توضيح من الدكتور أحمد لقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ.

Brahim إبراهيم Daddi دادي في الأحد ٢٤ - أبريل - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً


عزمت بسم الله،

أعزائي رواد موقع أهل القرآن سلام الله عليكم، أعيد نشر هذا المقال الذي نشر يوم 27.08.2008 ، لأن أعداء الله تعالى الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون. ( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ(45).الأعراف.) قد اقتحموا الموقع فافسدوا فيه الكثير من المقالات، لذا رأيت إعادة نشره رغم أننا على أيام معدودات من نهاية شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس. وأضيف للمقال ما يلي:
635 وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر 636 وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ثم أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان .
موطأ مالك ج 1 ص 289 قرص 1300 كتاب.



فإليكم المقال بما فيه من تعليق:
لم يبق لنا إلا أياما معدودات لندخل الشهر الذي هو خير من ألف شهر عند الله تعالى، فقد وصفه الخالق سبحانه واختاره على ألف شهر لأنه أنزل فيه آخر الرسائل متمثلة في أحسن الحديث كتابا ( القرآن العظيم)، فقد نزل به الروح الأمين على قلب آخر الأنبياء ليبلغه للعالمين، فيكون نورا وهدى للمتقين، فمن استمسك به وجاهد في تدبره وعمل بما فيه، فإنه يأتي آمنا يوم القيامة لا خوف عليه ولا يحزن، ويجد ما عمل من خير أو شر حاضرا ولا يظلم ربك أحدا.

وبالمناسبة أعود بكم إلى أمر أرى من الواجب علينا أن نعيد النظر والتدبر فيه وهو موعد الإفطار في شهر الصيام، لأن الدين الأرضي في نظري قد غير من مفهوم الآية وتصرف فيها متبعا هواه إلى تبديل الكلم عن مواضعه برواية نسبوها إلى من أنزل عليه الذكر ( محمد عليه الصلاة وأزكى السلام) وقد أمر أن يستمسك به ولا يتقول على ربه ولا يحيف عنه، فإن فعل فإن الله تعالى أنذره فقال: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. ) (44/46) الحاقة. مع شديد الأسف نجد في كتب ما يسمى ( بالصحاح) ما يلي: لا تزال أمتي بخير ما عجلوا لإفطار وأخروا السحور؟ مسند الربيع رقم 320، و البخاري رقم 1856. ونلاحظ أن بعض المؤذنين يتسابقون في تعجيل الإفطار قبل تمام غروب الشمس، فهم بذلك يخالفون حتى التوقيت الفلكي لغروب الشمس ويعتمدون على العين المجردة لنيل السبق في الآذان كأنهم في ألعاب الأولمبية!!!
بينما يقول العليم الحكيم: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). إلى أن يقول سبحانه: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187) البقرة.

وأقدم بين أيدكم هذا البحث الذي أكرمنا به شيخنا حفظه الله الدكتور أحمد صبحي منصور، ندعو الله تعالى أن يجعله من الذين آمنوا وأوتوا العلم، الذين يرفعهم درجات.

يقول الدكتور أحمد صبحي منصور:

بسم الله الرحمن الرحيم
د . أحمد صبحى منصور

ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ
أولا :
يقول جل وعلا : ( أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) ( البقرة 187 ).
نتوقف هنا مع قوله جل وعلا : (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ )

