قراءة في كتاب الخلل في مجتمعنا بإصلاح مدرستنا

رضا البطاوى البطاوى في الأربعاء ٢٤ - أغسطس - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

قراءة في كتاب الخلل في مجتمعنا بإصلاح مدرستنا
المؤلف محمد بن قاسم ناصر بو حجام والبحث يدور حول الانحراف الخلقى المنتشر فى مجتمعاتنا الحالية وفى مقدمته قال :
"ضاقت الأمة من الانحراف الخلقي، ينتشر في الأوساط، ويمس مختلف الطبقات والفئات، ومجت الآذان من سماع الأخبار التي تنقل عن الإجرام والاعتداءات، يطال كثيرا من المجالات، ويشمل كثيرا من الجهات، قرفت النفوس من تلقي أخبار عن انتشار وباء الاختلاسات، دنفت القلوب من كثرة ما يصيبها من جراحات، تعبت الجسوم مما يلحقها من كلوم، سئمت الجوانح مما يثيرها ويقلقها من الفضائح، اضطربت المضاجع مما يهزها من الفواجع.
غضب أولو الأمر، وانزعج ذوو الإحساس المرهف، وقلق أصحاب الكرامة والشهامة، اندهش عامة الناس، خطب الخطباء، وكتبت الصحف، وندد المسؤولون، وتناجى المتناجون...وتخلف عن كل ذلك وشذ المتسيبون، وقعد غير المبالين، وأحجم المغفلون... وسكت المتورطون، وأخرس المتنطعون، وفرح المستهترون.
إن الأمر تفاقم ولم يعد يطاق، وبلغ السيل الزبى، ووصل الحز إلى العظم. لقد أصبحت الجزائر مهزلة بين الأمم، كثرت فيها الرشاوى، وانعدم في كثير من أبنائها الغيرة عليها. تسن الدولة قوانين لحماية المواطن من التردي، فتستغلها بعض الجهات للتعدي تقدم تسهيلات لتوفير الحياة الهنيئة، فيحولها بعض مرضى القلوب على الناس حياة شقية، يستغلونها مصيدة لاختلاس أموالهم يقدم شخص ليتولى أمر المواطنين، ويسير شؤونهم، فيستثمر المنصب لابتزاز خيرات البلاد. يوكل شخص لإنجاز عمل، فيتقاعس ويتكاسل، ليصاب اقتصاد الوطن بالشلل، فيلجأ إلى العمالة الأجنبية، بعد أن أعيتنا الحيل. تمنح الدولة الفرص لمن يساعدها في تعليم أبنائها، فتخان بتسطير برامج ومناهج، تهدم ثوابت الوطن، وتحطم مقومات الأمة. يفتح مجال الاستثمار لدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، فيتأخر ابن الوطن، ويتقدم غيره، ليأخذ مكانه، ويحتل ميدانه..."
وتحدث بو حجام عن ضرورة وجود حل فتساءل قائلا:
"ما هذه المفارقات العجيبة التي تحير اللبيب، وتثير الحليم، وتحبط إرادة المخلص؟؟؟ هل من حلول للخروج من هذا التيه؟ هل من بلسم يشفي من هذه الأدواء؟ هل من علاج يداوي هذه الجراحات؟ هل سيكتب للجزائر أن تخرج من هذه الدوامة؟ هل لها أن تسترجع ما سلب منها؟ هل لها أن تتبوأ مكانتها الحقيقية بين الأمم الكبيرة كما كانت؟"
وأجاب عن التساؤلات فقال :
"نعم إن كل ذلك ممكن جدا، بشرط أن نعرف ونعترف بأسباب الخلل والانحراف، وبعوامل التسيب والإهمال. وأن نعمل بكل جدية وصدق وأمانة على الكشف عن هذا الخلل، وأن نحرص على إزالته وزحزته عن طريق التغيير والتصحيح والتطوير."
وبين بو حجام أن الخلل كامن في عدم الاهتمام ببناء الفرد فقال :
"في تصوري، إن الخلل كامن في عدم الاهتمام ببناء الفرد الجزائري بناء يعتمد المقومات الأصيلة، ويتوخى الطرق السليمة، ويتبنى المخططات المحكمة. للمدرسة الدور الأساس والأول في هذا التكوين والبناء والإعداد فماذا قدمت مدرستنا في هذا المجال، ببرامجها ومناهجها وإدارتها ومعلميها ومربيها؟ إن مدرستنا الجزائرية مقصرة كل التقصير في موضوع البناء الروحي والنفسي لأبناء الجزائر؛ مما ورث هذا الانفلات في الأخلاق، والخلل في التربية، والعوج في المسيرة، والعطل والعطب في التنمية، والخواء في الروح...
