العسكر ضد أئمة التنوير : من فرج فودة الى نجيب محفوظ .!...

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٩ - سبتمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

العسكر ضد أئمة التنوير : من فرج فودة الى نجيب محفوظ .!...
العسكر ضد أئمة التنوير : من فرج فودة الى نجيب محفوظ .!...
مقدمة :
هذه رسالة أعتزّ بها لأنها تعطى ملامح مما عايشت فى مصر . وكاتب الرسالة لم يعرفنى بنفسه مكتفيا بالمعلومات التى ذكرها . وأعتقد أننى أعرفه . أنقل الرسالة ، وأعلق عليها . قال :
( د. صبحى ربما لا تتذكرنى وأنت فى بلد الحريات تمارس حريتك فى التعبير آمنا ، وربما تعرفنى إذا تذكرت لقائى معك عدة مرات فى مكتب د فرج فودة ، وفى ندوة الجمعة الاسبوعية التى كان نجيب محفوظ يعقدها فى كازينو على النيل ، وكان من نجوم الحاضرين فرج فودة وعلى سالم ، وأنت طبعا ، وأنا كنت شابا اواظب على الحضور منبهر بما أسمع . ولا زلت أذكر يوم أن سألك نجيب محفوظ عن موضوع النسخ وما ننسخ من آية ، فتكلمت بالقرآن تشرح . الذى أعجبنى أكثر وقتها طريقة تلاوتك للآيات ، تقولها ببساطة ، فكنا نفهم معناها . واذكر أن صديق لى حضر وقال متعجب : أول مرة أفهم القرآن بهذه الطريقة . وقد حضرت حفل نقابة الصحفيين فى تأبين فرج فودة ، وأذكر كلمتك فى المقارنة بين شهامة فرج فودة ودناءة شيوخ الأزهر ، وكيف ضحكنا جميعا ، مع انها مناسبة عزاء حين قلت عن أحد الشيوخ إنه لا يكذب أبدا إلا عندما يتكلم .
أهم ما أتذكر الآن هو البحث الذى نشرته فى مجلة القاهرة حين كان يراس تحريرها غالى شكرى ، وقد كلفك بعمل قراءة مضمون للحملة الصحفية التى قادتها جريدة ( عقيدتى ) الحكومية تدعو فيها نجيب محفوظ للتوبة بسبب روايته ( أولا حارتنا ). وقد رفض نجيب محفوظ هذا . أتذكر أنك بعد أن قمت بتحليل مقالات وحوارات جريدة ( عقيدتى ) أنك قلت إن هذه الحملة هو تحريض على إغتيال نجيب محفوظ ، وانك من الآن تخشى على حياته ، واستدللت بمواقف شبيهه بهذا قبل إغتيال فرج فودة . وفعلا بعد عدة أشهر تعرض نجيب محفوظ لمحاولة إغتيال ، وكان الجانى متهما بالمشاركة فى إغتيال فرج فودة وهرب خارج مصر ، ثم عاد بهدف إغتيال نجيب محفوظ . بالتأكيد كان هذا بتخطيط النظام ، خصوصا وأن محاكمة قتلة فرج فودة تحولت الى محاكمة القتيل واتهامه بالكفر ، وأتيحت الفرصة للشيخ محمد الغزالى لكى يثبت كفر فرج فودة وردته عن الاسلام ، وأن من قتل فرج فودة قد فعل ما كان يجب ان تفعله الدولة . أتذكر لك هجومك على الشيخ الغزالى جريدتى الاحرار والاهالى وكتاب حد الردة . ولعلك تذكر أننى نافشتك فيه فى مقر ( النداء الجديد ).
من عدة أِشهرشاهدت لك لقاء مع ارنست وليام عن الراحل سيد قمنى ، وقلت فيه إن إغتيال فرج فودة كان بتدبير النظام العسكرى ، وجئت بمعلومات كنت تعرفها بسبب الصلة الوثيقة التى كانت بينك وبين فرج فودة . أنا مقتنع تماما بما تقول ، وأقول إنك أنقذت نفسك من الاغتيال بلجوئك لأمريكا .
أسألك : فى حال مصر الآن هل ترى خطر الاغتيال على المفكرين الأحرار كما كان فى عهد مبارك ؟ خصوصا ومصر الآن أسوأ حالا فى انتهاك حقوق الانسان وقمع الحريات ؟ وما رأيك فى مستقبل مصر ؟)
وأقول :
أولا :
1 ـ حطّم المصريون حاجز الخوف فى ثورتهم الشعبية المجيدة ، والتى إستغلها العسكر فى الاطاحة بحسنى مبارك وإبنه الحالم بالتوريث . أتاح العسكر للإخوان أن يحكموا فى سلطة فوقية غير مؤثرة فى الدولة العميقة ، وهذا طبقا لمقولة العسكر فى التخلص من خصومهم ب ( شلوت لفوق ). العسكر أثبت عجز الاخوان وقلة خبرتهم ، واثارت الدولة العميقة غضب الناس عليهم ، واستغل العسكر هذا ليطيحوا بالاخوان .
