تفسير معاصر
وكان عرشه على الماء

أحمد بغدادي في الخميس ٢٤ - فبراير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

#وَكَانَ_عَرْشُهُ_ۥعَلَى_ٱلْمَآءِ

{ وَكَانَ عَرْشُهُۥ عَلَى ٱلْمَآءِ }

باسم الله الرحمن الرحيم , وبه سبحانه نستعين

-- مقدِّمة :

في إحدى اللقاءات , ذكَر لي فِكْرَة كون عَرْش الله تعالى على المَاء ,مُسبِّحاً و مُتعجِّباً … ولكنِّي, وبنفس الوقت, كنت أرَى أيضاً في تَعابِير وَجهه, التي ينعَكِسُ باطنهُ عليها , بَعْضَاً من الحِيرَة , وطلباً غير مُباشر بالتدخُّل و مشاركة الرَأي في الموضُوع … الأمر الذي قمتُ به فعلاً…..في بِضعة كَلِمات ...لكن يبدوا أن تأثير المدرَسة الفِكرية الظَاهِرية في تفسير القُرآن كان مًترسِّخاً في عقله, فجانبهُ جَوْهرُ الكَلامِ الحَكِيم .لذلك, كان لا بُدَّ من وقفةٍ ما, في يومٍ ما, لكن بِجُودٍ من التفصيل هذه المَرَّة …

-- المُقدِّمة : حَوْلَ الآية 7 من سورة هود :

{ وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ وَكَانَ عَرْشُهُۥ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِنۢ بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ } هود 7

١- من المُلاحظاتِ المُلفِتةٍ حول الآيَة المُباركة هو رَقَمُها : { ٧ } …. في آيةٍ تتحدثُ عن سِتَّة مَرَاحِل ل خَلقِ السَماوَات والأرض ….ثم تذكُر العَرش .

٢- ونتيجةً لهذا ,,, و مع أخذنا ب ظَاهِر سِياق الآية ,أي : افْتِراضِ مَادِّية العَرشْ القائِم على المَاء ,,, سيتأكَّدُ لدينا سَبْعَةُ مَراحِلٍ مُتطابقة مع رقم الآية ,لا سِتَّة . أي أنَّ ( التَعْرِيش ) قامَ بعد خلق السماوات والأرض والمَاءُ معهما . وبهذا يكُون (العَرْشُ ) ك مُسَمَّىً : نتيجةٌ للخَلق ,وليس خَلْقاً قائِماً بحدِّ ذاته, أي أنه منفصلٌ عن عملية الخَلق وبنفس الوقت: نتيجة مُتمِّمَة لهُ .

لَكِن, قبل إِعطاء القول الفَصل حولَ الآية الكريمة,لا بُدَّ من بَيَانِ المفاهِيم العَربية القُرآنية التالية :

1- القُرآنُ الحَكِيم…
2- الآيات المُحْكمَات, أُمُّ الكتاب والمُتشابِهات …والمُتشابِهات المثَانِي .
3- العَرش .

-- أولاً : القُرآنُ الحَكِيم :

لو طُلِبَ من تلاميذ فصلٍ ما أن يكتبوا موضُوع إنشَاءٍ و تَعبيرٍ عن فَصْلِ الربيع ..طبعاً سيكتبُ كل تلميذٍ كيف يرى هذا الفَصْل ...البعض سيَختصِر, ولكن , ستتجهُ الأغلبية إلى الاستِفاضة في الشَرح والبيَان علَّها تأتي بأعلى العلامات….

المُدرِّسُ صاحِبُ الخِبرة في هذا المجال سيقول لك : المُوضوع التَعبيري الذي يُكتَبُ بأقلِّ عددٍ من الكلمات..باستخدام مُفرداتٍ مُميَّزة , ذاتُ صِفَةٍ غالِبة ,ب الأسلوب الجُمَلِي المُترابِط , هو طبعاً من سَينَال الدرجة التامَّة ….

بِسَطْرَين فقط يمكن أن تَختصِر موضُوعاً عن فَصْلِ الرَبيع مما لو أنك كتبتَ جريدةً لا تُسمِنُ ولا تُغنِي من جُوع …..

هذا , المُترابِط المُختصَر ,شَديدُ الكثَافة المَعنوِية , هو ما يمكن أن نُسمِّيه ب : ( الكلامُ الحَكِيم ) .

قال الله تعالى :

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ { الٓر ۚ كِتَٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } هود1

{ وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْحَكِيمِ } يس 2

إن إحكَام الآيات يتطلَّبُ رَصَّاً و اختِصَارَاً بالإنتِقاء من كلماتٍ ذات : ( مَبْنَىً مَفتُوح ) , و ضَمِّهَا مع الصِفَات الغَالبة ,والتي هي : مَعْنَىً مَفتُوح , و ذلك من مُجمَل الكلامِ الموجود سَلفاً , و الذي يمكن أن يُقَال عن موضُوعٍ مُحدَّد….

