم عن الحسنات. ويأتيهم عن شمائهم فيأمرهم بالسيئات ويحثهم عليها ويزينها في أعينهم. فهذا قول الله عن إبليس: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}. "
ثم ذكر رواية عن الأمر فقال :
"قال النبي (ص) إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام. فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك. فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك. فعصاه فهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال. فعصاه فجاهد. رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح."
والحديث خاطىء فلا يوجد طريق للٌسلام وطريق للجهاد وطريق الهجرة فالجهاد والهجرة من ضمن طريق الإسلام
وحدثنا عن ضعف كيد الشيطان فقال :
"ومع ذلك فإن كيد الشيطان ضعيف لمن استعان عليه بالله والشيطان لا يقدر على من استعاذ بالرب منه عز وجل لأنه يكون قد أوى إلى ركن شديد. وهذا الشيطان يعمل على أمر بني آدم بتغيير خلق الله {ولأضلنهم} أي عن الحق {ولأمنينهم} أي بطول العمر كي لا يتوبوا {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} قطع آذان البحيرة الذي كان يفعله المشركون {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} (أي عن الفطرة السوية فيهودان الولد أو ينصرانه أو يمجسانه. وكذلك يأمرهم بالتلاعب بخلق الله كما في النمص وغيره من الأفعال المنكرة التي يفعلها الناس بأبدانهم وشعورهم كالوشم ونحو ذلك. ويخوفهم. فقال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} (يعني يخوفكم بأوليائهم فيثبطهم عن الحق وعن سبيله. "
وتحدث عن وساوس الشيطان وهى مكائده فقال :
"عباد الله!
لا زالت مكائد الشيطان في تخذيل الناس عن الطاعات وإلقاء الشبهات في نفوسهم حتى يشككهم بربهم عز وجل. فيأتي أحدهم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا. حتى يصل في الوسوسة إلى أن يقول: من خلق الله. فإذا بلغ ذلك أحد فليستعذ بالله ولينته. {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} {يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} قال (ص): إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. فهو يدير أعوانه ويكون له مقر قيادة. وينصب عرشه على الماء ويبعث سراياه ثم يكافئ أصحاب الإنجازات. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. ثم يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. فيدنيه منه ويقول: نعم أنت."
والحديث ظاهر البطلان فلا وجود لعرش إبليس وكيف يكون عرشه على الماء والماء إذا وضع عليه شىء ثقيل غرق هو ومن عليه وأما كون التفرقة بين الرجل وزوجته اعظم الذنوب فيناقض كونها الفتنة وهى طرد الناس من بيوتهم كما قال تعالى :
" والفتنة أكبر من القتل"
ثم قال :
"عباد الله!
يوقع في الشرك. هذا إبليس مع الناس وفي البدعة وفي الكبيرة وفي الصغيرة وفي الأشغال بالمفضول عن الفاضل. والإلهاء بالمباحات. حتى إنه ينسي الإنسان العبادات. وقد اجتهد إبليس في هذا الزمان اجتهادا عظيما. وخبرته في البشر في السابق يتضح منها تفننه في فتنة أهل هذا الزمان. وأساس هذه الفتن قديم لكنه يتجدد ففتنة كشف العورات التي أرادها من الأبوين {ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما}. تحدث الآن عيانا بيانا. فتنشمر ثياب النساء وتصغر مساحات الأقمشة المستعملة فيها. ويزداد المكشوف من اللحم العاري. وهكذا في أنواع من الموضات المقرفة التي منها ظهور السرة وما تحتها واللباس الداخلي. فبأي عقل وبأي ذوق يحسن هذا؟ وهكذا لا يزال في إلباسهم أنواع الشذوذات من الملابس. ولباس الشهرة ولفت النظر. ويوقعهم في الحرام وأنواع الفواحش والمسكرات والمخدرات وأنواع السرقات والرشاوى وأكل المال بالباطل. ويتفنن في هذا.