ونتساءل :
1 ـ متى يبدأ الإفطار فى يوم الصيام من رمضان ؟
إن الله جل وعلا يقول (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) فما هو تحديد وقت الليل الذى نفطر فيه يوم الصيام ؟ هل هو عند غروب الشمس ؟ أم بعد غروبها بفترة حين يحل ظلام الليل ؟
2 ـ ومتى يبدأ الصوم فى نهار رمضان ؟
هل عند أذان الفجر ؟ وما هو موضوع الإمساك قبيل الفجر ؟ وما معنى قوله تعالى (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)؟.
نعطى الإجابة المباشرة ، ثم نقوم بالتوضيح فيما بعد .
(1) : يبدأ الإفطار فى يوم صيام رمضان عند غروب الشمس ،لأنه أول الليل .
(2) :يبدأ الصيام فى يوم رمضان عند الفجر لمن يستطيع معرفة التوقيت ، وهو متاح الآن ، وعند تعذر معرفة التوقيت فيمكن التعرف عليه حين يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
(3) حكاية الإمساك هذه من مخترعات الفقه ..أى يجوز لك الأكل والشرب و غيرهما قبيل الفجر .
ثانيا :
نأتي للتوضيح :
1 ـ نضطر هنا لذكر بعض الحقائق العلمية الفلكية،وبالمناسبة فإننا نعتذر لو أخطأنا فى التعبير عن أي حقيقة علمية فى أي مقال ، وفي كل الأحوال فلا نريد سوى توجيه أنظار من يهمه الأمر إلي الآيات التى تحوي إشارات علمية ليكتبوا عنها من واقع تخصصهم العلمي. ولن نتوسع هنا فى الموضوع ،لأن الهدف الأساس لهذا المقال هو تحديد موعد الليل وموعد الفجر وفق ما جاء فى القرآن الكريم .

2 ـ من الإعجاز الكونى أن الأرض تدور حول نفسها فى نفس الوقت الذي تدور فيه حول الشمس . وذلك الدوران المزدوج ( حول نفسها وحول الشمس ) ينتج عنه تتابع الليل و النهار . والقمر يدور حول الأرض ولكنه لا يدور حول نفسه فيظل يواجه الأرض بدورانه حولها بوجه واحد أو نصف واحد بينما يظل الجانب الأخر أو النصف الأخر غير مرئي بالنسبة للأرض .
ويختلف الحال مع الأرض وعلاقتها بالشمس .
فالأرض وهي تدور حول الشمس تواجه الشمس ليس بنصف واحد كالقمر ، ولكنها تدور حول نفسها فتتسلط أشعة الشمس على الجزء من الأرض المواجه للشمس والمعرض لأشعتها ، ولأنها ـ أي الأرض ـ تدور حول نفسها بالتدريج فإن أشعة الشمس تتنقل وفق سرعة دوران الأرض حول نفسها ، أي خلال 24 ساعة يتحرك ضوء الشمس لينير نصف الأرض المواجه للشمس ،ويظل ضوء الشمس متنقلا بثبات ، وكلما تحرك أضاء منطقة من الأرض تاركا منطقة أخرى مساوية ليزحف عليها الظلام.
2 ـ وللقرآن الكريم تعبيراته الموحية التى تعبر عن هذه الحقائق الفلكية الكونية .
ونتعرض لبعضها :
*من دوران الأرض حول الشمس خلال العام تنتج الفصول الأربعة ، والاختلاف فى مقدار الليل والنهار بين الشتاء والصيف شمال وجنوب خط الاستواء. يقول تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) ( المؤمنون 80)
وكل ذلك مرتبط بخلق السماوات والأرض ، يتضح هذا من قوله تعالى :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) ( آ ل عمران 190 ).

* وعن حركة الليل خلف النهار وحركة النهار خلف الليل ، حتى يحتل احدهما مكان الأخر لتظل الأوضاع تتقلب باستمرار بينهما يأتى التعبير القرآنى بأن الله تعالى يقلّب الليل و النهار (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ) (النور 44 ).

