نقد كتاب فصوص الحكم

رضا البطاوى البطاوى في الخميس ١٧ - فبراير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب فصوص الحكم
يوجد عدة كتب بهذا الاسم منها واحد لمحيى لدين بن عربى والثانى للفارابى وهذا الكتاب منسوب لابن عربى المشهور
وقطعا من أكثر الكتب التى زهقتنى فى نقدها هذا الكتاب لأن الكتاب المكون من حوالى مائة وعشرين صفحة المنقود وبه أخطاء فوق الثمانين فلا تكاد توجد فقرة إلا وبها خطأ ولكى تنقد كتابا كهذا لا يجب أن تستخدم فى نقده مخالفاته للقرآن إلا قليلا لأن القوم أساسا يفسرون القرآن على غير معانيه ومن ثم يحسن نقده ببيان تناقضاته وبالفلسفة
ويستهل الكتاب بمقدمة يقول فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وان اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، وبالقيل الأقوم، محمد (ص)"
وكما يقال أول القصيدة كفر فأول الأخطاء تسمية الله بالقديم وهو المقام الأقدم فالله لا يوصف بوصف زمنى لأنه كان قبل المكان والزمان والثانى كون محمد(ص) الميت ممد الهمم وهو ميت لا يقدر على نفع ولا ضرر
ويتحدث المؤلف عن كون كتابه وحيا نزل عليه فى حلم فيقول:
"أما بعد: فإني رأيت رسول الله (ص)في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده (ص)كتاب، فقال لي: هذا «كتاب فصوص الحكم» خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله واولي الأمر منا كما أمرنا فحققت الأمنية واخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله (ص)من غير زيادة ولا نقصان"
الخبل هنا هو كم استمر الحلم فالكتاب صفحاته تجاوزت المائة ولو قلنا أن الرسول(ص) كما زعم الحالم قرأه عليه فهذا يعنى أن الحلم سيستمر أكثر من عشر ساعات
وقطعا هذا الكلام تخريف فالكتاب ليس إذا من تأليفه وإنما تأليف الرسول(ص) فهو وحى كتبه ابن عربى وهو تخريف بالغ الغرض منه أن الرسول(ص) مده بالكتاب مما يعنى كونه كتاب مقدس لأنه وحى ويقول فى بداية كلامه فى الكتاب :
"أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس
وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي، فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به علي ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث "
إذا الرجل يلقى له الوحى الذى انقطع بموت محمد(ص) خاتم النبيين وما حاجتنا لوحى جديد وقد تم الدين ؟
أليس هذا الكلام هو ادعاء مبطن للنبوة ؟
والأغرب أن ينسبه لله فيقول:
"فمن الله فاسمعوا والى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا مجمل القول واجمعوا
ثم منوا به على طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي وسعتكم فوسعوا
ومن الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد وقيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد وقيد، وحشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته"
والرجل هنا يكمل الكفر بكونه مؤيد مقيد بالشرع المحمدى الذى لا وجود له فما ادعى محمد (ص) أن له شريعة خاصة به وإنما هو شرع الله
وأول الوحى المزعوم هو :
" فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك:
- فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها، وان شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود، ويظهر به سره إليه فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرأة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له "
الخطأ الأول أن أعيان الأسماء الحسنى هى عين الله وهو ما يعنى أن الألفاظ التى تطلق على الله هى ذاته وهو كلام كفار فاللفظ ليس الله لأنه خالق الألفاظ كما قال " أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء"
والخطأ الثانى تشبيه الله بخلقه فكما يرون أنفسهم فى المرآة رأى الله نفسه فى مخلوقاته وهو ما يخالف قوله تعالى :
" ليس كمثله شىء"
وزعم الرجل كون الكون خلق كشبح والشبح يشبه المرآة غير المجلوة وبعد ذلك سواه فقال:
"وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال وما بقي إلا قابل، والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس فالأمر كله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «واليه يرجع الأمر كله»، كما ابتدأ منه فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكبير» "
قطعا هذا الكلام تخريف تام فالله الحق كان فى المرآة المزعومة هو آدم(ص) وناقض نفسه فبين أن آدم(ص)هو عين وروح الصورة" فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة" وعاد فبين أن آدم(ص) ليس وحده وإنما معه الملائكة وغيرها " وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة"
ونكمل الخبل مع الرجل الذى يقول:
"فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وان فيها، فيما تزعم، الأهلية لكل منصب عال ومنزلة رفيعة عند الله، لما عندها من الجمعية الإلهية مما يرجع من ذلك إلى الجناب الإلهي، والى جانب حقيقة الحقائق، و- في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه واسفله "
الخبل هنا أن بعض قوى الإنسان ملائكية وهو باطل فالإنسان إنسان والملائكة وهم عندى فصيل من الجن نوع مختلف عن الإنسان ولا يمكن تواجد نوع فى نوع أخر سواء جزئيا كما يقول أو كليا
ويبين المخبول كونه عرف هذا بالكشف فيقول:
"وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم"
ونلاحظ أن الرجل يخرف فيجعل الإنسان لله بمنزلة إنسان العين من العين أى أن الإنسان جزء من الله الذى لا يتبعض ولا يتجزأ ومن ثم اسمه الواحد الأحد
وتناول الرجل مكانة الإنسان فى الكون فقال :
"فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة "
قطعا هذا الكلام خطأ جسيم فالإنسان لم يكن موجودا لفترة لأن الله خلق الكون جميعا قبله ومنهم الجن الذين منهم الملائكة وفى هذا قال تعالى :
"والجان خلقناه من قبل من نار السموم"
ثم كيف يكون الإنسان حجة الله ومن أفراده كثرة يدخلون النار لكفرهم بالله؟
ونجد الجنون فى قوله "فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية" فمثلا لو أخذنا اسم الحى لا يمكن تطبيقه على الإنسان لأنه يموت ولأنه ينام ولو أخذنا اسم العدل أو القاسط أو المقسط لوجدناه لا ينطبق على معظم الناس لظلمهم وكفرهم ومن ثم لا يمكن أن تنطبق الأسماء التى تطلق على الله والتى يسمونها الأسماء الحسنى خطأ على الإنسان كلها
ويكمل المؤلف تخاريفه فيقول:
"فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا الخليفة، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته، وليس للملائكة جمعية آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إليها، فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم فغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟ وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه "
نجد هنا الفهم الخاطىء لكلمة الأسماء فى قوله تعالى" وعلم آدم الأسماء كلها" حيث يفسرها بالأسماء الحسنى بينما الله نفسه فسرها بالبيان وهى الكلام أى اللغة المنطوقة المكتوبة فقال" خلق الإنسان علمه البيان"فالملائكة لم تجهل أسماء الله ومعانيها وإنما جهلت القراءة والكتابة التى علمها الله لآدم(ص) وحتى لو أخذنا تفسير قوله تعالى" أنبئهم بأسماءهم"على ظاهره فمعناه أن الملائكة لم تكن تعرف أسماء نفسها فهو تعلم أسماء الملائكة وليس أسماء الله
ونلاحظ التناقض وهو الجنون فى قوله" فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق " فذمهم لآدم(ص) هو عين الحق وهو ما وصفه بالنزاع فى قوله بالفقرة" وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم "
ثم أكمل قائلا :
"... ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وان لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه "
ونلاحظ التناقض بين قوله اعلم أن الأمور الكلية وان لم يكن لها وجود في عينها" فهنا الأمور الكلية المعقولة لا وجود عينى لها ومع هذا يثبت وجود عينيتها بقوله" ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها" والمراد بل هو عينها ثم قال :
"ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم ونقول في الملك إن له حياة وعلما فهو العالم والحي ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة ونقول في علم الحق إنه قديم، وفي علم الإنسان إنه محدث فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه عالم، حكم الموصوف به على العلم أنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه "
وما قاله الرجل عن وحدة الحياة والعلم فى الخالق والمخلوق هو خبل تام فحياة الخالق مستمرة غير منقطعة" الحى الذى لا يموت" بينما حياة الإنسان متقطعة يحيى ويموت عدة مرات وعلم المخلوق علم جزئى يعلمه فى وقته بينما علم الخالق علم شامل وهو علم قبلى ومن ثم لا يمكن القول أن معنى الحياة ومعنى العلم واحد بين الخالق والمخلوق
وعاد الرجل لمناقضة نفسه حيث نفى الوجود العينى للأمور الكلية فقال :
"ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وان كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها، .."
وعاد للحديث عن الوجود المحدث فقال:
"..ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وان كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه ..."
ونلاحظ الخبل أن إحداث الخالق للمخلوق اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء فمعنى هذا أن كل الأنواع على صورة الله تعالى عن ذلك رغم تنوع صورها وأعمالها وقطعا هو يتحدث عن الإنسان ولكن كلامه يدل على كل الخلق وفى كلامه عن خلقة الإنسان قال :
"وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، واذا شهدنا شهد نفسه ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وانا وان كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد فكذلك أيضا، وان وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها وانما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته "
ونلاحظ فيما سبق أنه كرر كلامه عن أن الله يصف الناس بما وصف به نفسه وهو كلام جنونى فهل وصف الله سبحانه وتعالى عن ذلك نفسه بكونه يأكل ويشرب ويتبول ويخرى ويضرط... ؟
ولاحظ أنه بهذا الكلام لن يصدقه أحد فعاد وذكر فارقا ثم عدد وصف من وصف الله لنفسه فقال :
"ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا ووصف نفسه بالرضا والغضب، واوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وانس "
لا نجد وصف الله لنفسه بالجمال فهو قول رواية منسوبة للنبى(ص) ونجد تخريفا فى القول بأن الجمال والجلال عبر الله عنه باليدين فقال :
"وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته "
وقطعا لا يوجد أى نص فى كلامه هذا فهو اختراع منه بلا دليل ثم قال :
"فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا "
ونلاحظ الخبل فى وصف الحجاب بكونه حجب ظلمانية وحجب نورانية ولا يوجد فى هذا الكلام نص وإنما هو اختراع من عند الرجل
ويصر الرجل على أن جمع الله يديه هو لآدم(ص) فقط فيقول:
"فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ وما هو الا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق وابليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وان لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- والا فليس بخليفة عليهم فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وانشأ صورته الباطنة على صورته تعالى، ولذلك قال فيه «كنت سمعه وبصره» ما قال كنت عينه واذنه: ففرق بين الصورتين وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود ولكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع "
والخطأ الأول هو أن اليدين لآدم (ص) فقط بينما هما لكل الخلق والمقصود بهم قدرة الله كما فى قوله" بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" فالإنفاق يعنى خلق أى شىء فكل المخلوقات أرزاق لبعضها
والثانى العودة لخلق الإنسان على صورة الله مع أن الله لم يذكر فى الوحى وجود صورة له ولم يذكر أنه خلق آدم(ص) على صورته فهذا كلام حديث مكذوب على النبى(ص) وكذلك القول " كنت سمعه وبصره" فحتى لو صح معنى الكلمات فمعناها هو قوله تعالى:
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
والمعنى أن عمل الإنسان سواء مسلم أوكافر يكون فى نفس وقت خلق الله له كما قال إبراهيم(ص) " والله خلقكم وما تعملون"
وعاد الرجل لمقولة الكتاب الأساسية وهى كون الله فى الكون أى الكون هو الله نفسه وهو ما يسمى الحلول والاتحاد فقال :
"ولولا سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له عنه انفصال خذوا ما قلته عني
فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة، وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني، وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء» فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين "
والكلام كله تكرار لمقولة حلول الله فى الكون فالظاهر هو الإنسان وباطنه هو الله كما قال وهوكاذب
وحرف الرجل حديث القبضتين مع كونه مكذوب على النبى(ص) فبعد أن كان قبضتين واحدة لأهل الجنة وواحدة لأهل النار أصبحت عنده واحدة للناس وواحدة لبقية أنواع العالم وهو قوله:
"ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه:
القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه "
وتجاوز الكاتب افتراءه على الرسول بأنه أعطه الكتاب بالقول بأن الوحى أنزل عليه مباشرة منه فقال :
"قال ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر، جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله (ص)"
ونلاحظ تناقضه فمرة الله هو من أوحى ومرة فى نهاية كلامه الرسول(ص) هو من اوحى أى حد له
والخبل هو أن ما عرفه الرجل عن آدم(ص) لا يقدر على كتابته لكثرته حيث لا الدنيا كلها لا تكفى لكتابته فيما لو تحولت لصفحات وحبر وهوكذب تام على الله ثم قال:
حكمة إلهية في كلمة آدمية، وهوهذا الباب
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
ثم حكمة مهيميةفي كلمة إبراهيمية
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية
وفص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره "
ثم قال :
"ومن ذلك:
- فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين: منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين وعن سؤال غير معين ومنها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو اسمائية فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه وغير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا والصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال، فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان ولولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان وانهم ما قبلوه إلا بالاستعداد
وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان، وانما يسأل امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم» فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، وانما همته في امتثال أوامر سيده فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية واذا اقتضى التفويض والسكوت سكت فقد ابتلي أيوب (ص)وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به،ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم والتعجيل بالمسئول في هو الإبطاء للقدر المعين له عند الله فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، واذا تأخر الوقت إما في الدنيا وأما إلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا "
والخطأ فى الكلام هو أن أيوب (ص) وأمثاله ما سألوا الله رفع ما ابتلاهم الله تعالى به وهو مخالفة صريحة لطلبة رفع الضر عنه كما قال تعالى "رب إنى مسنى الضر وأنت أرحم الرحمين " ثم قال :
"وأما القسم الثاني وهو قولنا: «ومنها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد ...وانما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء فهم قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم واغراضهم ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ..وما ثم صنف من أهل الله أعلى واكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا، ومنهم من يعلمه مفصلا، والذي يعلمه مفصلا أعلى واتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، وأما أن يكشف له عن عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو اعلى: فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له ...فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم ومن هنا يقول الله تعالى: «حتى نعلم» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب ..."
وهذا التخريف السابق الغلط الشائع فيه هو علم بعض القوم بعلم الغيب جزئيا أوكليا وهو ما نفاه الله عن أى أحد غيره فقال :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
وتحدث عن العطايا وقسمها لذاتية وأسمائية فقال :
"ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أواسمائية فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له وغير ذلك لا يكون فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه:..."
ونلاحظ التناقض بين قوله برؤية المتجلى وهو الله" فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة " وبين قوله أنه لا يرى الله وإنما يرى الإنسان صورته هو بقوله" ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه"
ونقل لنا من الفتوحات المكية كلاما متناقضا فقال :
"وقد بينا هذا في الفتوحات المكية واذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج فما هو ثم أصلا، وما بعده إلا العدم المحض فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وانت مرآته في رؤيته أسماءه و ظهور أحكامها وليست سوى عينه فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو اعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز وهذا هو اعلى عالم بالله وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟ وان كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى "
والخبل فى الفقرة السابقة كثير أوله التناقض فى الأعلى فهو مرة من علم فلم يقل بقوله" ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو اعلى القول"وهو مرة السكوت فى قوله" بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز وهذا هو اعلى عالم بالله"
والخطأ الثانى انقطاع الولاية بوجود خاتم الأولياء الذى هوكخاتم الرسل بقوله" وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء" وهو ما يناقض قوله بعدم انقطاع الولاية بقوله" والولاية لا تنقطع أبدا "
والثالث أن العلم لا يعلمه الرسل إلا من الرسول الخاتم وهو قوله" وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم" فكيف يرى السابقون اللاحق لهم بعد أزمان طويلة وهو لم يخلق بعد لا هو ولا علمه
ومن الفقرة السابقة يدعى الرجل كونه خاتم الأولياء والصفية الذين يصدقون كلامه عليهم أن يعرفوا أنه بهذا القول كفر كل الصوفية بعده الذين يدعونه الولاية لأن الأولياء انتهوا بموته
واستدل الرجل استدلالا خاطئا على العلم فقال :
"وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة، وانما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله: هنالك مطلبهم وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها فتحقق ما ذكرناه "
ولا نجد صلة بين حديثه هنا وحديثه عن ختم الأولياء فعمر ليس خاتم النبيين ولا خاتم الأولياء وأسرى بدر لا يصح حديث عمر فيهم فهو حديث مكذوب فالمسألة لم تكن عدم قتل الأسرى بعد الحرب وإنما كانت اتخاذ أسرى والقتال ما زال مستمر فالأسر يكون بعد انتهاء العمليات القتالية أى بعد النصر وهو الإثخان فى الأرض
وحدثنا عن حديث اللبنة التى لم تكتمل فقال :
" ولما مثل النبي (ص) النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة، فكان (ص) تلك اللبنة غير أنه (ص) يراها كما قال لبنة واحدة وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله (ص)، ويرى في الحائط موضع لبنتين، واللبن من ذهب وفضة فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين فيكمل الحائط والسبب الموجب لكونه رآه اللبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو اخذ عن الله في السر ما ه وبالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وان تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله (ص) «كنت نبيا وادم بين الماء والطين» وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وادم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى «بالولي الحميد» فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد (ص) مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة فعين حالا خاصا ما عمم وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين ففاز محمد (ص) بالسيادة في هذا المقام الخاص فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام "
فى الفقرة السابقة يخلط الرجل الأمور فنجد حديث اللبنة ليس فى رواياته لبنة ذهب ولبنة فضة وإنما سماه موضع لبنة من بناء والرجل يخلطه بحديث أخر عن كونه الجنة فيها لبنة من ذهب ولبنة من فضة
ونجد الرجل الذى وصف الرسول(ص) الخاتم ونفسه باعتباره الولى الخاتم بالعلم ينفى عن النبى(ص) العلم باللبنة الثانية مع أنه كولى أخذ علمه من النبى(ص) وهوكاذب قطعا فى كلامه وهو قوله " غير أنه (ص) يراها كما قال لبنة واحدة "وأما الولى المزعوم فيراها لبنتين
وكرر خطأ أخذ الرسل(ص) السابقين من خاتم الرسل(ص) اللاحق لهم بعد أزمان متطاولة بقوله" فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وان تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله (ص) «كنت نبيا وادم بين الماء والطين»
والخطأ أن الولى حسنة من حسنات محمد(ص) الذى مات وجاء بعده الرجل الولى الخاتم بقرون فكيف يعمل الميت حسنات وهو لا يقدر على نفع ولا ضرر
والخطأ أيضا سيادة محمد(ص) مع أن الآخرة ليس فيها سيادة ولا حتى فى الدنيا لقوله تعالى فى كل المسلمين ومنهم الرسل(ص)"اخوانا على سرر متقابلين"وقوله"إنما المؤمنون اخوة"
والسؤال كيف يكون الأخ سيد أخيه إذا وهم فى مستوى واحد؟
والآخرة الأمر فيه لله وحده كما قال " والأمر يومئذ لله "
ثم قال :
"وأما المنح الأسمائية: فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي كلها من الأسماء فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني وأما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، وهو عطاء إلهي، فإن العطاء الإلهي لا يتمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أولا ينيل الغرض وما أشبه ذلك وتارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب، فيعطي لينعم لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل وما هو عليه فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما ومعتنى به ومحفوظا وغير ذلك مما شاكل هذا النوع والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر «ف أعطى كل شيء خلقه» على يدي العدل واخوانه"
والخطأ أن عطاء الله يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء وهو خبل فالأسماء ليس فيها مثلا العاطى والمنان والمانح والواهب فالله هو العاطى والأسماء مجرد ألفاظ كما قال تعالى :
"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها من بعده"
وأصل العطايا فى الدنيا ليس رحمة ولا نقمة وإنما ه ابتلاء كما قال تعالى :
"ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
ومن ثم لوكان هناك لفظ أحق لكان اسم المبتلى ولكنه غير موجود فى الأسماء المعروفة لديه ولدينا حاليا
ويكمل الرجل الخبل فيقول :
" واسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناه- وان كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء "
الرجل هنا ينسب العلم بما يكون عنها إلى الأسماء وكأنها هى الله وهو ما يناقض كونه كما قال:
" وكان الله بكل شىء عليما"
فالأسماء وهى الألفاظ لا تعلم ما يكونن منها أو من غيرها وأكمل قائلا:
"وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وان كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميز الأسماء فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شيء يتكرر أصلا هذا هو الحق الذي يعول عليه "
وحكاية تميز الأسماء كلها خطأ بالغ فالأسماء منها الواحد المعنى مثل الخبير والعليم والمحيط والبصير والسميع ومثل العدل والمقسط ومثل الرحمن والرحيم وذو الرحمة وأرحم الراحمين ثم زعم المؤلف أن العلم بالأسماء كان شيث فقال :
"وهذا العلم كان علم شيث (ص)، وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، وان كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف بذلك، كالجليل والجميل، وكالظاهر والباطن والأول والآخر وهو عينه ليس غير فيعلم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها، فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه فمنه خرج واليه عاد فما أتاه غريب لمن عقل عن الله "
نجد التخاريف فى الفقرة هى وجود ولد لآدم(ص) يدعى شيث وهذا ليس فى الوحى وألأغرب أن يكون نبيا أو رسولا فى حياة والده وهوكلام لا يعقل فالرسل (ص) يكونون فى حالة وجود مجتمع كافر والمجتمع الأول لم يكن فيه كافر إلا الولد القاتل
ونجد الجنون فى القول بأن روح شيث هى الممد لكل الأرواح عدا روح الخاتم "وروحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم "
وقطعا الممد وحده هو الله لكون الفرد ميت لا يملك من أمره ولا أمر غيره شىء وناقض الرجل كلامه بالقول أن روج الخاتم هى الممدة لكل الأرواح حتى شيث بقوله"فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح"
ثم أكمل قائلا :
"وكل عطاء في الكون على هذا المجرى فما في أحد من الله شيء، وما في أحد من سوى نفسه شيء وان تنوعت عليه الصور وما كل أحد يعرف هذا، وان الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى ...وقد تعطيه عين ما يظهر منها فتقابل اليمين منها اليمين من الرائي، وقد يقابل اليمين اليسار وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمين اليمين ويظهر الانتكاس وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا فمن عرف استعداده عرف قبوله..."
يتحدث الرجل ها خرق العادة وهو المعجزة فيقول" وبخرق العادة يقابل اليمين اليمين ويظهر الانتكاس" وقد منع الله الآيات وهى المعجزات فى عهد محمد(ص) فقال :
"وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
والمرايا قوانينها معروفة لا تتغير فى دنيانا ثم أخبرنا الرجل بخبر لا أصل له من أخبار الغيب فقال :
"وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع فهو خاتم الأولاد وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل بلده ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة "
وهذا الكلام افتراء على الله فلا وجود لهذا الكلام فى الوحى ومن ثم فهو يدعى علم الغيب وهو شىء خاص بالله وحده كما قال تعالى :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ثم تحدث عن الفص النوحى فيخبرنا بإزالة الشرع باعتبار ظاهره ويصفه بأن من يعتقده جاهل أو سيىء ألأدب فقال :
- فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد فالمنزه إما جاهل وأما صاحب سوء أدب ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك فقد أساء الأدب واكذب الحق والرسل (ص) وهولا يشعر، ويتخيل أنه في الحاصل وهو من الفائت وهوكمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان فإن للحق في كل خلق ظهورا: فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته: ...ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه بالوصفين على الإجمال- لأنه يستحيل ذلك على التفصيل لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه مجملا لا على التفصيل كما عرف نفسه مجملا لا على التفصيل ولذلك ربط النبي (ص) معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: «من عرف نفسه عرف ربه» وقال تعالى:«سنريهم آياتنا في الآفاق» وهو ما خرج عنك «وفي أنفسهم» وهو عينك، «حتى يتبين لهم» أي للناظر «أنه الحق» من حيث إنك صورته وهو روحك فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك "
والخطأ هنا هو أن الإنسان صورة الله وهو ما يناقض قوله فى الفقرة قبل السابقة أن الله شىء والمخلوق شىء أخر " فما في أحد من الله شيء، وما في أحد من سوى نفسه شيء وان تنوعت عليه الصور"
والخبل هو القول بالتشبيه فى الله مع قوله تعالى " ليس كمثله شىء"
ويتكلم مكملا مقولة وحدة الوجود أى الحلول وهى كون الكون الله والله الكون فيقول:
"والحد يشمل الظاهر والباطن منك: فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها إنها صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ولا ينطبق عليها اسم الإنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة وصور العالم لا يمكن زوال الحق عنها أصلا فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان إذا كان حيا وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثني بلسانها على روحها ونفسها والمدبر لها، كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا وان قلت بالتشبيه كنت محددا
وان قلت بالأمرين كنت مسددا وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا واياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في عين الأمور مسرحا ومقيدا"
والرجل هنا يعلن جهله بتسبيح المخلوقات فيقول" كذلك جعل الله صورة العالم تسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور "وهو ما يناقض ادعاءه العلم بالغيب
وحال الرجل إثبات التنزيه والتشبيه معا فقال :
قال الله تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه وثنى، «وهو السميع البصير» فنزه وافرد
لو ان نوحا (ص)جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا» وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا» وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح (ص)في حق قومه من إجابة دعوته فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح (ص)في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم، وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان، ومن أقيم في القرآن لا يصغي إلى الفرقان وان كان فيه فإن القرآن يتضمن الفرقان والفرقان لا يتضمن القرآن ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد (ص) وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس "
والخطأ وجود القرآن والفرقان وأن الفرقان موجود فى القرآن بينما القرآن فيه الفرقان وهو تخريف فالفرقان هو القرآن نفسه
والخطأ الثانى اختصاص القرآن بمحمد (ص) وأمته وأولا لا يوجد أمة خاصة بمحمد(ص) إلا قومه الكفار وأما المسلمين فهم أمتهم أو امة الله وأما القرآن فقد نزل على كل أمة كما قال تعالى "وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربى مبين وإنه لفى زبر الأولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى إسرائيل"
فالقرآن موجود فى كتب الأولين
ويحاول الرجل تحريف الألفاظ عن معناها فيفسر الجهر والإسرار بتفسيرات غير المعروفة فيقول:
" «ف ليس كمثله شيء» يجمع الأمرين في أمر واحد فلو ان نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم و روحانيتهم فإنها غيب «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم ، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه (ص) لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه (ص) إنه أوتي جوامع الكلم فما دعا محمد (ص) قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل فقال نوح في حكمته لقومه: «يرسل السماء عليكم مدرارا» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «ويمددكم بأموال» أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم «و ولده» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر «إلا خسارا، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: وهو في المحمديين «وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»، وفي نوح «ألا تتخذوا من دوني وكيلا» فأثبت الملك لهم والوكالة لله فيهم فهم مستخلفون فيه فالملك لله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك كما قال الترمذي رحمه الله «ومكروا مكرا كبارا»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو لأنه ما عدم من البداية فيدعي إلى الغاية «أدعوا إلى الله» فهذا عين المكر، «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وانما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله في المحمديين «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد"
هنا حرف الرجل المعانى المعروفة لتوافق خبله فيما سماه صحة التنزيه والتشبيه معا
والغريب فى الفقرة السابقة أنه يعلن أن عدم إيمان قوم نوح(ص)بسبب عدم وجود ليس كمثله شىء التى تعنى التنزيه والتشبيه مع أنه قال فى فقرة سابقة أنها تعنى التنزيه وهو قوله" قال الله تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه"مع أن قوم محمد(ص) نفسه مع وجود القول لم يؤمنوا كقوم نوح(ص) وهو قوله " وما أكثر الناس لو حرصت بمؤمنين"
ونجد الخبل فى تسمية المسلمين المحمديين وهى تسمية ليست من الدين فى شىء بل هى كفر لأن معناها عبادة محمد(ص) وليس عبادة الله
ويكمل الرجل تخاريفه فيدعى أن عابد الصنم وغيره من الآلهة المفتراة إنما يعبد الله فيقول:
" وان التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره ولهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة وشجرا وكوكبا ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله ولا الإله والأعلى ما تخيل بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى » والأعلى العالم يقول:«فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «وبشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة"
ويكمل تخاريفه فيدعى أن المسلم الذى يسميه المحمدى محتار يطلب التحير فى الله وهو لى لعنق الآيات فالرجل جعل الآية فى المنافقين آية فى المؤمنين فقال :
«وقد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب «ولا تزد الظالمين»لأنفسهم «المصطفين» الذين أورثوا الكتاب، أول الثلاثة فقدمه على المقتصد والسابق «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه واذا أظلم عليهم قاموا» فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه، وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من والى وما بينهما وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» ولا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم "
ويعمل الرجل على تحوير المعانى فيجعل الخطيئات وهى الكفر أى السيئات غرق فى بحار العلم بالله وهو يصف العلم بلحيرة فيقول:
"«مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين «واذا البحار سجرت»: سجرت التنور إذا أوقدته «فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا» فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد فلو اخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وان كان الكل لله وبالله بل هو الله «قال نوح رب» ما قال إلهي، فإن الرب له الثبوت والإله يتنوع بالأسماء فهو كل يوم في شأن فأراد بالرب ثبوت التلوين إذ لا يصح إلا هو «لا تذر على الأرض» يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها المحمدي «لو دليتم بحبل لهبط على الله»"
ونلاحظ العبارة الأخيرة التى تدل على كون الله فى الكون «لو دليتم بحبل لهبط على الله»"وهو عبارة خاطئة فلو كنا نحن الكون فالمعنى أن الله يعذب وينعم نفسه من خلال تعذيب وتنعيم المخلوقات التى هى فى تلك الحال أجزائه وهو ما يتنافى مع وحدانيته وأحديته
ويلوى عنق الجمل القرآنية والكلمات فيجعل الحيرة أساس كل شىء فيقول:
" «له ما في السماوات وما في الأرض» واذا دفنت فيها فأنت فيها وهي ظرفك: «وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى » لاختلاف الوجوه «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب «ولا يلدوا» أي ما ينتجون ولا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره، ولا الكافر في كفره، والشخص واحد «رب اغفر لي» أي استرني واستر من أجلي فيجهل قدري ومقامي كما جهل قدرك في قولك: «وما قدروا الله حق قدره» "
ويحرف معنى الوالدين إلى العقل والطبيعة والبيت وهو السفينة إلى القلب فيقول:
"«ولوالدي»: من كنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة «ولمن دخل بيتي» أي قلبي «مؤمنا» مصدقا بما يكون فيه من الإخبارات الإلهية وهوما حدثت به أنفسها «وللمؤمنين» من العقول «والمؤمنات» من النفوس «ولا تزد الظالمين»: من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية «إلا تبارا» أي هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين «كل شيء هالك إلا وجهه» والتبار الهلاك ومن أراد أن يقف على أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك نوح، وهو في التنزلات الموصلية لنا والله يقول الحق"
والتحريف واضح فالبيت لا يمكن أن يكون القلب لأن الله حدده بقوله" اركبوا فيها "
وتحدث عن الفص الإدريسى المزعوم فقال :
"- فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
العلو نسبتان، علو مكان وعلو مكانة فعلو المكان «ورفعناه مكانا عليا» واعلى الأمكنة المكان الذي تدورعليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس، وفيه مقام روحانية إدريس (ص)وتحته سبعة أفلاك وفوقه سبعة أفلاك وهو الخامس عشر فالذي فوقه فلك الأحمر وفلك المشترى وفلك كيوان وفلك المنازل والفلك الأطلس فلك البروج وفلك الكرسي وفلك العرش والذي دونه فلك الزهرة وفلك الكاتب، وفلك القمر، وكرة الأثير، وكرة الهوى، وكرة الماء، وكرة التراب فمن حيث هو قطب الأفلاك هو رفيع المكان "
ما قاله عن وجود الشمس فى أعلى الأماكن وهو قوله "وأعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس"يناقض قوله عن وجود سبعة فوقع فى قوله" فالذي فوقه فلك الأحمر وفلك المشترى"
والكل يخالف كتاب الله فكل الكواكب وهى النجوم وهى المصابيح فى أسفل مكان من السماء وهو السماء الدنيا كما قال تعالى:
" ولقد زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"
وقال"
"إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب "
وتحدث عن علو المكانة فزعم أنها للمحمديين فقال :
"وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين قال الله تعالى«وأنتم الأعلون والله معكم» في هذا العلو، لا عن المكانة .."
