في الرد على أبو أنس المصري
لماذا القرآن وحده؟

شريف هادي في الأربعاء ١٨ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في الرد على أبو أنس المصري ، وأشرف عبد المقصود ، وكل من هاجمنا من أهل السنة ، نقول بعد الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين أصطفى ، ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
قال تعالى"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" البقرة 170 ، وقال تعالى"افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها" محمد 24
الشاهد من كت&Cc;اب الله أن القرآن والقرآن وحده هو الفيصل والحكم بيننا وبين الآمم السابقة كما أنه هو الفيصل و الحكم الذي يحكم به رسول الله بيننا قال تعالى"وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة 48 فكما جعل الله سبحانه وتعالى القرآن مهيمنا على الكتب السابقة ومصدقا لما فيها من حق ، فقد أمر رسوله أن أحكم بين المسلمين بما أنزل الله (القرآن) بل وفي صيغة توكيدية قال ( ولاتتبع أهوائهم عما جاءك من الحق)
وهنا يسأل سائل ويقول ، ماذا تقول في قوله تعالى " واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" آل عمران132 ، وفي آيات عديدة منها (المائدة 92 ، الانفال1 ،46 ،المجادلة 13 ، التغابن 12) ، وماذا تقول في قوله تعالى " يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا " النساء59 ، وهذه الاية تحديدا ذكرت فعل الطاعة قبل لفظ الرسول لوجوبها إستقلالا للرسول ، كما ذكرت فعل الطاعة قبل لفظ الجلالة لوجوبها استقلالا لله ، أما أولي الأمر فطاعتهم تجب إذا كانت متفقة مع طاعة الله ورسوله وعند الاختلاف نرد الامر لله ورسوله ، وهذه الايات أيات محكمة حتمية الثبوت والدلالة في طاعة الرسول إستقلالا ، وطاعته تكون فيما يقول وقول الرسول هو الحديث ، فيجب الأخذ بالحديث وهناك أحاديث للرسول تؤكد هذا المعنى وأوضحها حديث الاَريكة الذي روي عن رسول الله (ص) بطرق متعدّدة: حيث جاء في مسند أحمد، وسنن ابن ماجة، وأبي داود، والدارميّ، والبيهقيّ، وغيرها: (أنّ رسول الله قال: يوشك الرجل متّكىَ على أريكته، يحدّث بحديثي، فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدناه فيه من حلال أحللناه ومن حرام حرّمناه ، ألاَ إنّي أُوتيت الكتاب ومثله معه)
نقول لهم وبالله التوفيق إن أيات القرآن لا تفسر بمعزل عن بعضها البعض فهي ليست جزر منعزلة ولو حدث ذلك لكانت هناك نتائج مختلفة ولظن البعض أن هناك تعارض لذلك ظن بعض الجهلة وجود هذا التعارض الظاهر فقالوا (القرآن حمال أوجه) ونسبوا القول ظلما وعدوانا للإمام علي رضي الله عنه.
أولا نقر ونعترف أن طاعة الرسول واجبة ولكن يجب أن نسأل فيما تكون طاعة الرسول؟ طاعة الرسول تكون في الرسالة التي جاء بها ، سيقول أحدكم ولكن الله قال واطيعوا الله فطاعته في القرآن واجبة فلماذا كرر لفظ الرسول إن لم تكون له طاعة استقلالا في غير القرآن؟ نقول نعم تم التكرار فيما يسمى لغة عطف توكيد فعطف جملة طاعة الرسول على جملة طاعة الله لتوكيد الطاعة في القرآن هذا هو الوجه الاول والوجه الثاني تكون طاعة الرسول في قيامه بتنفيذ أوامر الله المجملة في القرآن يقول الله (اقيموا الصلاة) وهو أمر مجمل فنرى الرسول يصلي فنصلي خلفة ونطيعة في تفصيل مجمل امر العبادة على النحو الذي أداه ، إذا تكون طاعته في المنهاج ، وتعالوا نقرأ قوله تعالى" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" المائدة48
فالشرعة هنا هي النص وهو القرآن ومرده لطاعة الله رب العالمين ، والمنهاج هو الاداء تنفيذا للأمر الذي جاء في النص(الشرعة) ومرده لطاعة الرسول ، والمنهاج لا يأتينا بالاسناد والعنعنة ، ولكن يكون بالفعل كابرا عن كابر ، وفي ذلك الرد الكافي لمن سأل عن الجواب الشافي ، أبو أنس المصري وغيره (هل تصلي؟ وكيف تصلي؟ وهل تصوم؟ وتزكي؟ وتحج؟ وتؤدي الفرائض؟) غاب عن السائل أن كل هذه الاسئلة في المنهاج ،والمنهاج مرده لفعل الرسول وفعل الرسول قائم على طاعة النص المرسل الذي جاء إجمالا وفصله الفعل فتكون طاعة الرسول إستقلالا واجبة ، فالرسول يفسر نصا بالاداء ولا ينشئ نصا بالكلام ، بمعنى آخر أن النصوص (الاحاديث) المنسوبة للرسول تنشئ أحكاما جديدة فتكون (شرعة) وهذا تعدي في عمل الرسول ننزه رسول الله منه ، أما الافعال المنسوبة للرسول تفسر أحكاما في (النصوص) القرآن ، فتكون الشرعة هي النص ، والمنهاج هو الفعل ، وكلاهما واجب الطاعة ومرد النص لله (القرآن) ومرد الفعل للرسول (السنة)
ولذلك قال تعالى" محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطاه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما" الفتح 29 وهنا يوضح رب العالمين أن محمد (ص) والذين معه (أنظر إلي واو العطف) يقومون بأداء الطاعة على سبيل التساوي وذلك مثلهم في التوراة موسى والذين معه والانجيل عيسى والذين معه .
