كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السُّنّى الذكورى ) : الباب الأول : لمحة عامة
الفصل السادس عشر : النساء ضمن مصطلحات ( الإنس والجن )

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٢ - يناير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

الفصل السادس عشر : النساء ضمن مصطلحات ( الإنس والجن )
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السُّنّى الذكورى ) الباب الأول : لمحة عامة
الفصل السادس عشر : النساء ضمن مصطلحات ( الإنس والجن )
مقدمة
1 ـ فى كل الأحوال يدل مصطلح ( الانس ) على البشر جميعا ذكورا وإناثا . وعادة أن يأتى مصطلح ( الإنس ) مقترنا بالجن ، وفى مرة وحيدة جاء مصطلح ( الإنس ) منفردا فى قصة مريم : ( فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26) مريم ). وفى غيرها ارتبط ( الإنس ) ب ( الجن ) فى سياقات قرآنية مختلفة تدل على الذكور والإناث من النوعين ، لأنه جل وعلا خلق من كل شىء زوجين ، قال جل وعلا :( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) (49) الذاريات )( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) (12) الزخرف )( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) يس ) يسرى هذا على البشر والجن .
حقائق قرآنية عن الجن والانس
أولا : من حيث الخلق :
1 ـ قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) الحجر )( خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) الرحمن ). خلق الله جل وعلا الجن قبل خلق آدم ، وخلق الجن من طاقة بينما خلق البشر من مادة ( ماء + تراب = طين ، ثم تحول الى صلصال من نوع معين ) . بعبارة أخرى : الجن من طاقة تنتمى الى عوالم البرزخ ، أما البشر فمن مادة تنتمى الى الأرض .
2 ـ ولأنه الخالق الواحد القهّار فقد جعل رب العزة جل وعلا بعض الجن والانس جندا للنبى سليمان عليه السلام ، قال جل وعلا : ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) النمل )
ثانيا : تكليف الانس والجن بالعبادة
قال جل وعلا : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) الذاريات )
ثالثا : أرسل الله جل وعلا رسلا للانس والجن ، فكفر منهما من كفر ، وآمن من آمن .
قال جل وعلا : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) الانعام )
رابعا : جن مؤمنون وجن كافرون
قال الجن المؤمنون عن أنفسهم وعن الجن الكافرين : ( وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (7) الجن ) ( وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (13) الجن ) ( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) الجن ).
خامسا : أئمة الضلال فى الجن والانس فى النار
1 ـ قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الانعام ). هذا عن دورأئمة الضلال من الانس والجن فى إفتراء ونشر الوحى الشيطانى المُعادى للأنبياء والوحى الالهى .
2 ـ تأتى لحظة وفاة الذين يفترون على الله جل وعلا أحاديث شيطانية يزعمون أنها وحى إلاهى ، عنهم قال جل وعلا : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) الاعراف ) . هذا يشمل الجن مع الانس ، بدليل أن ملائكة الموت تقول لهم : ( قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (39)الاعراف ). هنا إنتقال من لحظة الاحتضار الى الآخرة ، حيث أن ما بينهما من برزخ الموتى للجن والانس لا شعور فيها ، فآخر شعور فى الدنيا هو عند الاحتضار ، وآول إحساس هو فى الآخرة ، حيث زمن مختلف لا نستطيع تصوره .
3 ـ عن التعاون فى الاضلال بين أئمة الانس والجن قال جل وعلا
3 / 1 : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) الانعام )
3 / 2 : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (6) الجن )
4 ـ عن مصيرهم معا فى جهنم قال جل وعلا :
4 / 1 ـ ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) الاعراف )
4 / 2 : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) الاحقاف )
5 ـ: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الأَسْفَلِينَ (29) فصلت ). هذا عن كراهية التابعين لآئمة الضلال من الجن والانس وهم فى النار .
سادسا : القرآن الكريم رسالة الله جل وعلا للإنس والجن معا .
1 ـ سورة ( الرحمن ) يتكرر فيها ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) خطابا مباشرا من رب العزة جل وعلا للإنس والجن .
2 ـ وجاء فى سورة ( الأحقاف ) أن الله جل وعلا بعث نفرا من الجن استمعوا للقرآن الكريم فآمنوا وصاروا دعاة لقومهم . قال جل وعلا : ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) ).
3 ـ جاء فى سورة الجن فى نفس الموضوع : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) الجن )
4 ـ وآية ( معجزة ) القرآن الكريم تتحدى الانس والجن . قال جل وعلا : ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) الاسراء). وكما أنه لا مثيل لرب العزة جل وعلا : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11) الشورى ) فإنه لا مثيل للقرآن الكريم ، ولو تعاون الجن والانس معا للإتيان بمثيل للقرآن الكريم ما استطاعوا ولنا أن نلعن البخارى الذى زعم أن النبى محمدا أوتى القرآن ومثله معه .! وجود هذا البخارى وأمثاله يؤكد صدقية قوله جل وعلا عن أعداء الأنبياء من الانس والجن المُشار اليهم فى قوله جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الانعام ).
سابعا : إختلافات الجن والانس من حيث المكان : قال جل وعلا :
1 : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) الطلاق ). هناك سبع سماوات وسبع أرضين مثلهن .