2 ـ العقبة الكبرى تمثلت فى حاجز الخوف الذى تحطم . إستغل العسكر شجاعة المصريين فى الاطاحة بمبارك ثم بالاخوان ، وكان عليهم أن يرجعوا بالمصريين الى حظيرة الخوف .
3 ـ هذا ما قام به السيسى الذى وصل للسلطة بمباركة الشعب فاستعمل أقسى وأقصى وسائل الارهاب لإخافة الشعب من السجن والتعذيب وقطع الأرزاق . سيطر السيسى على كل المؤسسات واستخدمها فى قهر الشعب ، فتكاثرت السجون لتتسع لمن يتصورهم خصومه ، بينما تكاثرت قصوره لنفسه وأتباعه .
4 ـ نتيجة لهذا الارهاب غير المسبوق :
4 / 1 : رضى المصريون بالخضوع والخنوع ولزموا بيوتهم يعانون من الخوف والغلاء والمرض وسوء الاحوال . ولم تفلح كل دعوات التظاهر فى إقناعهم بالتظاهر . رضوا أن يموتوا موتا بطيئا مؤلما بالتقسيط جُبنا وخنوعا بدل أن يموتوا مرة واحدة قتلا وهم كرماء أعزاء .
4 / 2 : النخبة السياسية التى لمعت وقت الثورة المصرية وبعدها منهم من هاجر خوف الاعتقال أو من حكم صدر بالاعتقال ، ومنهم من سجن نفسه داخل نفسه وبيته ، ومنهم من نافق السيسى ، ومنهم من خرج من السجن يلعق حذاء العسكر ، ومنهم من لا يزال مسجونا ينادى العالم الحُرُّ باطلاق سراحه ويرفض السيسى .
4 / 3 : الوحيد الذى ظل بمصر يهاجم السيسى بكل جُرأة وقوة كان الراحل أمين المهدى . وكانت تجمعنا صداقة أساسها فرج فودة . وظل الاتصال بيننا قائما ، ونصحته بتلطيف لهجته ـ ونصحت بهذا فرج فودة قبيل إغتياله . وكما فعل فرج فودة رفض أمين المهدى ، واستمر فى هجومه على السيسى والعسكر ، من ناصر الى السيسى . لم تكن كتاباته ذائعة الصيت ، ولكن ـ وفى النهاية ـ ضاق به السيسى ذرعا ، فاعتقلوه ، أخرجوه من السجن مسموما ليموت بعد قليل .
5 ـ إستعمل السيسى الاغتيال فى التخلّص ممّن يخشاهم ، من الضباط وأعمدة الدولة العميقة . واستخدم هذا الاغتيال لارهاب أتباعه ، فانكمش من يفكر منهم فى معارضة السيسى .
6 ـ إستخدم السيسى المصريين رهائن فى خدمة سياسته الخارجية . أمريكا مثلا تطلب منه إطلاق سراح المعارضين فيساوم امريكا ليحصل على مكاسب . وضع غريب وحقير . المطلوب فى الرئيس ـ اى رئيس ـ أن يحافظ على حياة الناس . ولكن أمريكا هى التى تقلق على المصريين وتطلب من السيسى أن يكف عن سجنهم وأن يطلق المساجين منهم . يردّ السيسى بمساومة أمريكا يعتبر المصريين كروت تفاوض معهم . على حدّ علمى ـ وهو كثير ـ أن هذا لم يحدث فى تاريخ مصر ودولتها العريقة العميقة . فى تعامل الدول المتحاربة مع بعضها ، هناك صفقات تبادل الأسرى ، ولكن هل ينطبق هذا على إتخاذ السيسى المصريين الغلابة أسرى ورهائن فى تعامله مع امريكا والغرب ؟ ألا يؤكد هذا عداء السيسى للمصريين الذين أوصلوه للحكم ؟
7 ـ وصلت سياسة السيسى فى موضوع الرهائن الى الدرك الأسفل . هناك معارضون فى الخارج إستخدم السيسى أقاربهم رهائن لاسكاتهم ، يسجن أولئك الاقارب المستضعفين الذى لا ناقة لهم ولا جمل . حدث هذا مع أقاربى فى مصر . منهم من قضى حوالى عامين بسبب جريمته الكبرى والوحيدة أنه من أهلى. هناك قصص أكثر وحشية لأقارب معارضين سياسيين فى الخارج أعلى منى صوتا .