أما القرآن الكريم فهو الشرعة التي إرتضاها الله لنا وقد جاء كاملا لا يحتاج إلي زيادة أو نقصان ولا يحتاج إلي الاحاديث لتضيف فيه أحكاما لم ينزل الله بها من سلطان ، قال تعالى"ما فرطنا في الكتاب من شيء"الانعام38 ، وقال تعالى"و تمت كلمت ربك صدقا وعدلا" الأنعام : 115.
وجاء مفصلا لا يحتاج لأحد ، قال تعالى" أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا" الانعام 114 ، وقال تعالى" ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء" يوسف111 ، وقال تعالى" كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" هود1 ، وقال تعالى" ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون" الاعراف52
كما جاء الكتاب مبينا لكل شيء وبالكتاب وحده لا يبهم علينا شيء ، قال تعالى" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء و هدى ورحمة وبشرى للمسلمين" النحل 89.
وهو أحسن الحديث ولا يوجد حديث أحسن منه ، قال تعالى" الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد " الزمر23
ولا حديث بعد حديث القرآن ، فقد جاء وحده ولا شيء معه ، قال تعالى" اولم ينظروا في ملكوت السماوات والارض وما خلق الله من شيء وان عسى ان يكون قد اقترب اجلهم فباي حديث بعده يؤمنون" الاعراف185 ، وقال تعالى" فباي حديث بعده يؤمنون" المرسلات 50 وتأمل هنا السؤال الاستنكاري ، فالله يستنكر على خلقه أن يؤمنوا بأي حديث بعد القرآن ، فالقرآن ولا شيء معه.
وقال تعالى" تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق فباي حديث بعد الله واياته يؤمنون" الجاثية 6 ، وتأمل معي كيف ساوى الله بين ذاته سبحانه واياته لأنها كلامه ليس بمخلوق ولكنها منه وإليه ويكفينا في هذا قوله سبحانه وتعالى " ولو انما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم" لقمان 27 لأن كلام الله دائم غير منقطع ولا يحتاج لغيره ولا يقبل غيره تعالى الله عن كل مخلوقاته علوا كبيرا.
ثم أن القرآن تنبأ بأنه سيأتي من يتبع مصادر للتشريع غير القرآن وأعتبرهم يفعلون كفرا ، قال تعالى" كذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون . ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون" الانعام 112 ، 113 ، وقال تعالى" وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا" الاسراء 46 ، وقال تعالى " وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القران مهجورا " الفرقان 30 ، نعم ياربي لقد اتخذوا هذا القرآن مهجورا ، بل ونسبوا اليه النقص –تعاليت ربي عن هذا اللغو علوا كبيرا- واحتياجة للحديث أكثر من احتياج الحديث له ، على زعمهم يفصل مجمله وينسخ أحكامه ويكمل الناقص منها بأن ينشئ أحكاما لم يتعرض القرآن لها ، فجعلوا الحديث وصي على القرآن ، وهذا لا يجوز لأن القرآن من الله لا يحتاج لأحد ويحتاج له كل المخلوقات ، وتأمل كيف سمى الله القرآن (الحكيم) وسمى نفسه (الحكيم) ، قال تعالى " والقران الحكيم" يس2 ، وقال تعالى" تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" الزمر1 ، الجاثية2 .