ولا يوجد محمديين عند الله وإنما يوجد مسلمين فهى تسمية لا يقرها الشرع والتسمية القرآنية أيضا ربانيين فمحمد(ص) ليس خالق وإنما مخلوق مماثل للناس كما قال " قل إنما انا بشر مثلكم" والنسبة تكون للخالق وليس لمخلوق
ومع أنه نفى المكان عن الله فى الفقرة السابقة بقوله " وهو يتعالى عن المكان" إلا أنه أثبته فى الفقرة التالية بقوله: فعلو المكان كالرحمن على العرش استوى" فقال :
" ومن أعجب الأمور كون الإنسان أعلى الموجودات، أعني الإنسان الكامل، وما نسب إليه العلو الا بالتبعية، إما إلى المكان وأما إلى المكانة وهي المنزلة فما كان علوه لذاته فهو العلي بعلو المكان وبعلو المكانة فالعلو لهما فعلو المكان كالرحمن على العرش استوى » وهو اعلى الأماكن " وعلو المكانة «كل شيء هالك إلا وجهه»، و «إليه يرجع الأمر كله»، «أإله مع الله» ولما قال الله تعالى «ورفعناه مكانا عليا» فجعل «عليا» نعتا للمكان، «واذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة»، فهذا علو المكانة "
وتحدث عن اسم الله العلى وتحدث عن كون الله هو عين الموجودات أى أنه هو الكون نفسه فقال :
...ومن أسمائه الحسنى العلي على من وما ثم إلا هو؟ فهو العلي لذاته أوعن ما ذا وما هو الا هو؟ فعلوه لنفسه وهو من حيث الوجود عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو فهو العلي لا علو اضافة، لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه ما شمت رائحة من الموجود، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات والعين واحدة من المجموع في المجموع فوجود الكثرة في الأسماء، وهي النسب، وهي أمور عدمية وليس إلا العين الذي هو الذات فهو العلي لنفسه لا بالإضافة فما في العالم من هذه الحيثية علو اضافة، لكن الوجوه الوجودية متفاضلة فعلو الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجود الكثيرة لذلك نقول فيه هو لا هو، أنت لا أنت "
والكلام فى أوله كلام العقلاء وفيما بعد كلام المجانين أو الكفار فهو يكرر نفس الخطأ وهو الحلول والاتحاد والخطأ أيضا القول عن ألعيان أنها عدمية بقوله " لأن الأعيان التي لها العدم" ويعود فيجعلها موجودة لكونه ذات العلى فيقول "وليس إلا العين الذي هو الذات فهو العلي لنفسه" ويرجع عن كلامه فهو يجعل الشىء موجود وغير موجود بقوله "لذلك نقول فيه هو لا هو، أنت لا أنت"
ثم نقل عن الخراز مدعيا كونه الحق وهو الله أو بعض من وجوه الله بأن الله لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد فقال :
"قال الخراز وهو وجه من وجوه الحق ولسان من ألسنته ينطق عن نفسه بأن الله تعالى لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها فهو الأول والآخر والظاهر والباطن فهو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره، وما ثم من يبطن عنه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه وغير ذلك من أسماء المحدثات فيقول الباطن لا إذا قال الظاهر أنا، ويقول الظاهر لا إذا قال الباطن أنا وهذا في كل ضد، والمتكلم واحد وهو عين السامع يقول النبي (ص) «وما حدثت به أنفسها» فهي المحدثة السامعة حديثها، العالمة بما حدثت به أنفسها، والعين واحدة واختلفت الأحكام ولا سبيل إلى جهل مثل هذا فإنه يعلمه كل إنسان من نفسه وهو صورة الحق "
والخطأ هنا هو أن الأقوال التى يقول عنها أنها الحقائق يعلمها كل إنسان من نفسه وهو ما يناقض أن العلم يكون من الوحى لا من النفس كما قال تعالى :
" إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم"
وقال:
"وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم "
وقال كلاما عن الأعداد فقال :
"فاختلطت الأمور وظهرت الأعداد بالواحد في المراتب المعلومة فأوجد الواحد العدد، وفصل العدد الواحد، وما ظهر حكم العدد إلا المعدود والمعدود منه عدم ومنه وجود، فقد يعدم الشيء من حيث الحس وهو موجود من حيث العقل فلا بد من عدد ومعدود، ولا بد من واحد ينشئ ذلك فينشأ بسببه فإن كل مرتبة من العدد حقيقة واحدة كالتسعة مثلا والعشرة إلى أدنى والى أكثر إلى غير نهاية، ما هي مجموع، ولا ينفك عنها اسم جمع الآحاد فإن الاثنين حقيقة واحدة والثلاثة حقيقة واحدة بالغا ما بلغت هذه المراتب، وان كانت واحدة فما عين واحدة منهن عين ما بقي فالجمع يأخذها فنقول بها منها، ونحكم بها عليها قد ظهر في هذا القول عشرون مرتبة، فقد دخلها التركيب فما تنفك تثبت عين ما هو منفي عندك لذاته ومن عرف ما قررناه في الأعداد، وان نفيها عين إثباتها، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وان كان قد تميز الخلق من الخالق "
ونجد الخبل فى القول "ومن عرف ما قررناه في الأعداد، وان نفيها عين إثباتها، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه" فقد جعل النافى هو نفسه المثبت وهى كلمة لا يقولها إلا مجنون أو كافر يقصد تضليل الناس وهو يستدل على الخبل الذى وصل فى الأعداد إلى نتيجة وهى كون الله المنوه نفسه هو نفسه الله الذى يشبه الخلق وهو مقولة سبق أن قالها سابقا وناقشناها وقد ناقشت أحدهم فى منتدى فى الموضوع نفسه ولم يقتنع حتى قلت له كلمة من باب العلم واعتبروها من قلة الأدب وهو أن الزوج المجامع يكون فى تلك الحالة مجامع لله تعالى عن ذلك ومن يزنى مع أحد يزنى بالله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ولكن القوم لا يفقهون
ودخل بنا لتحريف وتخريف تالى وهو :
" فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق كل ذلك من عين واحدة، لا، بل هو العين الواحد وهو العيون الكثيرة فانظر ماذا ترى «قال يا أبت افعل ما تؤمر»، والولد عين أبيه فما رأى يذبح سوى نفسه «وفداه بذبح عظيم»، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان وظهر بصورة ولد لا بل بحكم ولد من هو عين الوالد «وخلق منها زوجها»: فما نكح سوى نفسه فمنه الصاحبة والولد والأمر واحد في العدد فمن الطبيعة ومن الظاهر منها، وما رأيناها نقصت بما ظهر منها ولا زادت بعدم ما ظهر؟ وما الذي ظهر غيرها"
الرجل هنا اعتبر الولد هو الوالد والزوج هو الزوجة لاويا عنق الآيات وما قاله يؤدى بنا إلى نتيجة واحدة وهى أن الكل فى النهاية هو واحد هو الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وهذا يعنى أنه لا يوجد ثواب ولا عقاب ولا كفر ولا إسلام فالله تعالى عن ذلك يلاعب نفسه فى صورة الخلق فيعذب نفسه ويثيب نفسه وأما نحن فلا وجود لنا
وتحدث عن كون العالم محير بقوله" فما ثم إلا حيرة لتفرق النظر" ثم نفى الحيرة مناقضا نفسه فقال "ومن عرف ما قلناه لم يحر" وهو قوله :
"وما هي عين ما ظهر لاختلاف الصور بالحكم عليها: فهذا بارد يابس وهذا حار يابس: فجمع باليبس وابان بغير ذلك والجامع الطبيعة، لا، بل العين الطبيعية فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة، لا، بل صورة واحدة في مرايا مختلفة فما ثم إلا حيرة لتفرق النظر ومن عرف ما قلناه لم يحر "
وآتانا بالخبل الموجود فى أقوال المتكلمين عندما يقولون عن الشىء ليس هو ولا غيره فقال:
"... وأما غير مسمى الله مما هو مجلى له أو صورة فيه، فإن كان مجلى له فيقع التفاضل- لابد من ذلك- بين مجلى ومجلى، وان كان صورة فيه فتلك الصورة عين الكمال الذاتي لأنها عين ما ظهرت فيه فالذي لمسمى الله هو الذي لتلك الصورة ولا يقال هي هو ولا هي غيره "
وقطعا الشىء الذى نشير إليه إما نفسه أو غيره ولكنه لا يمكن أن لا يكون لا هو ولا غيره
ونقل كلاما عن القسى ناقض به كلامه عن علو مكانة الله بقوله" فهو العلي بعلو المكان وبعلو المكانة " فى فقرة سابقة وكلام القسى هو :
" وقد أشار أبو القاسم بن قسي في خلعه إلى هذا بقوله: إن كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء الإلهية وينعت بها وذلك أن كل اسم يدل على الذات وعلى المعنى الذي سيق له ويطلبه ...فإذا فهمت أن العلي ما ذكرناه علمت أنه ليس علو المكان ولا علو المكانة، فإن علو المكانة يختص بولاة الأمر كالسلطان والحكام والوزراء والقضاة وكل ذي منصب سواء كانت فيه أهلية لذلك المنصب أولم تكن، والعلو بالصفات ليس كذلك، .."
ثم حدثنا عن الفص الإبراهيمى المزعوم فقال :
- فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
إنما سمي الخليل خليلا لتخلله وحصره جميع ما اتصفت به الذات الإلهية قال الشاعر:
قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلا
كما يتخلل اللون المتلون، فيكون العرض بحيث جوهره ما هوك المكان والمتمكن، أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم (ص)"
والحق أن تسمية الخليل لا تعنى ما قاله الرجل أو الناس وإنما هو من الخلة بمعنى الله اختاره أى اصطفاه من بين الناس ليكون رسولا فالخلة هى نفسها هى اختياره رسولا وأما ما قاله من كونه فى الله أو الله فيه فهو كفر محض لأنه معناه أن الله الخالق هو نفسه إبراهيم(ص) المخلوق
وهو ما كررخه فى الفقرة التالية:
"وكل حكم يصح من ذلك، فإن لكل حكم موطنا يظهر به لا يتعداه ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات، واخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص وبصفات الذم؟ ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها وكلها حق له كما هي صفات المحدثات حق للحق ... اعلم أنه ما تخلل شيء شيئا إلا كان محمولا فيه فالمتخلل اسم فاعل- محجوب بالمتخلل- اسم مفعول فاسم المفعول هو الظاهر، واسم الفاعل هو الباطن المستور وهو غذاء له كالماء يتخلل الصوفة فتربو به وتتسع فإن كان الحق هو الظاهر فالخلق مستور فيه، فيكون الخلق جميع أسماء الحق سمعه وبصره وجميع نسبه وادراكاته وان كان الخلق هو الظاهر فالحق مستور باطن فيه، فالحق سمع الخلق وبصره ويده و رجله وجميع قواه كما ورد في الخبر الصحيح ثم إن الذات لو تعرت عن هذه النسب لم تكن إلها وهذه النسب أحدثتها أعياننا: فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها، فلا يعرف حتى نعرف قال(ص): «من عرف نفسه عرف ربه» وهو اعلم الخلق بالله "
وهذا التكرار لكوننا آلهة والمنقول فيما يبدو من العهدين القديم والجديد هو خبل عقلى أو تضليل للناس فإنا كنا آلهة أو نحن الله كما يزعم فلما نعذب أنفسنا أو نعذب بعضنا ؟
وتحدث مناقشا رأيا للغزالى فقال :
"فإن بعض الحكماء وابا حامد ادعوا أنه يعرف الله من غير نظر في العالم وهذا غلط نعم تعرف ذات قديمة أزلية لا يعرف أنها إله حتى يعرف المألوه فهو الدليل عليه ثم بعد هذا في ثاني حال يعطيك الكشف أن الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه وعلى ألوهيته، وان العالم ليس إلا تجليه في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل وجودها بدونه، وانه يتنوع ويتصور بحسب حقائق هذه الأعيان واحوالها، وهذا بعد العلم به منا أنه إله لنا ثم يأتي الكشف الآخر فيظهر لك صورنا فيه، فيظهر بعضنا لبعض في الحق، فيعرف بعضنا بعضا، ويتميز بعضنا عن بعض فمنا من يعرف أن في الحق وقعت هذه المعرفة لنا بنا، ومنا من يجهل الحضرة التي وقعت فيها هذه المعرفة بنا: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين وبالكشفين معا ما يحكم علينا إلا بنا، لا، بل نحن نحكم علينا بنا ولكن فيه، ولذلك قال «فلله الحجة البالغة»: يعني على المحجوبين إذ قالوا للحق لم فعلت بنا كذا وكذا مما لا يوافق أغراضهم، «فيكشف لهم عن ساق»: وهو الأمر الذي كشفه العارفون هنا، فيرون أن الحق ما فعل بهم ما ادعوه أنه فعله وان ذلك منهم، فإنه ما علمهم إلا على ما هم عليه، فتدحض حجتهم وتبقى الحجة لله تعالى البالغة فإن قلت فما فائدة قوله تعالى: «فلو شاء لهداكم أجمعين» قلنا «لو شاء» لو حرف امتناع لامتناع: فما شاء إلا ما هو الأمر عليه ولكن عين الممكن قابل للشيء ونقيضه في حكم دليل العقل، واي الحكمين المعقولين وقع، ذلك هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته "
والمناقشة الجنونية تستبعد تماما وحى الله الذى تتم به المعرفة وهى العلم إلى خبل الكشف وخبل الفلسفة فالله يعرف من خلال وحيه فقط ولا يعرف من خلال الكشف المزعوم الذى لا وجود له ولا من خلال عدم النظر فى العالم فالعلم يتم من خلال الوحى وهو الكتاب كما قال تعالى " وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه"
ولوى الرجل عنق الجمل القرآنية فقال :
ومعنى «لهداكم» لبين لكم: وما كل ممكن من العالم فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمر في نفسه على ما هو عليه: فمنهم العالم والجاهل فما شاء، فما هداهم أجمعين، ولا يشاء، وكذلك «إن يشأ»: فهل يشاء؟ هذا ما لا يكون فمشيئته أحدية التعلق وهي نسبة تابعة للعلم والعلم نسبة تابعة للمعلوم والمعلوم أنت واحوالك فليس للعلم أثر في المعلوم، بل للمعلوم أثر في العلم فيعطيه من نفسه ما هو عليه في عينه وانما ورد الخطاب الإلهي بحسب ما تواطأ عليه المخاطبون وما أعطاه النظر العقلي، ما ورد الخطاب على ما يعطيه الكشف ولذلك كثر المؤمنون وقل العارفون أصحاب الكشوف وما منا إلا له مقام معلوم»"
فالرجل هنا قسم الناس على حسب الخطاب للمؤمنين كثرة وعارفين قلة وهو ما يخالف أن العارفين وهم العالين لا يكونن إلا مؤمنين كما قال تعالى " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا"
وقال :
"وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربهم فيؤمنوا به"
ويتحدث مكررا حكاية الحلول والاتحاد فى كون الإنسان هو الحاكم أى الله الحاكم ويفترى فيجعل لله غذاء ويجعل الإنسان معبود وعابد وحامد ومحمود فيقول:
"..وان ثبت أنك الموجود فالحكم لك بلا شك وان كان الحاكم الحق، فليس له إلا إفاضة الوجود عليك والحكم لك عليك فلا تحمد إلا نفسك ولا تذم إلا نفسك، وما يبقى للحق إلا حمد إفاضة الوجود لأن ذلك له لا لك فأنت غذاؤه بالأحكام، وهو غذاؤك بالوجود فتعين عليه ما تعين عليك فالأمر منه إليك ومنك إليه غير أنك تسمى مكلفا وما كلفك إلا بما قلت له كلفني بحالك وبما أنت عليه ولا يسمى مكلفا: اسم مفعول
فيحمدني واحمده ويعبدني واعبده
ففي حال أقر به وفي الأعيان أجحده
فيعرفني وانكره واعرفه فأشهده
فأنى بالغنى وانا أساعده فأسعده؟
لذاك الحق أوجدني فأعلمه فأوجده
بذا جاء الحديث لنا وحقق في مقصده "
وكل هذا تخريف لا يصح فى وحى الله فما قال الله أبدا أنه يعبدنا وإنما نحن من نعبده كما فى قوله" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
ويكرر الخبل السابق فيقول:
ولما كان للخليل هذه المرتبة التي بها سمي خليلا لذلك سن القرى، وجعله ابن مسرة مع ميكائيل للأرزاق ، وبالأرزاق يكون تغذي المرزوقين فإذا تخلل الرزق ذات المرزوق بحيث لا يبقى فيه شيء إلا تخلله، فإن الغذاء يسري في جميع أجزاء المغتذي كلها وما هنالك أجزاء فلا بد أن يتخلل جميع المقامات الإلهية المعبر عنها بالأسماء فتظهر بها ذاته جل وعلا
فنحن له كما ثبتت أدلتنا ونحن لنا
وليس له سوى كوني فنحن له كنحن بنا
فلي وجهان هو وانا وليس له أنا بأنا
ولكن في مظهره فنحن له كمثل إنا
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل "
وتحدث فى الفص الإسحاقى المزعوم فقال :
"فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية|:
فداء نبي ذبح لقربان واين ثؤاج الكبش من نوس إنسان
وعظمه الله العظيم عناية بنا أوبه لا أدر من أي ميزان
ولا شك أن البدن أعظم قيمة وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته شخيص كبيش عن خليفة رحمان
أ لم تدر أن الأمر فيه مرتب وفاء لإرباح ونقص لخسران؟
فلا خلق أعلى من جماد وبعده نبات على قدر يكون واوزان
وذو الحس بعد النبت والكل عارف بخلاف كشفا وايضاح برهان
وأما المسمى آدما فمقيد بعقل وفكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل والمحقق مثلنا لأنا واياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته يقول بقولي في خفاء واعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ولا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم والبكم الذين أتى بهم لأسماعنا المعصوم في نص قرآن
اعلم أيدنا الله واياك أن إبراهيم الخليل (ص)قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة "
مما سبق نجد ابن عربى أو أيا من ألف الكتاب يخالف كتاب الله فى كون المفدى إسماعيل (ص) لأن ألايات التى أتت بعد القصة تحدثت عن ولادة إسحاق فلو كان هو لكان مكان آيات التبشير به قبل القصة وليس بعدها
ألا ترى كيف قال رسول الله (ص) لأبي بكر في تعبير الرؤيا:
«أصبت بعضا واخطأت بعضا» فسأله أبوبكر أن يعرفه ما أصاب فيه وما أخطأ فلم يفعل وقال الله تعالى لإبراهيم (ص)حين ناداه:
«أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا» وما قال له صدقت في الرؤيا أنه ابنك: لأنه ما عبرها، بل أخذ بظاهر ما رأى، والرؤيا تطلب التعبير ولذلك قال العزيز «إن كنتم للرءيا تعبرون» ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر فكانت البقر سنين في المحل والخصب فلو صدق في الرؤيا لذبح ابنه، وانما صدق الرؤيا فيأن ذلك عين ولده، وما كان عند الله إلا الذبح العظيم في صورة ولده ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم (ص): ما هو فداء في نفس الأمر عند الله فصور الحس الذبح وصور الخيال ابن إبراهيم (ص) فلو رأى الكبش في الخيال لعبره بابنه أو بأمر آخر ثم قال «إن هذا لهو البلاء المبين» أي الاختبار المبين أي الظاهر يعني الاختبار في العلم: هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا؟ لأنه يعلم أن موطن الخيال يطلب التعبير: فغفل فما وفى الموطن حقه،"
والكلام السابق وهو اعتراف المؤلف بكون الذبيح وهو بالأحرى المفدى لأنه لم يذبح ابن ابراهيم(ص) يخالف قوله فى فص إبراهيم(ص) أن الذبيح هو عينه الوالدإبراهيم(ص) وهو قوله" فانظر ماذا ترى «قال يا أبت افعل ما تؤمر»، والولد عين أبيه فما رأى يذبح سوى نفسه «وفداه بذبح عظيم»، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان وظهر بصورة ولد لا بل بحكم ولد من هو عين الوالد "
ونقل الرجل خبلا فى رؤيا النبى الأخير(ص) فى المنام فقال :
وصدق الرؤيا لهذا السبب كما فعل تقي بن مخلد الإمام صاحب المسند، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنه (ص)قال: «من رآني في النوم فقد رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل على صورتي» فرآه تقي بن مخلد وسقاه النبي (ص) في هذه الرؤيا لبنا فصدق تقي بن مخلد رؤياه فاستقاء فقاء لبنا ولو عبر رؤياه لكان ذلك اللبن علما فحرمه الله علما كثيرا على قدر ما شرب ألا ترى رسول الله (ص) أتي في المنام بقدح لبن: «فشربته حتى خرج الري من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر» قيل ما أولته يا رسول الله؟ قال العلم، وما تركه لبنا على صورة ما رآه لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضيه من التعبير وقد علم أن صورة النبي (ص) التي شاهدها الحس أنها في المدينة مدفونة، وان صورة روحه ولطيفتهما شاهدها أحد من أحد ولا من نفسه كل روح بهذه المثابة فتتجسد له روح النبي في المنام بصورة جسده كما مات عليه لا يخرم منه شيء فهو محمد (ص) المرئي من حيث روحه في صورة جسدية تشبه المدفونة لا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده (ص) عصما من الله في حق الرائي ولهذا من رآه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا من الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل أو ما كان فإن أعصاه شيئا فإن ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير، فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها وبهذا القدر وعليه اعتمد إبراهيم (ص)وتقي بن مخلد "
والنبى الأخير(ص) أو غيره من الرسل (ص)لا يمكن رؤيتهم على الصورة الجسمانية لأننا لم نراهم لموتهم قبلنا بأزمان متطاولة ومن ثم لن نعرفهم لو رأيناهم فى المنام وإنما يروا فى صورة نور يقال عنه الرسول
ويعود لمقولاته المتكررة فيقول عن رؤية الله فى صور فى الدنيا كما يرى فى الآخرة :
"ولما كان للرؤيا هذان الوجهان، وعلمنا الله: فيما فعل بإبراهيم وما قال له: الأدب لما يعطيه مقام النبوة، علمنا في رؤيتنا الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي أن نعبر تلك الصورة بالحق المشروع إما في حق حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أوهما معا وان لم يردها الدليل العقلي أبقيناها على ما رأيناها كما نرى الحق في الآخرة سواء
فللواحد الرحمن في كل موطن من الصور ما يخفي وما هو ظاهر
فإن قلت هذا الحق قد تك صادقا وان قلت أمرا آخرا أنت عابر
وما حكمه في موطن دون موطن ولكنه بالحق للخلق سافر
إذا ما تجلى للعيون ترده عقول ببرهان عليه تثابر
ويقبل في مجلى العقول وفي الذي يسمى خيالا والصحيح النواظر"
وقطعا هذا مخالف تماما لقوله تعالى" لن ترانى"
وينقلنا الرجل لقول للبسطامى معناه الجملة المعروفة ما وسعنى أرضى ولا سمائى ولكن وسعنى قلبى عبدى المؤمن فيقول:
"يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام بل أقول لو ان ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى وقد قال ذلك أبو يزيد ولقد نبهنا على هذا المقام بقولنا:
يا خالق الأشياء في نفسه أنت لما تخلقه جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه فيه بك فأنت الضيق الواسع
لو أن ما قد خلق الله ما لا ح بقلبي فجره الساطع
من وسع الحق فما ضاق عن خلق فكيف الأمر يا سامع؟"
وهذا الكلام هو وهم من الأوهام التى حاول الرجل نشرها فالكلمة لو كانت صادقة وهى غير صادقة فهى تعنى دين الله ولا تعنى الذات الإلهية
ويتحدث عن التخيل فيقول:
"بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها، وهذا هو الأمر العام والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة ولكن لا تزال الهمة تحفظه ولا يئودها حفظه، أي حفظ ما خلقته فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق عدم ذلك المخلوق، إلا أن يكون العارف قد ضبط جميع الحضرات وهولا يغفل مطلقا، بل لا بد من حضرة يشهدها فإذا خلق العارف بهمته ما خلق وله هذه الإحاطة ظهر ذلك الخلق بصورته في كل حضرة، وصارت الصور يحفظ بعضها بعضا فإذا غفل العارف عن حضرة ما أوعن حضرات وهو شاهد حضرة ما من الحضرات، حافظ لما فيها من صورة خلقه، احفظ تجميع الصور بحفظه تلك الصورة الواحدة في الحضرة التي ما غفل عنها، لأن الغفلة ما تعم قط لا في العموم ولا في الخصوص
وقد أوضحت هنا سرا لم يزل أهل الله يغارون على مثل هذا أن يظهر لما فيه من رد دعواهم أنهم الحق، فإن الحق لا يغفل والعبد لا بد له أن يغفل عن شيء دون شيء فمن حيث الحفظ لما خلق له أن يقول «أنا الحق»، ولكن ما حفظه لها حفظ الحق: وقد بينا الفرق ومن حيث ما غفل عن صورة ما وحضرتها فقد تميز العبد من الحق ولا بد أن يتميز مع بقاء الحفظ لجميع الصور بحفظه صورة واحدة منها في الحضرة التي ما غفل عنها فهذا حفظ بالتضمن، وحفظ الحق ما خلق ليس كذلك بل حفظه لكل صورة على التعيين وهذه مسألة أخبرت أنه ما سطرها أحد في كتاب لا أنا ولا غيري إلا في هذا الكتابفهي يتيمة الدهر وفريدته فإياك أن تغفل عنها"
والكلام هنا يبدو كلام عاقل فهو يفرق بين الخالق والمخلوق تماما عن طريق غفلة المخلوق ولكنه غالبا لا يقول كلام العقلاء إلا أتبعه بكلام التخريف والجنون وهو هنا قوله:
"فإن تلك الحضرة التي يبقي لك الحضور فيها مع الصورة، مثلها مثل الكتاب الذي قال الله فيه «ما فرطنا في الكتاب من شيء» فهو الجامع للواقع وغير الواقع ولا يعرف ما قلناه إلا من كان قرآنا في نفسه فإن المتقي الله «يجعل له فرقانا» وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب وهذا الفرقان أرفع فرقان
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك و وقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا وان كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله يطالبه من حضرة الملك والملك
ويعجز عما طالبوه بذاته لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده فتذهب بالتعليق في النار والسبك "
وهو هنا يعلن ان العبد رب وهو كلام كفار أو مجانين لا يعقلون
وابتدأ الكلام فى الفص الإسماعيلى فقال :
" فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية:
أعلم أن مسمى الله أحدي بالذات كل بالأسماء وكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل وأما الأحدية الإلهية فما لواحد فيها قدم، لأنه لا يقال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء، لأنها لا تقبل التبعيض فأحديته مجموع كله بالقوة والسعيد من كان عند ربه مرضيا، وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه لأنه الذي يبقي عليه ربوبيته، فهو عنده مرضي فهو سعيد ولهذا قال سهل إن للربوبية سرا- وهو أنت: يخاطب كل عين- لو ظهر لبطلت الربوبية فأدخل عليه «لو» وهو حرف امتناع لامتناع وهولا يظهر فلا تبطل الربوبية لأنه لا وجود لعين إلا بربه والعين موجودة دائما فالربوبية لا تبطل دائما وكل مرضي محبوب، وكل ما يفعل المحبوب محبوب، فكله مرضي، لأنه لا فعل للعين، بل الفعل لربها فيها فاطمأنت العين أن يضاف إليها فعل، فكانت «راضية» بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها، «مرضية» تلك الأفعال لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته، فإن وفى فعله وصنعته حق ما عليه "
الخطأ هنا القول " وكل ما يفعل المحبوب محبوب، فكله مرضي، لأنه لا فعل للعين، بل الفعل لربها فيها فاطمأنت العين أن يضاف إليها فعل" وهو نفى الفعل عن العين وهو الفرد ونسبتها لله مع أن الله أثبتها للاثنين فقال " وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
والمقصود أنه خلق العمل وفاعله كما قال إبراهيم(ص) لقومه" والله خلقكم وما تعملون"
ونلاحظ العبارة الغامضة "وكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل" وهو قول يدل على تعدد الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فما هو أحد واحد ثم قال :
"«أعطى كل شيء خلقه ثم هدى » أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه، فلا يقبل النقص ولا الزيادة فكان إسماعيل بعثوره على ما ذكرناه عند ربه مرضيا وكذا كل موجود عند ربه مرضي ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر لأنه ما أخذ الربوبية إلا من كل لا من واحد فما تعين له من الكل إلا ما يناسبه، فهو ربه ولا يأخذه أحد من حيث أحديته ولهذا منع أهل الله التجلي في الأحدية، فإنك إن نظرته به فهو الناظر نفسه فما زال ناظرا نفسه بنفسه، وان نظرته بك فزالت الأحدية بك، وان نظرته به وبك فزالت الأحدية أيضا لأن ضمير التاء في «نظرته» ما هو عين المنظور، .."