إذا كانت البرامج والمناهج تقدم خالية من الروح التي تبني النفس قبل الجسم، تبنيها على أساس الدين، فكيف نضفر بما يجنبنا هذه الكوارث وهذا الزلازل التي تصيبنا وتنخرنا في كياننا ومجتمعاتنا وأخلاقنا؟ فالشاعر يقول:
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وأحمد شوقي يقول:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ذهبت أمتنا حين ذهبت أخلاق بنيها، ماذا قدمت مدرستنا في هذا المجال؟؟
إذا كانت لا تعلم العلم الشرعي الصحيح، ولا تهيء له فرص تجسيده في الواقع المعيش، ولا توفر لمن يتلقاه وسائل تطبيقه في حياته الدراسية، وفي مدارج دراسته وأقسامه، وأفنية مدرسته، وفضاءاتها، فمن أين له أن يعرف ويفرق بين المسموح والممنوع، الحلال والحرام، الطيب والخبيث؟"
وإجابة بو حجام عن السؤال إجابة جزئية فبناء الفرد مسئولية مؤسسات الدولة كلها وليست مسئولية المدرسة أو الجامعة وحدها فالمدرسة إن كانت تبنى فوزارة الثقافة ووزارة الإعلام ووزارة الشباب والرياضة تهدم ما تبنيه المدارس والكليات فهى لا تستضيف سوى من لا يخدمون المجتمع كلاعبى كرة القدم والراقصات والممثلين والممثلات وأيضا العلمانيين والعلمانيات ومعهم شيوخ الفساد شيوخ السلطة الذين مهمتهم إحداث النزاع والفراق بين الناس بفتاويهم خاصة في مجال الأسرة والاقتصاد وظلم الحكام وكما قال الشاعر :
متى يبلغ البنيان يوم تمامه إذا كنت تبنى وغيرك يهدم
وتحدث بو حجام عن كون المناهج لا تغرس اخلاقا حميدة ولا تعلم شيئا صحيحا فقال :
إذا كانت مناهجنا لا تعنى عناية مركزة وواعية ومحكمة بغرس روح الانتماء، وبذر خلق الحماسة، وبث عنصر التلاحم والترابط في الناشئة؛ بتعليم التاريخ الصحيح، ونشر التراث الأصيل، والتعريف بالأمجاد، فكيف يتعرف النشء على هويته، حتى يلتف حولها، ويدافع عنها؟ ويتقي في سلوكه ما لا ينسجم مع هذه الهوية؟؟"
وهو محق لأن مناهجنا هى عينها مناهج الغرب مطعمة ببعض الآيات والأحاديث ولكنها لا تختلف في مضمونها عن مناهج الدول التى كانت تحتل البلاد وتركتها في عهدة أنصارها من قادة الجيوش والسياسيين
وتحدث عن افتقاد المعلمين لروح التربية فقال :
"إذا كان المعلم يفتقد إلى الروح التي تنقله إلى صف المربي الملتزم، القدوة، الأسوة، الموجه، فكيف تنشأ البراعم، التي تتحول إلى زهور، تفوح بالشذى والعطر الزكي، فتسعد وتسعد جوارها؟ وإلى ثمار يانعة تفيد سواها؟؟ قال أحمد شوقي:
وإذا المعلم لم يكن عدلا سرى روح العدالة في الشباب ضئيلا
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة جاءت على يده البصائر حولا
انحراف المعلم خطير على العملية التعليمية، سهو المربي سهم في العملية التكوينية، فماذا عن أحوال معلمينا في مدارسنا؟ وماذا صنعوا في صنع الأجيال؟
ويقول حافظ إبراهيم:
والعلم إن لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخلاق"
بالقطع دور المعلم هام ولكن هذا الدور تقضى عليه حكومات المنطقة من خلال قلة مرتباتهم في معظمها ومن ثم تضطرهم غلى العمل في أعمال أخرى لكى يقدروا على الانفاق على أسرهم وهى تقضى عليهم من خلال ما يسمى تطوير التعليم الذى هو تجارب متكررة تتغير أسمائها ومع كونها فاشلة غلا ان سياسة الحكومات تقتضى إعادتها لكى يظل التعليم فاشلا
وتحدث عن أمر خاطىء وهو أن المدارس تحدد شخصيات الأفراد فقال:
"شخصية الفرد تحدده المدرسة التي يترعرع فيها ويدرج، وكيانه يبلوره التعليم الذي يتلقاه، وأخلاقه تنبتها التربة التي تحتضن البذور الأولى، تصرفاته توجهها التربية التي يأخذها ويلقنها في مراحل الإعداد والتكوين، الضمير الذي يسيره ويقوده، ويعين له مساره، ويصونه من الانزلاقات، توجده فيه البيئة الأولى الذي يفتح عليها عينيه. هذه المكونات والمعدات والمهيئات والحاضنات والحافطات والصائنات، لن توجد إلا في المدرسة، في الدرجة الأولى."