ثم أن القرآن يقر أن النبي لا يمكن أن يكون مشرع مع الله أو أن ينشئ أحكاما غير التي في كتاب الله ، ولنتدبر قوله تعالى " " قل هل من شركائكم من يهدي الى الحق قل الله يهدي للحق افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون" يونس 35 ، ولنتخذ طريقنا في تدبر آيات الله مع بعضها البعض وليست في معزل عن غيرها من الايات ، فتدبر قوله تعالى " امن لا يهدي الا ان يهدى" النبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة قبل البعثة ، ولم يكن يدعوا الناس لشيء لأن الله لم يكن قد هداه بعد ، فهو عليه أفضل صلاة وأتم تسليم ، لايهدي إلا أن يهدى قال تعالى" ووجدك ضالا فهدى" الضحى ، فلم يبدأ بهداية غيره إلا بعد أن هداه الله ، وتدبر قوله تعالى" قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب" سبأ50 ، والرسول يقر أنه لا يهتدي إلا بما يوحيه اليه ربه ، وهو القرآن ، فليس له أن يشرع بما تسمونه (الحديث) ولا حديث غير كتاب الله.
وهنا نأتي لقوله تعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا" الاحزاب 36 ، وقوله تعالى " فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم" النور 63 تعالوا نأخذ بالقاعدة الاصولية التي تقول العبرة بعموم النص وليس بخصوص التنزيل ، إذا وجب علينا اتباع أمر الرسول ، فما هو أمر الرسول في جمع الحديث وكتابته ، تعالوا نعرف.
1. حدثنا سفيان بن وكيع. حدثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري. قال: استأذنّا النبي (صلّى الله عليه وآله) في الكتابة فلم يأذن لنا) والحديث موقوف على أبي سعيد.

2. عن ابن عباس وابن عمر قالا: خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، معصوباً رأسه، فرقى المنبر، فقال: ما هذه الكتب التي يبلغني أنكم تكتبونها؟! أكتاب مع كتاب الله؟ يوشك أن يغضب الله لكتابه، فيسري عليه ليلاً، فلا يترك في ورقة ولا في قلب منه حرفاً إلاَّ ذهب به. فقال بعض من حضر المجلس: فكيف يا رسول الله بالمؤمنين والمؤمنات؟! قال: من أراد الله به خيراً أبقى في قلبه لا إله إلاَّ الله. رواه الطبراني في الأوسط،
3. (... عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا قعوداً، نكتب ما نسمع من النبي (صلّى الله عليه وآله)، فخرج علينا، فقال: ما هذا الذي تكتبون، فقلنا: نسمع منك، فقال: أكتاب مع كتاب الله؟ أمحضوا كتاب الله، وأخلصوه، قال: فجمعنا ما كتبناه في صعيد واحد، ثم أحرقناه بالنار، فقال: أي رسول الله نتحدث عنك، قال: نعم، تحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، قال: قلنا: أي رسول الله، أنتحدث عن بني إسرائيل؟ قال: نعم، تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فإنكم لا تحدثون عنهم بشيء إلاَّ وقد كان فيهم أعجب منه (...). رواه أحمد،
4. وعن أبي هريرة: لا تكتبوا عني إلاَّ القرآن، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج...)

5. (أخبرنا يزيد بن هارون، أنا هشام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري (أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا تكتبوا عني شيئاً إلاَّ القرآن، فمن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه)

6. (حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا إسماعيل أنا همام بن يحيى، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً سوى القرآن فليمحه)

7. (حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا شعيب بن حرب قال: أنا همام، أنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تكتبوا عني شيئاً فمن كتب عني شيئاً فليمحه)
8. (حدثنا هداب بن خالد الأزدي، حدثنا همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أنا رسول الله قال: لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ - قال همام: أحسبه قال - متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار)
نحن هنا أمام ثمانِ (8) روايات يأمر فيها الرسول عدم كتابة إلا القرآن ، ومن كتب غير القرآن فليمحة ، قد يقول قائل بعض هذه الروايات ضعيفة ، أو موقوفة عند أبو سعيد الخدري ، نرد عليه بأن القاعدة التي وضعوها أصحاب علم الحديث أن الروايات يعضد بعضها بعضا ونحن أما ثمانِ (8) روايات ، والسؤال الذي يفرض نفسه أن المحدث أي محدث عندما يجد هذا الحديث ، مطلوب منه في الحال تنفيذ أمر الرسول وفقا لنص الاية الكريمة في سورة الاحزاب 36 ، والنور 63 وأن يمحوا ما كتب وما جمع ، مكتفيا بالقرآن.