ونفى الرجل وجود الكفر والكفار تماما لأن الله راض عن الكل فى قول الفقرة السابقة" وكذا كل موجود عند ربه مرضي "
ثم تحدث عن فضل إسماعيل (ص)مكررا الخطأ المتكرر كثيرا وهو كون العبد رب والرب عبد وهو الحلول والاتحاد بدعوى وحدة الوجود فقال :
" ففضل إسماعيل غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه عند ربه مرضيا وكذلك كل نفس مطمئنة قيل لها «ارجعي إلى ربك» فما أمرها أن ترجع إلا إلى ربها الذي دعاها فعرفته من الكل، «راضية مرضية»
«فادخلي في عبادي» من حيث ما لهم هذا المقام فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه تعالى واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره مع أحدية العين:... فلا أعرف إلا بك كما أنك لا تكون إلا بي فمن عرفك عرفني وانا لا أعرف فأنت لا تعرف فإذا دخلت جنته دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها فتكون صاحب معرفتين معرفة به من حيث أنت، ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت
فأنت عبد وانت رب لمن له فيه أنت عبد
وانت رب وانت عبد لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص يحله من سواه عقد
فرضي الله عن عبيده، فهم مرضيون، و رضوا عنه فهو مرضي فتقابلت الحضرتان تقابل الأمثال والأمثال أضداد لأن المثلين لا يجتمعان إذ لا يتميزان وما ثم إلا متميز فما ثم مثل، فما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفسه
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن فما ثم موصول وما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى بعيني إلا عينه إذ أعاين"
وتحدث كلاما عاقلا ثم اتبعه بجنون الحلول الاتحاد فقال :
"«ذلك لمن خشي ربه» أن يكونه لعلمه بالتمييز دلنا على ذلك جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم فقد وقع التمييز بين العبيد، فقد وقع التمييز بين الأرباب ولو لم يقع التمييز لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسر الآخر والمعز لا يفسر بتفسير المذل إلى مثل ذلك، لكنه هومن وجه الأحدية كما تقول في كل اسم إنه دليل على الذات وعلى حقيقته من حيث هو فالمسمى واحد: فالمعز هو المذل من حيث المسمى، والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته، فإن المفهوم يختلف في الفهم في كل واحد منهم:
فلا تنظر إلى الحق وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق وتكسوه سوى الحق
ونزهه وشبهه وقم في مقعد الصدق
وكن في الجمع إن شئت وان شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل تبدى- قصب السبق
فلا تفنى ولا تبقى ولا تفني ولا تبقي
ولا يلقى عليك الوحي في غير ولا تلقي "
وتحدث عن صدق الوعد ودخل إلى معنى جنونى أخر وهو أن العباد مسلمين وكفار كل يعيش فى نعيم أخروى فقال
"...مع أنه توعد على ذلك فأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده وما لوعيد الحق عين تعاين
وان دخلوا دار الشقاء فإنهم على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه وذاك له كالقشر والقشر صاين "
وقطعا هذا الكلام يتعارض مع قوله فى بداية الكتاب عن خاتم الرسل(ص) وخاتم الأولياء إذا كان الكل فى النهاية فى النعيم فلا حاجة لرسل ولا أولياء كما زعم فى أول الكتاب لأن المصير فى النهاية واحد
وابتدأ الحديث عن الفص اليعقوبى:
"- فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية:
الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق ودين عند الحق، وقد اعتبره الله فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله واعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون»أي منقادون إليه وجاء الدين بالألف واللام للتعريف والعهد، فهو دين معلوم معروف وهو قوله تعالى «إن الدين عند الله الإسلام» وهو الانقياد فالدين عبارة عن انقيادك والذي من عند الله تعالى هو الشرع الذي انقدت أنت إليه فالدين الانقياد والناموس هو الشرع الذي شرعه الله تعالى فمن اتصف بالانقياد لما شرعه الله له فذلك الذي قام بالدين واقامه، أي أنشأه كما يقيم الصلاة فالعبد هو المنشئ للدين والحق هو الواضع للأحكام فالانقياد هو عين فعلك، فالدين

من فعلك فما سعدت إلا بما كان منك فكما أثبت للسعادة لك ما كان فعلك"
نلاحظ الخبل وهو ان العبد هو منشىء الدين والله واضع ألأحكام وهو كلام مجانين فالدين وهو الإسلام منشئه هو الله ولكنه كما فى الكتاب ينسب فعل الرب للعبد والعكس باعتبارهما واحد والدليل فى الفقرة السابقة أنه تحدث عن سعادة العبيد دون شقاءهم لأن الكل كما قال فى القيامة فى نعيم ولا يوجد شقاء كما هو معروف عندنا
ونجد الرجل فى الفقرة التالية يبين وجود دينين واحد للعامة أمثالنا وواحد للخاصة أمثاله ومن أمثاله فسقة كما قال :
"كذلك ما أثبت الأسماء الإلهية إلا أفعاله وهي أنت وهي المحدثات فبآثاره سمي إلها وبآثارك سميت سعيدا فأنزلك الله تعالى منزلته إذا أقمت الدين وانقدت إلى ما شرعه لك وسأبسط في ذلك إن شاء الله ما تقع به الفائدة بعد أن نبين الدين الذي عند الخلق الذي اعتبره الله فالدين كله لله وكله منك لا منه إلا بحكم الأصالة قال الله تعالى «ورهبانية ابتدعوها» وهي النواميس الحكمية التي لم يجيء الرسول المعلوم بها في العامة من عند الله بالطريقة الخاصة المعلومة في العرف فلما وافقت الحكمة والمصلحة الظاهرة فيها الحكم الإلهي في المقصود بالوضع المشروع الإلهي، اعتبرها الله اعتبار ما شرعه من عنده تعالى «وما كتبها الله عليهم» ولم فتح الله بينه وبين قلوبهم باب العناية والرحمة من حيث لا يشعرون جعل في قلوبهم تعظيم ما شرعوه- يطلبون بذلك رضوان الله- على غير الطريقة النبوية المعروفة بالتعريف الإلهي فقال: «فما رعوها»: هؤلاء الذين شرعوها وشرعت لهم: «حق رعايتها» «إلا ابتغاء رضوان الله» وكذلك اعتقدوا، «فآتينا الذين آمنوا» بها «منهم أجرهم» «وكثير منهم»أي من هؤلاء الذين شرع فيهم هذه العبادة «فاسقون» أي خارجون عن الانقياد إليها والقيام بحقها ومن لم ينقد إليها لم ينقد مشرعه بما يرضيه "
وهذا كلام بلا دليل وهو يتعارض مع مقولته عن عدم وجود عذاب ووجود نعيم للكل فى القيامة ونجد الرجل فى الفقرة القادمة يخلط الأمور فمرة يعترف بالعذاب وهو الشقاء وهو ما لا يسر ومرة ينفيه فيقول:
لكن الأمر يقتضي الانقياد: وبيانه أن المكلف إما منقاد بالموافقة وأما مخالف، فالموافق المطيع لا كلام فيه لبيانه، وأما المخالف فإنه يطلب بخلافه الحاكم عليه من الله أحد أمرين إما التجاوز والعفو، وأما الأخذ على ذلك، ولا بد من أحدهما لأن الأمر حق في نفسه فعلى كل حال قد صح انقياد الحق إلى عبده لأفعاله وما هو عليه من الحال فالحال هو المؤثر فمن هنا كان الدين جزاء أي معاوضة بما يسر وبما لا يسر: فبما يسر« و رضوا عنه» هذا جزاء بما يسر، «ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا» هذا جزاء بما لا يسر
«ونتجاوز عن سيئاتهم» هذا جزاء فصح أن الدين هو الجزاء، وكما أن الدين هو الإسلام والإسلام عين الانقياد فقد انقاد إلى ما يسر والى ما لا يسر وهو الجزاء هذا لسان الظاهر في هذا الباب وأما سره وباطنه فإنه تجل في مرآة وجود الحق: فلا يعود على الممكنات من الحق إلا ما تعطيه ذواتهم في أحوالها، فإن لهم في كل حال صورة، فتختلف صورهم لاختلاف أحوالهم، فيختلف التجلي لاختلاف الحال، فيقع الأثر في العبد بحسب ما يكون فما أعطاه الخير سواه ولا أعطاه ضد الخير غيره، بل هو منعم ذاته ومعذبها فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه «فلله الحجة البالغة» في علمه بهم إذ العلم يتبع المعلوم"
وتحدث عن نفس الجنون أننا وكل شىء صور لله تعالى نفسه فقال :
" ثم السر الذي فوق هذا في مثل هذه المسألة أن الممكنات على أصلها من العدم، وليس وجود إلا وجود الحق بصور أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعيانها "
وتحدث عن خبل أخر وهو كون الخير والشر أمر واحد كذلك النعيم والعذاب كما أن زيد عنده هو نفسه عمرو ومع هذا ليس بعمرو فقال:
" فقد علمت من يلتذ ومن يتألم وما يعقب كل حال من الأحوال وبه سمي عقوبة وعقابا وهو سائغ في الخير والشر غير أن العرف سماه في الخير ثوابا وفي الشر عقابا، وبهذا سمى أو شرح الدين بالعادة، لأنه عاد عليه ما يقتضيه ويطلبه حاله: فالدين العادة: قال الشاعر:
كدينك من أم الحويرث قبلها أي عادتك ومعقول العادة أن يعود الأمر بعينه إلى حاله: وهذا ليس ثم فإن العادة تكرار لكن العادة حقيقة معقولة، والتشابه في الصور موجود فنحن نعلم أن زيدا عين عمرو في الإنسانية وما عادت الإنسانية، إذ لو عادت تكثرت وهي حقيقة واحدة والواحد لا يتكثر في نفسه ونعلم أن زيدا ليس عين عمرو في الشخصية: فشخص زيد ليس شخص عمرو مع تحقيق وجود الشخصية بما هي شخصية في الاثنين فنقول في الحس عادت لهذا الشبه، ونقول في الحكم الصحيح لم تعد فما ثم عادة بوجه و ثم عادة بوجه، كما أن ثم جزاء بوجه وما ثم جزاء بوجه فإن الجزاء أيضا حال في الممكن من أحوال الممكن وهذه مسألة أغفلها علماء هذا الشأن، أي أغفلوا إيضاحها على ما ينبغي لا أنهم جهلوها فإنها من سر القدر المتحكم في الخلائق "
واعلم أنه كما يقال في الطبيب إنه خادم الطبيعة كذلك يقال في الرسل والورثة إنهم خادمو الأمر الإلهي في العموم، وهم في نفس الأمر خادمو احوال الممكنات وخدمتهم من جملة أحوالهم التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم ...فإذن ليس الطبيب بخادم للطبيعة، وانما هو خادم لها من حيث إنه لا يصلح جسم المريض ولا يغير ذلك المزاج إلا بالطبيعة أيضا ففي حقها يسعى من وجه خاص غير عام لأن العموم لا يصح في مثل هذه المسألة فالطبيب خادم لا خادم أعني للطبيعة، وكذلك الرسل والورثة في خدمة الحق والحق على وجهين في الحكم في أحوال المكلفين ، فيجري الأمر من العبد بحسب ما تقتضيه إرادة الحق، وتتعلق إرادة الحق به بحسب ما يقتضيه علم الحق، ويتعلق علم الحق به على حسب ما أعطاه المعلوم من ذاته: فما ظهر إلا بصورته فالرسول والوارث خادم الأمر الإلهي بالإرادة، لا خادم الإرادة فهو يرد عليه به طلبا لسعادة المكلف فلو خدم الإرادة الإلهية ما نصح وما نصح إلا بها أعني بالإرادة فالرسول والوارث طبيب أخروي للنفوس منقاد لأمر الله حين أمره، فينظر في أمره تعالى وينظر في إرادته تعالى، فيراه قد أمره بما يخالف إرادته ولا يكون إلا ما يريد، ولهذا كان الأمر فأراد الأمر فوقع، وما أراد وقوع ما أمر به بالمأمور فلم يقع من المأمور، فسمي مخالفة ومعصية "
والرجل خلط الأمور ببعضها فى الفقرة السابقة فشبه الرسول بالطبيب واعتبرهما خدام للأمر بالإرادة وليس خدام الإرادة وقطعا هو يهرج فهو يعتبر الكفر هو الإسلام والإسلام هو الكفر كما يعتبر الله العبد والعبد الله
وتحدث عن الفص اليوسفى فقال :
" فص حكمة نورية في كلمة يوسفية:
هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية تقول عائشة: «أول ما بدىء به رسول الله (ص) من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها والى هنا بلغ علمها لا غير وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله (ص) قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وان اختلفت الأحوال فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة:
إنما هو منام في منام وكل ما ورد من هذا القبيل فهو المسمى عالم الخيال ولهذا يعبر، أي الأمر الذي هو في نفسه على صورة كذا ظهر في صورة غيرها،فيجوز العابر من هذه الصورة التي أبصرها النائم إلى صورة ما هو الأمر عليه إن أصاب كظهور العلم في صورة اللبن فعبر في التأويل من صورة اللبن إلى صورة العلم فتأول أي قال: مآل هذه الصورة اللبنية إلى صورة العلم ثم إنه (ص) كان إذا أوحي إليه أخذ عن المحسوسات المعتادة فسجي وغاب عن الحاضرين عنده: فإذا سري عنه رد فما أدركه إلا في حضرة الخيال، إلا أنه لا يسمى نائما وكذلك إذا تمثل له الملك رجلا فذلك من حضرة الخيال، فإنه ليس برجل وانما هو ملك، فدخل في صورة إنسان فعبره الناظر العارف حتى وصل إلى صورته الحقيقية، فقال هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم وقد قال لهم ردوا علي الرجل فسماه بالرجل من أجل الصورة التي ظهر لهم فيها ثم قال هذا جبريل فاعتبر الصورة التي مآل هذا الرجل المتخيل إليها فهو صادق في المقالتين صدق للعين في العين الحسية، وصدق في أن هذا جبريل، فإنه جبريل بلا شك وقال يوسف (ص): «إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين» فرأى إخوته في صورة الكواكب ورأى أباه وخالته في صورة الشمس والقمر هذا من جهة يوسف، ولوكان من جهة المرئي لكان ظهور إخوته في صورة الكواكب و ظهور أبيه وخالته في صورة الشمس والقمر مرادا لهم"
نلاحظ إصرار الرجل على تحريف المعنى فالله يقول أمه وهو يقول خالته ثم لوى عنق الآيات فقال :
"فلما لم يكن لهم علم بما رآه يوسف كان الإدراك من يوسف في خزانة خياله ، وعلم ذلك يعقوب حين قصها عليه فقال: «يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا» ثم برأ أبناءه عن ذلك الكيد والحقه بالشيطان، وليس إلا عين الكيد، فقال:«إن الشيطان للإنسان عدو مبين» أي ظاهر العداوة "
وقطعا يعقوب(ص) لم يبرأ أولاده ناسبا الفعل للشيطان فالشياطين كما قال تعالى إنس وجن ومن ثم فهو يقصد بالشيطان كل واحد من أولاده الذين فعلوا الباطل "وكذلك جعلنا لكل نبى عدو شياطين الإنس والجن"
وقد اتهم أولاده اتهاما صريحا فقال " بل سولت لكم أنفسكم أمرا" فالرجل يكذب قول الله تكذيبا ثم قال :
" ثم قال يوسف بعد ذلك في آخر الأمر: «هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا» أي أظهرها في الحس بعد ما كانت في صورة الخيال، فقال النبي محمد (ص) «الناس نيام»، فكان قول يوسف: «قد جعلها ربي حقا» بمنزلة من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤيا رآها ثم عبرها ولم يعلم أنه في النوم عينه ما برح، فإذا استيقظ يقول رأيت كذا ورأيت كأني استيقظت وأولها بكذا هذا مثل ذلك فانظر كم بين إدراك محمد (ص) وبين إدراك يوسف (ص)في آخر أمره حين قال: «هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا» معناه حسا أي محسوسا، وما كان إلا محسوسا، فإن الخيال لا يعطي أبدا إلا المحسوسات، غير ذلك ليس له
فانظر ما أشرف علم ورثة محمد (ص) وسأبسط من القول في هذه الحضرة بلسان يوسف المحمدي ما تقف عليه إن شاء الله فنقول: اعلم أن المقول عليه «سوى الحق» أو مسمى العالم هو بالنسبة إلى الحق كالظل للشخص، وهو ظل الله وهو عين نسبة الوجود إلى العالم لأن الظل موجود بلا شك في الحس، ولكن إذا كان ثم من يظهر فيه ذلك الظل: حتى لو قدرت عدم من يظهر فيه ذلك الظل: كان الظل معقولا غير موجود في الحس، بل يكون بالقوة في ذات الشخص المنسوب إليه الظل
فمحل ظهور هذا الظل الإلهي المسمى بالعالم إنما هو أعيان الممكنات: عليها امتد هذا الظل، فتدرك من هذا الظل بحسب ما امتد عليه من وجود هذه الذات ولكن باسمه النور وقع الإدراك وامتد هذا الظل على أعيان الممكنات في صورة الغيب المجهول ألا ترى الظلال تضرب إلى السواد تشير إلى ما فيها من الخفاء لبعد المناسبة بينها وبين أشخاص من هي ظل له؟ وان كان الشخص أبيض فظله بهذه المثابة ألا ترى الجبال إذا بعدت عن بصر الناظر تظهر سوداء وقد تكون في أعيانها على غير ما يدركها الحس من اللونية، وليس ثم علة إلا البعد؟ وكزرقة السماء فهذا ما أنتجه البعد في الحس في الأجسام غير النيرة وكذلك أعيان الممكنات ليست نيرة لأنها معدومة وان اتصفت بالثبوت لكن لم تتصف بالوجود إذ الوجود نورغير أن الأجسام النيرة يعطي فيها البعد في الحس صغرا، فهذا تأثير آخر للبعد فلا يدركها الحس إلا صغيرة الحجم وهي في أعيانها كبيرة عن ذلك القدر واكثر كميات، كما يعلم بالدليل أن الشمس مثل الأرض في الجرم مائة وستين مرة، وهي في الحس على قدر جرم الترس مثلا فهذا أثر البعد أيضا فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال، ويجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه كان ذلك الظل فمن حيث هو ظل له يعلم، ومن حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه بجهل من الحق فلذلك نقول إن الحق معلوم لنا من وجه مجهول لنا من وجه: «ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولوشاء لجعله ساكنا» أي يكون فيه بالقوة يقول ما كان الحق ليتجلى للممكنات حتى يظهر الظل فيكون كما بقي من الممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود «ثم جعلنا الشمس عليه دليلا» وهو اسمه النور الذي قلناه، ويشهد له الحس: فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور «ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا»:
وانما قبضه إليه لأنه ظله، فمنه ظهر واليه يرجع الأمر كله فهو هو لا غيره فكل ما ندركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات فمن حيث هوية الحق هو وجوده، ومن حيث اختلاف الصور فيه هو اعيان الممكنات فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل، كذلك لا يزول باختلاف الصور اسم العالم أواسم سوى الحق فمن حيث أحدية كونه ظلا هو الحق، لأنه الواحد الأحد ومن حيث كثرة الصور هو العالم، فتفطن وتحقق ما أوضحته لك واذا كان الأمر على ما ذكرته لك فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، وهذا معنى الخيال أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس كذلك في نفس الأمر ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه، ويستحيل عليه الانفكاك عن ذلك الاتصال لأنه يستحيل على الشيء الانفكاك عن ذاته؟ فاعرف عينك ومن أنت وما هويتك وما نسبتك إلى الحق، وبما أنت حق وبما أنت عالم وسوى وغير وما شاكل هذه الألفاظ وفي هذا يتفاضل العلماء، فعالم واعلم فالحق بالنسبة إلى ظل خاص صغير وكبير، وصاف واصفى، كالنور بالنسبة إلى حجابه عن الناظر في الزجاج يتلون بلونه، وفي نفس الأمر لا لون له ولكن هكذا تراه ضرب مثال لحقيقتك بربك فإن قلت: إن النور أخضر لخضرة الزجاج صدقت وشاهدك الحس، وان قلت إنه ليس بأخضر ولا ذي لون لما أعطاه لك الدليل، صدقت وشاهدك النظر العقلي الصحيح فهذا نور ممتد عن ظل وهو عين الزجاج فهو ظل نوري لصفائه كذلك المتحقق منا بالحق تظهر صورة الحق فيه أكثر مما تظهر في غيره فمنا من يكون الحق سمعه وبصره وجميع قوة وجوارحه بعلامات قد أعطاها الشرع الذي يخبر عن الحق مع هذا عين الظل موجود، فإن الضمير من سمعه يعود عليه وغيره من العبيد ليس كذلك فنسبة هذا العبد أقرب إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد واذا كان الأمر على ما قررناه فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا خيال فالوجود كله خيال في خيال، والوجود الحق إنما هو الله خاصة من حيث ذاته وعينه لا من حيث أسماؤه، لأن أسماءه لها مدلولان: المدلول الواحد عينه وهو عين المسمى، والمدلول الآخر ما يدل عليه مما ينفصل الاسم به من هذا الاسم الآخر ويتميز فأين الغفور من الظاهر ومن الباطن، واين الأول من الآخر ؟
فقد بان لك بما هو كل اسم عين الاسم الآخر وبما هو غير الاسم الآخر فبما هو عينه هو الحق، وبما هو غيره هو الحق المتخيل الذي كنا بصدده "
كل هذا التخريف السابق عن كون الخلق ظل الله وكون الله هو الظل والاستدلال على ذلك بالمخلوقات كرؤية البعيد أسود مع أنه ليس أسود فى الحقيقة ورؤية الكبير صغيرا بسبب البعد كالشمس
والغريب أن بعد كل هذا الكلام الكثير اعتبرنا الرجل لا وجود لنا فنحن خيال فى خيال والموجود هو الله وهو قوله" فالوجود كله خيال في خيال، والوجود الحق إنما هو الله خاصة من حيث ذاته وعينه لا من حيث أسماؤه" وهذا الكلام الجنونى يقتضى ألا يكلف الرجل نفسه عناء كتابة أى شىء لأنه ما كتب شىء وإنما خيال باطل لا وجود له كما قال
وعاد الرجل تكرار السابق ذكره وهو أن الخلق ليسوا أدلة على وجوده وإنما وجوده هو دليل وجوده فقال :
"فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه ولا ثبت كونه إلا بعينه فما في الكون إلا ما دلت عليه الأحدية وما في الخيال إلا ما دلت عليه الكثرة فمن وقف مع الكثرة كان مع العالم ومع الأسماء الإلهية واسماء العالم ومن وقف مع الأحدية كان مع الحق من حيث ذاته الغنية عن العالمين واذا كانت غنية عن العالمين فهو عين غنائها عن نسبة الأسماء لها، لأن الأسماء لها كما تدل عليها تدل على مسميات أخر يحقق ذلك أثرها «قل هو الله أحد» من حيث عينه: «الله الصمد» من حيث استنادنا إليه: «لم يلد» من حيث هويته ونحن، «ولم يولد» كذلك، «ولم يكن له كفوا أحد» كذلك فهذا نعته فأفرد ذاته بقوله: «الله أحد» و ظهرت الكثرة بنعوته المعلومة عندنا فنحن نلد ونولد ونحن نستند إليه ونحن أكفاء بعضنا لبعض وهذا الواحد منزه عن هذه النعوت فهو غني عنها كما هو غني عنا وما للحق نسب إلا هذه السورة، سورة الإخلاص، وفي ذلك نزلت فأحدية الله من حيث الأسماء الإلهية التي تطلبنا أحدية الكثرة، واحدية الله من حيث الغنى عنا وعن الأسماء أحدية العين، وكلاهما يطلق عليه الاسم الأحد، فاعلم ذلك فما أوجد الحق الظلال وجعلها ساجدة متفيئة عن اليمين والشمال إلا دلائل لك عليك وعليه لتعرف من أنت وما نسبتك إليه وما نسبته إليك حتى تعلم من أين أومن أي حقيقة إلهية اتصف ما سوى الله بالفقر الكلي إلى الله، وبالفقر النسبي بافتقار بعضه إلى بعض، وحتى تعلم من أين أومن أي حقيقة اتصف الحق بالغناء عن الناس والغناء عن العالمين، واتصف العالم بالغناء أي بغناء بعضه عن بعض من وجه ما هو عين ما افتقر إلى بعضه به فإن العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شك افتقارا ذاتيا واعظم الأسباب له سببية الحق: ولا سببية للحق يفتقر العالم إليها سوى الأسماء الإلهية والأسماء الإلهية كل اسم يفتقر العالم إليه من عالم مثله أو عين الحق فهو الله لا غيره ، ولذلك قال: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد» ومعلوم أن لنا افتقارا من بعضنا لبعضنا فأسماؤنا أسماء الله تعالى إذ إليه الافتقار بلا شك، واعياننا في نفس الأمر ظله لا غيره فهو هويتنا لا هويتنا، وقد مهدنا لك السبيل فانظر "
وعاد الرجل فى الفقرة السابقة للعقل ثم أتبعه بالجنون فقد فرق بيننا وبين الله بكونه غنى ونحن مفتقرون إليه ثم عاد للقول بأن "الأسماء الإلهية كل اسم يفتقر العالم إليه من عالم مثله أو عين الحق فهو الله لا غيره " فهنا الأسماء عين الله وهو ما نفاه سابقا بقوله" والوجود الحق إنما هو الله خاصة من حيث ذاته وعينه لا من حيث أسماؤه"
وتحدث عن الفص الهودى فقال :
"- فص حكمة أحدية في كلمة هودية:
إن لله الصراط المستقيم ظاهر غير خفي في العموم
في صغير وكبير عينه وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو اخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم» فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح وما ثم من يدب بنفسه وانما يدب بغيره فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه
إذا دان لك الخلق فقد دان لك الحق
وان دان لك الحق فقد لا يتبع الخلق
فحقق قولنا فيه فقولي كله الحق
فما في الكون موجود تراه ما له نطق
وما خلق تراه العين إلا عينه حق
ولكن مودع فيه لهذا صوره حق"
ونجد الخبل فى قوله "فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون" فهو ينفى وجود الكفار نهائيا فالكل سائر على الصراط المستقيم
وعاد فى الشعر لوحدة الوجود وكون الخلق صور لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا
من هذا الموضع أصابنى اليأس من إكمال نقد الكتاب لطوله وتكرار الرجل لأقواله ومن ثم جلست عدة أيام دون نقده ومن ثم قررت اتباع منهج أخر فى الباقى من الكتاب وهو حذف الكثير من أقوال الرجل والابقاء على ما رأيت أنه أخطأ فيه وهو عدد كبير من الصفحات
ويعبر الرجل عن فكرة مجنونة وهى صحة كل الأديان فيقول :
"اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة فإن الله تعالى يقول: «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد فالهوية واحدة والجوارح مختلفة ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح، كالماء حقيقة واحدة مختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وان اختلفت طعومه "
وطالما أن كل الأديان صحيحة فلماذا كتب الرجل الكتاب واعتبر نفسه خاتم الأولياء وأتعب نفسه وأتعبنا طالما أنها لن تفرق إذا اتبع الإنسان أى دين وهو كلام يعارض بالقطع قوله تعالى "إن الدين عند الله الإسلام"
بل ويعارض هذا كلام المجنون نفسه عن وجود مسلمين ومجرمين أو كفار
ويفاجئنا الرجل بأن الناس ليسوا مخيرين وإنما مجبرين فيقول:
"فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه، والسعي لا يكون إلا بالأرجل فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق ، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة فما مشوا بنفوسهم وانما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب "
وهو كلام من لا يعقل ماذا قال وما يقول فإذا كنا مجبرين فما فائدتك أيها الولى الخاتم وما فائدة الرسل من قبلك؟
هل الله يضحك على نفسه مثلا بإقامة الكون ويكذب فى قوله أن هناك ثواب وعقاب ؟
كلا وإنما الكاذب هو هذا الرجل ومع أنه يقول بالجبر فى الفقرة السابقة إلا أن يعود فيفرق بين صنفين المؤمنين وأهل الكشف فيقول :
"«ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون»: وانما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء «فبصره حديد» وما خص ميتا من ميت أي ما خص سعيدا في القرب من شقي «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وما خص إنسانا من إنسان فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود في خلق متوهم فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين واهل الكشف والوجود وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها، فهي في حقه صراط مستقيم ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر فالعارف يدعو الى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو الى الله على التقليد والجهالة "
ومع أنه يفرق بين الفريقين إلا أنه يقول أن طريقهما واحد "وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر"فكيف يكونان فريقين وهما على طريق واحد؟
ويواصل الرجل الجنون وهو الكفر فيقول أن مصدر العلم هو الأرجل فيقول:
" فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين، لأن الأرجل هي السفل من الشخص، واسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق ؟ فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت وهو لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمه حق"
إذا الأرجل أصبحت هى المفكرة وهى المشيئة هى التى تقرر الطريق وهو تكذيب لكون العلم من الله كما قال:
" وقل رب زدنى علما"
وواصل الرجل الخبل فبين أن قوم عاد الذين كفروا وهم مجرمون يستحقون العذاب ليسوا كفرة بالله وليسوا معذبين فقال:
" فإن للحق نسبا كثيرة ووجوها مختلفة: ألا ترى عادا قوم هود كيف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن عبده به، فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو اتم واعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هوما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم»: فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» وهي جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ وقد ورد النص الإلهي بهذا كله"
العذاب هنا أصبح راحة بل شىء عذاب يريدون المزيد منه ويواصل الرجل خبله فبين أن تحريم الفواحش يعنى منعنا نحن المؤمنين العامة من معرفة ما ذكره من كون العذاب راحة ونعيم فقال:
"إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته «حرم الفواحش» وليس الفحش إلا ما ظهر وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو انت من الغير وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء فما كل أحد عرف الحق"
ويواصل الرجل كذبه وافتراءاته فيقول أنه رأى كل الأنبياء فى قرطبة ولم يكلمه ولا واحد منهم سوى هود(ص)وهو قوله:
"فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول واعلم أنه لما أطلعني الحق واشهدني أعيان رسله عليهم السلام وانبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست و ثمانين وخمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود (ص)فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها "
وهو كلام جنونى تماما فحسب قوله تعالى "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" فهذا يعنى أنه رأى ألوفا مؤلفة من الرسل (ص) وهو أمر غير ممكن فلو ظل يسير بينهم أياما وليالى لن يراهم كلهم فهم حسب رواية 124 ألف وإن كانوا أكبر من هذا بعشرات إن لم يكن بمئات المرات
والغريب أن الرجل يدعى أن هود(ص) كشف له ألأمور ومع هذا لم يقل له سوى ما جاء فى القرآن من أقواله فكيف إذا كشف له وهو لم يقل له شىء غير المعروف للناس؟
وهو قوله:
"ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو اخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم» واي بشارة للخلق أعظم من هذه؟ ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد (ص) بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس والقوى الروحانية أقرب من الحواس فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقاتله لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله (ص) عن الله مقالته بشرى: فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم «وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون» فإنهم يسترونها وان عرفوها حسدا منهم ونفاسة وظلما "
والفقرة السابقة وغيرها يكرر فيها المجنون كوننا الله تعالى عن ذلك وهو ما سماه المقالة
ويواصل الرجل تناقضه فرغم إصراره على كوننا الله يناقض نفسه ويجعلنا أولاده عبر النسب فيقول :
"فلما أوجد الصور في النفس و ظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم فانتسبوا إليه تعالى فقال: «اليوم أضع نسبكم وارفع نسبي» أي آخذ عنكم انتسابكم إلى أنفسكم واردكم إلى انتسابكم إلي "
ويحدثنا الرجل معيدا جنون أخر وهو أن العارف والجاهل كلاهما مؤمن بربه وإن أساء الجاهل الأدب مع الله فيقول:
" أين المتقون؟ أي الذين اتخذوا الله وقاية فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة، وهو اعظم الناس واحقه واقواه عند الجميع وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية للحق بصورته إذ هوية الحق قوى العبد فجعل مسمى العبد وقاية لمسمى الحق على الشهود حتى يتميز العالم من غير لهذا ينكر ويعرف وينزه ويوصف فمن رأى الحق منه فيه بعينه فذلك العارف، ومن رأى الحق منه فيه بعين نفسه فذلك غير العارف ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه بعين نفسه فذلك الجاهل وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها فإذا تجلى له الحق فيها واقر به، وان تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه واساء الأدب عليه في نفس الأمر وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه فلا فإنه يقول «فأينما تولوا فثم وجه الله» وما ذكر أينا من أين وذكر أن ثم وجه الله، ووجه الشيء حقيقته فنبه بذلك قلوب العارفين لئلا تشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا"
الغريب فى الكلام هو أن النتيجة فى النهاية تساوى العالم والجاهل ومع هذا يناقض نفسه فى كون العالم والجاهل لا يستويان فيقول:
" فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض، فقد يقبض في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على حضور "
ثم يناقض الرجل نفسه فيقول أن وجه الله شطر المسجد الحرام" فشطر المسجد الحرام منها، ففيه وجه الله" ثم يناقض نفسه فى أنه غير محصور فى القبلة فى قوله والزم الأدب في عدم حصر الوجه في تلك الأبنية الخاصة" والكل فى الفقرة التالية:
ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا يلزم في الصورة الظاهرة والحال المقيدة التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته، وهو بعض مراتب وجه لحق من «فأينما تولوا فثم وجه الله» فشطر المسجد الحرام منها، ففيه وجه الله ولكن لا تقل هو هنا فقط، بل قف عند ما أدركت والزم الأدب في الاستقبال شطر المسجد الحرام والزم الأدب في عدم حصر الوجه في تلك الأبنية الخاصة، بل هي من جملة أينيات ما تولى متول إليها فقد بان لك عن الله تعالى أنه في أينية كل وجهة"
فماذا نصدق من أقواله إذا وهى متضادة ؟
وحدثنا فى الفص الصالحى وابتدأ بشعر يكذب فيه كلام الله فقال :
- فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية
من الآيات آيات الركائب وذلك لاختلاف في المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ومنهم قاطعون بها السباسب
فأما القائمون فأهل عين وأما القاطعون هم الجنائب
وكل منهم يأتيه منه فتوح غيوبه من كل جانب "
فهنا التكذيب قوله أن الله يعلم القوم الغيب وهو ما يناقض قوله تعالى :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
وأتت الطامة الكبرى باختراع يشبه تثليث النصرانية وإن كان تثليثا مخالفا وهي شيئيته وسماعه وامتثاله فقال :
"اعلم وفقك الله أن الأمر مبني في نفسه على الفردية ولها التثليث، فهي من الثلاثة فصاعدا فالثلاثة أول الأفراد عن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم فقال تعالى «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» وهذه ذات ذات إرادة وقول فلولا هذه الذات وارادتها وهي نسبة التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما، ثم لولا قوله عند هذا التوجه كن لذلك الشيء ما كان ذلك الشيء ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضا في ذلك الشيء، وبها من جهته صح تكوينه واتصافه بالوجود، وهي شيئيته وسماعه وامتثاله أمر مكونه بالإيجاد فقابل ثلاثة بثلاثة: ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها، وسماعه في موازنة إرادة موجده، وقبوله بالامتثال لما أمر به من التكوين في موازنة قوله كن، ..."
نلاحظ التناقض فى قوله" ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها" فكيف تكون ذات ثابتة ومع هذا توجد حال عدمها؟ والتناقض إن ذات الله ليس ذات موجدها وكأن هناك من خلق الله تعالى عن ذلك
ويواصل كلام الخبل فيقول:
"كما يقول الآمر الذي يخاف فلا يعصى لعبده قم فيقوم العبد امتثالا لأمر سيده فليس للسيد في قيام هذا العبد سوى أمره له بالقيام، والقيام من فعل العبد لا من فعل السيد فقام أصل التكوين على التثليث أي من الثلاثة من الجانبين، من جانب الحق ومن جانب الخلق ثم سرى ذلك في إيجاد المعاني بالأدلة"
والرجل هنا فى قوله" والقيام من فعل العبد لا من فعل السيد" يخالف أن المشيئتين تحدثان فى وقت واحد فالله يخلق العبد وعمله كما قال تعالى:
"وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
ويخبرنا بخبل جديد وهو أن أى دليل أو برهان مكون من ثلاثة على نظام مخصوص وشرط مخصوص فيقول :
"فلا بد من الدليل أن يكون مركبا من ثلاثة على نظام مخصوص وشرط مخصوص، وحينئذ ينتج لابد من ذلك، وهو ان يركب الناظر دليله من مقدمتين كل مقدمة تحوي على مفردين فتكون أربعة واحد من هذه الأربعة يتكرر في المقدمتين لتربط إحداهما بالأخرى كالنكاح فتكون ثلاثة لا غير لتكرار الواحد فيهما فيكون المطلوب إذا وقع هذا الترتيب على الوجه المخصوص وهو ربط إحدى المقدمتين بالأخرى بتكرار ذلك الواحد المفرد الذي به يصح التثليث والشرط المخصوص أن يكون الحكم أعم من العلة أو مساويا لها، وحينئذ يصدق، وان لم يكن كذلك فإنه ينتج نتيجة غير صادقة"
هل فهمتم شىء من كلامه ؟
والغريب أنه يريد أن يقنعنا بصحة هذا الخبل فيقول مكملا :
" وهذا موجود في العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبتها إلى الله أو اضافة التكوين الذي نحن بصدده إلى الله مطلقا والحق ما أضافه الا إلى الشيء الذي قيل له كن ومثاله إذا أردنا أن ندل أن وجود العالم عن سبب فنقول كل حادث فله سبب فمعنا الحادث والسبب ثم نقول في المقدمة الأخرى والعالم حادث فتكرر الحادث في المقدمتين والثالث قولنا العالم، فأنتج أن العالم له سبب، و ظهر في النتيجة ما ذكر في المقدمة الواحدة وهو السبب فالوجه الخاص هو تكرار الحادث، والشرط الخاص عموم العلة لأن العلة في وجود الحادث السبب، وهو عام في حدوث العالم عن الله أعني الحكم فنحكم على كل حادث أن له سببا سواء كان ذلك السبب مساويا للحكم أو يكون الحكم أعم منه فيدخل تحت حكمه، فتصدق النتيجة فهذا أيضا قد ظهر حكم التثليث في إيجاد المعاني التي تقتنص بالأدلة "
والمثال الذى قاله الرجل لو كان عاقلا ينقض كل ما قاله فى الكتاب عن وحدة الوجود فهو يقر هنا بحدوثنا فنحن وغيرنا من الخلق العالم
ويعود بنا إلى التثليث فيقول :
"فأصل الكون التثليث، ولهذا كانت حكمة صالح (ص)التي أظهر الله في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام وعدا غير مكذوب، فأنتج صدقا وهو الصحيحة التي أهلكهم الله بها فأصبحوا في ديارهم جاثمين فأول يوم من الثلاثة اصفرت وجوه القوم، وفي الثاني احمرت وفي الثالث اسودت فلما كملت الثلاثة صح الاستعداد فظهر كون الفساد فيهم فسمى ذلك الظهور هلاكا"
ويبين الرجل تعريفا جديدا للخير والشر فيقول :
"فمن فهم هذه الحكمة وقررها في نفسه وجعلها مشهودة له أراح نفسه من التعلق بغيره وعلم أنه لا يؤتى عليه بخير ولا بشر إلا منه واعني بالخير ما يوافق غرضه ويلائم طبعه ومزاجه، واعني بالشر ما لا يوافق غرضه ولا يلائم طبعه ولا مزاجه"
إذا الله لم يعرف الشر الخير طبقا لكلامه وإنما الخير والشر على حسب غرض وطبع ومزاج المخلوق والغريب أنه يجعل المسئولية على الإنسان مع أنه يقول بجبره فيقول :
"ويقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلها عنهم وان لم يعتذروا، ويعلم أنه منه كان كل ما هو فيه كما ذكرناه أولا في أن العلم تابع للمعلوم، فيقول لنفسه إذا جاءه ما لا يوافق غرضه: يداك أوكتا وفوك نفخ "
وفى الفص الشعيبى يقول:
"- فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس"
نجد الرجل يقرر أن الله وصف نفسه من التنفيس وكأن الله يتنفس كالخلق وهو ما يناقض قوله تعالى " ليس كمثله شىء"
ويكرر الرجل كلامه سابقا عن اتساع قلب العارف لله وحتى غير العارف فيقول :
"وقلب العارف من السعة كما قال أبو يزيد البسطامي «لوان العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به» وقال الجنيد في هذا المعنى: إن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر، وقلب يسع القديم كيف يحس بالمحدث موجودا واذا كان الحق يتنوع تجليه في الصور فبالضرورة يتسع القلب ويضيق بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي، فإنه لا يفضل شيء عن صورة ما يقع فيها التجلي فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم لا يفضل بل يكون على قدره وشكله من الاستدارة إن كان الفص مستديرا أومن التربيع والتسديس والتثمين وغير ذلك من الأشكال
..فالحق الذي في المعتقد هو الذي وسع القلب صورته، وهو الذي يتجلى له فيعرفه فلا ترى العين إلا الحق الاعتقادي ولا خفاء بتنوع الاعتقادات"
ويكرر كلامه عن كوننا الله وكون الله نحن فيقول :
هذا إذا قلت حق وخلق، فإذا نظرت في قوله «كنت رجله التي يسعى بها ويده التي يبطش بها ولسانه الذي يتكلم به» إلى غير ذلك من القوى، ومحلها الذي هو الأعضاء، لم تفرق فقلت الأمر حق كله أو خلق كله فهو خلق بنسبة وهو حق بنسبة والعين واحدة فعين صورة ما تجلى عين صورة منقبل ذلك التجلي، فهو المتجلي والمتجلي له فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى "
ويفرق الرجل بين القلب والعقل فيقول:
«إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب» لتقلبه في أنواع الصور والصفات ولم يقل لمن كان له عقل، فإن العقل قيد فيحصر الأمر في نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر فما هو ذكرى لمن كان له عقل وهم أصحاب الاعتقادات الذين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا وما لهم من ناصرين فإن إلها لمعتقد ما له حكم في إله المعتقد الآخر: فصاحب الاعتقاد يذب عنه أي عن الأمر الذي اعتقده في إلهه وينصره، وذلك في اعتقاده لا ينصره، فلهذا لا يكون له أثر في اعتقاد المنازع له وكذا المنازع ما له نصرة من إلهه الذي في اعتقاده، فما لهم من ناصرين، فنفى الحق النصرة عن آلهة الاعتقادات على انفراد كل معتقد على حدته، والمنصور المجموع، والناصر المجموع "
والتفرقة ليست موجودة فى كتاب الله لقوله "أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها"
ويعود الرجل فى الفقرة لتسويته كل الأديان فى المعتقد فالله وإن اختلف من دين لأخر فهو المراد مهما ظهر فى صور الثنائية والتثليث وكل صور التعدد الأخرى وهو كلام جنونى تماما ويكرر الرجل الخبل فى الفقرة التالية جاعلا كل الناس أهل المعروف وهو الحق مهما تعددت آلهتهم ومهما كانا ذكرانا أو إناثا فيقول:
"فالحق عند العارف هو المعروف الذي لا ينكر فأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة فلهذا قال «لمن كان له قلب» فعلم تقلب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال فمن نفسه عرف نفسه، وليست نفسه بغير لهوية الحق، ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق، بل هو عين الهوية فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة، وهو الذي لا عارف ولا عالم، وهو المنكر في هذه الصورة الأخرى "
الغريب هنا أنه يجعل الله الشىء وضده العارف لا عارف والعالم لا عالم والمقر والمنكر فالله إذا طبقا لكلامه جاهل ومنكر
ويحدثنا الرجل عن أنفسنا نحن الجهلة المقلدون للرسل(ص)فيصف ما بكوننا من القى السمع أى سمعنا الكلام ونفذناه فيقول:
"هذا حظ من عرف الحق من التجلي والشهود في عين الجمع، فهو قوله «لمن كان له قلب» يتنوع في تقليبه وأما أهل الإيمان وهم المقلدة الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق، لا من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين الأخبار الواردة بحملها على أدلتهم العقلية، فهؤلاء الذين قلدوا الرسل صلوات الله عليهم وسلامه هم المرادون بقوله تعالى «أو القى السمع» لما وردت به الأخبار الإلهية على ألسنة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهو يعني هذا الذي ألقى السمع شهيد ينبه على حضرة الخيال واستعمالها، وهو قوله (ص)في الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه»، والله في قبلة المصلي، فلذلك هو شهيد ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به فليس هو الذي ألقى السمع، فإن هذا الذي ألقى السمع لا بد أن يكون شهيدا لما ذكرناه ومتى لم يكن شهيدا لما ذكرناه فما هو المراد بهذه الآية فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم «إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا» والرسل لا يتبرءون من أتباعهم الذين اتبعوهم "
إذا الرسل (ص) أقل درجة من الأولياء المزعومين لكونهم مقلدين يسمعون الكلام وأما العارفون فهم من شهدوا وتجلى لهم الحق عيانا بيانا والعياذ بالله من هذا القول
ويعود الرجل بنا إلى مقولة كون كل الأديان صحيحة رغم تشعبها والمراد تناقضها وهو اختلافها فيقول:
فحقق يا ولي ما ذكرته لك في هذه الحكمة القلبية وأما اختصاصها بشعيب، لما فيها من التشعب، أي شعبها لا تنحصر، لأن كل اعتقاد شعبة فهي شعب كلها، أعني الاعتقادات فإذا انكشف الغطاء انكشف لكل أحد بحسب معتقده، وقد ينكشف بخلاف معتقده في الحكم، وهو قوله «وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون» فأكثرها في الحكم كالمعتزلي يعتقد في الله نفوذ الوعيد في العاصي إذا مات على غير توبة فإذا مات وكان مرحوما عند الله قد سبقت له عناية بأنه لا يعاقب، وجد الله غفورا رحيما، فبدا له من الله ما لم يكن يحتسبه وأما في الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن الله كذا وكذا، فإذا انكشف الغطاء رأى صورة معتقده وهي حق فاعتقدها وانحلت العقدة فزال الاعتقاد وعاد علما بالمشاهدة "
ويكرر نفس المقولة وهو أن الكثرة ليست فى النهاية سوى شىء واحد فيقول:
"ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور مثل قوله تعالى «واتوا به متشابها» وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران، وصاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية، وان اختلفت حقائقها وكثرت، أنها عين واحدة فهذه كثرة معقولة في واحد العين فتكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة، كما أن الهيولى تؤخذ في حد كل صورة، وهي مع كثرة الصور واختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد وهو هيولاها فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه فإنه على صورته خلقه، بل هو عين هويته وحقيقته"
وهذا الكلام يعنى ما معناه أن القاتل هو المقتول والسارق هو المسروق واحمد ومحمد وعلى وفاروق وزينب وهند كلهم واحد مع انهم ذكور وإناث ومثلا محمد وأسد وقرد وشجرة كلهم شىء واحد
إنه الجنون التام
وينكر الرجل معرفة العلماء للنفس وأن من عرفها الإلهيون من الرسل والصوفية فقط فيقول:
" ولهذا ما عثر أحد من العلماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والصوفية وأما أصحاب النظر وارباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها، فما منهم من عثر على حقيقتها، ولا يعطيها النظر الفكري أبدا ..."