* وفى هذه الحركة يبدو النهار وهو يطارد الليل ، ويبدو الليل وهو يسعى خلف النهار كل منهما فى أثر الآخر فى حركة لا تهدأ . والتعبير القرآنى غاية في الإبداع ، إذ يصورهما في سباق وكل منهما يسعى حثيثا فى طلب الآخر ، فالليل يسعى لكى يغطي بظلمته على ضوء النهار ، والنهار يسعي بنوره ـ بنفس السرعة ـ ليكشف ظلمات الليل : يقول جل وعلا :(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا)( الأعراف 54 )، ويقول سبحانه وتعالى:( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ)( يس 40 ).
ولأن تعاقب الليل والنهار أثر من آثار كروية الأرض فإن القرآن الكريم يعطي إشارة لمّاحة لهذا داعيا للتفكير فى قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( الرعد 3 ).
تعبير (مَدَّ الأَرْضَ) أجمل وأبلغ تعبير عن كروية الأرض. لأن الجسم الكروي ممتد إلى ما لا نهاية ، هذا لمن يعيش فى داخله وفى إطاره. تخيل لو أن نملة تسير على سطح بطيخة .. هل ستصل الى نهاية البطيخة ؟ ستظل تسير وتسير وسطح البطيخة ممتد أمامها لا ينتهي. ومن كروية الأرض جاء تعاقب الليل والنهار أثناء حركة (الكرة ) الأرضية ودورانها حول نفسها وحول الشمس.
ثم يأتى تعبير كروية الليل و النهار فى إشارة واضحة لتعاقب الليل و النهار على كوكب الأرض ، يقول تعالى : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) ( الزمر 5 ). الجديد هنا أن الآية الكريمة لا تتحدث فقط عن تكوير الليل و النهار تبعا لكروية الأرض ولكن أيضا عن النظام الكوني كله وترابطه من السماوات والأرض والشمس والقمر.

هذه الحركة المستمرة التى تجمع الزمان بالمكان ينتج عنها جزء من التداخل بين النهار والليل فى منطقة التخوم بينهما. فالنهار يزحف فى أثر الليل وهو يترك خلفه بنفس السرعة ونفس المساحة جزءا منه ليحتله الليل حيث يتحرك الليل هو الآخر خلف النهار.
وبالتالى فان هذا الزحف من النهار المتواصل والمتحرك بثبات يعنى أن يبدأ أول ضوء النهار يفجر ظلمات الليل ثم تتبعه أضواء أخرى بالتدريج إلى أن تبزغ الشمس بعد أن تكون آثار أشعتها قد أنارت لها الطريق . والفجر هنا من التفجير .ونفس المعنى فى الصبح، فأول نور للصبح قبل بزوغ الشمس يفلق ظلمات الليل فى أول ضوء ، ثم تتابع الأضواء إلى أن تبزغ الشمس لطيفة ثم تعلو وتعلو إلى أن تتوسط السماء ثم تبدأ رحلة الزوال ، إلى الغروب.
وبنفس الترتيب وبنفس السرعة وبنفس الحركة فإن لحظة غروب الشمس تعلن بداية الليل ولكن لا يعنى هذا أن تقضى مرة واحدة على ما يتبقى من أضواء الشمس الغائبة الغاربة، أي يظل الليل بعد الغروب يزحف بظلماته إلى أن تنقشع تماما أية آثار للضوء.
وبالتالى فدائما توجد منطقة تخوم متحركة بينهما هى فى بداية الليل من المغرب إلى قبيل العشاء، يتحرك فيها الليل للإجهاز على ما تبقى من أضواء الشمس. وبنفس القدر هناك منطقة تداخل فى بداية النهار ، حيث يهاجم النهار بأول شعاع يتفجر مضيئا الظلمات يفلق أول نور للصبح ، ثم تتراكم الأضواء والنهار معلنة عن قرب بزوغ الشمس نفسها.
التعبير المناسب أن الليل يتداخل فى النهار وأن النهار يتداخل في الليل فى حركة التسلل المستمرة بينهما والتى تتنقل فيها بالتدريج منطقة التداخل هذه لتشمل كل بقاع الكرة الأرضية ، ومن هنا تختلف المواقيت تبعا لخطوط الطول فى الكرة الأرضية ، ويختلف وقت الفجر وطلوع الشمس وغروبها من الصين إلى أمريكا مرورا بكل بقعة فى الكرة الأرضية.
للقرآن الكريم تعبيره المعجز فى هذه الحالة ، يقول تعالى :( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) (الحديد 6) أي يولج الله تعالى الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل ، أي يدخل أحدهما فى الآخر حين يزحف أحدهما خلف الآخر .
ويقول تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) ( الحج 61 ).
ولارتباط هذا بالنظام الكوني فإن الإشارة تأتي لذلك فى قوله جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( لقمان 29 (( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ) ( فاطر 13 ).

