نقد كتاب زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص

رضا البطاوى البطاوى في الجمعة ٢٤ - ديسمبر - ٢٠٢١ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص
مؤلف الكتاب محمد تقي العثماني من أهل العصر والبحث يدور حول زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص من خلال كتب الفقهاء القديمة وفى مقدمته قال :
"أما بعد فموضوع هذا البحث معرفة الحكم الشرعي في مسألة زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص , وإعادته إلى محله بعملية من عمليات الطب الحديث , هل يجوز ذلك شرعا ؟ وما حكم من فعل ذلك ؟
وبما أن المسألة أخذت اليوم مكانها من الأهمية بفضل ما وصل إليه التقدم الطبي في مجال زرع الأعضاء الذي لم يكن متصورا في الأزمنة الماضية , فقد يزعم الزاعمون أنها مسألة مستجدة لا يمكن أن يوجد لها ذكر صريح في كتب الفقهاء السالفين , ولكن هذا الزعم غير صحيح "
وتحدث الرجل عن أربعة نقاط أو مسائل وأكثر من النقل عن القدامى ولم يناقش هو أو القدامى أدلة الوحى فى المسألة وبدأ بمسألة أن رد عضو المجنى عليه مكانه فقال :
"المسألة الأولى : زرع المجني عليه عضوه:
المسألة الأولى وهي أن يعيد المجني عليه عضوه المقطوع إلى محله , فأول من سئل عنها وأفتى فيها فيما أعلم : إمام دار الهجرة مالك بن أنس , فقد جاء في المدونة الكبرى ( قلت : - القائل سحنون – أرأيت الأذنين إذا قطعهما رجل عمدا فردها صاحبهما فبرأت فثبتتا , أو السن إذا أسقطهما الرجل عمدا , فردها صاحبها فبرأت وثبتت , أيكون القود على قاطع الأذن أو قاطع السن ؟ قال – أي القاسم - : سمعتهم يسألون مالكا , فلم يرد عليهم فيها شيئا قال : وقد بلغني عن مالك أنه قال : في السن القود وإن ثبت , وهو رأيي , والأذن عندي مثله أن يقتص منه والذي بلغني عن مالك في السن لا أدري أهو في العمد يقتص منه , أو في الخطأ أن فيه العقل ؟ إلا أن ذلك كله عندي سواء في العمد وفي الخطأ ) ثم تتابعت فيه الروايات عن الإمام مالك وتلامذته واتفقت الروايات جميعا على أن المجني عليه في العمد إن أعاد عضوه إلى محله , فلا يسقط القصاص عن الجاني , سواء كان العضو قد عاد إلى هيئته السابقة أو بقي فيه عيب , أما إذا كانت الجناية خطأ فإن قضي على الجاني بالدية , ثم أعاد المجني عليه عضوه بعد القضاء , فالروايات متفقة أيضا على أن الأرش لا يرد وأما إذا أعاد عضوه قبل القضاء على الجاني بالدية , ففيه ثلاث روايات وقد فصل ابن رشد الجد هذه المسألة في كتابه ( البيان والتحصيل ) فقال : ( وأما الكبير تصاب سنه فيقضي له بعقلها , ثم يردها صاحبها فثبتت فلا اختلاف بينهم في أنه لا يرد العقل إذ لا ترجع على قوتها والأذن بمنزلة السن في ذلك , لا يرد العقل إذا ردها بعد الحكم فتثبت واستمسكت وإنما اختلف فيهما إذا ردها فثبتتا واستمسكتا وعادتا لهيئتهما قبل الحكم على ثلاثة أقوال : أحدهما : قوله