إذاً, النَصُّ الحَكيمُ المُحْكَمُ هو : كلامٌ لا ثَغَرات أو عيُوبَ أو إطنَاب و مُبالغَة فيه ...بل هو مُختَصرٌ بشدَّة , لكنه مُعبِّرٌ بِشدَّةٍ أيضاً بنفس الوقت , أي ذو كثافةٍ مَعْنَوِيَة عظيمة …. وهو ما نفهمه من قول الله تعالى :

{ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّى لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِۦ مَدَدًا } الكهف 109

وقوله سبحانه أيضاً عن الكَلِمة القُرآنية الطَيِّبَة المُشبَّهَة بالشجَرة الدَائِمة الإثْمَار :

{ تُؤْتِىٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } إبراهيم 25
{ الآية ٢٥← ٥+ ٢= ٧ }

-- ثانياً : المُحكمَات أُمُّ الكتاب ومُتشَابِهاتِها :

يقول الله تعالى :

{ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِۦ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ } آل عمران 7

اذاً, من القُرآنِ الحَكِيم ما يكون : ( آيَاتٌ أُمَّهاتُ مُحكمَاتٌ ) تتوَّجهُ لها آياتُ الكِتَاب كَكُل كمرجعيةٍ حاكِمَة … وهناك آيَاتٌ مُحْكَماتٌ أُخَر تَتشابَهُ معها …...بمعنى أن هناك رابِطاً للتشابُه بين الإثنتَين….

-- التَحلِيل والبَيان :

1- مرةً أُخرى نصادفُ نفس رقم الآيّة : الآية هي ٧, من سُورة آل عمران… وهو رقمٌ مطابقٌ للسَبع المثاني وأيام الأسبوع, والسَماوات السَبع, حتى النُجُوم :أنواعها ٧ .

2- الذين في قُلوبهم زَيغٌ هم من يَتَّبعُون الآيَة المُحكَمة المُتشَابِهة في محاولة معرفة التأويل الحقيقي …..مع استبعادهم ل آيَة أُمِّ الكِتاب المُحكمَة كمَرجعية أعلَى حاكِمَة للآيَة المُتشَابِهة ….
يفعل فعلهم هذا أيضاً مُبتغُوا الفِتنَة...أي من يكُون من ثَمَرةِ عَملِهِم هذا التَشكِيك أو الكُفر أوالإِشرَاك في الدِين : الأديَان العِرفانية الصُوفية الباطنية ,كنمُوذَج …

3- المُتشابِهُ لا يعلمُ تأويلهُ إلا اللهُ تعالى… والراسِخُون في العِلم يُسلِّمُون بما تشَابَه: المُحْكَمَة الشَبِيهُةُ بأُمِّ الكِتاب المُحكمَة , إيمَاناً بأنه كُلُّه من عِند الله تعالى…

المُتشابِهُ المُحكَم في القُرآن هو : الآيَات التي تتَشابَهُ فيها صِفَاتٌ الله تَعَالى , ذو المثَل الأعلَى , مع ما دُونهُ من طَارِئ خَلقِه ..ونذكُر منها أمثلة مُحدَّدة :

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } الفتح 10

{ قَالَ لَا تَخَافَآ ۖ إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } طه46 ….

{ وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَيْيْدٍۢ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } الذاريات47 .

{ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلَٰلِ وَٱلْإِكْرَامِ } الرحمن27...

{ وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ } هود37

-- ثالثاً : الآيَاتُ المُحْكَمَات أُمُّ الكِتاب :

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌ ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } الشورى 11

{ هُوَ ٱلْأَوَّلُ وَٱلْءَاخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } الحديد 3

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } الحشر 24

بالطبع, الآيات أعلاه هي أمثلة من العديد من الأمثلة الموجودة في القرآن الكريم….وما يهمنا من هذا كله التأكيدُ على أن المتشابه لا يَعلمُ تأويلهُ إلا الله تعالى...ونحن ,كَ كيَانَات جُزَيئِية مخلُوقة مَحْدُودُونَ بالزَمان والمكان والفَراغِ والأجَل المُسمَّى, و يجب علينا العودة ل الآيات المُحكمَات أُمُّ الكتاب لتفادي فتنة المُحْكَم المُتشَابِه, وليس أن ننطلق في التأويل والدِراسة والتدَبُّر من المُحْكَم المُتشَابِه كما فعلت الفِرَق الباطِنية والعِرفانِية الصُوفِية التي انغَمَسَت فيه,وانتهى بهم الأمر لاتخاذ العَبِيد أرْبَاباً من دون ربِّ العالَمِين ….