ثم يؤلب أعداءه لتخويف المسلمين بالإرهاب تارة وبغيره أخرى. وقد قال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} يعني يخوفكم بأوليائهم فلا تخافوهم. ثم يوقد الفتن بين المسلمين في محاربة بعضهم بعضا وعداوة بعضهم لبعض كما قال (ص) في الشيطان الذي أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب أيام النبوة في آخر العهد النبوي قال: ولكن في التحريش بينهم. فلا يزال يقوم بأنواع التحريش والتباغض الذي يلقيه في قلوب العباد. ثم لما علم إبليس في هذا الزمان أن دين النبي (ص)قد حمله سلف هذه الأمة ونقله العدول عن بعضهم حتى بلغ من بلغ من هذه الطائفة المنصورة والفرقة الناجية إلى قيام الساعة عمد إبليس إلى تأليب أعوانه على أتباع السلف. فشنوا الحملات على منهج السلف الصالح طعنا في الدين وتفريقا للناس عنه وتشويها لمتبعي السلف الصالح. ومعلوم أن ما كان عليه النبي (ص)وأصحابه هو الذي ينجي لا غير. وسنة الله في الصراع بين الحق والباطل تقتضي أن يتواجه اليوم أتباع السلف الصالح مع إبليس وجنده الذين حشدهم من سيارات الباطل المختلفة سواء كانت عصبيات جاهلية قبلية جنسية، وكذلك مذاهب إلحادية وطرق فكرية منحرفة، ومنها تقديم العقل على النص الشرعي. ففتنهم بزبالات الأذهان عن متابعة ما أنزل الرحمن.
وأوقع إبليس عددا من الناس في الغلو فقاموا بتكفير المسلمين والاعتداء على الموحدين. وأوقع طائفة أخرى في المقابل من أصحاب التقصير المفرطين وظهرت الشهوات والانحرافات والمعاصي بأنواعها. وظهر أصحاب العلمنة والفكر الخبيث والذين يدعون الحداثة أو تطوير الدين بزعمهم لتطيير الدين وإزالة حكمه عن الواقع. وسعى إبليس في إقامة سوق الاختلاط بين الجنسين وتزيينه حتى رأيت صوره منتشرة واجتماعات القوم الخبيثة علنا. وهكذا يسعى في خلط هؤلاء بهؤلاء بأنه يعلم بأن اختلاط بين الجنسين هو سبيل الحرام والوقوع في الفاحشة والزنى. وأقام إبليس راياته في الجو. ففتحت هذه القنوات التي تنشر الفحشاء وألب إبليس جنوده لكي يؤزوا شياطين البشر على إغراق الشبكات بأنواع المحرمات. ففتن الأزواج والزوجات والإخوة والأخوات والأبناء والبنات، فانتشرت الموبقات وعمت المحرمات.
ثم سعى إبليس في نشر الطرق البدعية من الصوفية وغيرها وأنواع الشرك وأنواع البدعة التي صار لها اليوم قنوات فضائية تعتني بها وتنشرها ليلا ونهارا. ثم قامت اجتماعات القوم التي فيها سهر بالليل والنهار على حرب الدين في نوبات متعاقبة لا تخلو منها الأربع والعشرين ساعة في اليوم والليلة. كما قال الله: {مكر الليل والنهار}. نوبات، أربعا وعشرين ساعة. في عمل متواصل دؤوب لهدم الدين. يخططون بالليل وينفذون بالنهار. يجاهرون بأفكارهم ويشنون الحملات على الشريعة وعلى الحدود الشرعية وعلى القضاء الشرعي وعلى الإفتاء الشرعي وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونشر إبليس أنواعا من المهرجانات التي فيها الإلحاد والانحلال وكل ما يخالف الشرع في قفزات إفسادية.
وتولى كبرى المؤامرة حول حرية المرأة والحرية عموما لأن الحرية عند القوم هي الانعتاق والخروج والتخلص من ربقة الدين وأحكامه لأنهم يرونها قيودا وأنهم لا يمكن أن يهنأوا بعيش حتى يتخلصوا من هذه القيود. وسعى إبليس وأعوانه إلى رمي أصحاب التدين بالجمود والتشدد والتحجر. وسخر الأقلام للسخرية منهم فهو يوحي إلى أوليائه بأن يكتبوا المقالات وأن يدبجوا أنواعا من هذه الكلمات كي يطعنوا في عباد الله ويسخروا منهم. وهكذا تعاضدت وثنيات الشرق مع إلحاديات الغرب مع التيار العصراني المنحرف الذي يقدم العقل مع تيارات البدعة لكي تحارب أتباع السلف الصالح وتتهمهم بأنواع التهم الباطلة إقصاء لهذا المنهج الذي يتبع النبي (ص)وأصحابه."