في المدونة إنه يقتضى له بالعقل فيهما جميعا , إن لا يمكن أن يعودا لهيئتهما أبدا , وقال : أشهب : إنه لا يقضى له فيهما بشيء إذا عادا لهيئتهما قبل الحكم والثالث : الفرق بين السن والأذن , فيقضى بعقل السن وإن ثبتت , ولا يقضى له في الأذن بعقل إذا استمسكت وعادت لهيئتهما , وإن لم تعد لهيئتهما عقل له بقدر ما نقصت ولا اختلاف بينهم في أنه يقضى له بالقصاص فيهما , وإن عادا لهيئتهما )
فالحاصل أن القصاص لا يسقط بالإعادة في حال من الأحوال وأما الأرش ففيه ثلاث روايات
(1) لا يسقط الأرش بإعادة عضو المجني عليه
(2) يسقط الأرش بذلك
(3) يسقط الأرش في الأذن ولا يسقط في السن
والذي يظهر لي أن القصاص إنما يجب في العمد جزاء للاعتداء القصدي من الجاني , عملا بقوله ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وقوله ( والجروح قصاص ) , وإن هذا الاعتداء واقع لا يزول بإعادة المجني عليه عضوه إلى محله , فلا يسقط القصاص في حال من الأحوال أما الأرش , فإنما يجب في الخطأ الذي لا يعتمد فيه الجاني اعتداء على أحد , وليس الأرش إلا بمكافأة للضرر الحاصل من فعله , واستدراكا لما فات المجني عليه من العضو أو المنفعة , فإن عاد العضو بمنفعته الفطرية وجماله السابق , انعدم الضرر المستوجب للأرش , فسقط الأرش
ولكن الذي يظهر أن المختار عن المالكية عدم الفرق بين القصاص والأرش حيث لا يسقط واحد منهما , هكذا ذكره خليل في مختصره , واختاره الدردير والدسوقي وغيرهما , وعلله الدردير بأن الموضحة إذا برئت من غير شين , فإنه لا يسقط الأرش , فكذلك الطرف إذا أعيد , فإنه لا يسقط أرشه مع كون كل منهما خطأ
*مذهب الحنفية في المسألة :
ثم الذي ذكر هذه المسألة بعد الإمام مالك , هو الإمام محمد بن الحسن الشيباني , فقال في كتابه ( الأصل ) ( وإذا قلع الرجل سن الرجل , فأخذ المقلوعة سنة فأثبتها في مكانها , فثبتت , وقد كان القلع خطأ , فعلى القالع أرش السن كاملا , وكذلك الأذن )
فاختار محمد أن إعادة العضو لا يسقط الأرش عن الجاني ثم أخذ عند الفقهاء الحنفية , فقال شمس الأئمة السرخسي ( وإذا قلع الرجل سن الرجل خطأ , فأخذ المقلوع سنه , فأثبتها مكانها فثبتت , فعلى القالع أرشها , لأنها وإن ثبتت لا تصير كما كانت , ألا ترى أنها لا تصل بعروقها ؟ وكذلك الأذن إذا أعادها إلى مكانها , لأنها لا تعود إلى ما كانت عليه في الأصل , وإن التصقت ) ولكن المسألة عن الحنفية مفروضة في جناية الخطأ , كما رأيت في عبارة الإمام محمد بن الحسن والإمام السرخسي , ولهذا اكتفوا بذكر سقوط الأرش , ولم أجد في كتب الحنفية حكم العمد , نعم , ذكر الحنفية أن القصاص يسقط فيما إذا نبتت سن المجني عليه بنفسها , ولكن لا يقاس عليه مسألة زرع العضو وإعادته , وذلك لأمرين , الأول : أن العضو المزروع لا يكون في قوة النابت بنفسه , والثاني : إن نبتت السن بنفسها ربما يدل على أن السن الأولى لم يقلعها الجاني من أصلها , فتصبر شبهة في وجوب القصاص بخلاف ما أعيد بعملية , فإنه ليس في تلك القوة , ولا يدل على أن الجاني بم يستأصله فالظاهر أن إعادة العضو من قبل المجني عليه لا يسقط القصاص عند الحنفية أيضا كما لا يسقطه المالكية