وهذا كلام باطل فشخصية الفرد تحددها إرادته فقط فقد يتربى على الإسلام ومع هذا يكون كافر كما قال تعالى :
"والذى قال لوالديه أف لكما أتعداننى أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين"
وقد يتربى على الكفر ومع هذا يكون مسلما كموسى (ص) الذى تربى في قصر فرعون وفى تربيته قال فرعون :
"ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنينا"
وكرر كلامه عن أن المدرسة هى اساس التربية وهو كلام خاطىء فالتربية مسئولية المجتمع كله من مؤسسة الأسرة إلى كل مؤسسة في الدولة فعندما تنحرف مؤسسة واحدة فقد انحرفت الدولة كلها وفى دور المدرسة قال :
"الشكاوي التي نبثها صباح مساء، والآهات التي نرسلها دوما في الفضاء، والغضب الذي نبديه نحو الأبناء، والأسف الذي نظهره عن ضعف الانتماء، والتذمر الذي نطلقه عن هشاشة التكوين والبناء...كلها تذهب هباء، لن نجد لها دواء، إلا في إعادة النظر قي مفهومنا للتربية والبناء، ووعي حقيقة المسؤولية، وإعطاء الأهمية للمدرسة، وشحنها بالمقومات التي هي لها أساسه، إعداد مناهج تنبع من صميم ثقافة شعبنا، وتهيئة برامج تخدم مقاصدنا ومآربنا, وتقديم رجال أكفاء، يقومون على العملية التربوية، أكفاء علميا وتربويا ونفسيا، يكونون على هذه الشاكلة مع كامل العملية التعليمة، بداية ممن يخطط السياسة العامة للبلد، مرورا بمن بيده إصدار قرارات، وإيجاد مراسيم، انتقالا إلى من يملك حق التوجيه والتعديل والتطوير، من دون الغفلة عمن يعد الكتب، ويضع المخططات، مع التركيز على من ينفذ هذه المعدات في الميدان، من إدارة المدرسة ومعلميها ومن يقوم بتطبيق اللوائح في الميدان...
هؤلاء كلهم يجب أن يكونوا مهيئين ومعدين بالمقاس، وبالمواصفات التي تعكس ثقافة الأمة، ينطلقون من مبادئها، ويسيرون نحو أهدافها، في خط مستقيم، لا اعوجاج فيه، ولا انحراف إلى السبل المتفرقة، مع إيجاد سبل التنسيق والتعاون بين المعنيين بالأمر؛ ليكون العمل محكما شاملا.
هذا العمل بهذه الطريقة، وبهذا التوجه، وبهذه النظرة، هو الذي يكفل الخروج من وحل التردي والميوعة والتشويه، ومن دوامة الانحراف والضلال والتيه، ويقي من السقوط الحر في الدرك الأسفل من الرذيلة والبوار. وهو الذي ينقذ الجزائر من الزلازل التي تزلزل أركانها، والزعازع التي تهد كيانها. من غير النهوض لإعادة صياغة المنظومة التربوية بهذه النظرة لن تجدي الحلول الأخرى."
وكرر الرجل كلامه عن دور التعليم الصحيح فقال :
"إن التعليم الصحيح هو المخول لرسم مستقبل الأمة الزاهر. فكل من يسير ويدب في هذه الأرض، ويقوم بعمل أو نشاط، مهما يكن، يكون قد مر بالمرحلة الأولى من التعليم – إلا من قل ونذر- فلا بد إذن من تطعيمه بالتعليم الصحيح؛ حتى ينشأ على الصراط السوي، ويبنى البناء القوي، فيسير في النهج القويم. فالمسؤول سيحافظ على الأمانة التي أسندت إليه، فلن يهملها، ولن يخونها. ورجل الأمن يكون محافظا على أمن البلد المادي منه والمعنوي، فلن يستغل وظيفته في ابتزاز أموال المواطنين، وقهرهم والتسلط عليهم. والعامل سيخلص في عمله، فلن يتخلى عن واجبه، ولن يغادر مكانه، قبل إتمام ما عليه من فروض وواجبات. المعلم سيتقن عمله، الطالب سيجتهد في التحصيل، المؤتمن على خيرات البلاد سيحافظ عليها ويصونها ويتقي الله فيها...
على المدرسة مهمة التأسيس للصرح الشامخ، الذي لا يتأثر بالعواصف والقواصف، والزلازل والبلابل. بالتعليم الصحيح نقضي على الآفات والمهلكات والمقلقات. هلا التفتنا مرة أخرى إلى مدرستنا؟ وصححنا مسارها؟ ثم اعتمدناها في إصلاح ما فسد في مجتمعنا؟ واستعنا بها في إزالة الغم والهم اللذين لحقا بنا، من جراء الانحرافات الكثيرة التي نخرت بيئاتنا؟"
وحكاية التعليم الصحيح هى حل جزئى لا يحل شىء فالحل هو حل شامل وهو تطبيق حكم الله وهو ما عبر الله عنه بتغيير الناس أنفسهم فقال :
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
اجمالي القراءات 1505