سيقول بعضهم أن العلة في منع كتابة الحديث حتى لا يختلط بالقرآن ، مردود عليها ، بالقول لو أن المطلوب في طاعة الرسول أن تكون استقلالا وله أن ينشئ أحكام لأمر بكتابتها خشية الضياع والنسيان حتى تنعقد طاعته بتنفيذ ما جاء بها ، ولكن رفضه الكتابة يعني أن الطاعة للرسول ليس فيما يقول على نحو ما أسلفنا شرحا وتفسيرا.
ثم لو سلمنا جدلا (على غير الحقيقة) أن العلة من المنع هو الخوف من الاختلاط بالتنزيل ، فإن هذه العلة تنقضي بموت الرسول(ص) وانقطاع الوحي ، فماذا فعل أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم جميعا ، كلهم استمروا على المنع ورفض تدوين السنة ، ولنأخذ أبو بكر وعمر كمثالين.
أولا: أبو بكر
منع أبي بكر تدوين الأحاديث
أ ـ ورد عن عائشة أنَّها قالت: «جَمَع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً.
قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بَلَغك؟
فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة، هَلُمِّي الاَحاديث التي عندك ، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.
فقلت: لِمَ أحرقتها؟
قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقتُ [به]، ولم يكن كما حدّثني فأكون نقلت ذلك»
ب ـ جاء في تذكرة الحفّاظ: ومن مراسيل ابن أبي مُليكة: «أنّ الصدِّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنَّكم تحدّثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً. فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه»

ويذكّرنا قول أبي بكر في هذا السياق بحديث الاَريكة الذي روي عن رسول الله (ص) بطرق متعدّدة: حيث جاء في مسند أحمد، وسنن ابن ماجة، وأبي داود، والدارميّ، والبيهقيّ(1)، وغيرها: «أنّ رسول الله قال: يوشك الرجل متّكىَ على أريكته، يحدّث بحديثي، فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدناه فيه من حلال أحللناه ومن حرام حرّمناه ، ألاَ إنّي أُوتيت الكتاب ومثله معه (، وكأن واضع هذا الحديث من غلاة الشيعة الرافضة الذين يكرهون أبا بكر فوضع هذا الحديث ليتهم الخليفة الراشد الصديق في دينة بنص مقدس ( وحسبنا الله ونعم الوكيل)
ثانيا: عمر بن الخطاب
عن عروة، قال : ( أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن، فاستفتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ، فأشاروا عليه أن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله شهرا " ، ثم أصبح يوما " وقد عزم الله له ، فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما " كانوا قبلكم كتبوا فأكبوا عليها ، وتركوا كتاب الله ، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا " ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 206 ، كنز العمال ص 239 حديث رقم 4860
وعن القاسم بن محمد قال : ( إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب ، فأنشد الناس أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها أمر بإحراقها )
وقال كرظة بن كعب : ( لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا وقال : أتدرون لم شيعتكم ؟ قالوا : نعم ، مكرمة لنا . قال : ومع ذلك ، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم . جردوا القرآن وأخلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا شريككم )
وقال عمر لأبي هريرة الدوسي : ( لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس ) ، وقال أبو هريرة : ( لو حدثتكم بأحاديث ، ولو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة ) .
وأخرج الحاكم عن إبراهيم بن عبد الرحمن قوله : ( إن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ، ولأبي الدرداء ولأبي ذر : ما هذا الحديث عن رسول الله ؟ وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب
وكان عمر يقول للصحابة : اقلوا الرواية عن رسول الله الا في ما يعمل به ( تأمل قوله إلا فيما يعمل به) السنة العملية (المنهاج) المائدة 48
عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر: إنّ عمر بن الخطّاب بلغه أنّه قد ظهرت في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها، وقال: أيُّها الناس! إنّه قد بلغني أنّه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبُّها إلى الله أعدلها وأقومها، فلايُبقينَّ أحدٌ عنده كتاباً إلاّ أتاني به، فأرى فيه رأيي. ، قال: فظنّوا أنّه يريد أن ينظر فيها ويقوّمها على أمرٍ لا يكون فيه اختلاف، فأتَوْه بكتبهم، فأحرقها بالنار!! ثمّ قال: أُمنية كأُمنية أهل الكتاب ، وفي الطبقات الكبرى: «مثناة كمثناة أهل الكتاب».(يقصد تلمود المشنة)
تخيل لو أن الناس قامت على أمر رسول الله بمحو غير القرآن وعلى هدي الخلفاء الراشدين بعدم كتابة الحديث أو تدوينه مع الاقلال بالسرد ، هل سيكون ديننا ناقص؟ ولن تعرف الناس كيف تفسر قوله تعالى (واطيعوا الرسول)؟ أم أن ماذهبنا إليه من شرح هو الحق .