وهذا كلام كاذب بدليل لأنه لم يعرف النفس مع كونه من الإلهيين لكن خاتم الأولياء كما زعم فى أول الكتاب
وحدثنا فى الفص اللوطى فتحدث عن الملك والمليك فقال :
"- فص حكمة ملكية في كلمة لوطية
الملك الشدة والمليك الشديد: .. فهو قول الله تعالى عن لوط (ص)«لوان لي بكم قوة أواوي إلى ركن شديد» فقال رسول الله (ص) يرحم الله أخى لوطا: لقد كان يأوي إلى ركن شديد
فنبه (ص) أنه كان مع الله من كونه شديدا والذي قصد لوط (ص)القبيلة بالركن الشديد: والمقاومة بقوله «لوان لي بكم قوة» وهي الهمة هنا من البشر خاصة فقال رسول الله (ص) فمن ذلك الوقت- يعني من الزمن الذي قال فيه (ص)«أو اوي إلى ركن شديد» ما بعث نبي بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله كأبي طالب مع رسول الله (ص) فقوله «لوان لي بكم قوة» لكونه (ص)سمع الله تعالى يقول «الله الذي خلقكم من ضعف» بالأصالة، ثم جعل من بعد ضعف قوة»
الرجل هنا أخطأ فى أمور :
أولها أن بسبب قولة لوط(ص) بعث كل رسول بعده فى منعة من قومه وهو كلام ليس صحيحا فرسل بنى إسرائيل(ص) المقتولين كانوا كثرة ولم تكن لهم منعة من قومهم زد على هذا أن موسى(ص) لم يكن له أحد يمنع من قتله فأراد فرعون وقومه قتله " إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك" وعيسى(ص) لم تكن له عائلة سوى أمه كما قال تعالى "فأتت به قومها تحمله" وأرادوا قتله ولكنهم قتلوا شبيهه كما قل تعالى " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم"
ثانيها أن أبو طالب وقبيه هم من حموا محمد(ص) وهو ما يعارض كتاب الله من كون الله هو عاصمه أى حاميه بقوله تعالى:
"والله يعصمك من الناس"
وتحدث عن كون الرسل(ص) لم يبعثوا إلا بعد الأربعين فقال:
"فرده لما خلقه منه كما قال «يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا» فذكر أنه رد إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف وما بعث نبي إلا بعد تمام الأربعين وهو زمان أخذه في النقص والضعف فلهذا قال «لوان لي بكم قوة» مع كون ذلك يطلب همة مؤثرة فإن قلت وما يمنعه من الهمة المؤثرة وهي موجودة في السالكين من الاتباع، والرسل أولى بها؟ قلنا صدقت: ولكن نقصك علم آخر، وذلك أن المعرفة لا تترك للهمة تصرفا فكلما علت معرفته نقص تصرفه بالهمة
وذلك لوجهين: الوجه الواحد لتحققه بمقام العبودية ونظره إلى أصل خلقه الطبيعي، والوجه الآخر أحدية المتصرف والمتصرف فيه: فلا يرى على من يرسل همته فيمنعه ذلك "
ويخالف هذا أن رسولية وهى نبوة عيسى(ص) أعلنت وهو فى سن المهد لما قال:
" كيف نكلم من كان فى المهد صبيا قال إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا"
ولم يحدد الله فى الوحى سن بعث الرسل(ص) بالأربعين ولكنه استتناج فقهى بشرى من كون العقل يتم فى سن الأربعين اعتمادا على قوله تعالى:
"ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة"
والغريب أنه لم يذكر العقل فى القول وإنما قال الأشد
ويذكر الرجل حكاية أبو مدين وأبو السعود ليقول فى النهاية أننا مجبرين وليس مسيرين وهو قوله :
"..وهذه المعرفة تفرقه عن هذه الجمعية فيظهر العارف التام المعرفة بغاية العجز والضعف قال بعض الأبدال للشيخ عبد الرزاق قل للشيخ أبي مدين بعد السلام عليه يا أبا مدين لم لا يعتاص علينا شيء وانت تعتاص عليك الأشياء: ونحن نرغب في مقامك وانت لا ترغب في مقامنا؟ وكذلك كان مع كون أبي مدين كان عنده ذلك المقام وغيره: ونحن أتم في مقام الضعف والعجز منه ومع هذا قال له هذا البدل ما قال وهذا من ذلك القبيل أيضا وقال (ص) في هذا المقام عن أمر الله له بذلك «ما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي» فالرسول بحكم ما يوحى إليه بهما عنده غير ذلك فإن أوحي إليه بالتصرف بجزم تصرف: وان منع امتنع، وان خير اختار ترك التصرف إلا أن يكون ناقص المعرفة قال أبو السعود لأصحابه المؤمنين به إن الله أعطاني التصرف منذ خمس عشرة سنة وتركناه تظرفا هذا لسان إدلال وأما نحن فما تركناه تظرفا- وهو تركه إيثارا- وانما تركناه لكمال المعرفة، فإن المعرفة لا تقتضيه بحكم الاختيار فمتى تصرف العارف بالهمة في العالم فعن أمر إلهي وجبر لا باختيار"
وهذا الكلام يدل على التناقض كما سبق القول فطالما أننا مجبرين فليس هناك حساب ولا عقاب ومن ثم يكون إرسال الرسل(ص) وإظهار الأولياء المزعومين كلام فارغ حيث لا فائدة من الإرسال والإظهار لأن الكل فى النهاية لن يختلفوا فى شىء وهم كما كرر فى الكتاب هم الله والله هم فكيف يعاقب الله نفسه؟
جنون مطبق
وحدثنا أن الههم غير مؤثرة وهو كلام يدل على الاختيار وليس على الجبر فقال:
ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور المسمى إيمانا فلا ينفع في حقه الأمر المعجز فقصرت الهمم عن طلب الأمور المعجزة لما لم يعم أثرها في الناظرين ولا في قلوبهم كما قال في حق أكمل الرسل واعلم الخلق واصدقهم في الحال «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء» ولوكان للهمة أثر ولابد، لم يكن أحد أكمل من رسول الله (ص) ولا أعلى ولا أقوى همة منه، وما أثرت في إسلام أبي طالب عمه، وفيه نزلت الآية التي ذكرناها ولذلك قال في الرسول إنه ما عليه إلا البلاغ"
وتحدث الرجل مثبتا اختيار الناس لا جبرهم من خلال نفى الظلم عن الله وإثباته على الناس فقال :
"فلما قال مثل هذا قال أيضا «ما يبدل القول لدي» لأن قولي على حد علمي في خلقي، «وما أنا بظلام للعبيد» أي ما قدرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ثم طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به بل ما عاملناهم إلا بحسب ما علمناهم، وما علمناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم مما هم عليه، فإن كان ظلم فهم الظالمون ولذلك قال«ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» فما ظلمهم الله "
وحدثنا فى الفص العزرى عن والقضاء والقدر فقال :
"- فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
اعلم أن القضاء حكم الله في الأشياء، وحكم الله في الأشياء على حد علمه بها وفيها وعلم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها "
ومع تعريفه القدر بكونه توقيت والتوقيت خفىوكرر ذلك فى قوله:
"وما علم- كما قلناه إلا بما أعطاه المعلوم فالتوقيت في الأصل للمعلوم، والقضاء والعلم والإرادة والمشيئة تبع للقدر فسر القدر من أجل العلوم"
وهى فسر أى فخفى ومع هذا قال أنه شديد الظهور فقال :
"من كان فتحقق هذه المسألة فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره، فلم يعرف وكثر فيه الطلب والإلحاح "
واخبرنا أن علم الرسل(ص) ليس علما واحد وإنما علما مختلفا من رسول لأخر على حسب علم أممهم فقال:
"واعلم أن الرسل (ص) من حيث هم رسل لا من حيث هم أولياء وعارفون- على مراتب ما هي عليه أممهم فما عندهم من العلم الذي أرسلوا به إلا قدر ما تحتاج إليه أمة ذلك الرسول: لا زائد ولا ناقص "
والأمم متفاضلة يزيد بعضها على بعض فتتفاضل الرسل في علم الإرسال بتفاضل أممها، وهو قوله تعالى «تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض»
كما هم أيضا فيما يرجع إلى ذواتهم عليهم السلام من العلوم والأحكام متفاضلون بحسب استعداداتهم، وهو قوله«ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض» وقال تعالى في حق الخلق «والله فضل بعضكم على بعض في الرزق» والرزق منه ما هو روحاني كالعلوم، وحسي كالأغذية، وما ينزله الحق إلا بقدر معلوم، وهو الاستحقاق الذي يطلبه الخلق: فإن الله «أعطى كل شيء خلقه» فينزل بقدر ما يشاء، وما يشاء إلا ما علم فحكم به "
ومقولة تفاضل الرسل(ص) فى العلم خاطئة فهو علم واحد كما قال تعالى ""ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك"
وقال :
"ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"
وأما المختلف الذى تتحدث عنه الآيات التى استشهد بها فهى العطايا خاصة المعجزة فكل واحد أوتى آيات غير الأخر فى العدد وأحيانا فى النوع
ويقرر الرجل مقولة جنونية وهى أن الرسل(ص) عقولهم قاصرة وهو وصفه لهم بالسذاجة فيقول:
"ولما كانت الأنبياء صلوات الله عليهم لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري، عن إدراك الأمور على ما هي عليه
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق فلم يبق العلم الكامل إلافي التجلي الإلهي وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور ...والدليل على سذاجة قلبه قوله في بعض الوجوه «أنى يحيي هذه الله بعد موتها» وأما عندنا فصورته (ص)في قوله هذا كصورة إبراهيم (ص)فيقوله «رب أرني كيف تحي الموتى » ويقتضي ذلك الجواب بالفعل الذي أظهره الحق فيه في قوله تعالى «فأماته الله مائة عام ثم بعثه» فقال له «وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما» فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق، فأراه الكيفية فسأل عن القدر الذي لا يدرك إلا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها، فما أعطي ذلك فإن ذلك من خصائص الاطلاع الإلهي، فمن المحال أن يعلمه إلا هو فإنها المفاتح الأول، أعني مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو وقد يطلع الله من شاء من عباده على بعض الأمور من ذلك "
وهو كلام يدل على انعدام عقل الرجل تماما فهو يسير خلف هواه فصاحب الرسالة(ص) لابد أن يكون أكثر الناس عقلا حتى يقدر على الدعوة وسوس الناس إذا اتبعوه ولذا نجده يكرر :
"وأنا أول المسلمين " و"وأنا أول المؤمنين"
فالأولية أعطيت له لكون أكثر الناس عقلا
وأما الاستدلال على سذاجة عقول الرسل بطلب بعضهم احياء الموتى فهذه ليس سذاجة وإنما علاج لمشكلة القلق النفسى الناتج من مواجهة الناس جميعا بكونهم على ضلال ولذا قال إبراهيم(ص):
" ولكن ليطمئن قلبى"
فالرسل(ص) بشر ومهما بلغت القوة النفسية للفرد فهو يحتاج أحيانا لشىء يجعله قادر على مواجهة الناس جميعا
وذكر الرجل رواية لا أساس لها فقال:
"وأما ما رويناه مما أوحى الله به إليه لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوة، أي أرفع عنك طريق الخبر واعطيك الأمور على التجلي، والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد الذي به يقع الإدراك الذوقي"
فعلامة الوضع ظاهرة فيها وهى ديوان النبوة فالله ليس عنده دواوين وإنما هو أم الكتاب أى الكتاب المبين أى الزبر
وتحدث عن كون الولاية مستمرة والنبوة والرسالة منقطعة فقال:
"واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العام ، ولهذا لم تنقطع، ولها الإنباء العام وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة وفي محمد (ص) قد انقطعت،فلا نبي بعده: يعني مشرعا أو مشرعا له، ولا رسول وهو المشرع وهذا الحديث قصم ظهور أولياء الله لأنه يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامة فلا ينطبق عليه اسمها الخاص بها فإن العبد يريد ألا يشارك سيده- وهو الله في اسم، والله لم يتسم بنبي ولا رسول، وتسمى بالولي واتصف بهذا الاسم فقال «الله ولي الذين آمنوا»: وقال «هو الولي الحميد» "
ومع أنه قال بانقطاع النبوة بجملة "وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة " إلا أنه نقض كلامه بالقول أن النبوة العامة موجودة فى قوله:
"وهذا الاسم باق جار على عباد الله دنيا واخرة فلم يبق اسم يختص به العبد دون الحق بانقطاع النبوة والرسالة: إلا أن الله لطف بعباده، فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها، وابقى لهم التشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام، وابقى لهم الوراثة في التشريع فقال «العلماء ورثة الأنبياء» وما ثم ميراث في ذلك إلا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو ولي وعارف ، ولهذا، مقامه من حيث هو عالم أتم واكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع"
والخطأ الأخر فى الفقرة هو أن الله أباح للناس التشريع بالاجتهاد وهو ما يخالف كونه المشرع الوحيد كما :
" شرع لكم من الدين"
ولا يوجد شىء يسمى الاجتهاد التشريعى لأن الشريعة فيها حكم كل شىء كما قال تعالى:
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ويفسر الرجل على هواه القول الولاية أعلى من النبوة بأن معناه أن محمد العالم أحسن من محمد النبى(ص)فيقول:
"فإذا سمعت أحدا من أهل الله يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال الولاية أعلى من النبوة، فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعني بذلك في شخص واحد: وهو ان الرسول (ص)- من حيث هو ولي- أتم من حيث هو نبي رسول، لا أن الولي التابع له أعلى منه، فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه
...إذ النبوة والرسالة خصوص رتبة في الولاية على بعض ما تحوي عليه الولاية من المراتب فيعلم أنه أعلى من الولي الذي لا نبوة تشريع عنده ولا رسالة ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضيها أيضا مرتبة النبوة، يثبت عنده أن هذا وعد لا وعيد ..."
وقطعا هذا تخريف ما بعده تخريف لأن معناه أن كل العلماء أعلى قدرا من الأنبياء(ص) ولا يمكن أن يكون معنى المقولة السابقة كما قال لأن تفسيره يؤدى فى النهاية لكون العلماء أعظم من الأنبياء (ص)
وتحدث الرجل اخترعا أكذوبة لإدخال المجانين والأطفال وأصحاب الفترات الجنة أو النار وهو الإيمان بنبى هو الولى الخاص الذى يعرض عليهم نارا من دخلها دخل الجنة ومن لم يدخلها دخل النار وهو قوله:
"فإن سؤاله (ص)مقبول إذ النبي هو الولي الخاص هي المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل في الدار الآخرة التي ليست بمحل لشرع يكون عليه أحد من خلق الله في جنة ولا نار بعد دخول الناس فيهما وانما قيدناه بالدخول في الدارين- الجنة والنار- لما شرع يوم القيامة لأصحاب الفترات والأطفال الصغار والمجانين ، فيحشر هؤلاء في صعيد واحد لإقامة العدل والمؤاخذة بالجريمة والثواب العملي في أصحاب الجنة فإذا حشروا في صعيد واحد بمعزل عن الناس بعث فيهم نبي من أفضلهم وتمثل لهم نار يأتي بها هذا النبي المبعوث في ذلك اليوم فيقول لهم أنا رسول الحق إليكم، فيقع عندهم التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم
ويقول لهم اقتحموا هذه النار بأنفسكم، فمن أطاعني نجا و دخل الجنة، ومن عصاني وخالف أمري هلك وكان من أهل النار فمن امتثل أمره منهم و رمى بنفسه فيها سعد ونال الثواب العملي و وجد تلك النار بردا وسلاما ومن عصاه استحق العقوبة فدخل النار ونزل فيها بعمله المخالف ليقوم العدل من الله في عباده "
وهو كلام يخالف أن دار الاختبار حيث الحياة والموت هى الدنيا كما قال تعالى:
"الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم حسن عملاط وفى ألاخرة لا موت ومن ثبت أن لا عمل إلا فى الدنيا
ولو فعل الله هذا التخريف وهو منه برىء لن يفعله لأنه كذب عليه لكان ظالما تعالى عن ذلك علوا كبيرا لأن اختبر الناس مرات كثيرة جدا بينما اختبر هؤلاء مرة واحدة
ولو فعله لكان كاذبا تعالى عن ذلك علوا كبيرا لأنه كذب أقواله عن أن دخول الجنة والنار بالعمل الماضى كما قالك
"وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون"
وقال :
" ذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون"
ويبدو أن الرجل هنا استبدل خرافة المسيخ الدجال بالولى المخلص الذى هو أفضل الأنبياء(ص) وهى مقولة تتعارض مع قوله تعالى:
" اخوانا على سرر متقابلين" وقوله " لا نفرق بين أحد من رسله"
وتحدث فى الفص العيسى عن أن الروح إذا لمست شىء دبت فيه الحياة فقال :
"- فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل (ص)وهو الروح وكان السامري عالما بهذا الأمر فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو اقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل "
وهذا من ضمن الخبل فلو كان الأمر كما يقول فلماذا نموت وأرواحنا تلامسنا ؟
ويفاجئنا الرجل بمصيبة لم يقلها أحد من قبل عن كون عيسى(ص) من ماء متوهم من جبريل(ص) فيقول:
"فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل ، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء ....فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، ....
، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى »، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني»
فلولا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك "
وهذا الكلام هو اتهام مباشر لمريم(ص) وجبريل (ص) بالزنى كما ا،ه تخريف تام فلو حتى كان الاتصال دون جماع فالناتج وهو عيسى(ص) سيكون مثل البغال الناتجة من تزاوج نوعين مختلفين عقيم لا ينجب وهو ما يتنافى مع أن كل الرسل(ص) ومنهم عيسى (ص) كان له ذرية كما قال تعالى:
"ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية"
ومن ثم يكون كلامه عن خلقة عيسى(ص) من البشر والملائكة وهم وخرافة
ويصر الرجل على نفس كذبته محاولا الاستدلال على صحتها بطريقة أخرى فيقل:
"خرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وان أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر "
ولو صدقنا قوله هذا فمعناه أن السامرى كان مثل عيسى(ص) وهو كافر لأنه احيا العجل فهل كان السامرى هو الأخر نتاج علاقة بين ذمر وأنثى من نوعين مختلفين ؟
قطعا
ومعناه أن موسى (ص)عندما أحيى بالبقرة بضرب القوم لها كان من نفس الخبل الذى يدعيه الرجل
ويؤكد الرجل المخبول نفس الكلام ويضيف له مصيبة أخرى وهو أنه عيسى(ص) فيه خصيصة من خصائص الله فيقول:
"فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، وتقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، وهو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، وانه هو الله بما أحيا به من الموتى، ولذلك نسبوا إلى الكفر وهو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى .. فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي ...فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله، وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.. وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها و ظهر فيها؟ فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد ..."
والرجل هنا يدخلنا فى خبله حتى ينتهى لفكرة الحلول التى يقول عنها أ،ها كفر فى الفقرات السابقة ولكنه أراد أن يقول لنا أن المخلوق عيسى صورة من صور الله وهو ما يمثل الحلول الذى اعتبره كفر فهو كلمة الله وروح الله وعبد الله
وهو يعلنها صريحة أنه متحير وأن هذه المسألة تعرف بالذوق وليس بالوحى وهو جنون لأنها تكذيب لكلام الله عن كون عيسى(ص) عبد كما قال" إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا"
وقال :
"لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله"
ويعود الرجل لخبله عن الحلول فيقول:
"ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هوان الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم فهولها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة فالعناصر صورة من صور الطبيعة وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو ايضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع وأما أرواح السموات السبع واعيانها فهي عنصرية ، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، وما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون ومن فوقهم طبيعيون: ولهذا وصفهم الله بالاختصام- أعني الملأ الأعلى- لأن الطبيعة متقابلة"
والرجل هنا يأتينا بخرافة وجود منهم هم فوق الملائكة ولا أحد فوقهم لأنهم من يحملون العرش والملأ الأعلى هم أنفسهم الملائكة فكيف يكونون من أمرين مختلفين كما زعم الرجل عنصريون وطبيعيون وهو هنا يستخدم كلمات الفلسفة التى لا تنفع فى الإسلام ويكمل تخريفه فى الأمر فيقول:
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا- أم كنت من العالين- عن العنصر ولست كذلك ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وان كان طبيعيا فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو افضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي "
والملائكة ليسا صنفين كما يزعم عنصرين وطبيعيون ولا ملائكة أرضية وملائكة سماوية لأنهم كلهم فى السموات كما قال تعالى:
" وكم من ملك فى السموات"
وهم لا ينزلون الأرض إلا اضطرار لتنفيذ أمور الله القيلة لهم بالوحى أو النصر أو التعذيب كما قال تعالى :
"قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وكعادته فى قب معانى الكلام يفسر أٌوال عيسى(ص) فى الآخرة فيقول:
"ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو اثر «إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله ففرق وجمع، و وحد وكثر، و وسع وضيق ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولولم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وانت المتكلم على لساني وانت لساني ...فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وادقها ، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، ...كما قال ربي و ربكم «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء....«كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه وبين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وان الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد وفي الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وادبا، واخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا فقال «وانت على كل شيء شهيد» "
وكل الكلام السابق فى عبارات كثيرات مثل " فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه "و" وانت المتكلم على لساني وانت لساني" معناه الله هو عيسى(ص) وعيسى(ص) هو الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد (ص) بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر «إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» و «هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب ..فكان سؤالا من النبي (ص)والحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها طلبا للإجابة فلو سمع الإجابة في أول سؤال ما كرر
فكان الحق يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب عرضا مفصلا فيقول له في ..عرض عرض وعين عين «إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» فلو رأى في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وايثار جنابه لدعا عليهم لا لهم فما عرض عليه إلا ما استحقوا به ما تعطيه هذه الآية من التسليم لله والتعريض لعفوه وقد ورد أن الحق إذا أحب صوت عبده في دعائه إياه أخر الاجابة عنه حتى يتكرر ذلك منه حبا فيه لا إعراضا عنه، ولذلك جاء بالاسم الحكيم، والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ولا يعدل بها عما تقتضيه وتطلبه حقائقها بصفاتها فالحكيم العليم بالترتيب ...فكان (ص) بترداد هذه الآية على علم عظيم من الله تعالى فمن تلا فهكذا يتلو، والا فالسكوت أولى به واذا وفق الله عبدا إلى النطق بأمر ما فما وفقه الله إليه إلا وقد أراد إجابته فيه وقضاء حاجته، فلا يستبطئ أحد ما يتضمنه ما وفق له، وليثابر مثابرة رسول الله (ص) على هذه الآية في جميع أحواله حتى يسمع بأذنه أو بسمعه كيف شئت أو كيف أسمعك الله الاجابة "
والفقرة السابقة الخطأ فيها هو قيام النبى محمد(ص) ليلة كاملة بآية "إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" وهو ما يخالف أن قيام الليل يكون بقراءة ما تيسر من القرآن وما تيسر لن يكون آية بأى حال من الأحوال لأن أقل وقت للقيام هو ثلث الليل وفى هذا قال تعالى :
"إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
وفى الفص السليمانى يحدثنا عن تقديم اسم سليمان(ص)على اسم الله فى رسالته لملكة سبأ التى لا يعرف لها اسم من الوحى الحالى فيقول:
- فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
«إنه» يعني الكتاب «من سليمان، وانه» أي مضمون الكتاب «بسم الله الرحمن الرحيم» فأخذ بعض الناس في تقديم اسم سليمان على اسم الله تعالى ولم يكن كذلك وتكلموا في ذلك بما لا ينبغي مما لا يليق بمعرفة سليمان (ص)بربه وكيف يليق ما قال وهو بلقيس تقول فيه «ألقي إلي كتاب كريم» أي يكرم عليها وانما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول الله (ص)، وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وقفت له فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه (ص)على اسم الله عز وجل ولا تأخيره "
وهذه الفقرة من الفقرات القليلة فى الكتاب التى تقدم تعليلات وكلمات صحيحة
ويأتينا الرجل بخرافة أخرى وهى تقسيم العمل على ثمانية أعضاء من الإنسان فيقول:
" ومن كان من العبيد بهذه المثابة فإنه يعلم من هو العامل منه والعمل مقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان وقد أخبر الحق أنه تعالى هوية كل عضو منها، فلم يكن العامل غير الحق، والصورة للعبد، والهوية مدرجة فيه أي في اسمه لا غير لأنه تعالى عين ما ظهر"
وقطعا كل أعضاء الإنسان تعمل والأعضاء الخارجية التى يظهر عملها دون عد المزدوج منها تسعة وهى العين والأذن والأنف والفم ومجرى البول ومجرى البراز واليد والرجل والجلد
ويكذب الرجل القرآن فى كون سليمان(ص) أعطى أشياء لم يعطها أحد ممن بعده كما طلب من الله " رب هب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى"فيقول أن الله أعطاها لمحمد(ص) فيقول:
"فقد أوتي محمد (ص) ما أوتيه سليمان، وما ظهر به: فمكنه الله تعالى تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليفتك به فهم بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد حتى يصبح فتلعب به ولدان المدينة، فذكر دعوة سليمان (ص)فرده الله خاسئا فلم يظهر (ص)بما أقدر عليه و ظهر بذلك سليمان "
وقطعا الحديث لا يصح وحتى لو كان صحيحا فأين تسخير الريح له وأين تسخير عين القطر وأين عمل الجن بأمره لا يوجد شىء من ذلك ونص الحديث يدل على تمكن محمد(ص) من الجن وليس عملهم عنده
وعاد للجنون فجعلنا الله وجعل الله نحن تعالى عن ذلك فقال:
"وليس غرضنا من هذه المسألة إلا الكلام والتنبيه على الرحمتين اللتين ذكرهما سليمان في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان العرب الرحمن الرحيم فقيد رحمة الوجوب واطلق رحمة الامتنان في قوله تعالى «و رحمتي وسعت كل شيء» حتى الأسماء الإلهية، أعني حقائق النسب فامتن عليها بنا فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهية والنسب الربانية ثم أوجبها على نفسه بظهورنا لنا واعلمنا أنه هويتنا لنعلم أنه ما أوجبها على نفسه إلا لنفسه .....فلا يقدح قولنا إن زيدا دون عمرو في العلم أن تكون هوية الحق عين زيد وعمرو، وتكون في عمرو اكمل واعلم منه في زيد، كما تفاضلت الأسماء الإلهية وليست غير الحق فهو تعالى من حيث هو عالم أعم في التعلق من حيث ما هو مريد وقادر، وهو هو ليس غيره"
ويخبرنا بحكاية لا أساس لها وهى حكاية آصف بن برخيا وهو من ضمن تخاريف العهد القديم وغيره فيقول:
"وأما فضل العالم من الصنف الإنساني على العالم من الجن بأسرار التصريف وخواص الأشياء، فمعلوم بالقدر الزماني : فإن رجوع الطرف إلى الناظر به أسرع من قيام القائم من مجلسه، ...فكان آصف ابن برخيا أتم في العمل من الجن، فكان عين قول آصف بن برخيا عين الفعل في الزمن الواحد فرأى في ذلك الزمان بعينه سليمان (ص)عرش بلقيس مستقرا عنده لئلا يتخيل أنه أدركه وهو في مكانه من غير انتقال"
والذى نقل عرش ملكة سبأ هو الذى عنده علم من الكتاب هو جبريل (ص) وليس بشر من ضمن البشر لأنه لا يقدرون على تلك الأفعال لكونهم بشر وجدد الكلام عن نفس الشخصية التى لا وجود لها وهو شخصية آصف فقال :
"كذلك تجديد الخلق مع الأنفاس: زمان العدم زمان وجود المثل كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة فإن مسألة حصول عرش بلقيس من أشكال المسائل إلا عند من عرف ما ذكرناه آنفا في قصته فلم يكن لآصف من الفضل في ذلك إلا حصول التجديد في مجلس سليمان (ص) فما قطع العرش مسافة، ولا زويت له أرض ولا خرقها لمن فهم ما ذكرناه وكان ذلك على يدي بعض أصحاب سليمان ليكون أعظم لسليمان (ص)في نفوس الحاضرين من بلقيس واصحابها وسبب ذلك كون سليمان هبة الله تعالى لداود من قوله تعالى «و وهبنا لداود سليمان» "
وتحدث عن علم داود(ص) وسليمان(ص) فقال :
"وأما علمه فقوله تعالى «ففهمناها سليمان» مع نقيض الحكم ، وكلا آتاه الله حكما وعلما فكان علم داود علما مؤتى آتاه الله، وعلم سليمان علم الله في المسألة إذ كان الحاكم بلا واسطة فأعطيت هذه الأمة المحمدية رتبة سليمان (ص)في الحكم، و رتبة داود (ص) فما أفضلها من أمة "
والرجل يقول أقوالا لابد أن يجن القارىء منها وهى فى الفقرة" فكان علم داود علما مؤتى آتاه الله، وعلم سليمان علم الله في المسألة"فالعلم فى كلاهما من الله ومع هذا يفرق بين العلم المؤتى والعلم المباشر مع أنهما كلاهما فى النهاية مؤتى سواء بواسطة رسول أو من وراء حجاب
ويأتينا بأعجوبة أخرى من خرافاته وهى أن كل الناس مسلمين وكفار يسيرون على صراط الله فيقول:

"فهو تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه فما أحد من العالم الا على صراط مستقيم، وهو صراط الرب تعالى "
لو كان حيا إذا لماذا كتبت الكتاب وأتعبت نفسك وأتعبتنا طالما الكل مسلمون ولا جزاء
وحدثنا عن العلم من خلال المرئيات الحلمية وغيرها فقال:
"يطلب الزيادة من العلم حتى كان إذا سيق له لبنيت أوله علما كما تأول رؤياه لما رأى في النوم أنه أوتي بقدح لبن فشربه واعطى فضله عمر بن الخطاب قالوا فما أولته قال العلم وكذلك لما أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن واناء فيه خمر فشرب اللبن فقال له الملك أصبت الفطرة أصاب الله بك أمتك فاللبن متى ظهر فهو صورة العلم، فهو العلم تمثل في صورة اللبن كجبريل تمثل في صورة بشر سوي لمريم ولما قال (ص)«الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا» نبه على أنه كل ما يراه الإنسان في حياته الدنيا إنما هو بمنزلة الرؤيا للنائم: خيال فلا بد من تأويله ..
فكان (ص) إذا قدم له لبن قال «اللهم بارك لنا فيه و زدنا منه» لأنه كان يراه صورة العلم، وقد أمر بطلب الزيادة من العلم، واذا قدم له غير اللبن قال اللهم بارك لنا فيه واطعمنا خيرا منه فمن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهي فإن الله لا يحاسبه به في الدار الآخرة، ومن أعطاه الله ما أعطاه بسؤال عن غير أمر إلهي فالأمر فيه إلى الله، إن شاء حاسبه وان شاء لم يحاسبه "
والغريب أن أخر الفقرة يناقض فقرة كون الناس كفارا ومسلمين على الصراط المستقيم حيث يحاسبهم الله الحساب لا يكون إلا عند اختلاف الأعمال فلو كان عمل الناس واحد فهم مجبرين كما قال فى مواضع سابقة من الكتاب ومن ثم لن يكون هناك ثواب ولا عقاب أى جزاء
وحدثنا فى الفص الداودى عن كون النبوة اختصاص إلهى وليست بالعمل الذى يكتسب فقال :
- فص حكمة وجودية في كلمة داودية
اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب:
أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم (ص) من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام ..وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء ...ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود فهو في حق داود عطاء نعمة وافضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور» "
الرجل يظهر لنا خبل وهو كون النبوة إنعام مع أن كل المعطى للخلق نعم
ويفاجئنا الرجل بعجيبة كون اسم داود ليس فيه حرف من حروف الاتصال واسم محمد فيه حروف الاتصال والانفصال فيقول:
"فأول نعمة أنعم الله بها على داود (ص)أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو
وسمى محمدا(ص) بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه فتم له الأمر (ص)من جميع جهاته..."