*مذهب الشافعية :
ثم تكلم في المسألة الإمام الشافعي , فقال في كتاب الأم ( وإذا قطع الرجل أنف رجل أو أذنه أو قلع سنه فأبانه ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه , أو خاط الأنف أو الأذن أو ربط السن بذهب أو غيره , فثبت وسأل القود قله ذلك , لأنه وجب له القصاص بإبانته )
وذكر النووي هذه المسألة في الروضة , فاتضح بهذه النصوص أن مذهب الشافعية في هذا مثل المختار من مذهب المالكية , أن إعادة العضو المجني عليه لا يسقط القصاص ولا الأرش "
*مذهب الحنابلة :
وأما الحنابلة فلهم في هذه المسألة وجهان وقد ذكرهما القاضي أبو يعلى فقال ( إذا قطع أذن الرجل و فأبانها ثم ألصقها المجني عليه في الحال فالتصقت , فهل على الجاني القصاص أم لا ؟ قال أبوبكر في كتاب الخلاف : لا قصاص على الجاني وعليه حكومة الجراحة , فإن سقطت بعد ذلك بقرب الوقت أو بعده كان القصاص واجبا , لأن سقوطها من غير جناية عليها من جناية الأول , وعليه أن يعيد الصلاة واحتج بأنها لو بانت لم تلتحم , فلما ردها والتحمت كانت الحياة فيها موجودة , فلهذا سقط القصاص
وعندي أن على الجاني القصاص , لأن القصاص يجب بالإبانة , وقد أبانها ولأن القصاص الإلصاق مختلف في إقرار عليه ,"
بعد كل هذه النقول التى نقلها العثمانى حاول ترجيح راى فى المختلف فرجح أن زرع المجني عليه عضوه لا يسقط القصاص أو الأرش من الجاني فقال :
*القول الراجح في المسألة :
والقول الراجح عندنا ما ذهب إليه الجمهور من المالكية والحنفية والشافعية , وجماعة من الحنابلة أن زرع المجني عليه عضوه لا يسقط القصاص أو الأرش من الجاني , لأن القصاص جزاء للاعتداء الصادر منه , وقد حصل هذا الاعتداء بإبانة العضو , فاستحق المجني عليه القصاص في العمد والأرش في الخطأ , فلا يسقط هذا الحق بإعادة عضوه إلى محله وذلك لأمور :
(1) إن إعادة العضو من قبل المجني عليه علاج طبي للضرر الذي لحقه بسبب الجناية وإن البرء الحاصل بالعلاج لا يمنع القصاص والأرش ,
(2) إن إعادة العضو من قبل المجني عليه وإن كان يستدرك له بعض الضرر فإن العضو لا يعود عادة إلى ما كان عليه من المنفعة والجمال (3) إن القصاص أو الأرش قد ثبت بالقلع يقينا , وذلك بالنصوص القطعية , فلا يزول هذا اليقين إلا بيقين مثله , "
ثم تناول المسألة من جهة أخرى وهى عودة الجانى أو جانى غيره إلى قطع أو بتر نفس العضو الذى عاد للجسم وإن عاد مضرورا فما هو لحكم بعد أن أزيل عضو الجانى بسبب المرة الأولى فقال:
"ولما ثبت أن إعادة المجني عليه عضوه لا يسقط القصاص عن الجاني , فلو قطع رجل عضوه المزروع مرة ثانية , هل يجب فيه القصاص مرة أخرى ؟ قد صرح أكثر الفقهاء بأنه لا يجب , وعلله بعضهم بأن العضو المزروع لا يعود إلى هيئته الأصلية في المنفعة والجمال , فهذا الإلصاق لا يعتد به , فال الموصلي الحنفي ( والمقلوع لا ينبت ثانيا , لأنه يلتزق والعصب , فكان وجود هذا النبات وعدمه سواء , حتى لو قلعه إنسان لا شيء عليه ومقتضاه أنه لا يجب القصاص ولا الأرش , لأنه جعل النبات وعدمه سواء , ولكن اليوم أمكن في كثير من الأعضاء المقلوعة أن تعاد فتلتزق بالعروق والعصب , فلا يتأتى فيها التعليل الذي ذكره الموصلي , فالظاهر في حكم أمثالها أن لا يوجب القصاص , لأن العضو المزروع , وإن التزق بالعروق والعصب , فإنه عضو معيب لا يكون بمثابة العضو الأصلي , فلا يقطع به العضو الصحيح في أصل خلقته ولكن بمثابة العضو الأصلي , فلا يقطع به العضو الصحيح في أصل خلقته ولكن يجب أن يلزم به الأرش على الجاني الثاني وهو قول الحنابلة قال البهوتي ( وإن قلعه أي ما قطع ثم رد فالتحم " قالع بعد ذلك فعليه ديته " ولا قصاص فيه , لأنه لا يقاد به الصحيح بأصل الخلقة لنقصه بالقلع الأول "
هذه النقول تبين أن القوم اعتمدوا فى أرائهم على اجتهادهم وليس على النصوص وهى نصوص واضحة فى القرآن وهى:
"وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له"
فالنص واضح وهو أن المبتور أو المقطوع عقابه بتر أو قطع مثله وذلك فى حالة إرادة المجنى عليه القصاص وأما فى حالة تصدقه وهو عفوه عن الجانى فالواجب هو الكفارة وهى ما يسمونه الدية أو الأرش وفى كل الأحوال علاج المجنى عليه كلفته على الجانى بغض النظر عن الدية والتى قد يتنازل عنها المتصدق أيضا مع تنازله عن القصاص
فالحكم إذا هو حكم المجنى عليه فى المسألة فهو الذى يخبر القاضى بما يريده وهو القصاص أو العفو مع دية أو العفو دون دية
وتحدث العثمانى عن المسألة الثانية وهى إعادة المجنى عليه عضوه المقطوع طبيا بعد القصاص من الجانى فقال :
*المسألة الثانية : إعادة الجاني عضوه المقطوع بالقصاص :
أما المسألة الثانية فهي أن الجاني إذا قطع عضوه من القصاص , فأعاده إلى محله بعد استيفاء القصاص , هل يعتبر ذلك مخالفة لأمر القصاص , فيقتص منه مرة أخرى ؟ أو لا يعتبر ؟
فجزم الإمام الشافعي بأن القصاص قد حصل بإبانة عضو الجاني مرة , فلو أعاده إلى محله فإنه لا يلغي استيفاء القصاص السابق , فلا يقتص منه مرة ثانية , وإن ترك العضو المزروع في محله لا يعتبر مخالفة لأمر القصاص قال بعد بيان المسألة الأولى وهي إعادة المجني عليه عضوه إلى محله ( وإن لم يثبته المجني عليه , أو أراد إثباته فلم يثبت وأقص من الجاني عليه , فأثبته , فثبت , لم يكن على الجاني أكثر من أن يبان منه مرة , وإن سأل المجني عليه الوالي أن يقطعه من الجاني ثانية لم يقطعه الوالي للقود , لأنه قد أتى بالقود مرة إلا أن يقطعه لأنه ألصق به ميتة