صلاحية القرآن لكل زمان ومكان
أهم ما في القرآن أنه جاء بأحكام مجملة يمكن تفسيرها في كل زمان وفي كل مكان وفقا لمعطيات وظروف الزمان والمكان ، فيكون بذلك قد تخطى حاجز الزمان وحيز المكان وهو مقصود رب العالمين ، أما إذا قرنته بالحديث وبالتفاصيل وتفاصل التفاصيل تكون بذلك قد حجزته في الزمان والمكان فرفعت عنه نطاق العمومية والتجريد – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- فعلى سبيل المثال يأمر القرآن بالتطهر من الغائط ، وهذا الامر صالح إلي أن يرث الله الارض ومن عليها ، فيأتي الحديث ويقول الاستجمار عند عدم وجود الماء فهو مرتبط بزمان ومكان معين ، لأنه لم يكن هناك غير الحجارة في الصحراء ولم يوجد مناديل ورقية (كلينكس) فهل يصبح (الكلينكس) رجس من عمل الشيطان ، أم يتجرد الدين من نطاق عموميته وتجريده فوق الزمان والمكان؟ ، أم نتنازل عن الحديث ونخترع بعض العلوم ونقول يمكن القياس للإشتراك في علة التطهر ، فيقبله البعض ويرفضه البعض ونقع في دائرة الاختلاف والفشل
ونأتي لتناقض آخر يقول أصحاب علم أصول الفقه ، أنه علم استنباط الاحكام من أدلتها الشرعية ، فإذا سألت وما هي الادلة الشرعية يقولون ( الكتاب والسنة والاجماع والقياس) وعند المالكية (عمل أهل المدينة) وقال الاحناف (بالاستحسان والمصالح المرسلة) ، فإذا سألت وما هو الحكم الشرعي ، سيقولون هو خطاب الله إلي العباد المتعلق بأفعالهم اقتضاء أو تخيير أو وضع ، والاقتضاء معناه الطلب ، فإذا كان طلب فعل كان الفعل واجب أو مندوب ، وإذا كان طلب ترك كان الفعل حرام أو مكروه ، والتخيير بين الفعل والترك هو الاباحة ، والوضع هو الحكم على الافعال بالصحة والفساد.
وهنا يظهر التناقض فكيف يكون (خطاب الله) وأدلته متعدية القرآن لتشمل السنة والاجماع والقياس والمصالح المرسلة والاستحسان وعمل أهل المدينة وكل ذلك هو (خطاب البشر) أاله مع الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، لا مصدر للتشريع غير القرآن وحده والسنة العملية هي بيان تنفيذ أحكام القرآن والتي وصلتنا بتواتر الفعل كابرا عن كابر ، كما لا يتوقف تفسير القرآن على زمن معين فلا يوجد للقرآن سقف معرفي لصلاحيته لكل زمان ومكان فيتم تفسيره وفقا لمعطيات كل زمان ومكان مع الالتزام بفهم مفرداته وهي أدواته اللغوية وفقا للغة القرآن وقت نزوله
وأخيرا لايمكن أن يدعي عاقل أن الله حفظ الحديث بإعتباره وحي ، لأن من مقتضيات الحفظ عدم الزيادة أو النقصان بين دفتي الكتاب وهو ما عليه كتاب الله القرآن الكريم ، أما كتب الحديث تحتوي بين دفتيها الصحيح والحسن والحسن على شرط الصحيح والضعيف والمنكر والموضوع ، والحقيقة أن الموضوع شرحة يطول ، وما أدراكم أن البخاري أو غيره رفض حديثا وهو صحيح أو كتب آخر وهو ضعيف ، فمهما قلتم من كلام معسول أن الله قيد رجالا يوصلون الليل بالنهار للذب عن الحديث وتنقيته ، فعملهم من قبيل المستحيلات كالغول والعنقاء والخل الوفي ، بل هو المستحيل بعينه .
أرجوا أن أكون قد وفقت من الله في الرد على استفساراتكم ، ولماذا نأخذ بالقرآن وحده؟ اتباعا لأمر الرسول من كتب عني غير القرآن فليمحه فنحن غير مطالبين بالحديث ، نقبل النقاش والتحاور ولكن على هدي من قوله تعالى " ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين " النحل 125
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، ألا هل بلغت اللهم فاشهد ، اللهم فاشهد ، اللهم فاشهد شريف هادي

اجمالي القراءات 33231