وكل حروف اسم محمد متصلة ليس منها حرف منفصل إذا كان معنى الاتصال الحروفى اتصاله لما قبله أو بعده وداود فيه حرف الدال وهو حرف متصل منفصل فيكتب متصل كما فى محمد(ص) ومنفصل كما فى داود (ص) والاتصال والانفصال موجود فى كل الحروف فكلها من المكان أن يكون منفصلا وكلها من الممكن أن يكون منفصلا خاصة بعد حرفى الواو والألف المد
ويفاجئنا بخبل جديد أن خلافة آدم(ص) غير خلافة داود(ص) فيقول:
"فإن قلت وآدم (ص)قد نص على خلافته قلنا ما نص مثل التنصيص على داود، وانما قال للملائكة «إني جاعل في الأرض خليفة»، ولم يقل إني جاعل آدم خليفة في الأرض ولو قال، لم يكن مثل قوله «جعلناك خليفة» في حق داود، فإن هذا محقق وذلك ليس كذلك وما يدل ذكر آدم في القصة بعد ذلك على أنه عين ذلك الخليفة الذي نص الله عليه فاجعل بالك لإخبارات الحق عن عباده إذا أخبر وكذلك في حق إبراهيم الخليل «إني جاعلك للناس إماما» ولم يقل خليفة، وان كنا نعلم أن الإمامة هنا خلافة، ولكن ما هي مثلها، ...ولله في الأرض خلائف عن الله، وهم الرسل وأما الخلافة اليوم فعن الرسول لا عن الله، فإنهم ما يحكمون إلا بما شرع لهم الرسول لا يخرجون عن ذلك ...وكذلك أخذ الخليفة عن الله عين ما أخذه منه الرسول فنقول فيه بلسان الكشف خليفة الله وبلسان الظاهر خليفة رسول الله ولهذا مات رسول الله (ص) وما نص بخلافة عنه إلى أحد ولا عينه لعلمه أن في أمته من يأخذ الخلافة عن ربه فيكون خليفة عن الله مع الموافقة في الحكم المشروع فلما علم ذلك (ص) لم يحجر الأمر ...فلله خلفاء في خلقه يأخذون من معدن الرسول والرسل ما أخذته الرسل عليهم السلام"
وما ذكره يخالف كون الناس جميعا خلائف فى الأرض وليس خلائف عن الله كما قال تعالى :
" وهو الذى جعلكم خلائف الأرض"
والخلافة تعنى واحد خلف واحد وتحدث عن اختلاف معنى الخلافة على حسب العصر فقال :
"فلما زاد حكما أو نسخ حكما قد قرره موسى- لكون عيسى رسولا- لم يحتملوا ذلك لأنه خالف اعتقادهم فيه؟ وجهلت اليهود الأمر على ما هو عليه فطلبت قتله، فكان منقصته ما أخبرنا الله في كتابه العزيز عنه وعنهم فلما كان رسولا قبل الزيادة، إما بنقص حكم قد تقرر، أو زيادة حكم على أن النقص زيادة حكم بلا شك والخلافة اليوم ليس لها هذا المنصب وانما تنقص أو تزيد على الشرع الذي تقرر بالاجتهاد لا على الشرع الذي شوفه به محمد (ص)، فقد يظهر من الخليفة ما يخالف حديثا ما في الحكم فيتخيل أنه من الاجتهاد وليس كذلك: وانما هذا الامام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبي (ص)، ولو ثبت لحكم به وان كان الطريق فيه العدل عن العدل فما هو معصوم من الوهم ولا من النقل على المعنى "
والخلافة بمعنى الحكم واحدة إلا بين الرسل وغيرهم فحكم الرسل (ًص) عن طريق الوحى المنزل عليهم ,أما حكم غيرهم فعن طريق الكتاب المكتوب عن الرسل
وتحدث عن حالة وجود خليفتين فقال :
" وأما قوله (ص)إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الآخر منهما هذا في الخلافة الظاهرة التي لها السيف ...وان اتفقا فلابد من قتل أحدهما بخلاف الخلافة المعنوية فإنه لا قتل فيها وانما جاء القتل في الخلافة الظاهرة وان لم يكن لذلك الخليفة هذا المقام، وهو خليفة رسول الله (ص) إن عدل- فمن حكم الأصل الذي به تخيل وجود إلهين، «لوكان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا»، ..."
وتشبيهنا بالله لا يصح لأنه أحيانا يكون الحكم جماعيا كما فى رسل يس الثلاثة (ص)وكما فى حكم سليمان(ص) مع داود(ص) فقد أمضى حكم سليمان(ص) وأبوه (ص)هو الخليفة فى قضية الحرث والغنم
ويكرر الرجل خرافته عن ان الكفار والمسلمين كلهم مصيرهم واحد وهو السعادة فى الآخرة فيقول:
"لذلك كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها فعبر عن هذا المقام بأن الرحمة وسعت كل شيء، وانها سبقت الغضب الإلهي والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيره اسبق فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها "
وأما الفص اليونسى فاستهله بخرافة مكررة وهى أن الإنسان على صورة الله وهو تشبيه محض فقال :
"- فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده- وليس إلا ذلك أوبأمره "
ويفاجئنا بخبل من نوع جديد وهو أن الله منع داود من بناء بيت الله بسبب سفكه للدماء فى الجهاد فقال:
"واعلم أن الشفقة على عباد الله أحق بالرعاية من الغيرة في الله أراد داود بنيان البيت المقدس فبناه مرارا، فكلما فرغ منه تهدم، فشكا ذلك إلى الله فأوحى الله إليه أن بيتي هذا لا يقوم على يدي من سفك الدماء، فقال داود يا رب ألم يكن ذلك في سبيلك؟ قال بلى! ولكنهم أليسوا عبادي؟ قال يا رب فاجعل بنيانه على يدي من هو مني، فأوحى الله إليه أن ابنك سليمان يبنيه فالغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الانسانية، وان إقامتها أولى من هدمها ألا ترى عدو الدين قد فرض الله في حقهم الجزية والصلح إبقاء عليهم، وقال «وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله»؟ "
والخطأ كون بيت الله لا يبنى فبيت الله موضوع فى ألأرض لا يحدث له أى تغيير عبر الزمان لأن حرم آمن محفوظ من كل سوء كما قال تعالى:
" ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"
ولذا سماه الحرم الآمن والبلد الأمين ومن المؤكد أن سليمان(ص) الذى شارك والده داود(ص)الحكم شارك فى الجهاد معه وسفك دم المعتدين لأنه كبير السن فى حياة والده ومن ثم يكون كلام الرجل كذب
ويحدثنا مكملا خبل الدم فيقول :
"ألا ترى من وجب عليه القصاص كيف شرع لولي الدم أخذ الفدية أو العفو، فإن أبى حينئذ يقتل؟ ألا تراه سبحانه إذا كان أولياء الدم جماعة فرضي واحد بالدية أو عفا، وباقي الأولياء لا يريدون إلا القتل، كيف يراعى من عفا ويرجح على من لم يعف فلا يقتل قصاصا؟... ألا تراه (ص)يقول في صاحب النسعة«إن قتله كان مثله»؟ ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا «فمن عفا واصلح فأجره على الله» لأنه على صورته فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق وما يذم الإنسان لعينه وانما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، .."
والخطأ الأول أن الله شرع لولى الدم الفدية أو العفو وهو قد شرع القتل أو العفو مع دية أو بغير دين وهو ما سماه كفارة أو تصدق فقال :
" وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له"
والثانى تسميته القصاص سيئة فو كان سيئة ما شرعه الله لأنه شرعه كله حسن كما قال" ومن أحسن من الله حكما"
والرجل يطالب الناس بالتخلى عن القصاص عبر مقولة مقولة الاتحاد وتشويه صورة الله وهو عينه ما يقوله معارضى عقوبة الاعدام الحى أبقى من الميت وفى هذا قال :
"فإنه ما دام الإنسان حيا، يرجى له تحصيل صفة الكمال الذي خلق له ومن سعى في هدمه فقد سعى في منع وصوله لما خلق له وما أحسن ما قال رسول الله (ص) «ألا أنبئكم بما هو خير لكم وافضل من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربون رقابكم؟ ذكر الله» وذلك أنه لا يعلم قدر هذه النشأة الإنسانية إلا من ذكر الله الذكر المطلوب منه، فإنه تعالى جليس من ذكره، والجليس مشهود للذاكر ومتى لم يشاهد الذاكر الحق الذي هو جليسه....فليس بذاكر فإن ذكر الله سار في جميع العبد لا من ذكره بلسانه خاصة ...فان الحق لا يكون في ذلك الوقت إلا جليس اللسان خاصة، ...كما أن الإنسان كثير بالأجزاء: وما يلزم من ذكر جزء ما ذكر جزء آخر ...فالحق جليس الجزء الذاكر منه والآخر متصف بالغفلة عن الذكر ولا بد أن يكون في الإنسان جزء يذكر به يكون الحق جليس ذلك الجزء فيحفظ باقي الأجزاء بالعناية.... ولوان الميت والمقتول- أي ميت كان أواي مقتول كان- إذا مات أو قتل لا يرجع إلى الله، لم يقض الله بموت أحد ولا شرع قتله فالكل في قبضته:فلا فقدان في حقه فشرع القتل وحكم بالموت لعلمه بأن عبده لا يفوته: فهو راجع إليه على أن قوله «واليه يرجع الأمر كله» أي فيه يقع التصرف، وهو المتصرف، فما خرج عنه شيء لم يكن عينه، بل هويته هوعين ذلك الشيء وهو الذي يعطيه الكشف في قوله«واليه يرجع الأمر كله»
والرجل بهذا الكلام الغبى لا يعرف ما هي العدالة ولا ماهي نتيجة كلامه وهو زيادة القتل فى الناس فمنع العدل بالقصاص يؤدى إلى نتيجة أسوأ وهى انتشار قتل الناس لبعضهم لأنهم لا يجدون أى رادع وبذلك ما سعى إليه من إبقاء الحيوات حله محله قتلى أكثر فيما لو كان القتلة سيعدمون
وفى الفص الأيوبى يحدثنا عن الماء وأصل الخلقة فيقول :
"- فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية
اعلم أن سر الحياة سرى في الماء فهو أصل العناصر والأركان، ولذلك جعل الله «من الماء كل شيء حي»: وما ثم شيء إلا وهو حي، فإنه ما من شيء إلا وهو يسبح بحمد الله ولكن لا نفقه تسبيحه إلا بكشف إلهي ولا يسبح إلا حي "
وهو من الكلام القليل الصحيح فى الكتاب وفاجئنا بأن الإنسان يشبه الله فى وجود جهات ست فيقول:
"وهو قوله (ص)«لو دليتم بحبل لهبط على الله» فأشار إلى نسبة التحت إليه كما أن نسبة الفوق إليه في قوله «يخافون ربهم من فوقهم»، «وهو القاهر فوق عباده» فله الفوق والتحت ولهذا ما ظهرت الجهات الست إلا بالإنسان، وهو على صورة الرحمن ولا مطعم إلا الله، وقد قال في حق طائفة «ولوانهم أقاموا التوراة والإنجيل»، ثم نكر وعم فقال «وما أنزل إليهم من ربهم»، فدخل في قوله «وما أنزل إليهم من ربهم» كل حكم منزل على لسان رسول أو ملهم، «لأكلوا من فوقهم» وهو المطعم من الفوقية التي نسبت إليه، «ومن تحت أرجلهم»، وهو المطعم من التحتية التي نسبها إلى نفسه على لسان رسوله المترجم عنه (ص) ولو لم يكن العرش على الماء ما انحفظ وجوده، فإنه بالحياة ينحفظ وجود الحي ألا ترى الحي إذا مات الموت العرفي تنحل أجزاء نظامه وتنعدم قواه عن ذلك النظم الخاص؟ "
وقطعا ليس لله جهة لأنه لا يماثل خلقه فى وجود الجهات كما قال " ليس كمثله شىء"
وتناول استعمال الماء فى علاج أيوب(ص) مبينا معنى الطب أو العلاج فقال:
"قال تعالى لأيوب «اركض برجلك هذا مغتسل»، يعني ماء، «بارد» لما كان عليه من إفراط حرارة الألم، فسكنه الله ببرد الماء ولهذا كان الطب النقص من الزائد والزيادة في الناقص والمقصود طلب الاعتدال، ولا سبيل إليه إلا أنه يقاربه وانما قلنا ولا سبيل إليه- أعني الاعتدال- من أجل أن الحقائق والشهود تعطي التكوين مع الأنفاس على الدوام، ولا يكون التكوين إلا عن ميل في الطبيعة يسمى انحرافا أو تعفينا، وفي حق الحق إرادة ..فكذلك علم الأذواق لا عن فكر وهو العلم الصحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا ثم كان لأيوب (ص)ذلك الماء شرابا لإزالة ألم العطش الذي هو من النصب والعذاب الذي مسه به الشيطان ، أي البعد عن الحقائق أن يدركها على ما هي عليه فيكون بإدراكها في محل القرب فكل مشهود قريب من العين ولو كان بعيدا بالمسافة فإن البصر يتصل به من حيث شهوده ولولا ذلك لم يشهده، أو يتصل المشهود بالبصر كيف كان فهو قرب بين البصر والمبصر ولهذا كنى أيوب في المس، فأضافه إلى الشيطان مع قرب المس فقال البعيد مني قريب لحكمه في ...فعلمنا أن العبد إذا دعا الله في كشف الضر عنه لا يقدح في صبره وانه صابر وانه نعم العبد كما قال تعالى «إنه أواب» أي رجاع إلى الله لا إلى الأسباب، ...فعمل أيوب بحكمة الله إذ كان نبيا، لما علم أن الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى عند الطائفة وليس ذلك بحد للصبر عندنا وانما حده حبس النفس عن الشكوى لغير الله لا إلى الله فحجب الطائفة نظرهم في أن الشاكي يقدح بالشكوى في الرضا بالقضاء، وليس كذلك، فإن الرضا بالقضاء لا تقدح فيه الشكوى إلى الله ولا إلى غيره، وانما تقدح في الرضا بالمقضي ونحن ما خوطبنا بالرضا بالمقضي والضر هو المقضي ما هو عين القضاء وعلم أيوب أن فيح بس النفس عن الشكوى إلى الله في رفع الضر مقاومة القهر الإلهي، وهو جهل بالشخص إذ ابتلاه الله بما تتألم منه نفسه، فلا يدعو الله في إزالة ذلك الأمر المؤلم، بل ينبغي له عند المحقق أن يتضرع ويسأل الله في إزالة ذلك عنه، فإن ذلك إزالة عن جناب الله عند العارف صاحب الكشف: فإن الله قد وصف نفسه بأنه يؤذي فقال «إن الذين يؤذون الله و رسوله» واي أذى أعظم من أن يبتليك ببلاء عند غفلتك عنه أوعن مقام إلهي لا تعلمه لترجع إليه بالشكوى فيرفعه عنك، فيصح الافتقار الذي هو حقيقتك، فيرتفع عن الحق الأذى بسؤالك إياه في رفعه عنك، إذ أنت صورته الظاهرة ...كما جاع بعض العارفين فبكى فقال له في ذلك من لا ذوق له في هذا الفن معاتبا له، فقال العارف «إنما جوعني لأبكي» يقول إنما ابتلاني بالضر لأسأله في رفعه عني، ..."
والرجل ذكر كلاما صحيحا عن الشكوى فالشكوى إلى الله لا تعنى الصبر بمعنى عدم الشكوى لله و إنما الصبر بمعنى احتمال الألم مع طاع الله والأخذ بالأسباب وهو يقصد هنا ان من ضمن الشكوى إلى الله الشكوى للطبيب لأن موضوع الحديث هو المرض
وفى الفص اليحيوى تحدث عن الأسماء فقال :
"- فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية
هذه حكمة الأولية في الأسماء، فإن الله سماه يحيى أي يحيا به ذكر زكريا
و «لم نجعل له من قبل سميا» فجمع بين حصول الصفة التي فيمن غبر ممن ترك ولدا يحيا به ذكره وبين اسمه بذلك فسماه يحيى فكان اسمه يحيى كالعلم الذوقي، فإن آدم حيي ذكره بشيث ونوحا حيي ذكره بسام، وكذلك الأنبياء ...ولكن ما جمع الله لأحد قبل يحيى بين الاسم العلم منه وبين الصفة إلا لزكريا عناية منه إذ قال «فهب لي من لدنك وليا» فقدم الحق على ذكر ولده كما قدمت آسية ذكر الجار على الدار في قولها «عندك بيتا في الجنة» فأكرمه الله بأن قضى حاجته وسماه بصفته حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيه زكريا، لأنه (ص)آثر بقاء ذكر الله في عقبه إذ الولد سر أبيه، فقال «يرثني ويرث من آل يعقوب» وليس ثم موروث في حق هؤلاء إلا مقام ذكر الله والدعوة إليه ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا فجاء بصفة الحياة وهي اسمه واعلم بسلامه عليه، وكلامه صدق فهو مقطوع به"
والكلام عن كون الله سماه يحيى(ص) أي يحيا به ذكر زكريا(ص) ليس صحيحا فذكره(ص) وذكر زكريا (ص)موجود فى الوحى من بعدهم ومن ثم ذكرهم باق ما بقى الوحى وكذلك الأمر فى باقى من ذكرهم من الرسل(ص)
كما أنه لا يوجد أحد اسمه شيث ابن آدم (ص)ولا سام ابن نوح (ص)فابن نوح (ص)الوحيد مات فى الطوفان ولم يكن عنده سوى بنات وكل الأٌوم هى ذرية من كانوا معه فى السفينة كما قال تعالى :
"وأتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح"
وحدثنا كلاما أخرقا عن كون يحيى(ص) أرفع من عيسى(ص)فى جهة والعكس فقال :
"وان كان قول الروح «والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وارفع للتأويلات فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه ولا يلزم للمتمكن من النطق- على أي حالة كان- الصدق فيما به ينطق، بخلاف المشهود له كيحيى فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه، وان كانت قرائن الأحوال تدل على قربه من الله في ذلك وصدقه، إذ نطق في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد فهذا أحد الشاهدين، والشاهد الآخر هو الجذع اليابس فسقط رطبا جنيا من غير فحل ولا تذكير، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد، لو قال نبي آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط، فنطق الحائط وقال في نطقه تكذب ما أنت رسول الله، لصحت الآية و ثبت بها أنه رسول الله، ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط فلما دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمه إليه وهو في المهد، كان سلام الله على يحيى أرفع من هذا الوجه فموضع الدلالة أنه عبد الله من أجل ما قيل فيه إنه ابن الله- وفرغت الدلالة بمجرد النطق- وانه عبد الله عند الطائفة الاخرى القائلة بالنبوة وبقي ما زاد في حكم الاحتمال في النظر العقلي حتى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد فتحقق ما أشرنا إليه "
ثم حدثنا عن الفص الزكرياوى عن رحمة الله فقال:
"- فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
اعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما، وان وجود الغضب من رحمة الله بالغضب فسبقت رحمته غضبه أي سبقت نسبة الرحمة إليه نسبة الغضب "
وسبق مناقشة هذا الكلام وأدخلنا الرجل فى متاهات أثر المعدوم فقال:
"ولا يعتبر فيها حصول غرض ولا ملاءمة طبع، بل الملائم وغير الملائم كله وسعته الرحمة الإلهية وجودا وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وان كان للموجود فبحكم المعدوم : وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة "
وهو يجعل هنا أهل الوهم هم الأعلم بالمسألة الخرافية وهى أثر المعدم فكيف يكون لشىء غير موجود أثر وهو لم يحدث أى لم يوجد
وكرر نفس الخبل عن أن المسلمين والكفار كهم مرحومين فقال :
"فكل من ذكرته الرحمة فقد سعد، وما ثم إلا من ذكرته الرحمة وذكر الرحمة الأشياء عين إيجادها إياها فكل موجود مرحوم ولا تحجب يا ولي عن إدراك ما قلناه بما ترى من أصحاب البلاء وما تؤمن به من آلام الآخرة التي لا تفتر عمن قامت به ....ولذلك قلنا إن الحق المخلوق في الاعتقادات أول شيء مرحوم بعد رحمتها نفسها في تعلقها بإيجاد الموجودين ولها أثر آخر بالسؤال ، فيسأل المحجوبون الحق أن يرحمهم في اعتقادهم، واهل الكشف يسألون رحمة الله أن تقوم بهم ، فيسألونها باسم الله فيقولون يا الله ارحمنا ولا يرحمهم إلا قيام الرحمة بهم"
ويفاجئنا بخبل جديد وهو أن فالأحوال لا موجودة ولا معدومة فيقول:
"فالأحوال لا موجودة ولا معدومة، أي لا عين لها في الوجود لأنها نسب ولا معدومة في الحكم لأن الذي قام به العلم يسمى عالما وهو الحال فعالم ذات موصوفة بالعلم، ما هو عين الذات ولا عين العلم، وما ثم إلا علم وذات قام بها هذا العلم وكونه عالما حال لهذه الذات باتصافها بهذا المعنى "
وقطعا الأحوال موجودة ماديا فحال المرض ظاهر كصفار الوجوه ووجع الأعضاء وحال السعد موجود فى الضحك والابتسام وهو ظاهر على الوجه وكذلك الحزن والغم ....
ويفاجئنا الرجل بأن ينقض الحلول والاتحاد فيقول:
"وهو سبحانه ليس بمحل للحوادث، فليس بمحل لإيجاد الرحمة فيه وهو الراحمط
فالله ليس محل للحوداث مثل المخلوقات التى يعتبرها الرجل هى الله فى كثير من كلامه السابق واللاحق
ويحدثنا عن رحمة الله وكون أنه من الصحيح استعمال اسم لفظى لله بالدعوة بعكسه فيقول:
"فرحمة الله والكناية هي التي وسعت كل شيء ثم لها شعب كثيرة تتعدد بتعدد الأسماء الإلهية فما تعم بالنسبة إلى ذلك الاسم الخاص الإلهي في قول السائل رب ارحم، وغير ذلك من الأسماء حتى المنتقم له أن يقول يا منتقم ارحمني، وذلك لأن هذه الأسماء تدل على الذات المسماة، ...ولهذا قال أبو القاسم بن قسي في الأسماء الإلهية إن كل اسم إلهي على انفراده مسمى بجميع الأسماء الإلهية كلها..."
والكلام صحيح فالدعاء متجه لله ومن ثم ليس مهما بأى اسم من أسمائه نخاطبه كما فى قوله تعالى
"ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم"
فهنا يطلبون الغفران ويخاطبون الله بالعزيز الحكيم بدلا من الغفور
وحدثنا فى الفص الإلياسى عن كون كون إلياس هو إدريس فقال:
"- فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
إلياس هو ادريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو ادريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان- من اللبنانة، وهي الحاجة- عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية فكان الحق فيه منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله، فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره، كانت معرفته بالله على التنزيه لا على التشبيه واذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع وشبه في موضع"
الخبل هنا أن نبى مات وعاش فى السماء ثم عاد للحياة الدنيا مرة أخرى وبعث إلى أناس أخرين فيما يسمى بعلبك وهو ما يخالف أن من مات ودخل جنة السماء لا يخرج منها
لو قال أنه مات فى الأرض ثم بعث منها لكان صحيحا كما حدث مع من مات مائة عام وكأهل الكهف وأما أن يذهب للسماء حيث الجنة الموعودة كما قال تعالى" وفى السماء رزقكم وما توعدون"ويخرج منها فهو كلام لا يصدق
ويعود الرجل للتخريف مرة ثانية فيجعل الوهم هو المطلوب وأما العقل فليس مطلوبا على الإطلاق وهو ما يخالف قوله تعالى المتكرر " أفلا يعقلون"وفى هذا التخريف قال :
"ولذلك كانت الأوهام أقوى سلطانا في هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ في عقله ما بلغ لم يخل من حكم الوهم عليه والتصور فيما عقل فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت، شبهت في التنزيه بالوهم، ونزهت في التشبيه بالعقل فارتبط الكل بالكل، ..."