بينما ذهبَت السلَفية الظاهِرية, أي التي تأخُذُ بظاهِر النَص, إلى التَجسِيد و التَصوِير في تأويل المُحْكَم المُتشَابِه...جهلاً والعياذُ بالله تعالى

-- رابعاً : المُتشابِهات المثَانِي :

قال الله تعالى : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَٰبًا مُّتَشَٰبِهًا مَّثَانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٍ} الزمر 23

المُتشَابِهات المَثَانِي هي ثُنائِياتٌ دَوَّارَة من الآيَات التِي تكُون مُتتابِعَة أو مُنقطِعَة بسِيَاقٍ موضُوعِيٍ مُختَلِف ومُتبدِّل , والتي نجدُها في السُورة الواحِدَة في أكثر من مَوضِعٍ , أو في عِدَّة سُوَر…أو في عُمُومِ القُرآن ... و رُبَّمَا مع تَفصِيلٌ إضافي :

التَوحِيدُ والشِرْكُ , الإِيمانُ و الكُفْرُ , الجنَّة والنَار, المُؤمِنون والكافِرون , الإستِقامةُ والعِصيَان, العَذَابُ والنَعِيم ,الفاكِهَة و الزَقُّوم ,البَشرُ والجِنُّ , الحياةُ و المَوتُ, الظُلماتُ و النُور, الهُدَى والضّلال, البَرُّ و البَحْرُ , السَقَمُ والعَافِيَة , النجَسُ و الطُهْرُ , الإنفَاق والإِمْسَاك, العُسْرُ واليُسر, القُدْرَة و العَجْزُ, الزَكاةُ و الفَسَاد, القَرينُ والحَفَظَة, الذكَر والأُنثَى, الرِجَالُ والنِسَاء,....

كذلك نرى الثُنائِيات في تَعَاكُس الصِفات الجِنسِية ,مثل إستخدام الصِفة المُؤنَّثة للمُذكَّر :
( رحمة, قريب):

{ وَلَا تُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } الأعراف 56

كذلك هناك مَثَانٍ : (سَوابِق و لَواحِق ), حيث تُذكَر كلمةٌ قبل كلمةٍ مُحدَّدة في سُورة, وفي سُورةٍ أخرى تأتي بعدها :

( مَوَاخِرَ فِيهِ ) :

{ وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } النحل 14

( فِيهِ مَوَاخِرَ):

{ وَمَا يَسْتَوِى ٱلْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِن كُلٍّۢ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فاطر 12

هناك أيضاً ( الأحدَاث المَثانِي ) في القرآن, نذكُر منها : تَكليمُ الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام في الوادي المُقدَّس, جانِبُ الطُور الأيمَن والتي لها مَثّانٍ مُتَعدِّدة : أي داعِمة لِبَعضِها البَعض …
من أهمها ما ذُكِرَ عن البُقعة المُبَاركَة من الشَجَرَة (سِدْرَة المُنتهَى ) ….

كذلك ( نَظْرةُ ) إبراهيم عليه السلام في النجُوم.. و في مُثنَّاهَا, نرى كشْفاً لجانِبٍ من ملكُوت السمَاواتِ ….

من الأحداثِ المَثَانِي المذكُورة في القُرآن أيضاً ( الحدَثُ المُرتبِط مَثَانِياً بالحَدَث ) .من مِثل ذلك : حدث مُناداة موسى عليه السلام عندما ذُكِرَت البُقْعَة في الشَجرَةُ المُباركة ...وهو حَدثٌ مُستدعٍ ل مُتشابهٍ له في سُورة النَجم وقع ل محمد ,عليه الصلاة والسلام { كَشفٌ بَصَرِي وقَلبِي لنفس السِدْرَة و أشياء أخرى تغشَاها , و هو على الأرض } …

-- خامِساً : العَرْشُ :

يقول الله تعالى :

{ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴿١٣٧ الأعراف﴾
{ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴿٦٨ النحل﴾
{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ ﴿١٤١ الأنعام﴾
{ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ ﴿١٤١ الأنعام﴾
{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴿١٠٠ يوسف﴾
{ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣٨ النمل﴾
{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٤١ النمل﴾

(عرَشَ ) هو ما انطلق ضمن وِعائية مُنتظمة المَسَار وصُولاً للذُروَة ,و مُجمَّعاً و مُحَجَّمَاً فيها ….
و هذا ما نراهُ في المملكة النباتِية لبعض النبات والشُجيرَات ….