وأما الحنابلة , فعندهم في هذه المسألة قولان : أحدهما موافق للشافعية , وجزم به ابن قدامة في المغني , فقال ( وإن قطع أذن إنسان , فاستوفى منه , فألصق الجاني أذنه , فالتصقت , وطلب المجني عليه إبانتها , لم يكن له ذلك , لأن الإبانة قد حصلت , والقصاص قد استوفي , فلم يبق له قبله حق والحكم في السن كالحكم في الأذن )
وكذلك جزم القاضي أبو يعلى بأنه لا يقتص منه ثانيا , فقال ( فإذا قطعنا بها أذن الجاني , ثم ألصقها الجاني , فإن قال المجني عليه : ألصق أذنه بعد أن أثبتها , أزيلوها عنه , قلنا : بقولك لا نزيلها , لأن القصاص وجب بالإبانة وقد وجد ذلك )
ولكن جزم ابن مفلح في الفروع بأنه يقتص من الجاني مرة ثانية , فقال ( ولو رد الملتحم الجاني أقيد ثانية في المنصوص )
وأما المالكية فقد ذكروا إعادة المجني عليه عضوه , كما نقلنا عنهم في المسألة الأولى , ولم يذكروا إعادة الجاني عضوه بعد القصاص بهذه الصراحة التي وجدناها في كتب الشافعية والحنابلة ولكن وجدت للمسألة ذكرا مختصرا في كلام ابن رشد , حيث يقول ( فإن اقتص بعد أن عادا لهيئتها , فعادت أذن المقتص منه أو عينه فذلك , وإن لم يعودا , أو قد كانت عادت سن الأول أو أذنه فلا شيء له , وإن عادت سن المستقاد منه أو أذنه , ولم تكن عادت سن الأول ولا أذنه غرم العقل قاله أشهب في كتاب ابن المواز )
وحاصله أن إعادة الجاني عضوه إنما لا يؤثر في القصاص , إذا كان المجني عليه أعاد عضوه أيضا , أما إذا لم يعد المجني عليه أعاده الجاني , فإن الجاني يغرم العقل
أما الحنفية , فلم أجد عندهم مسألة إعادة الجاني عضوه ولكن ذكر في ( الفتاوى الهندية ) عن ( المحيط ) مسألة تشابه ما نحن فيه, وهي ما يلي ( إذا قلع رجل ثنية رجل عمدا , فاقتص له من ثنية القالع , ثم نبتت ثنية المقتص منه , لم يكن للمقتص له أن يقلع تلك الثنية التي نبتت ثانيا )
"
وقام العثمانى بالترجيح بين القولين فى المسألة فقال :
"فالراجح عندي مذهب الشافعية وجماعة من الحنابلة وهو مقتضى مذهب الحنفية , أن القصاص يحصل بإبانة العضو مرة واحدة , ولكل واحد من الفريقين الحرية في إعادة عضوه بعملية طبية إذا شاء فلو فعل ذلك الجاني , ولم يفعله المجني عليه , فإن ذلك مبني على أن كل واحد يتصرف في جسمه بما يشاء , ولا يقال إن عمل الجاني مخالف لمقتضى القصاص , كما إذا أعاده المجني عليه , ولم يعده الجاني , فإن ذلك لا يؤثر في أمر القصاص , وكل واحد يختار في معالجة ضرر جسمه ما يتيسر له , ولا سبيل إلى إحداث المساواة بين الناس في علاج أجسامهم"
وما رجحه الرجل خطأ بالغ فى اعادة الجانى عضوه بعد القصاص منه فلا يجوز ذلك لأن العبرة هى التنكيل به كما قال تعالى :
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله"
فالجانى عقابه لابد أن يظل ملام له حتى يذكره بعدك تكرار الجريمة ويذكر الناس بأن هذا جزاء من يرتكب الجريمة