ويكرر نفس التخريف فيقول:
"ثم جاءت الشرائع كلها بما تحكم به الأوهام فلم تخل عن صفة يظهر فيها كذا قالت، وبذا جاءت فعملت الأمم على ذلك فأعطاها الحق التجلي فلحقت بالرسل وراثة، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حيث يجعل رسالته "
ويكمل التخريف فيقول برؤية الله تعالى عن ذلك فى المنام فى قوله:
"وان المتجلي في صورة بحكم استعداد تلك الصورة، فينسب إليه ما تعطيه حقيقتها ولوازمها لا بد من ذلك: مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وانه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم"
وهو ما يتنافى مع أن الرؤية محرمة بقوله :
" لن ترانى"
واعتبر طالب الرؤية كافر كفرا عظيما فقال:
"وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا فى أنفسهم وعتو عتوا كبيرا"
ويقر الرجل بوجود فرق بين الله المؤثر والعالم هو المؤثر فيه وهو كلام صحيح يتعارض مع ما حاول قوله مرارا وتكرارا عن الحلول الاتحاد فيقول:
"فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة وروح هذه الحكمة وفصها أن الأمر ينقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة وهو الله والمؤثر فيه بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو العالم فإذا ورد فألحق كل شيء بأصله الذي يناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن يكون فرعا عن أصل كما كانت المحبة الإلهية عن النوافل من العبد فهذا أثر بين مؤثر ومؤثر فيه"
ويعود الرجل لخبله فيبين أن أهل الأوهام اعلى منزلة من المؤمنين المسلمين بالوحى
وأما العقل السليم، فهو أما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وأما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه"
ويعود للخبل وهو تجلى الله فى صور مختلفة فى القيامة فيقول:
"وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو المتجلي- ليس غيره- في كل صورة ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به واذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره فالمرآة عين واحدة والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصور بوجه وما لها أثر بوجه فالأثر الذي لها كونها ترد الصورة متغيرة الشكل من الصغر والكبر والطول والعرض، فلها أثر في المقادير، وذلك راجع إليها "
وهذا من ضمن خبل الحلول غير الممكن وما شبهه به الرجل من مرأة وصور هو عملية خداع وضحك على الناس نؤكد انه ليس الله وإنما شيطان فالله لا يضحك على خلقه وإنما صادق كما قال :
" ومن أصدق من الله حديثا"
فلو أن الأمر كما يزعم أهل الأوهام كابن عربى وأمثاله فإن الله يكون بذلك كاذب حيث يكذب نفسه فيقول لناس وناس أخرين كلام مناقض فهنا الرؤية عند المتوهمين موجودة وعند العاديين محالة
ويكرر الرجل الخبل فالله هو صورة محمد (ص)فى الفقرة التالية :
"واذا كان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات والعزة والمنعة، فإنك لا تقدر على فساد الحدود واي عزة أعظم من هذه العزة؟ فتتخيل بالوهم أنك قتلت، وبالعقل والوهم لم تزل الصورة موجودة في الحد والدليل على ذلك «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى » والعين ما أدركت إلا الصورة المحمدية التي ثبت لها الرمي في الحس، وهي التي نفى الله الرمي عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراك أن الله هو الرامي في صورة محمدية ولا بدمن الإيمان بهذا فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق في صورة محمدية"
ولماذا يكون فى الصورة المحمدية وحدها لأنه يقول حسب فهم الرجل :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله "وهو ما قاله فى الفقرة التالية:
" وان اقتصر معه على ما ذكرناه فهذا القدر يكفيه من المعرفة الحاكمة على عقله: فيلحق بالعارفين ويعرف عند ذلك ذوقا «فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم»: وما قتلهم إلا الحديد والضارب، والذي خلف هذه الصور فبالمجموع وقع القتل والرمي، فيشاهد الأمور بأصولها وصورها، فيكون تاما فإن شهد النفس كان مع التمام كاملا: فلا يرى إلا الله عين ما يرى فيرى الرائي عين المرئي "

ومن ثم فكل الخلق من البداية وحتى النهاية صور لله تعالى عن ذلك وهو جنون مطبق وهو الحلول والاتحاد
ويكرر نفس الخبل فيقول:
"فإن العارفين يظهرون هنا كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخروية، لا بد من ذلك فهم بالصورة مجهولون إلا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا وهو على النشأة الآخرة: قد حشر في دنياه ونشر في قبره فهو يرى ما لا ترون، ويشهد ما لا تشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع ونزل رسولا بعد ذلك، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته"
وفى الفص اللقمانى تحدث عن الحكمة فقال:
"- فص- حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
قال تعالى «ولقد آتينا لقمان الحكمة: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا» فلقمان بالنص ذو الخير الكثير بشهادة الله تعالى له بذلك والحكمة قد تكون متلفظا بها ومسكوتا عنها مثل قول لقمان لابنه «يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أوفي السماوات أوفي الأرض يأت بها الله» فهذه حكمة منطوق بها، وهي أن جعل الله هو الآتي بها، وقرر ذلك الله في كتابه، ولم يرد هذا القول على قائله وأما الحكمة المسكوت عنها وعلمت بقرينة الحال، فكونه سكت عن المؤتى إليه بتلك الحبة، فما ذكره"
ثم رجع للخبل قائلا بأن الله يستفيد علما فقال:
" فهذا حكمة كونه لطيفا ثم نعت فقال «خبيرا» أي عالما عن اختبار وهو قوله «ولنبلونكم حتى نعلم» وهذا هو علم الأذواق فجعل الحق نفسه مع علمه بما هو الأمر عليه مستفيدا علما ولا نقدر على إنكار ما نص الحق عليه في حق نفسه ففرق تعالى ما بين علم الذوق والعلم المطلق، فعلم الذوق مقيد بالقوى "
والعلم هنا لا يعنى المعرفة لأن معرفته سابقة فهو لن يعلم من جديد وإنما المراد نفرق أى نحاسب هؤلاء وهؤلاء ثم دخل فى تفسير عبارة أخرى فقال:
"وأما قوله «إن تك مثقال حبة من خردل» لمن هي له غذاء، وليس إلا الذرة المذكورة في قوله «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» فهي أصغر متغذ والحبة من الخردل أصغر غذاء ولو كان ثم أصغر لجاء به كما جاء بقوله تعالى «إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها» ثم لما علم أنه ثم ما هو اصغر من البعوضة قال «فما فوقها» يعني في الصغر وهذا قول الله- والتي في «الزلزلة» قول الله أيضا "
وهذا الكلام خاطىء فليست حبة الخردل أصغر الحبوب فهناك ما هو أصغر منها والبعوضة وهى ليست الحشرة وإنما الجزء الذى لا يتجزأ على حد تعبير الفلاسفة
وتحدث فى الفص الهارونى
- فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
اعلم أن وجود هارون (ص)كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» يعني لموسى «أخاه هارون نبيا» فكانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أكبر من موسى سنا، وكان موسى أكبر منه نبوة ولما كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلك قال لأخيه موسى عليهما السلام «يا بن أم» فناداه بأمه لا بأبيه إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم ولولا تلك الرحمة ما صبرت على مباشرة التربية "
والخطأ الأول وجود نبوة أكبر من نبوة والنبوة شىء واحد ومن ثم لا يمكن أن يكون فيها أكبر ولا أصغر
والخطأ الثانى هو أن النداء يا ابن أم سببه الرحمة وهو ما يخالف أن النداء سببه كونهما من أبوين فلو كان ابن والده لخاطبه بابن أبوى ولم يفرق
ثم ذكر أحداثا وقعت بين الأخوين هى:
" ثم قال «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي وفلا تشمت بي الأعداء» فهذا كله نفس من أنفاس الرحمة وسبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه ....فإن عبادة العجل فرقت بينهم، فكان منهم من عبده اتباعا للسامري وتقليدا له، ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك ...فخشي هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم إليه، فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل، لعلمه بأن الله قد قضى ألا يعبد إلا إياه: وما حكم الله بشيء إلا وقع فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه كل شيء فكان موسى يربي هارون تربية علم وان كان أصغر منه في السن "
والخبل هنا تربية موسى(ص) لهارون(ص) وهو ما يتعارض مع كون التربية فى الصغر فقط كما قال تعالى:
"وقل ربى ارحمهما كما ربيانى صغيرا"
ثم تحدث عن المال فقال :
"وما سمي المال مالا إلا لكونه بالذات تميل القلوب إليه بالعبادة فهو المقصود الأعظم المعظم في القلوب لما فيها من الافتقار إليه وليس للصور بقاء، فلابد من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل موسى بحرقه فغلبت عليه الغيرة فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليم نسفا وقال له «انظر إلى إلهك» فسماه إلها بطريق التنبيه للتعليم، لما علم أنه بعض المجالي الإلهية: «لنحرقنه» فإن حيوانية الإنسان لها التصرف في حيوانية الحيوان لكون الله سخرها للإنسان"
والخبل فى الفقرة هو أن العجل المعبود صورة من صور الله وهكذا أصبحت الآلهة المزعومة هى الله نفسه تعالى عن ذلك علوا كبيرا
وعاد لخبل التجلى فى الصور المخلوقاتية فقال كلاما غامضا هو:
"ولا سيما واصله ليس من حيوان، فكان أعظم في التسخير لأن غير الحيوان ما له إرادة بل هو بحكم من يتصرف فيه من غير إبائه وأما الحيوان فهو ذو ارادة وغرض فقد يقع منه الإباءة في بعض التصريف:
فإن المثلين ضدان، فيسخره الأرفع في المنزلة بالمال أو بالجاه بإنسانيته ويتسخر له ذلك الآخر- إما خوفا أو طمعا- من حيوانيته لا من إنسانيته: فما تسخر له من هو مثله أ لا ترى ما بين البهائم من التحريش لأنها أمثال؟ فالمثلان ضدان، ولذلك قال و رفع بعضكم فوق بعض درجات:
ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد إما عبادة تأله وأما عبادة تسخير
فلا بد من ذلك لمن عقل وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة في قلبه: ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل رفيع الدرجة فكثر الدرجات في عين واحدة فإنه قضى ألا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها واعظم مجلى عبد فيه واعلاه «الهوى» كما قال «أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه» وهو أعظم معبود، فإنه لا يعبد شيء إلا به، ولا يعبد هو الا بذاته، وفيه أقول:
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى"
ورجع إلى التخريف وهو أن الكفار عبدوا الله مع أنهم عبدوا آلهة مزعومة مختلفة فقال :
"ألا ترى علم الله بالأشياء ما أكمله، كيف تمم في حق من عبد هواه واتخذه إلها فقال «واضله الله على علم» والضلالة الحيرة: وذلك أنه لما رأى هذا العابد ما عبد إلا هواه بانقياده لطاعته فيما يأمره به من عبادة من عبده من الأشخاص، حتى إن عبادته لله كانت عن هوى أيضا، لأنه لو لم يقع له في ذلك الجناب المقدس هوى- وهو الإرادة بمحبة ما عبد الله ولا آثره على غيره وكذلك كل من عبد صورة ما من صور العالم واتخذها إلها ما اتخذها إلا بالهوى ....والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه «ولذلك سموه كلهم إلها مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو حيوان أو انسان أو كوكب أو ملك هذا اسم الشخصية فيه والألوهية مرتبة تخيل العابد له أنها مرتبة معبوده، وهي على الحقيقة مجلى الحق لبصر هذا العابد المعتكف على هذا المعبود في هذا المجلى المختص ...فإنهم وقفوا مع كثرة الصور ونسبة الألوهة لها فجاء الرسول و دعاهم إلى إله واحد يعرف ولا يشهد، بشهادتهم أنهم أثبتوه عندهم واعتقدوه في قولهم «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى » لعلمهم بأن تلك الصور حجارة ولذلك قامت الحجة عليهم بقوله «قل سموهم»: فما يسمونهم إلا بما يعلمون أن تلك الأسماء لهم حقيقة وأما العارفون بالأمر على ما هو عليه فيظهرون بصورة الإنكار لما عبد من الصور لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت لحكم الرسول الذي آمنوا به عليهم الذي به سموا مؤمنين فهم عباد الوقت مع علمهم بأنهم ما عبدوا من تلك الصور أعيانها، الأبصار بل «هو يدرك الأبصار» للطفه وسريانه في أعيان الأشياء فلا تدركه الأبصار كما أنها لا تدرك أرواحها المدبرة أشباحها وصورها الظاهرة «وهو اللطيف الخبير» والخبرة ذوق، والذوق تجل، والتجلي في الصور "
وكل هذا يجعل الله تعالى عن ذلك كاذب فى قوله " الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" لأن لافرق بين الكفر والإسلام ومن ثم لا معى لما يقاسيه الناس فى الحياة طالما أنه لا تفرقة كما يقول المخابيل
وفى الفص الموسوى حدثنا عن القتل فقال :
"- فص حكمة علوية في كلمة موسوية
حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى وما ثم جهل، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله- وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى» فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى (ص) وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله:"
الرجل يقول لنا أن كل من قتل من الأطفال كان موسى(ص) لأنه فتل من أجل حياة موسى وهو خبل يتنافى مع قوله تعالى " كل نفس بما كسبت رهينة " وقوله " ولا تزر وزارة وزر أخرى " بمعنى وجود الفردية فالجمع لا يمكن أن يكون واحدا
ومع أنه يوحد الأفراد فى فرد إلا أنه عاد وجعلهم أفرادا منهم والصغير والكبير والبعيد والقريب إلى الله فقال :
"هذا كله من فعل الصغير بالكبير وذلك لقوة المقام، فإن الصغير حديث عهد بربه لأنه حديث التكوين والكبير أبعد فمن كان من الله أقرب سخر من كان من الله أبعد، كخواص الملك للقرب منه يسخرون الأبعدين كان رسول الله (ص) يبرز بنفسه للمطر إذا نزل ويكشف رأسه له حتى يصيب منه ويقول إنه حديث عهد بربه "
وحدثنا حديثا غريبا بألفاظ الدين النصرانى فقال :
"وأما حكمة إلقائه في التابوت و رميه في اليم: فالتابوت ناسوته، واليم ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم مما أعطته القوة النظرية الفكرية والقوى الحسية والخيالية التي لا يكون شيء منها ولا من أمثالها لهذه النفس الإنسانية إلا بوجود هذا الجسم العنصري فلما حصلت النفس في هذا الجسم وامرت بالتصرف فيه وتدبيره، جعل الله لها هذه القوى آلات يتوصل بها إلى ما أراده الله منها في تدبير هذا التابوت الذي فيه سكينة الرب فرمي به في اليم ليحصل بهذه القوى على فنون العلم فأعلمه بذلك أنه وان كان الروح المدبر له هو الملك، فإنه لا يدبره إلا به فأصحبه هذه القوى الكائنة في هذا الناسوت الذي عبر عنه بالتابوت في باب الإشارات والحكم .."
الرجل هنا يفسر ألفاظ بغير معناها المعروف فالتابوت ناسوت واليم علمك وهو كلام تخريف يكذب به قوله تعالى :
" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" فالمعنى الذى يعرف القوم هو المعنى الحقيقى وليس معنى أخر كالذى اخترعه من عنده
ثم عاد مرة أخرى على الحلول والاتحاد فاعتبر آدم(ص) هو الله أى الحضرة الإلهية فقال:
"ولذلك قال في خلق آدم الذي هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال «إن الله خلق آدم على صورته» وليست صورته سوى الحضرة الإلهية ...،"
"وعاد لتحريف المعانى فقال :
كذلك ليس شيء من العالم إلا وهو مسخر لهذا الإنسان لما تعطيه حقيقة صورته فقال تعالى «وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه» فكل ما في العالم تحت تسخير الإنسان، علم ذلك من علمه- وهو الإنسان الكامل- وجهل ذلك من جهله، وهو الإنسان الحيوان فكانت صورة إلقاء موسى في التابوت، والقاء التابوت في اليم صورة هلاك، وفي الباطن كانت نجاة له من القتل فحيي كما تحيا النفوس بالعلم من موت الجهل"
وهو تفسير عكس تفسيره السابق قهو هنا يشبه حياة موسى بالنجاة من اليم بالعلم مع أنه جعل اليم العلم نفسه فى الفقرة قبل السابقة
ذم حدثنا عن اسم موسى (ص) فقال:
"فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم فأراد قتله فقالت امرأته- وكانت منطقة بالنطق الإلهي- فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال (ص)عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران- فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي ولك» فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا"
والغريب هنا هو ذكر شجرة فى الماء وهو اليم كما هو غريب كون اسم موسى شجرة الماء ,الغرب والأعجب والأجن أن امرأة فرعون المؤمنة أصبح زوجها الكافر فرعون مؤمنا وفى هذا قال :
"وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان "
ويصل الرجل بنا إلى نتيجة جنونية وهى ما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر فيقول:
"كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله فما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر يعني في الصورة: أعني قولي يكون حلالا، وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى، لأن الأمر خلق جديد ولا تكرار "
وقطعا الحرام يظل حراما والحلال يظل حلالا كما فى الصيام : كتب عليكم كما كتب على الذين من قبلكم"إلا ما كان من قبيل تغير الظروف أو الحرص على مصلحة الناس مثل تحريم الخمر تدريجيا حرصا على عدم تدهور صحة المدمنين لو انقطعوا مرة واحدة عنها
فالشرع واحد منذ البداية كما قال تعالى :
"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"
وحدثنا عن تحريم المراضع على موسى (ص) فقال :
"فلهذا نبهناك فكنى عن هذا في حق موسى بتحريم المراضع:
فأمه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته، فإن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فتكون فيها وتغذى بدم طمثها من غير إرادة لها في ذلك حتى لا يكون لها عليه امتنان، فإنه ما تغذى إلا بما لو لم يتغذ به ولم يخرج عنها ذلك الدم لأهلكها وأمرضها فللجنين المنة على أمه بكونه تغذى بذلك الدم فوقاها بنفسه من الضرر الذي كانت تجده لو امتسك ذلك الدم عندها ولا يخرج ولا يتغذى به جنينها والمرضعة ليست كذلك، فإنها قصدت برضاعته حياته وابقائه "
نجد هنا جنونا وهو تغدى الجنين على دم الطمث بينما الحمل ليس فيه طمث أساسا والجنون الأخر هو أن الجنين له فضل على أمه وهو أنه تغذى على ما يؤذيها فمنع عنها ألأذى وأى فضل له والله يقول " حملته وهنا على وهن"؟
وكالعادة فسر فتناه فتونا فقال:
"وفتنه فتونا أي اختبره في مواطن كثيرة ليتحقق في نفسه صبره على ما ابتلاه الله به فأول ما أبلاه الله به قتله القبطي بما ألهمه الله ووفقه له في سره وان لم يعلم بذلك، ولكن لم يجد في نفسه اكتراثا بقتله مع كونه ما توقف حتى يأتيه أمر ربه بذلك، لأن النبي معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتى ينبأ أي يخبر بذلك ولهذا أراه الخضر قتل الغلام فأنكر عليه قتله ولم يتذكر قتله القبطي فقال له الخضر «ما فعلته عن أمري» ينبهه على مرتبته قبل أن ينبأ أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر وان لم يشعر بذلك واراه أيضا خرق السفينة التي ظاهرها هلاك وباطنها نجاة من يد الغاصب جعل له ذلك في مقابلة التابوت له الذي كان في اليم مطبقا عليه فظاهره هلاك وباطنه نجاة "
وقطعا لا وجود للعصمة عن الذنوب وهى السيئات بدليل أن الله قال لموسى(ص):
"إنى لا يخاف لدى المرسلون إلا من بدل حسنا بعد سوء"
فالقتل كان سيئة ومن ثم لا عصمة بدليل استغفار موسى(ص) كما قال تعالى:
"قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين"
ثم قال كلاما جنونيا مخالفا كتاب الله فى سبب خلق العالم وهو ان الله أراد أن يعرف مع أنه يقول أن السبب اختبار الناس أيهم أحس عملا كما قال :
" الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وكلام الرجل فى السبب هو :
"فكانت الحركة التي هي وجود العالم حركة حب وقد نبه رسول الله (ص) على ذلك بقوله «كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف» فلولا هذه المحبة ما ظهر العالم في عينه فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب الموجد لذلك:
وكذلك تكمل مراتب الوجود: فإن الوجود منه أزلي وغير أزلي وهو الحادث فالأزلي وجود الحق لنفسه، وغير الأزلي وجود الحق بصورة العالم الثابت فيسمى حدوثا لأنه ظهر بعضه لبعضه و ظهر لنفسه بصور العالم فكمل الوجود فكانت حركة العالم حبية للكمال "
ويبرر الرجل شطحاته فى التفسير بأن الرسل(ص) أتوا بالوحى على مقدار أدنى الفهوم وهم ضعاف العقل مع أن الله لم يستثن أحدا من ذاك عند قال " بلسان قومه" وفى شطحته قال:
" فكان الخوف لموسى مشهودا له بما وقع من قتله القبطي، وتضمن الخوف حب النجاة من القتل ففر لما خاف، وفي المعنى ففر لما أحب النجاة من فرعون وعمله به ...فلا يعتبر الرسل إلا العامة لعلمهم بمرتبة أهل الفهم، كما نبه (ص)على هذه المرتبة في العطايا فقال «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار» فاعتبر الضعيف العقل والنظر الذي غلب عليه الطمع والطبع فكذا ما جاءوا به من العلوم جاءوا به وعليه خلعة أدنى الفهوم ليقف من لا غوص له عند الخلعة، فيقول ما أحسن هذه الخلعة ويراها غاية الدرجة ويقول صاحب الفهم الدقيق الغائص على درر الحكم- بما استوجب هذا- «هذه الخلعة من الملك» فينظر في قدر الخلعة وصنفها من الثياب، فيعلم منها قدر من خلعت عليه، فيعثر على علم لم يحصل لغيره ممن لا علم له بمثل هذا
ولما علمت الأنبياء والرسل والورثة أن في العالم واممهم من هوبهذه المثابة، عمدوا في العبارة إلى اللسان الظاهر الذي يقع فيه اشتراك الخاص والعام، فيفهم منه الخاص ما فهم العامة منه و زيادة مما صح له به اسم أنه خاص، فيتميز به عن العامي "
وهذا الكلام الذى يمثل فيه الناس بالكفار من الملوك والعامة والخاصة دليل على نفس مريضة ترى أن هذا التقسيم تقسيم صحيح أراده الله مع أنه لم يرد إلا تساوى الناس كما قال:
"إنما المؤمنون اخوة"
ومن ثم لا يصح أن نفسر شرع الله بما يصنعه الكفار
وكالعادة فسر عبارة من القرآن على غير سياقها فقال:
"إني على علم لم يحصل لك عن ذوق كما أنت على علم لا أعلمه أنا فأنصف وأما حكمة فراقه فلأن الرسول يقول الله فيه «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» فوقف العلماء بالله الذين يعرفون قدر الرسالة والرسول عند هذا القول"
وأساسا القول ليس فى طاعة الرسول 0ص) أمرا ونهيا وإنما هو فى الال الموزع كما تقول الآية:
"ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب"
وحاول الرجل أن يوصل لنا أن الرسل(ص) ليسوا أعلم الناس فقال :
" وقد علم الخضر أن موسى رسول الله فأخذ يرقب ما يكون منه ليوفي الأدب حقه مع الرسول: فقال له «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني» فنهاه عن صحبته فلما وقعت منه الثالثة قال: «هذا فراق بيني وبينك» ولم يقل له موسى لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه بقدر الرتبة التي هو فيها التي نطقته بالنهي عن أن يصحبه فسكت موسى ووقع الفراق
وظهر ذلك في الأمة المحمدية في حديث إبار النخل، فقال (ص)لأصحابه «أنتم أعلم بمصالح دنياكم» ولا شك أن العلم بالشيء خير من الجهل به: ولهذا مدح الله نفسه بأنه بكل شيء عليم فقد اعترف (ص) لأصحابه بأنهم أعلم بمصالح الدنيا منه لكونه لا خبرة له بذلك فإنه علم ذوق وتجربة ولم يتفرغ (ص)لعلم ذلك، بل كان شغله بالأهم فالأهم "
وهذا الكلام أراد ان يصل به لمعنى لا يصح وهو وجود الأولياء الذين هم أفضل من الرسل(ص)
وحدثنا عن كون الرسل(ص) ليسوا كلهم حكام فقال :
"«وجعلني من المرسلين» يريد الرسالة : فما كل رسول خليفة فالخليفة صاحب السيف والعزل والولاية والرسول ليس كذلك: إنما عليه بلاغ ما أرسل به: فإن قاتل عليه وحماه بالسيف فذلك الخليفة الرسول فكما أنه ما كل نبي رسول، كذلك ما كل رسول خليفة- أي ما أعطي الملك ولا التحكم فيه "
وهو ما يخالف أنه أنزل عليهم الكتاب للحكم بين الناس ولم يستثنى أحدا منهم فقال:
"كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه"
وعاد لحكاية كون فرعون مؤمن مسلم يدخل الجنة وقال فى هذا فقرات عدة فقال :
" وأما حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية فلم يكن عن جهل، وانما كان عن اختبار حتى يرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربه- وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم- فيستدل بجوابه على صدق دعواه وسأل سؤال إيهام من أجل الحاضرين حتى يعرفهم من حيث لا يشعرون بما شعر هو في نفسه في سؤاله: فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر أظهر فرعون- إبقاء لمنصبه- أن موسى ما أجابه على سؤاله، فيتبين عند الحاضرين- لقصور فهمهم- أن فرعون أعلم من موسى ولهذا لما قال له في الجواب ما ينبغي- وهو في الظاهر غير جواب ما سئل عنه، وقد علم فرعون أنه لا يجيبه إلا بذلك- فقال لأصحابه «إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون» أي مستور عنه علم ما سألته عنه، إذ لا يتصور أن يعلم أصلا فالسؤال صحيح، فإن السؤال عن الماهية سؤال عن حقيقة المطلوب، ولا بد أن يكون على حقيقة في نفسه ....أو بما ظهر فيه من صور العالم فكأنه قال في جواب قوله «وما رب العالمين»- قال- الذي يظهر فيه صور العالمين من علو- وهو السماء- وسفل وهو الأرض: «إن كنتم موقنين»، أو يظهر هو بها فلما قال فرعون لأصحابه «إنه لمجنون» كما قلنا في معنى كونه مجنونا، زاد موسى في البيان ليعلم فرعون رتبته في العلم الإلهي لعلمه بأن فرعون يعلم ذلك: فقال: «رب المشرق والمغرب» فجاء بما يظهر ويستر، وهو الظاهر والباطن، وما بينهما وهو قوله «بكل شيء عليم» «إن كنتم تعقلون» : أي إن كنتم أصحاب تقييد، فإن العقل يقيد فالجواب الأول جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود .....فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين» والسين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وانا أنت بالعين وغيرك بالرتبة فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه واظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أ و لو جئتك بشيء مبين» فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، وهي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهرفي العقل،....فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة «فألقى عصاه»، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة ....فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي وحيات وحبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وان الذي رأوه ليس من مقدور البشر ....فاقض ما أنت قاض فالدولة لك فصح قوله «أنا ربكم الأعلى » وان كان عين الحق فالصورة لفرعون فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ، ..... والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة ....وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه ....هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به فآمن بالذي آمنت به بنو اسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو فقد عمته النجاة حسا ومعنى ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن "
إذا الرجل يقول لنا أن فرعون مؤمن بالله وأن ما قاله لم يكن يقصد به ما نعرفه من المعانى وإنما معانى أخر لا دليل عليها وانتهى الرجل إلى جنون ايمان كل الناس بالله وهو قوله التالى:
"ثم إنا نقول بعد ذلك:
ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: واعني من المحتضرين : ولهذا يكره موت الفجاءة وقتل الغفلة فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج فهذا موت الفجاءة وهذا غير المحتضر وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر ولذلك قال (ص)«ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه .....والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة وأما حكمة التجلي والكلام ...في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى.. فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص ولو اعرض لعاد عمله عليه واعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم كنار موسى رآها عين حاجته وهو الإله ولكن ليس يدريه"
ونجد الخبل هنا أن موسى (ص) هو الإله وهو لا يدرى أنه إله فاضحكوا وقهقهوا من هذا كلام المجانين
واخترع الرجل رسولا لا أحد يعلم به سماه خالد بن سنان فقال فى الفص الخالدى:
"- فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
وأما حكمة خالد بن سنان فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخية، فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالك إلا بعد الموت: فأمر أن ينبش عليه ويسأل فيخبر أن الحكم في البرزخ على صورة الحياة الدنيا، فيعلم بذلك صدق الرسل كلهم فيما أخبروا به في حياتهم الدنيا فكان غرض خالد (ص) إيمان العالم كله بما جاءت به الرسل ليكون رحمة للجميع"