أما العُروش البَشرية فهي٣ أنواع كما صوَّرتها آيات القرآن الكريم :

-- الصَرحُ الذي بناهُ هامان لفرعون , وهو الذي كان مُفترضاً أن ينتهِي بما تم إيقادُه على الطِين ,أي الزُجاج المُقعَّر الذي شكّلَ العدسَات المُقرِّبة للمَرْصَد/الصَرح ….ولقد دمَّره الله تعالى قبل اكتماله…

--عَرشُ المُلك . وهو المركَز الذي تنتهي إليه دعوات و طلبات و تظلُّمات الرَعِية, ثم يُدبِرُ الأمرُ منه للرَعِيَة .

-- المساكِن المُرتفعة التي تبنيها قِلَّةٌ من الناس بغرض الإنعِزال والتَحصُّن .

-- أخيراً : عَرْشُ الرَحْمَن سُبحانه وتعالى :

{ وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ وَكَانَ عَرْشُهُۥ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِنۢ بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ } هود 7

{ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ﴿٤ السجدة﴾

{ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (الفرقان 59﴾

{ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴿٢٦ النمل﴾

{ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴿٤٢ الإسراء﴾

{ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴿١١٦ المؤمنون﴾

{ وَتَرَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } (الزمر - 75)

{ وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرْجَآئِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍۢ ثَمَٰنِيَةٌ } الحَاقَّة 17

الآيات أعلاه هي جميعاً : آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ مُتشابِهَاتٌ ...و وجهُ التشابُه هنا مع البَشَر هو :

{ العَرْشُ } + ما تعلَّقَ به من خصائص : الحَوْلِيَةُ والحَفِيَة (الزمر75 ) + الإستِوَاءُ عليه ( السجدة 4 + الفرقان 59 ) + الحَمل ( الحَاقَّة 17 ) .

البَيَان : إذاً, أسَاسُ التشابه في الآيات, كما أسلفنا, هو ( العَرشُ ) كعُنصُرٍ بَشَري ...و كون الآيات أعلاه :أياتٌ مُحكمَاتٌ مُتشابِهَات … فإنه لا سَبيل على الإطلاق لمعرفة تأويلها...فهي من عِلْمِ و غَيبِ الرَحمَن الذي اختصَّ نفسه به ...ولا يّسعُنا سِوى التَسلِيم بها , كون تأويلها يتجاوز حُدود عقولنا واستيعابنا…

لكن, مع ذلك ,لو نظرنا إلى : آيَاتِ أُمَّ الكِتَاب كحاكِمةٍ للمُتشابِهَات , و بِناءً على مفهُوم (القُرآن الحكِيم ) ...يمكن لنا قول التالي :

العَرشُ الإلهِي ليسَ مادِّياً على الإطلاق ...وإنما هو ( تَشْبِيهٌ حكِيم ) شديدُ الإختِصَار في الصِياغة اللِسانية + كثيف المَعاني لدرجةٍ قد لا يتخيلُها عَقل ,وذلك من أجل تَسهيل الإستيعَاب و الفَهم الإنسَاني ل نَتائِج و مُترتِّبَات عملية الخَلق :

المَادِّي الصُمّْ :السَماوَات والكَواكِب و قوانينها + البَيُولوجِي الحَيَوِي المُكلَّف :الجِن و الإنس + الحيَوِي الغَير المُكلَّف : الملائِكَة .

لقد قامَ (العَرْشُ ) كونَ السَماوات والأرض مُرتبطة بالخَالِق وجُودِيَاً وتَنظِيمِياً و إِدَارَةً ...فكل ما فيهما يَعرُشُ إليه بالحاجة والدينونة من أجل استمراره …و إلا : الإنهِيارُ و الفوضَى .

يوم القيامة ينتهِي العَرشُ القائِمُ على المَاء ,الماء الذي جُعِلَ منه كل شيءٍ حَي … والمُكلَّفون إما في النَار أو الجّنَّة …..

و أما الجَحِيم ,فهي في سَبعةِ أبْعَادٍ زَمَانِية مَكانِية :

{ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَٰبٍۢ لِّكُلِّ بَابٍۢ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } الحجر 44 …

وأما أهلُ الجنَّات :

{ وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرْجَآئِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍۢ ثَمَٰنِيَةٌ } الحَاقَّة 17

الجّنَّةُ إذاً ثَمَانِيةُ أبْعَادٍ زَمَانِية مَكانِية … "يَعْرُشُ" ما فيها من خَلقٍ جَدِيد دائِم التَجدُّد
, بالحاجة والدينونة , إلى الرَحْمَن ….

والله تعالى أعلم
اجمالي القراءات 3028