3 ـ وبالتالي فهناك أوقات لليل وأوقات للنهار.
نبدأ بالنهار : قبل بزوغ الشمس هناك منطقة التخوم من الفجر أو تفجر أول ضوء ، ثم تتابع الأضواء إلى بزوغ الشمس. هذه المنطقة تتبع النهار مع وجود بقايا الليل فيها ، ولكن تلك البقايا تتضاءل إلى أن تزول . ومن رحمة الله جل وعلا أن يسّر الأمر في الصيام فجعل تحديد وقته نهارا بأن يتبين المؤمن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. أي يجعل أمامه خيطين ، وحين يحدد هذا من ذاك يكون بداية الصوم ، طالما لا يعرف تحديد وقت الفجر. ومعروف طبعا أوقات النهار الأخرى بعد طلوع الشمس من الضحى والظهيرة والعصر إلى قبيل الغروب.
في الليل : يبدأ الليل بالغروب . وبعد الغروب توجد منطقة التخوم حيث لا تزال آثار نور الشمس الغاربة الغائبة باقية ، ولكنها تخفت بالتدريج ليحل محلها الليل ، حتى يتمكن الليل من نشر ظلامه فتظهر حينئذ أنوار النجوم والكواكب متألقة بعد أن كان يحجبها ضوء الشمس.

4 ـ ومن عجب أن القرآن الكريم أشار إلى أوقات الليل .
فليس هناك أروع وأبلغ وأجمل من تصوير تسلل الليل فى قدومه ثم تسلله فى هروبه من قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) يعنى يأتى متلصصا مثل العسس أو الشرطة السرية التى تأتى تتلصص ثم تعود بنفس الكيفية وهى تتلفت فى الذهاب والإياب . وللعلم فإن ( عَسْعَسَ ) من ألفاظ الأضداد فى اللغة العربية ، أي تستخدم فى وصف الحركة عند القدوم وعند الرجوع ، ولذلك يكتمل الإعجاز في فصاحة القرآن الكريم حين نفهم (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) بتشبيه رائع لحركته فى التسلل قادما ومغادرا .
ويتأكد أكثر حين نتأمل الآية التالية ونقرأهما معا ( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) ( التكوير 17 ـ 18 ). لا يستطيع بشر أن يعبر عن جمال قوله تعالى (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ )، ولكن فيما يخص موضوعنا فإن تنفس الصبح يشير إلى أن الليل إذا عسعس تنطبق على بداية الغروب عند القدوم وبداية الهروب عندما يتنفس الصبح ضوءا يزحف شيئا فشيئا مع كل زفير وشهيق للصبح .
وحركة الليل فى التسلل معسعسا مع الغروب تستمر فى نشر الظلام ، وتلك الحركة فى الظلام هي (الإسراء ) أو بالتعبير القرآنى ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر ) ( الفجر: 4 )أي سار الليل ينشر ظلماته يغطي بها البقاع ،أو بالتعبير القرآني ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ( الليل 1 ). ثم إذا أتم مهمته وطرد آخر ضوء واهن للشمس وحل الغسق أي الظلام فيقال حينئذ أن الليل قد سجى وأرخى ذيوله وأحكم ستارته السوداء على الناس والمكان والزمان ،أو بالتعبير القرآني ( وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) ( الضحى 2 ).
ونلاحظ استعمال كلمة (إذا ) وهي تفيد الحركة وتجعل الليل كائنا حيا يتحرك ويتسلل وينشر ستارته الظلماء شيئا فشيئا..إلى أن تتم الحركة بأفوله وزواله ومجيء النهار فيقول تعالى :( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ والصبح إذا أسفر) (المدثر 33 : 34 ).
كل تلك أوقات لليل .
بدايتها غروب الشمس ومجيء الليل معسعسا . وبالتالى فقوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) تعنى مبتدأ الليل حيث توجد علامة فارقة تحدد بدء الليل وهي الغروب .
وبقية الأوقات لليل هي وصف لمراحله وآنائه كقوله تعالى : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا) ( الأنعام 76) فكلمة (جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ) أي غطى الليل وأظلم ،أي تشرحها الفقرة التالية من نفس الآية وهي (رَأَى كَوْكَبًا) ، فلا يمكن أن ترى كوكبا بعينك إلا إذا استحكم الظلام .