المجنى عليه إذا أعاده العضو المقطوع فهذا مباح لكونه هو المتأذى من ذلك وهو لم يقم بجريمة حتى يمنع من إعادة عضوه المقطوع وأما الثانى فقد ارتكب الجريمة ولابد أن يكون عبرة لنفسه ولغيره ولذا كان طلب الله أن يشاهد بعض المؤمنين تنفيذ العقوبات لأخذ العبرة كما قال تعالى:
"وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"
وأما المسألة الثالثة وهى عجيبة وغريبة وهل هل العضو المزروع في المسألتين نجس وفيها قال :
* المسألة الثالثة : هل العضو المزروع في المسألتين نجس ؟
وننتقل الآن إلى مسألة أخرى , وهي : هل يجوز للمجني عليه أو الجاني ديانة أن يعيد عضوهما المبان إلى محله ؟ وهل يعتبر ذلك العضو طاهرا أم نجسا ؟ وهل تجوز الصلاة معه أو لا يجوز ؟وإنما نشأت هذه المسألة , لأن الفقهاء قد اختلفوا في العضو المبان من الحي , هل هو طاهر أم نجس ؟ فذهبت جماعة إلى أن كل ما أبين من الحي فهو نجس على الإطلاق , استدلالا بقوله (ص) ( ما قطع من حي فهو ميت )
وبما رواه أبو واقد الليثي قال : قد النبي (ص) المدينة , وهو يجبون أسنمة الإبل , ويقطعون أليات الغنم , فقال ( ما يقطع من البهيمة وهي حية , فهو ميتة ) فذهب الشافعي إلى أن هذا الحكم عام لكل حي فقال في كتاب الأم ( وإذا كسر للمرأة عظم , فطار , فلا يجوز أن ترقعه إلا بعظم ما يؤكل لحكم ذكيا وكذلك إن سقطت سنه صارة ميتة , فلا يجوز له أن يعيدها بعدما بانت وإن رقع عظمه بعظم ميتة أو ذكي لا يؤكل لحمه , أو عظم إنسان فهو كالميتة , فعليه قلعه , وإعادة كل صلاة صلاها وهو عليه فإن لم يقلعه جبره السلطان على قلعه )
فهو في هذا السياق فكأن الإمام الشافعي , حسب ما يبدو من كتاب الأم , لا يرى في إعادة الجاني عضوه مانعا من حيث مخالفته لمقتضى القصاص , ولكنه لا يراه جائزا من حيث أن العضو المبان نجس , فلا يجوز إلحاقه بالجسم , ولو ألحقه أمره السلطان بالقلع , لكونه مانعا من صحة الصلاة ولكننا إذ نراجع كتب الشافعية المعتبرة , نجد أن معظمهم اختاروا طهارة جزء الآدمي , وإن بان منه حال حياته , فيقول النووي ( الأصل أن ما انفصل من حي فهو نجس , ويستثنى الشعر المجزوز من مأكول اللحم في الحياة ويستثنى أيضا شعر الآدمي , والعضو المبان منه فهذه كلها طاهرة على المذهب )
وإن هذه النصوص بظاهرها معارضة لما نقلنا عن كتاب الأم فلعل ما في كتاب الأم رجع عنه الشافعي بعد ذلك , أو اختار الفقهاء الشافعية قولا يخالف رأيه , وعلى كل , فالمذهب عند الشافعية الآن طهارة العضو المبان من الآدمي وعليه فلا يؤمر بقلعه إذا أعاده إلى محله , ولا يحكم بنجاسته وفساد صلاته
أما الحنفية , فالأصل أن الأعضاء التي لا تحلها الحياة , كالظفر , والسن , والشعر , لا تجنس بإبانتها من الآدمي الحي ولكن الأعضاء التي لا تحلها الحياة , مثل الأذن , والأنف وغيرهما , فإنها تجنس بعد إبانتها من الحي أما الأصل المذكور فقد بينه ابن نجيم بقوله ( إن أجزاء الميتة لا تخلو : إما أن يكون فيها دم أو لا , فالأولى كاللحم نجسة , والثانية ففي الخنزير والآدمي ليست نجسة إن كانت صلبة كالشعر والعظم بلا خلاف وأما الآدمي ففيه روايتان : في رواية نجسة وفي رواية طاهر لعدم الدم , وعدم جواز البين للكرامة )