2 ـ ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) ( 17 )(18) المائدة ). الذى بين السماوات والأرض هو الكون المادى من نجوم ومجرات وثقوب سوداء وبيضاء ، فى مساحات وأزمنة ضوئية هائلة يعجز العقل عن تصورها . الأرض المادية التى يعيش فيها الإنس هى مثل حبة رمل فى هذا الكون المادى .
3 ـ ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ). ليس البرزخ بعيدا عنا . النفس البشرية تنتمى الى برزخ أرضى ، وهى تتداخل فى جسدنا المادى ، وتعود اليه نهائيا بالموت ، وتذهب اليه دوريا بالنوم ثم تعود الى جسدها المادى .
4 ـ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر ). نتذكر من الآية 12 من سورة الطلاق أن الأمر الالهى يتنزل بين السماوات السبع والأرضين السبع . هذا الأمر الالهى تحمله الملائكة رُسُل الله جل وعلا ، وتتنزل بين السماوات السبع والأرضين السبع ، وقد أحاط بها جل وعلا علما . سرعة الملائكة فى حمل الأوامر الالهية لا يمكن تصورها ، وجاء التعبير عنها بهذا الوصف المجازى. ولنفهم تداخله بين السماوات السبع والأرضين السبع علينا أن نتذكر أن الأرض المادية التى يعيش فيها الإنس يتخللها ست أرضين برزخية ، والأرض المادية هى أسفل وأضعف من الأرضين الست ، وهذه الأرضين الست ( البرازخ الأرضية ) تتداخل فى الأرض المادية والكون المادى ،ثم تتداخل السماوات السبع ( البرازخ السبع ) فى البرازخ الأرضية ، والبرازخ الأرضية تتداخل فى أرضنا وفى الكون المادى. يكتشفون الآن ما أسموه ( عوالم متوازية ) ، الحقيقة إنها برازخ و ( عوالم متداخلة ) .
5 : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50) الكهف ) ابليس كان من ( الملأ الأعلى ) من الملائكة ، وقد رفض السجود لآدم فطرده الله جل وعلا من السماوات :( ص: 69 : 85 ) و( كَانَ مِنْ الْجِنِّ ) أى ( أصبح ) من الجن ، ومعه ذريته فى برازخ الأرض ، أى جرى تخفيض سرعتهم الى مستوى البرزخ الأول من برازخ الأرض . وأصبح مع ذريته يسترقون الأمواج التى تصدر عن الملأ الأعلى الذين يحملون الرسالات الالهية ، فتنطلق عليهم الشُّهُب : ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات ). ومفهوم أنهم فى أقرب برزخ الى السماء الأولى ( السماء الدنيا ).
6 ـ يعيش الجن ويتناسلون فى برزخ من برازخ الأرض ، وقد قال بعض الجن الذين استمعوا للقرآن الكريم فآمنوا :
6 / 1 :( وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10) الجن ). المقصود هنا أرضنا المادية .
6 / 2 : ( وأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) الجن ).( وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ )(32) الاحقاف ). ( الأرض ) فى الآيتين هى الأرض البرزخية التى يعيش فيها الجن ، والتى تتداخل مع أرض الانس ، ومنها يتواصلون مع الانس . ثم هناك الشياطين فى برزخ أعلى من برازخ الأرض الستة ، وهم يتواصلون مع من يعيش فى الكوكب الأرضى المادى والبرزخ الذى يعيش فيه الجن .
7 ـ السرعة هى التى تحدد مكان ونوعية المخلوقات المادية والبرزخية. الانس لا تستطيع أن تصل مركباتهم الى سرعة الضوء ، مع أن الضوء مادة أيضا . ولأن المادة هى الأضعف والأسفل فإنه يتخللها مخلوقات العوالم البرزخية الأسرع ، ولذا لا نستطيع رؤيتها ، قال جل وعلا عن الشيطان وبقية المخلوقات البرزخية :( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) (27) الاعراف ) وفى نفس الوقت فان الشياطين فى برزخهم الأرضى العلوى يتخللون برزخ الجن ، ويوحون اليه بالضلال ، والشياطين وأعوانهم من الجن يوحون ويتخللون البشر وأرضهم المادية . وعن الاستعاذة بالله جل وعلا من الشيطان قال جل وعلا : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)). أى إن الشياطين توسوس للناس ، أى الإنس وللجن أيضا .
8 ـ وبهذا نفهم قوله جل وعلا عن قرناء الشياطين للانس والجن : ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت ). ويتسلط الشياطين على الانس والجن بالضلال ، يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا . والذى يعشو ويُعرض عن ذكر الرحمن ــ من الجن والانس ـ يتولاه قرين من الشياطين يوسوس له ويزين له الحق باطلا والباطل حقا . قال جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) الزخرف ) .
9 ـ وجاء الخطاب لهما مباشرا من رب العزة جل وعلا باستحالة النفاذ من أقطار السماوات والأرض إلا بتصريح وإذن وسلطان من الرحمن جل وعلا ، قال جل وعلا : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) الرحمن ).
أخيرا : لا ننسى أن الانس والجن ذكور وإناث .
اجمالي القراءات 1785