5 ـ ومن عجب أيضا أن يشير القرآن الكريم إلى آناء الليل والنهار وأوقاتهما فى مواضع متعددة ، منها :
* إقامة الصلاة ، وليس مجرد تأديتها، أي إقامتها بالمحافظة عليها بالتقوى والعمل الصالح والابتعاد عن المعصية طيلة الأوقات التي لا ننام فيها ،أو نستيقظ فيها وهي من الفجر والصبح إلى غسق الليل أي ظلام الليل ،أي من الفجر إلى العشاء : يقول تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) ( الإسراء 78 )،( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) ( هود 114).
التسبيح : كقوله تعالى : ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى )(طه 130).
قيام الليل : ( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ) ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) ( المزمل 6 ، 20 )( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) (الزمر9).

6 ـ وفى النهاية ،فان الصيام قد ارتبط بالتيسير ومراعاة الأعذار ،لأن المهم هو مراعاة التقوى ،وهي هدف للصيام وكل العبادات . انتهى مقال الدكتور أحمد.

ولي تعقيب بسيط على توضيح الدكتور لدوران الشمس الذي قال فيه: فالأرض وهي تدور حول الشمس تواجه الشمس ليس بنصف واحد كالقمر ، ولكنها تدور حول نفسها فتتسلط أشعة الشمس على الجزء من الأرض المواجه للشمس والمعرض لأشعتها ، ولأنها ـ أي الأرض ـ تدور حول نفسها بالتدريج فإن أشعة الشمس تتنقل وفق سرعة دوران الأرض حول نفسها ، أي خلال 24 ساعة يتحرك ضوء الشمس لينير نصف الأرض المواجه للشمس ،ويظل ضوء الشمس متنقلا بثبات ، وكلما تحرك أضاء منطقة من الأرض تاركا منطقة أخرى مساوية ليزحف عليها الظلام. أهـ

ثم أنقل لكم أعزائي القراء ما جاء في ( صحيح البخاري) عن الشمس وغروبها وسجودها تحت العرش إلى أن يأذن الله تعالى لها أن تشرق من جديد، ولا ندري كيف يكون النصف الآخر من الكرة عندما تكون ساجدة تحت العرش منتظرة الإذن بالشروق!!! ؟؟؟.

فقد جاء في البخاري ما يلي:

1. 3027 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العلم.
البخاري ج 3 ص 1170 قرص 1300.

2. باب والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم 4524 حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم 4525 حدثنا الحميدي حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال ثم سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش.
البخاري ج 4 ص 1806 قرص 1300.