ولكن جاء في الفتاوى الخانية ( قلع إنسان سنه أو قطع أذنه , ثم أعادها إلى مكانهما وصلى , أو صلى وسنه أو أذنه في كمه , تجوز صلاته في ظاهر الرواية )
والمسألة المذكورة في ( التجنيس ) و ( الخلاصة ) و ( السراج الوهاج ) أيضا , كما في ( البحر ) و ( رد المحتار ) واستشكلها بعض العلماء بالأصل المذكور , فإن الأذن تحلها الحياة , فينبغي أن تصير نجسة بالإبانة على ما ذكرنا من أصل الحنفية وأجاب عنه المقدسي , كما نقل عنه ابن عابدين وعلق عليه ابن عادين بقوله ( أقول : إن عادت الحياة إليها فهو مسلم , لكن يبقى الإشكال لو صلى وهي في كم مثلا , والأحسن ما أشار إليه الشارح – أي صاحب " الدر المختار " – من الجواب بقوله : وفي " الأشباه " إلخ , وبه صرح في " السراج " – أي حيث قال : والأذن المقطوعة والسن المقطوعة طاهرتان في حق صاحبهما , وإن كانتا أكثر من قدر الدرهم – فما في " الخانية " من جواز صلاته ولو الأذن في كمه , لطهارتهما في حقه , لأنها أذنه )
وتبين بهذه النصوص الفقهية أن العضو المبان من الآدمي ليس نجسا في حق صاحبه عند الحنفية , وكذلك إذا حلته الحياة بعد الإعادة , فإنه ليس نجسا في حق أحد وإنما النجس عند الحنفية في حق الغير ما أبين من الآدمي فلم تحله الحياة بالإعادة
أما المالكية فإن المتعمد عندهم أن ما أبين من الآدمي ليس نجسا .... قال الدردير في ( الشرح الكبير ) ( فالمنفصل من الآدمي مطلقا طاهر على المعتمد )
وقال الدسوقي تحته ( أي بناء على المعتمد من طهارة ميتته , وأما على الضعيف فما أبين منه نجس مطلقا على المعتمد من طهارة ما أبين من الآدمي مطلقا , يجوز رد سن قلعت لمحلها لا على مقابله )
ثم ذكر الحطاب أن القول بالنجاسة , على كونه مرجوحا , إنما يؤثر في ابتداء الإعادة فيمنع منه الرجل ابتداء , ولكن إذا رد الإنسان السن إلى موضعها , فثبتت والتحمت جازت صلاته على هذا القول أيضا وفي البرزالي ( إذا قلع الضرس وربط لا تجوز الصلاة به , فإن رده والتحم , جازت الصلاة به للضرورة....فظهر أن الراجح في مذهب المالكية طهارة العضو المبان فيجوز إعادته إلى محله , ولو عاد وثبت والتحم , حكم بطهارته وجواز الصلاة فيه على القولين جميعا والحنابلة عندهم في ذلك روايتان ...ولكن رجح المرداوي الطهارة , وذكر أن عليه الأكثرين , قال ( فإن سقطت سنه فأعادها بحرارتها , فثبتت , فهي طاهرة , هذا المذهب , وعليه الجمهور , وقطع به أكثرهم , وعنه أنها نجسة وكذا الحكم لو قطع أذنه فأعادها في الحال قاله في القواعد )
وبهذا القول جزم البهوتي أيضا وهو مؤيد بما رواه أبو يعلى عن الإمام أحمد برواية الأثرم في مسألة القصاص نفسها ..."
