داعشية كى جى .

خالد منتصر في الأربعاء ١١ - مايو - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أن تعلم الطفل الإقصاء في طفولته منذ الحضانة فأنت تضع بذور الداعشية في تربته الفكرية والروحية ، فالفكر الإرهابي المتطرف هو إقصاء بالأفكار أولاً ثم بالسلاح ثانياً ، إقصاء ثم استئصال ، والإقصاء الديني هو أشد أنواع الاقصاءات شراسة وقسوة وتأثيراً ، هناك إقصاء منذ الحضانة ،إقصاء كي جي ، يظل يتصاعد من الابتدائي للإعدادي ..وهكذا ، الغرض الأساسي من التعليم بجانب المعرفة هو صناعة الوجدان المشترك ،المواطنة تبدأ من الحضانة ، في مصر المفروض أنك تصنع طفلاً وجدانه مصري إنساني ،ليست وظيفة المدرسة أن تدخله الجنة ولكن وظيفتها أن تدخله محراب العلم والمواطنة والابداع والابتكار وحرية تحليق الخيال ،الجنة مفتاح بابها فردي ،أما المواطنة مفتاح بابها جماعي ،يمتلك العقل الجمعي للمجتمع جميع النسخ ، عندما يخرج طفل من الفصل في حصة لأنه مختلف دينياً ،يتساءل الأطفال لماذا ؟ وأيضاً الطفل الذي خرج هو الآخر يطرح نفس السؤال ،يبدأ المعلم وللأسف من منطلق الاستعلاء الديني متحدثاً عن الفروق الدينية والعقائدية ، السن والعمر الصغير لايسمح بهذا الجدل ، سمعنا منذ فترة طويلة أن هناك منهجاً سيدرس للأطفال عن القيم الأخلاقية المشتركة والتي هي أساس كل الأديان ،لكنها لم تطبق حتى الآن ،وللأسف هناك مدرسون مازالوا يعتبرون الشحن الديني للأطفال جهاداً ، شغل عقول الأطفال بالجدل الديني وتسفيه الآخر هو باب من أبواب جهنم تعصف بالوطن ، عندما تصر مدارس مشتركة على الفصل التعسفي بين الولد والبنت في سن الخمس والست سنوات ،سن البراءة الطفولية ، يبدأ التساؤل الذي خلقته أنت كمدرسه أو نظام تعليمي أو هيئة تربوية ، سؤال خلقته أنت عمداً وقسراً وهو لم يكن في الذهن أصلاً، تتساءل البنت هل أنا خطر على الولد ؟ ويتساءل الولد هل أنا خطر على البنت إلى هذه الدرجة ؟ كذلك إجبار طفلة الحضانه والابتدائي على الحجاب في بعض المدارس التي تحمل لافتات دينية ، سلوك يزرع مفهوم الغواية في عقول أطفال المفروض أن تزرع في أذهانهم قيم الحب والتسامح والجمال والتعاون ، الطفل ذكي وسيترجم هذا السلوك بأنهم قد غطوها حماية مني ، ثم يكبر السؤال الطفولي ، الحماية من إيه ؟! أردت أنت كصاحب أو ناظر مدرسة إنطلاقاً من وهم سكن خيالك بأنك حارس الفضيلة والعفة ،أن تصلح وتربي ،فإذا بك تخرب وتثير خيالات الفتنة من حيث لاتدري ،وتكبر الطفل قبل الأوان ،وتجعل باله مشغولاً بأشياء لاتناسب سنه ، ثم يأتي منهج اللغة العربية للأطفال والذي أراه إمتداداً لهذا الاقصاء ،والبعد عن الغرض الأساسي للتعليم وهو صناعة الوجدان المشترك، يصبح الوجدان وجدانات متنافرة ،فتافيت وجدانية أدخلتها مبكراً ساحات التناحر الديني ، فالمناقشات الدينية عموماً إن لم تكن في إطار بحث علمي أكاديمي منضبط بين كبار هادئين صقلتهم السنين والخبرة، ستكون إقصائية بالضرورة،وتتحول إلى خناقات ألتراس كرة قدم ، مامعنى أن تدرس للأطفال قصة مثل قصة "عقبه بن نافع" أو غيرها فيها دم وقتل وحروب واحتلال ...الخ، مليئة بقاموس إقصائي لايستوعبه عقل طفل أو مراهق في العاشرة من عمره ،قاموس الكفرة وأعداء الله والجزية وقطع الرقاب ...الخ ، السؤال لماذا ؟ هل اختفت كل الشخصيات المصرية من أساطين العلم وعباقرة الفن ورموز الوطنية حتى نلجأ إلى قصص هي ببعض الإضافات والبهارات البسيطة تصبح داعشية بامتياز ؟ لماذا لانعلم الطفل قيمة الجهاد في الاكتشافات العلمية ؟ لماذا لانستغل الفرصة ونحكي له قصص تعاون وتكافل شخصيات مسلمة ومسيحية ذابت بينهم الفوارق الطائفية ؟ لماذا لانحكي لهم عن طفولة نجيب محفوظ ومجدي يعقوب ونيوتن وابن سينا؟ لماذا الإصرار على مثل تلك القصص الدموية في هذا السن ؟ ولماذا الإصرار على إقحام نصوص دينية إسلامية في منهج اللغة العربية ونفتح الباب لجدل ديني ديني ليس مجاله فصول الابتدائي ،ونحن في بلد دستورها مدني وتعيش فيها كل الأطياف الدينية ؟ لماذا الإصرار على مدارس دينية تدرس العلوم الدينية إلى جانب الفيزياء والكيمياء ولايلتحق بها إلا أبناء دين واحد ؟! نحن بالطبع لانقصي الدين ولانريد نفيه إطلاقاً ، ولكننا نريده زاداً روحياً لا مبارزة مدرسية ، نريده سمواً بالنفس وليس تحرشاً بالمختلف ، فالامتناع عن تحية العلم ليحل محله نشيد إسلامي في طابور الصباح هو من قبيل التحرش الديني ،ورفض عزف السلام الجمهوري لأن الموسيقى حرام تعتبر خيانة تعليمية ووطنية أيضاً ، صناعة الوجدان المشترك فريضة غائبة.
اجمالي القراءات 1650