وكل من ذكره الرجل من الذنوب ليس شيئا جديدا على البشرية فكل تلك الذنوب تم ارتكابها من قبل وأحيانا أكثر فسادا فما حدث سابقا يحدث حاليا وسيحدث مستقبلا وإبليس منه برىء لأن من ارتكبوه هم شياطين الإنس والجن ولكن القوم يرمون التهمة على رجل لا حول له ولا قوة حاليا لكونه يعذب فى النار ليل نهار حتى يوم القيامة
ثم قال :
"ومن هنا كان لا بد لأهل الإسلام وأهل الحق والتوحيد وأتباع طريق السلف الصالح ووراث طريقة محمد بن عبد الله (ص)من القيام لله بالحجة وإيضاح الحق ورفض الغربة التي يريد إبليس وأعوانه أن يطوقوهم بها. لأن الحق إذا خفي انتشر الباطل. فإذا لم يعرف الناس الحق فإلى أين يتوجهون. وإذا خفتت رايات الحق فماذا سيرى الناس وإلى أين سيتجهون؟ فكان لا بد لأعوان الحق من الجهر به والدعوة إليه والصد والرد والذب عن حياضه. صد الأعداء وذب هؤلاء الذين يريدون الاعتداء.
وكذلك فينبغي أن تنطلق ألسنتنا بذكر الله. لأنه لا أضر على إبليس من ذكر الله. وقد أخبر النبي (ص)ذلك الصحابي أنه لن يقرأ أبلغ من {قل أعوذ برب الفلق}. كما جاء في الحديث الصحيح. {قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد}. والعبد يحرز نفسه من الشيطان بذكر الله. والأحراز من الشيطان في الصباح وفي المساء التهليلات وأذكار الصلوات وكذلك إذا آوى إلى فراشه يقرأ آية الكرسي. وعند دخول البيت والخروج منه يذكر ربه فيقول الشيطان لأعوانه: لا مبيت لكم ولا عشاء. وهكذا إذا ذكره عند الخروج قال الشيطان متنحيا للشيطان الآخر الذي يسأله عن السبب يقول: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟ وذكر الله في جميع الأحوال حتى عند الجماع وعند الشهوة. وكذلك في رأس الذكر وقراءة القرآن. فتأمل كيف يدور العبد على ذكر الرب في جميع الأحوال. وسورة البقرة إذا قرئت نفر الشيطان من البيت. والأذان إذا رفع ولى الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع صوت التأذين كما ورد في الحديث الصحيح. وآخر آيتين من سورة البقرة تقيان من شره ومن السوء عموما. والاستعاذة بالله منه عند التلاوة وعند الغضب وعند الوسوسة وعند دخول المسجد وعند الأحلام المفزعة وعند الأصوات التي يحبها إبليس مثل نباح الكلب ونهيق الحمار وعند دخول الخلاء وهو الذي تجتمع فيه الشياطين وعند نزول المنزل. كل ذلك من أنواع الوقاية. وسورة الإخلاص والفلق والناس تكفي من كل شيء. وإخراج التصاوير من ذوات الأرواح والتصاليب والكلاب من البيوت هو نوع من محاربة الشيطان. ورقية الأولاد وتعويذ الأطفال وتحصينهم بذكر اسم الله تعالى وهذه المعوذات مما يقيهم من شر إبليس."
وكل ما ذكره المنجد من أمور معظمها كلامية لا يفيد فى تلك الحرب فالفائدة فى شىء واحد وهو :
طاعة أحكام الله فى القول والفعل وليست حرب الشيطان بمجرد ترديد جمل لفظية لا تغنى ولا تسمن فى تلك الحرب
اجمالي القراءات 1675