شتام اليوم هو قاتل الغد

خالد منتصر في الجمعة ٢٥ - فبراير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أتوقع السباب والشتائم فى خناقات البلطجية ومشاجرات العصابات فى الأزقة والحوارى، لكن فى المناقشات الفكرية، خاصة ذات الطابع الدينى، لماذا كل تلك الشتائم؟ هذا هو الغريب والعجيب حقاً، فالمفروض أن المتدين عف اللسان، لكننا نجد الشباب الذى من المفروض أنه يدّعى الدفاع عن الدين، لغته فى منتهى الخشونة والجلافة والغلظة والسوقية، تدخل على صفحته تجد صورة الكعبة وبوستات الأدعية والأذكار والأحاديث... إلخ، لكن عند أى نقاش فكرى دينى تجد قذائف التهديدات والسباب تنطلق بهستيريا مرعبة وتدنٍّ رخيص. وقد صدق فولتير حين قال «من يقل لك اعتقد ما أعتقده وإلا لعنة الله عليك، لا يلبث أن يقول اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك»، وبالمثل شتام اليوم الذى يلعنك من خلف الكيبورد هو قاتل الغد الذى سيصوب إلى صدرك البندقية، ستتحول حروف الشاشة الغاضبة إلى رصاص كلاشينكوف، السؤال: هل تتوقع أن تلك السفالات والوقاحات هى التى ستنقذ دينك؟ هل تتصور أن اللغة الوضيعة التى تستخدم أقذر الألفاظ فى الشتائم هى مطلوبة من الله كى يرضى عنك؟ هل يتخيل أحد أن هذا هو طريق الايمان وذروة سنام الأخلاق؟! ماذا تفيدك الطقوس إذا لم تنعكس على أخلاقك؟

المشكلة أن ردود الشباب فى مثل تلك المعارك تعانى من سرطان وبائى ينتشر بسرعة الصاروخ، أمراض أخلاقية تخاصم الإنسانية، فالردود غالباً تشخصن النقاش، وللأسف تنافى كل الكود الإنسانى المتفق عليه والذى صار من نسيج التحضر والحداثة، فالشباب الشتام على وسائل التواصل يسخر مثلاً من ملامح من يخالفه، والسؤال: ما علاقة الأنف الأفطس أو العين الضيقة أو حمالات البنطلون مثلاً بفكر الشخص؟! ومن الأشياء المخاصمة لأدنى درجات التحضر السخرية من السن، فتجد الشباب عندما يختلف يكتب «احترم سنك.. ده انت خطوتين والقبر.. إلخ»، وكأن التقدم فى السن عيب وخطيئة، التريقة على السن جريمة فى الدول المتحضرة، أما لو كانت المختلفة معهم امرأة، عينك ما تشوف إلا النور، بالوعة مجارى تنفتح، ونهش فى الأعراض والسمعة، واستخدام ردىء فى منتهى الدناءة لكلمات جنسية فى السباب والسخرية، تحس معه بالغثيان والقرف وأنت تتصور أن هؤلاء الشتامين هم صنّاع المستقبل، من سيعالجونك ويبنون لك بيتك ويدافعون عنك كمحامين أمام المحاكم.. إلخ يسخرون من لون البشرة، ويقحمون الأم فى النقاش ويمارسون سفالاتهم عليها وهم يعرفون قدرها عند الشخص الذى يختلفون معه. باختصار، استباحة واغتيال معنوى وكأنك اقتحمت فجأة قبيلة زومبى ترقص على الجثث والدماء والأشلاء، هل سيأتى اليوم الذى نتناقش فيه ونختلف باحترام؟ استخدم حجتك بمنتهى القوة لكن أيضاً بمنتهى الأخلاق، المنطق صوته هادئ لأنه يحس بتماسك وقوة حجته، والبرميل الفارغ دائماً يُحدث الجلبة والضوضاء.
اجمالي القراءات 2022