فهل يا شيخ عبد المهدي ويا شيوخ الأزهر تعتبر لديكم هذه الروايات المتناقضة التي فيها اختلافا كثيرا عما أنزل الله من الكتاب والحكمة؟؟؟؟
هل الرسول الذي يعلم الغيب حسب أبي ذر، فأجابه لما سأله في رواية وفي أخرى لما أخبره الرسول أن الشمس عند غروبها فإنها تذهب تسجد تحت العرش حتى يؤذن لها، أقول هل الرسول (عليه الصلاة والسلام) كان لا يعلم بدوران الأرض؟؟؟

ختاما أتوجه إلى العلي القدير أن يهدينا سبله وصراطه المستقيم ويعيننا على استقبال الشهر المفضل عن ألف شهر، بتقدير المولى تعالى لا بتقدير حسابنا، لأن يوما عند ربك كألف سنة مما نعد. وهنيئا لمن أطال الله عمره فصامه إيمانا وطاعة وتسليما لله تعالى واتبع صراطه المستقيم...
والسلام على من اتبع هدى الله.
27.08.08

شكرا لأخى ابراهيم تلك الاضافة المميزة التى قدمها لمقالى .. وهى تعبر عن التناقض الهائل بين حقائق القرآن و خرافات التراث المنسوبة كذبا للنبى محمد عليه السلام.

كما أشكر له أنه ذكّرنى باستكمال هذا المقال ،الذى بدأته منذ عام ثم جرفنى موضوع الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم فتركت (ثم اتموا الصيام الى الليل ) لأكتب سلسلة من المقالات عن الاعجاز العلمى للقرآن الكريم ، ونشرت بعضها ولم ينشر الآخر ولم يكتمل معظم الحلقات.

أدعو الله جل وعلا ان يجعل رمضان لهذا العام خيرا على عباده المؤمنين ، ونجاة لعباده المستضعفين ، ونصرة لعباده المجاهدين الجهاد الاسلامى الحقيقى.

وكل عام وانتم بخير
27.08.08


يبدأ الإفطار فى يوم صيام رمضان عند غروب الشمس ،لأنه أول الليل

شخصان يسكنان في بناية من 40 طابق بالنسبة للساكن في الدور الارضي الشمس اتمت الغروب ولكن بالنسبة لمن يسكن في الطابق الاخير الشمس لم تتكتمل الغروب بعد وكذلك الحال لمن يسكن في اعلى الجبل والسهل فيكيف يجتمع النهار والليل في نفس الزمن ونفس الافق فليس اول الليل هو ذهاب ضوء الشمس من الافق وهذه العملية تستغرق 10 دقائق وهو مايذهب اليه بعض الشيعة

وشكرا لكم مع تقديري واحترامي لكم
27.08.08

شكرا لكم أخي العزيز الدكتور أحمد على التعليق، وشكرا جزيلا لكم على التوضيح. الإشكالية التي نواجهها هي استجابة المؤذنين للرواية التي تحثهم على تعجيل الفطور، فأصبح التنافس بينهم حادا لدرجة أنهم يبدؤون الآذان أحيانا قبل الغروب التام لقرص الشمس، ويخالفون في ذلك التوقيت الفلكي لغروبها ( أي يسبقونه)، هذا هو مشكل الروايات المنسوبة إلى الرسول عليه السلام المخالفة في نظري لأحسن الحديث والتي تقضي عليه، فقد جاء فيه: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، ولم يقل سبحانه إلى غروب الشمس.

واسمحوا لي أستاذي الكريم الدكتور أحمد أن أجيب السائل من وجهة نظري فأقول: أخي الفاضل الأستاذ ميثم التمار سألتم عن الذي يسكن الطابق العلوي (مثل ناطحات السحاب) وعن ساكني شواهق الجبال، يعني أن الشمس تغرب عن نظرهم بعد فترة من الزمن من غروبها عن ساكني السهول والطوابق الأرضية، فمن وجهة نظري أنهم ينتظرون غروب الشمس عنهم، لسبب بسيط وهو أن بداية الإمساك عندهم يكون كذلك بعد ساكني الأرض بفترة من الزمن، فلا أرى إشكالا في ذلك لأن الله تعالى يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). إلى أن يقول سبحانه: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187) البقرة.
والسلام عليكم.
28.08.08
اجمالي القراءات 3421