8 ـ قام مبارك بتجريف مصر اقتصاديا ، ويقوم السيسى ببيع مصر أنقاضا . سمح مبارك بهامش مع المعارضة القولية ، خنق السيسى أى معارضة قولية أو قلبية . كانت مصر مبارك محتفظة ببعض مكانتها . مصر السيسى تقزمت لتصبح فى قامة السيسى نفسه . أصبحت مصر السيسى تابعة لابن سلمان وابن زايد . ويتجسّد هذا عمليا فى إحتقار ابن سلمان للسيسى فلا يرى فيه سوى متسول محتال ، كما يتجسد هذا فى صورة السيسى بقامته الضئيلة بجانب ابن سلمان وابن زايد .
9 ـ لن نتكلم عن تهديد السيسى علنا للمصريين ( إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم ) ( لن نتركها تنفع غيرنا ) ولن نتكلم عن الفساد الذى فاق الحدود ، ولا عن الديون التى تكبل المصريين وأحفادهم ، ولا عن سرقات الآثار والمناجم ، ولن نتكلم عن الفشل فى كل شىء ، ولا عن تيران وصنافير وحقوق مصر فى النيل وغاز البحر المتوسط . نقول فقط : هل هناك خيانة أبشع من هذا ؟ . لو حكم نيتنياهو مصر فلن يفعل بمصر والمصرين واحد فى المائة مما فعله السيسى .
10 ـ عندما رشّح السيسى نفسه رئيسا أول مرة رفض أن يعلن برنامجه الانتخابى ، وإعتبره من أسرار الدولة . وهذا فتح عظيم فى دنيا السياسة . بتولى السيسى الحكم فى مصر ظهر عمليا برنامجه الانتخابي. هذا يؤكد إنه جاء بأجندة مسبقة عليه أن ينفذها .
11 ـ حكام العسكر من عبد الناصر الى السيسى لا يبلغون قلامة ظُفر لحكام مصر الحديثة من محمد على الى فاروق . داخل حكم العسكر يمكن أن تجد بعض مميزات لعبد الناصر والسادات ومبارك ، ولكن يستحيل أن تجد أى إيجابية ومزية للسيسى . تعجز معاجم ( اللغة ) عن وصفه بما يستحق .!
ثانيا :
عن مستقبل السيىسى ومصر فأراه كالآتى :
1 : موت طبيعى ، والسيسى يقترب من السبعين ، وهو فى عُمر مناسب للموت ، أو إغتيال ، وهذا وارد ، ولن يأتى من المعارضين الغلابة أمثال علاء عبد الفتاح وإسراء عبد الفتاح ، ولكن من رفاق السلاح .
2 : إنقلاب عسكرى يقوم به بعض من لا تزال فيه وطنية ونخوة من الرتب الوسطى فى الجيش ، وكان إنقلاب يولية 1952 من تلك الرُّتب الوسطى ، فخرّبوا مصر . نرجو أن يفهم الوطنيون فى الجيش المصرى أنه آن الأوان لينسحب العسكر من السياسة ، ويكفى ما ارتكبوه ــ خلال سبعين عاما ــ فى حق مصر والمصريين من تعذيب وقهر وهزائم وفشل وتخريب وخيانات .
3 : ثورة جياع تؤدى الى انقسام الجيش ، وأغلبيته جنود يعاملهم الضباط كأنهم عبيد مُسخّرون لخدمتهم ، وهذا مقابل راتب لا يكفى يوما ، ثورة الجنود الغلابة قد تؤدى الى حرب أهلية . ومن الطبيعى ألا تكون هناك قيادات لهذه الثورة ، بل شخصيات يفرزها الانفلات الأمنى . وتدخل مصر فى مرحلة من الاضطراب لا يعلم مداها إلا الله جل وعلا ، ولكن الضحايا المصريين ممكن أن يزيدوا على أمثالهم فى سوريا والعراق وليبيا والصومال واليمن والسودان .
4 ـ ولكن ــ مع هذا ــ أستبعد أن يحدث تقسيم لمصر . هى أقدم دولة مستمرة الوجود فى العالم . عبر تاريخها الطويل توسعت خارج حدودها ، واكتفت بحدودها ، واستعمرها كثيرون . فى كل هذا ، فهى كتلة واحدة ، كانت ولا تزال من عصر مينا نارمر ، ما عدا فترة حكم الهكسوس والآشيوريين الذين إحتلوا شمال مصر فقط . مصر بهذا تختلف على الدول الوليدة التى صنعها اتفاق سايكس بيكو وغيره فى الشام والعراق والخليج وشبه الجزيرة العربية .
أخيرا
1 ـ فى كل هذا فالقلب مع المستضعفين فى مصر وغيرها ، وهم الذين أفخر بالانتماء لهم ، وأخشى أن يكونوا وقود ( الفتنة الكبرى ) القادمة .
2 ـ اللهم إحفظ المستضعفين ، وانتقم من أكابر المجرمين .
اجمالي القراءات 2335