نجد الجنون هنا وهو أن نبوة أى رسالة خالد كانت بعد موته وهو قبره حيث كان الميت الميت يجيب الأحياء
ونلاحظ الالجنون فالرجل يقول أنه رسوله بعبارة " وعلم أن الله أرسله " ونفى عنها الرسالة فقالط ولم يكن خالد برسول" وهو كلامه فى الفقرة التالية:
"فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد (ص)، وعلم أن الله أرسله رحمة للعالمين ولم يكن خالد برسول، فأراد أن يحصل من هذه الرحمة في الرسالة المحمدية على حظ وافر ولم يؤمر بالتبليغ، فأراد أن يحظى بذلك في البرزخ ليكون أقوى في العلم في حق الخلق فأضاعه قومه ولم يصف النبي (ص) قومه بأنهم ضاعوا وانما وصفهم بأنهم أضاعوا نبيهم حيث لم يبلغوه مراده،"
ويحدثنا الرجل حديثا عن أمنية خالد وأجره فيقول:
"فهل بلغه الله أجر أمنيته؟ فلا شك ولا خلاف أن له أجر الأمنية، وانما الشك والخلاف في أجر المطلوب: هل يساوي تمني وقوعه عدم وقوعه بالوجود أم لا فإن في الشرع ما يؤيد التساوي في مواضع كثيرة: كالآتي للصلاة في الجماعة فتفوته الجماعة فله أجر من حضر الجماعة، وكالمتني مع فقره ما هم عليه أصحاب الثروة والمال من فعل الخيرات فله مثل أجورهم ولكن مثل أجورهم في نياتهم أوفي عملهم فإنهم جمعوا بين العمل والنية؟ ولم ينص النبي عليهما ولا على واحد منهما فالظاهر أنه لا تساوي بينهما ولذلك طلب خالد بن سنان الإبلاغ حتى يصح له مقام الجمع بين الأمرين فيحصل على الأجرين "
والخبل هنا هو وجود أجر على النية ولو كان الأمر صحيحا لدخل بعض الكفار الجنة بناء على النية فقد تمنوا أن يكونوا مسلمين كما قال تعالى :
"ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين"
وأخر الفصوص كان الفص المحمدى ويتحدث عن كونه أكمل مخلوق فيقول :
"- فص حكمة فردية في كلمة محمدية
"...إنما كانت حكمته فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني، ولهذا بدئ به الأمر وختم : فكان نبيا وادم بين الماء والطين"
والخطأ هو التفرقة بين محمد(ص) وبقية الرسل(ص) وهو ما يخالف كون عقيدة المسلم : لا نفرق بين أحد من رسله" ولا يوجد نص فى كونه الأفضل
والخطأ الأخر كونه البدء والختام وهو كلام مجانين فلا يمكن لمخلوق أن يكون أولا وأخرا وإنما هذه صفة الخالق وهى المصيبة التى يؤكدها الرجل فى كونه الله تعالى عن ذلك بقوله :
" ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين وأول الأفراد الثلاثة، وما زاد على هذه الأولية من الأفراد فإنها عنها "
الثلاثية هنا التى أولها محمد(ص)تناقض الثلاثية الأولى فى أول الكتاب التى قال أنها الشيئية والسماع والامتثال فى قوله:
"ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضا في ذلك الشيء، وبها من جهته صح تكوينه واتصافه بالوجود، وهي شيئيته وسماعه وامتثاله"
والعجيب أن الرجل الذى يعلن أن محمد(ص) هو الله يناقض كلامه فيجعل الله رب محمدا فيقول :
"فكان (ص)أدل دليل على ربه، فإنه أوتي جوامع الكلم التي هي مسميات أسماء آدم، فأشبه الدليل في تثليثه، والدليل دليل لنفسه "
ويؤكد على التثليث وكأنه يقول ثالوث النصارى واحد كثالوثه ويستدل على ذلك برواية لا يمكن أن يكون الرسول قد قالها وفيها يقول: ولما كانت حقيقته تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشأة، لذلك قال في باب المحبة التي هي أصل الموجودات «حبب إلي من دنياكم ثلاث» بما فيه من التثليث، ثم ذكر النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة "
والصلاة ليس من متاع الدنيا حتى تكون محبوبة من الدنيا وهذا دليل وضع الحديث فالنساء والطيب من المؤكد أنهما من متاع الدنيا وأما الصلاة فليست مذكورة فيما زينه الله للناس من متاع الدنيا فى قوله :
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا"
وقام الرجل بشرح الحديث على غير معناه المعروف فقال :
"فالأول أن تعرف أن نفسك لا تعرفها فلا تعرف ربك: والثاني أن تعرفها فتعرف ربك فكان محمد (ص) أوضح دليل على ربه، فإن كل جزء من العالم دليل على أصله الذي هو ربه فافهم فإنما حبب إليه النساء فحن إليهن لأنه من باب حنين الكل إلى جزئه، فأبان بذلك عن الأمر في نفسه من جانب الحق في قوله في هذه النشأة الإنسانية العنصرية «ونفخت فيه من روحي» ثم وصف نفسه بشدة الشوق إلى لقائه فقال للمشتاقين «يا داود إني أشد شوقا إليهم» يعني المشتاقين إليه وهو لقاء خاص: فإنه قال في حديث الدجال إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت، فلا بد من الشوق لمن هذه صفته فشوق الحق لهؤلاء المقربين مع كونه يراهم فيحب أن يروه ويأبى المقام ذلك فأشبه قوله «حتى نعلم» مع كونه عالما فهو يشتاق لهذه الصفة الخاصة التي لا وجود لها إلا عند الموت....ولما كان لا يلقى الحق إلا بعد الموت كما قال (ص)«إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت» لذلك قال تعالى «ولا بد له من لقائي» فاشتياق الحق لوجود هذه النسبة"
وحكاية الرؤية لله عند الموت تناقض ما قاله عن رؤية الله فى الحياة الدنيا فى المنام وغيره فقال :
"مثل من يرى الحق في النوم ولا ينكر هذا وانه لا شك الحق عينه فتتبعه لوازم تلك الصورة وحقائقها التي تجلى فيها في النوم"
وتحدث بينا تكون الإنسان من اربعة أمور فقال :
"ولما كانت نشأته من هذه الأركان الأربعة المسماة في جسده أخلاطا، حدث عن نفخه اشتعال بما في جسده من الرطوبة، فكان روح الإنسان نارا لأجل نشأته ولهذا ما كلم الله موسى إلا في صورة النار وجعل حاجته فيها فلو كانت نشأته طبيعية لكان روحه نورا وكنى عنه بالنفخ يشير إلى أنه من نفس الرحمن، فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه، وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتعال نارا لا نورا "
وهو كلام يخالف كتاب الله فى نشأة الإنسان من الطين وهو التراب والماء ثم أتانا بفاجعة من الفواجع فجعل الله أنثى فقال :

"فبطن نفس الرحمن فيما كان به الإنسان إنسانا ثم اشتق له منه شخصا على صورته سماه امرأة، فظهرت بصورته فحن إليها حنين الشيء إلى نفسه، وحنت إليه حنين الشيء إلى وطنه فحببت إليه النساء، فإن الله أحب من خلقه على صورته واسجد له ملائكته النوريين على عظم قدرهم ومنزلتهم وعلو نشأتهم الطبيعية "
الخبل هنا لو عقل القائل أنه جعل الله أنثى مع أنه نفى الأنثوية والذكورية عن نفسه فقال :
" لم يلد ولم يولد"
كما تحدث حديثا لا يتحدثه إلا أهل الفواحش وهو أن جماع الرجل لزوجته هو جماع لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فقال:
"فمن هناك وقعت المناسبة والصورة أعظم مناسبة واجلها واكملها: فإنها زوج أي شفعت وجود الحق ، كما كانت المرأة شفعت بوجودها الرجل فصيرته زوجا فظهرت الثلاثة حق ورجل وامرأة، فحن الرجل إلى ربه الذي هو أصله حنين المرأة إليه فحبب إليه ربه النساء كما أحب الله من هو على صورته فما وقع الحب إلا لمن تكون عنه، وقد كان حبه لمن تكون منه وهو الحق فلهذا قال «حبب» ولم يقل أحببت من نفسه لتعلق حبه بربه الذي هو على صورته حتى في محبته لامرأته، فإنه أحبها بحب الله إياه تخلقا إلهيا
ولما أحب الرجل المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، ولذلك أمر بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل، واذا شاهده في نفسه- من حيث ظهور المرأة عنه- شاهده في فاعل، واذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة فشهوده للحق في المرأة أتم واكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة "
هنا الجنون الكامل فالرجل يعتبر أن من يجامع زوجته إنما يجامع الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فأى وقاحة هذه أن يعتبر الله منكوحا وناكحا والتعبير الذى يقوله العامة يصور بشاعة جريمة هذا القول لفظ ناكحا ومنكوحا ولو علموا بهذا الكلام لقتلوا كل الصوفية القائلين بهذا الكلام وعاود الكلام عن الفاحشة التى قالها فقال :
"فلهذا أحب (ص) النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا، فإن الله بالذات غني عن العالمين ...واذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا، ولم تكن الشهادة إلا في مادة،... ولهذا وصفه بالتدبير لهذا الهيكل، فإنه تعالى به «يدبر الأمر من السماء» وهو العلو، «إلى الأرض»، وهو اسفل سافلين، لأنها أسفل الأركان كلها وسماهن بالنساء وهو جمع لا واحد له من لفظه، ولذلك قال (ص)«حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء» ولم يقل المرأة، فراعى تأخرهن في في الوجود عنه، ... ولذلك ذكر النساء فما أحبهن إلا بالمرتبة وانهن محل الانفعال فهن له كالطبيعة للحق التي فتح فيها صور العالم بالتوجه الإرادي والأمر الإلهي الذي هو نكاح في عالم الصور العنصرية، وهمة في عالم الأرواح النورية، وترتيب مقدمات في المعاني للإنتاج وكل ذلك نكاح الفردية الأولى في كل وجه من هذه الوجوه فمن أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهي، ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة، فكان صورة بلا روح عنده، وان كانت تلك الصورة في نفس الأمر ذات روح ولكنها غير مشهودة لمن جاء لامرأته- أو لأنثى حيث كانت- لمجرد الالتذاذ، ولكن لا يدري لمن فجهل من نفسه ما يجهل الغير منه ما لم يسمه هو بلسانه حتى يعلم "
وكان الناقص فى كلام الخبل أن من قتل أخر فقد قتل الله تعالى عن ذلك وساعتها كيف يكون هذا القاتل موجود وسبب حياته انتهى ؟
إنه تخريف وشطحات ومع ذلك الكلام الذى يؤكد ثلاثية أخرى قال بها الرجل وهى الله والرجل والمرأة كشىء واحد يعود ليقول أنهم ثلاثة فالمرأة أقل من الرجل والرجل أقل من الله وهو قوله:
"وكما نزلت المرأة عن درجة الرجل بقوله«وللرجال عليهن درجة» نزل المخلوق على الصورة عن درجة من أنشأه على صورته مع كونه على صورته فبتل كالدرجة التي تميز بها عنه، بها كان غنيا عن العالمين وفاعلا أولا، فإن الصورة فاعل ثان "
ويعود الرجل لشرح باقى الحديث الكاذب فيقول:
"ثم إنه جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التأنيث وادرج بينهما المذكر فبدأ بالنساء وختم بالصلاة وكلتاهما تأنيث، والطيب بينهما كهو في وجوده، فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها وبين امرأة ظهرت عنه، فهو بين مؤنثين: تأنيث ذات وتأنيث حقيقي كذلك النساء تأنيث حقيقي والصلاة تأنيث غير حقيقي، والطيب مذكر بينهما كآدم بين الذات الموجود عنها وبين حواء الموجودة عنه وان شئت قلت الصفة فمؤنثة أيضا، وان شئت قلت القدرة فمؤنثة أيضا فكن على أي مذهب شئت، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم والعلة مؤنثة ...وأما حكمة الطيب وجعله بعد النساء، فلما في النساء من روائح التكوين، فإنه أطيب الطيب عناق الحبيب كذا قالوا في المثل السائر ولما خلق عبدا بالاصالة لم يرفع رأسه قط إلى السيادة، بل لم يزل ساجدا واقفا مع كونه منفعلا حتى كون الله عنه ما كون فأعطاه رتبة الفاعلية في عالم الأنفاس التي هي الأعراف الطيبة فحبب إليه الطيب: فلذلك جعله بعد النساء "
وهذا الكلام الغامض الذى يعتبره تفسير للحديث إنما هو زيادة فى غموض المعنى مع أنه واضح ليصل به الرجل إلى ما يريد وهو ان الله ذكر وأنثى غير هذا وقد تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا
وقام الرجل بابعاد اللفظ عن معناه فجعل الطيبين والطيبات من الريح وليس من الطهارة من الذنوب بطاعة وحى الله فقال :
"وقد جعل الطيب- تعالى في هذا الالتحام النكاحي في براءة عائشة فقال «الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، أولئك مبرؤن مما يقولون» فجعل روائحهم طيبة: لأن القول نفس، وهو عين الرائحة فيخرج بالطيب والخبيث على حسب ما يظهر به في صورة النطق فمن حيث هو الهي بالأصالة كله طيب"
ولو أخذنا بتفسير الرجل لكان المعنى ليس المسلمين والكفار وإنما أصحاب الرائحة الكريهة وأصحاب الرائحة المحببة وشتان ما بين المعنيين
ثم حدثنا عن الصلاة فقال :
"وأما الثالث الذي به كملت الفردية فالصلاة فقال «وجعلت قرة عيني في الصلاة» لأنها مشاهدة: وذلك لأنها مناجاة بين الله وبين عبده كما قال: «فاذكروني أذكركم» وهي عبادة مقسومة بين الله وبين عبده بنصفين:
فنصفها لله ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى أنه قال «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد بسم الله الرحمن الرحيم: يقول الله ذكرني عبدي يقول العبد الحمد لله رب العالمين: يقول الله حمدني عبدي يقول العبد الرحمن الرحيم: يقول الله أثنى علي عبدي يقول العبد مالك يوم الدين: يقول الله مجدني عبدي: فوض إلي عبدي فهذا النصف كله له تعالى خالص ثم يقول العبد إياك نعبد واياك نستعين ...يقول الله هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فأوقع الاشتراك في هذه الآية "
والصلاة ليست مقسومة كما يقول الحديث الكاذب لأن الصلاة لله كما قال " وأقم الصلاة لذكرى"
فلم يقل أقمها لك
وعاد الرجل لخبل الحلول والاتحاد معتمدا على حديث أخر فقال :
"...ولما كانت مناجاة فهي ذكر، ومن ذكر الحق فقد جالس الحق وجالسه الحق، فإنه صح في الخبر الإلهي أنه تعالى قال أنا جليس من ذكرني ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر رأى جليسه فهذه مشاهدة ورؤية فإن لم يكن ذا بصر لم يره فمن هنا يعلم المصلي رتبته هل يرى الحق هذه الرؤية في هذه الصلاة أم لا فإن لم يره فليعبده بالإيمان كأنه يراه فيخيله في قبلته عند مناجاته، ويلقي السمع لما يرد به عليه الحق فإن كان إماما لعالمه الخاص به وللملائكة المصلين معه- فإن كل مصل فهو أمام بلا شك، فإن الملائكة تصلي خلف العبد إذا صلى وحده كما ورد في الخبر- فقد حصل له رتبة الرسل في الصلاة وهي النيابة عن الله إذا قال سمع الله لمن حمده، فيخبر نفسه ومن خلفه بأن الله قد سمعه فتقول الملائكة والحاضرون ربنا ولك الحمد "
الرجل هنا يثبت رؤية الله فى الدنيا من خلال مجالس الذكر وهو ما نفاه بحديث أخر أن الرؤية تكون عند الموت فى فقرة سابقة قريبة قبل عدة صفحات
ويحدثنا عن خبل أخر وهو ان الصلاة بمعنى الصلوات المعروفة فى اليوم والليل تنهى عن الفحشاء والمنكر فيقول:
"وقد ذكرنا صفة الرجل الكامل في الصلاة في الفتوحات المكية كيف يكون لأن الله تعالى يقول «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، لأنه شرع للمصلي ألا يتصرف في غير هذه العبادة ما دام فيها ويقال له مصل «ولذكر الله أكبر» يعني فيها: أي الذكر الذي يكون من الله لعبده حين يجيبه في سؤاله "
والصلوات المعروفة لو كانت تههى عن الفحشاء والمنكر لنهت المنافقين وقد كانوا يصلون عن نفاقهم وفى هذا قال تعالى :
"وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس"
ويحدثنا عن خبل أخر فيسمى الله حركة معقولة فيقول :
"ومن ذلك أن الوجود لما كان عن حركة معقولة نقلت العالم من العدم إلى الوجود عمت الصلاة جميع الحركات وهي ثلاث: حركة مستقيمة وهي حال قيام المصلي، وحركة أفقية وهي حال ركوع المصلي، وحركة منكوسة وهي حال سجوده فحركة الإنسان مستقيمة، وحركة الحيوان أفقية، وحركة النبات منكوسة، وليس للجماد حركة من ذاته: فإذا تحرك حجر فإنما يتحرك بغيره وأما قوله «وجعلت قرة عيني في الصلاة- ولم ينسب الجعل إلى نفسه- فإن تجلي الحق للمصلي إنما هو راجع إليه تعالى لا إلى المصلي: فإنه لولم يذكر هذه الصفة عن نفسه لأمره بالصلاة على غير تجل منه له فلما كان منه ذلك بطريق الامتنان، كانت المشاهدة بطريق الامتنان فقال وجعلت قرة عيني في الصلاة وليس إلا مشاهدة المحبوب التي تقر بها عين المحب، من الاستقرار : فتستقر العين عند رؤيته فلا تنظر معه إلى شيء غيره في شيء وفي غير شيء ولذلك نهي عن الالتفات في الصلاة، ..."
والرجل فى الفقرة السابقة عاد للتأكيد على خبل الرؤية لله فى الدنيا فى الصلاة مع أنه قال بانعدامها حتى الموت كما فى فقرة سابقة ثم عاد لمعنى الحلول والاتحاد مرة أخرى فقال :
ثم إن مسمى الصلاة له قسمة أخرى، فإنه تعالى أمرنا أن نصلي له واخبرنا أنه يصلي علينا فالصلاة منا ومنه فإذا كان هو المصلي فإنما يصلي باسمه الآخر، فيتأخر عن وجود العبد: وهو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري أو بتقليده وهو الإله المعتقد ويتنوع بحسب ما قام بذلك المحل من الاستعداد "
وينقل عن الجنيد خبلا أخر يؤكد أننا اسم الله الأخر فيقول:
"كما قال الجنيد حين سئل عن المعرفة بالله والعارف فقال لون الماء لون إنائه وهو جواب ساد أخبر عن الأمر بما هو عليه فهذا هو الله الذي يصلي علينا واذا صلينا نحن كان لنا الاسم الآخر فكنا فيه كما ذكرنا في حال من له هذا الاسم، فنكون عنده بحسب حالنا، فلا ينظر إلينا إلا بصورة ما جئناه بها فإن المصلي هو المتأخر عن السابق في الحلبة وقوله «كل قد علم صلاته وتسبيحه» أي رتبته في التأخر في عبادته ربه، وتسبيحه الذي يعطيه من التنزيه استعداده، فما من شيء إلا وهو يسبح بحمد ربه الحليم الغفور ولذلك لا يفقه تسبيح العالم على التفصيل واحدا واحدا
إذ لو عرف ما قال الجنيد لون الماء لون إنائه لسلم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده، وعرف الله في كل صورة وكل معتقد فهو ظان ليس بعالم، ولذلك قال «انا عند ظن عبدي بي» لا أظهر له إلا في صورة معتقده: فإن شاء أطلق وان شاء قيد : والشيء لا يقال فيه يسع نفسه ولا لا يسعها فافهموا "
وهذا الكلام تأكيد على أن كل الأديان صحيحة رغم اختلافها فى عدد الآلهة وفى إيمانها بوجود الله وبإنكاره ..وهو كلام لا يتحدث به إلا المخابيل لأنه يشيع الفوضى فى المجتمعات فالقاتل هو القتيل والسارق هو المسروق والزانى هو المزنى به .. ومن ثم يرتكب الناس الجرائم بلا أى وازع أو رادع لأنهم فى النهاية عند الرجل يجرمون فى حق أنفسهم
وفى منتصف الكتاب تقريبا قلت أننى سأتبع منهج مغاير وأعترف أنى فشلت فيه وهو تجميع أقوال الرجل فى الاتحاد والحلول فى مكان واحد ففلتت منى بعض المواضع التى تناولتها سابقا وقد جمعت بعضا منها من الفصوص المختلفة تحت العنوان التالى:
الخطأ المتكرر ألأول :
الله هو نحن ونحن هو الله :
قال :"فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه، فإن فيه جل وعلا تسلك وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عين الوجود والسالك والمسافر فلا عالم إلا هو فمن أنت فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو اخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه " وقال:
"أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق ثم ذكر أنه استوى على العرش، فهذا أيضا تحديد ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد ثم ذكر أنه في السماء وانه في الأرض وانه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عينا ونحن محدودون، فما وصف نفسه إلا بالحد وقوله ليس كمثله شيء حد أيضا إن أخذنا الكف زائدة لغير الصفة ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود فالإطلاق عن التقيد تقييد، والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم وان جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه، وان أخذنا «ليس كمثله شيء» على نفي المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة وان اختلفت حدودها فهو محدود بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو الحق فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولولم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود فهو عين الوجود، «وهو على كل شيء حفيظ» بذاته، «ولا يؤده» حفظ شيء فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه لصورته أن يكون الشيء غير صورته ولا يصح إلا هذا، فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود فالعالم صورته، وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير " وقال :
"ولهذا الكرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية من إيجاد صور العالم التي قلنا هي ظاهر الحق إذ هو الظاهر، وهو باطنها إذ هو الباطن، وهو الأول إذ كان ولا هي، وهو الآخر إذ كان عينها عند ظهورها فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول، العالم «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب» وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء فما سبق مقصر مجدا كذلك لا يماثل أجير عبدا واذا كان الحق وقاية للحق بوجه والعبد وقاية للحق بوجه فقل في الكون ما شئت: إن شئت قلت هو الخلق، وان شئت قلت هو الحق، وان شئت قلت هو الحق الخلق، وان شئت قلت لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه، وان شئت قلت بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب ولولا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه " وقال :
"فلا تنظر العين إلا إليه ولا يقع الحكم إلا عليه
فنحن له وبه في يديه وفي كل حال فإنا لديه" وقال :
"يعتقد معتقد إلها إلا جعل في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فيها فانظر: مراتب الناس في العلم بالله تعالى هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها فإن الله تعالى أوسع واعظم من أن يحصره عقد دون عقد اعلم أن القلب- أعني قلب العارف بالله- هو من رحمة الله، وهو اوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله ورحمته لا تسعه وان الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو والحق من حيث ذاته غني عن العالمين والربوبية ما لها هذا الحكم فبقي الأمر بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغنى عن العالم وليست الربوبية على الحقيقة والاتصاف إلا عين هذه الذات " وقال:
"فيثبت من هذا الوجه أن رحمته وسعت كل شيء فوسعت الحق، فهي أوسع من القلب أو مساوية له في السعة هذا مضى ثم لتعلم أن الحق تعالى كما ثبت في الصحيح يتحول في الصور عند التجلي، وان الحق تعالى إذا وسعه القلب لا يسع معه غيره من المخلوقات فكأنه يملؤه وهذا عكس ما يشير إليه الطائفة من أن الحق يتجلى على قدر استعداد العبد وهذا ليس كذلك، فإن العبد يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى له فيها الحق وتحرير هذه المسألة أن لله تجليين تجلي غيب وتجلي شهادة، فمن تجلي الغيب يعطي الاستعداد الذي يكون عليه القلب، وهو التجلي الذاتي الذي الغيب حقيقته، وهو الهوية التي يستحقها بقوله عن نفسه «هو» فلا يزال «هو» له دائما أبدا فإذا حصل له- أعني للقلب- هذا الاستعداد، تجلى له التجلي الشهودي في الشهادة فرآه فظهر بصورة ما تجلى له كما ذكرناه فهو تعالى أعطاه الاستعداد بقوله «أعطى كل شيء خلقه»، ثم رفع الحجاب بينه وبين عبده فرآه في صورة معتقده، فإن صور التجلي ما لها نهاية تقف عندها وكذلك العلم بالله ما له غاية في العارف يقف عندها، بل هو العارف في كل زمان يطلب الزيادة من العلم به " وقال:
"وأما أهل الكشف فإنهم يرون أن الله يتجلى في كل نفس ولا يكرر التجلي، ويرون أيضا شهودا أن كل تجل يعطي خلقا جديدا ويذهب بخلق فذهابه هوعين الفناء عند التجلي والبقاء لما يعطيه التجلي الآخر فافهم
إليه ولما كان لكل عين وجود يطلبه من الله، لذلك عمت رحمته كل عين، فإنه برحمته التي رحمه بها قبل رغبته في وجود عينه، فأوجدها " وقال:
"فلذلك قلنا إن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما والأسماء الإلهية من الأشياء، وهي ترجع إلى عين واحدة فأول ما وسعت رحمة الله شيئية تلك العين الموجدة للرحمة بالرحمة، فأول شيء وسعته الرحمة نفسها ثم الشيئية المشار إليها، ثم شيئية كل موجود يوجد إلى ما لا يتناهى دنيا واخرة، وعرضا وجوهرا، ومركبا وبسيطا وهو سبحانه ليس بمحل للحوادث، فليس بمحل لإيجاد الرحمة فيه وهو الراحم: وقال:
"فإله المعتقدات تأخذه الحدود وهو الإله الذي وسعه قلب عبده، فإن الإله المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء وعين نفسه"
و أدلة عدم الاتحاد
أولا أن الله واحد ليس له أبعاض أى أجزاء ولو كان الخلق هم الله فمعناه أن متكون من أجزاء وفى هذا قال تعالى :
" قل هو الله أحد"
ثانيا أن الله قدوس طاهر فلو كان المشركون وهم الكفار جزء منه تعالى عن ذلك كما قال تعالى:
"إنما المشركون نجس "
فالله تعالى عن ذلك أصبح نجسا لكون بعضه وهم المشركون نجس
ثالثا أن الله ليس جسما ولا محدود ولو كنا جميعا كمخلوقات نحن الله ونحن أجسام محدودة فمعنى هذا أنه جسم محدود
رابعا إذا كان الله أولا بلا بداية وأخر بلا نهاية فكيف نكون هو ونحن محدثون وهو كما فى التعبير الشهير قديم ؟
خامسا لو افترضنا كما يفترض من قالوا بالحلول والاتحاد وجود الله فى مكان هو الذى نسميه الكون بما فيه من مخلوقات فبذلك يكون هناك وجودان الله والمكان وبذلك يكون لله شريك هو المكان وهو ما يعارض قوله تعالى:
" لا شريك له"
سادسا أن الحلول والاتحاد يقوم على خرافة وهى على عدة احتمالات:
1-أن الله هو نفسه الكون بكامله
2- أن الكون جزء داخل الله
وكلا الاحتمالين يعنيان أن الله فى مكان وأن الله جسم ومحدود
الخرافة تقوم إذا على افتراض أن المكان كان قبل الله أو مع الله وهو ما يعارض أن المكان وهو السموات والأرض والزمان بدأ معا كما فى قوله تعالى:
"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا يوم خلق السموات والأرض "
سابعا ما الفائدة فى تلك الحالة من قوله تعالى " ليس كمثله شىء" لأنه لا يوجد شىء سواه ؟
قطعا القوم يضحكون على أنفسهم أو يضحكون على غيرهم والغرض من كل تلك الكلمات المغلفة بالكشف والذوق والولاية هو تكريس الظلم الدنيوى والسكوت عليه فما دمنا فى النهاية لا يوجد حساب ولا ثواب أو عند بعضهم جنة للمظلومين ونار للظالمين وهى نار مؤقتة تنتهى بتحول العذاب لنعيم فما الفائدة من الخلق ؟
ثامنا يبدو إرسال الرسل والكلام عن حساب وعقاب وغير ذلك بناء على مقولة الحلول والاتحاد جنونا وخبلا فما الفائدة منهم إذا كان المظلوم هو الظالم والظالم هو المظلوم باعتبارنا كلنا الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا تاسعا لو افترضنا ما يفترضه القائل فإذا قتل واحد منا الأخر فقد قتل الله تعالى عن ذلك علوا ولو قتل الله فهل يتبقى الكون لأن القتل هو قضاء عليه ؟
وأما الخطأ المتكرر الثانى فهو :
"تحول النار لنعيم ومن أقواله فيها فى النصف الثانى من الكتاب من الفصوص المختلفة:
"«فيسوق المجرمين» وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم- وهو عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وانما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها ألا ترى عادا قوم هود كيف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن عبده به، فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو اتم واعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هوما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم»: فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» وهي جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ وقد ورد النص الإلهي بهذا كله وما ثم إلا الاعتقادات فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي عنه وان شقي زمانا ما في الدار الآخرة فقد مرض وتألم أهل العناية- مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق- في الحياة الدنيا فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أويكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان " وقال :
"فكان اصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إسفار وجوه السعداء في قوله تعالى «وجوه يومئذ مسفرة» من السفور وهو الظهور، كما كان الاصفرار في أول يوم ظهور علامة الشقاء في قوم صالح ثم جاء في موازنة الاحمرار القائم بهم قوله تعالى في السعداء «ضاحكة»، فإن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه، فهي في السعداء احمرار الوجنات ثم جعل في موازنة تغير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى «مستبشرة» وهوما أثره السرور في بشرتهم كما أثر السواد في بشرة الأشقياء ولهذا قال في الفريقين بالبشرى، أي يقول لهم قولا يؤثر في بشرتهم فيعدل بها إلى لون لم تكن البشرة تتصف به قبل هذا فقال في حق السعداء «يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان» وقال في حق الأشقياء «فبشرهم بعذاب أليم» فأثر في بشرة كل طائفة ما حصل في نفوسهم من أثر هذا الكلام فما ظهر عليهم في ظاهرهم إلا حكم ما استقر في بواطنهم من المفهوم فإن كان كما قلنا مآل أهل النار إلى إزالة الآلام وان سكنوا النار، فذلك رضا: فزال الغضب لزوال الآلام، إذا عين الألم عين الغضب إن فهمت فمن غضب فقد تأذى، فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك، فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه والحق إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصفة على هذا الحد واذا كان الحق هوية العالم، فما ظهرت الأحكام كلها إلا منه وفيه، وهو قوله «واليه يرجع الأمر كله»"
اجمالي القراءات 2523