وانتهى الرجل من النقول إلى الرأى التالى :
"فثبت بما أسلفنا أن الراجح في المذاهب الأربعة جميعا : أن الرجل إذا أعاد عضوه المبان إلى محله , فإنه يبقى طاهرا , ولا يحكم بنجاسته , ولا بفساد صلاته , ولا يؤمر بقلعه من هذه الجهة فلما ثبت أن إعادة العضو لا يخالف مقتص القصاص ولا يستلزم النجاسة , ظهر أنه مباح لا بأس به "
وهو الرأى الصحيح فالجسم ليس نجسا قطع أو لم يقطع والروايات التى استدلوا لا يوجد فيها كلمة نجس وإنما ميتة والنجس فى الوحى هو الكفار فقط والمراد أنفسهم فهى نجسة بالكفر وفى هذا قال تعالى:
"إنما المشركون نجس"
وأما المسألة الأخيرة وهى إعادة عضو السارق المقطوع وأمثاله وفيها قال :
*المسألة الرابعة : إعادة العضو المبان في حد :
والمسألة الرابعة : إذا أبين عضو رجل في حد شرعي , كالسرقة والحرابة , هل يجوز للمحدود أن يعيده إلى محله بعد استيفاء الحد , وهل يعتبر ذلك افتياتا على الحد الشرعي ؟ط
وبين الرجل أن المسألة ليست موجودة فى كتب الفقه فقال:
"وإن هذه المسألة لم أجدها في كلام الفقهاء , ولعل وجه ذلك أن إبانة العضو في الحد إنما يتصور في اليد أو الرجل , لأن الحد الذي يبان فيه عضو من الأعضاء ينحصر في سرقة أو حرابة والعضو المبان في كل واحد منهما يد أو رجل ولعل الفقهاء لم يتصوروا إعادتها إلى محلهما بعد الإبانة"
وقطعا هذا الكلام حسب ما نقله عنهم فى المسائل السابقة فقد حرم أكثرهم إعادة الجانى عضوه المقطوع قصاصا له وهو الرأى الصحيح لأن هذا يزيل المراد من العقوبة وهى التنكيل بالمجرم وهو اخزائه وهو ما نص الله عليه بقوله:
" نكالا من الله"
وهو نص لا يمكن معارضته بأى رأى
وتحدث العثمانى حديثا بعيدا عن المسألة لمنعها بالقول أن تلك الأعضاء لا تعود كما كانت وأن الأعضاء الصناعية أفضل منها وهو كلام خطأ من ناحيتين:
الأولى أن الكلام عن تركيب أعضاء صناعية للمجرم يزيل هو الأخر عنه التنكيل به بل يجعل البعض يظنه إذا انتقل لبلد أخر من المجاهدين المضرورين فى الحرب فيصبح ذلك عز له بدلا من اخزائه
الثانى الحديث عن كون جراحات الإعادة غير مفيدة افادة تامة لأنه لا مجال لاعادة العضو لأنه عصيان للنص
وحديثه هو :
" والوضع لا يزال حتى الآن كما كان في مجال الجراحة وزرع الأعضاء , ولكنها لم ينجح إلى اليوم في إعادة هذه الجوارح إلى محلها نجاحا كاملا وإن الأيدي والأرجل المزروعة , على ما تكلف من النفقات الباهظة , وتتطلب الجهد الشاق , لا تعمل عملها السابق , حتى أن الأعضاء المصنوعة من الخشب أو الحديد تفيد المريض أكثر بالنسبة إلى الأعضاء الأصلية المزروعة وجاء في دائرة المعارف البريطانية :
( إن قطع الغلاف النحيف الذي يحوي الأعصاب , كما يقع لزاما حينما يبان عصب من الأعصاب كلا أو جزءا , فإن نشأتها الثانية غير ممكنة ولو نشأت من جديد , فإن كون النشأة كاملة معتذرة وإن هذا النقص في نشأتها الثانية هو السبب الأكبر في كون زراعة الجوارح غير ناجحة والظاهر أن عضوا مكانيكيا مصنوعا أكثر إفادة للمريض
وذكر في محل آخر :
( إن إعادة اليدين والعضدين المقطوعتين قد حولت في بعض المرضى , وإن بعض النتائج تبدو معتدة بها ولكن يبدو أن المبرر لإعادة الجوارح السفلية – كالأرجل – أقل كثير , لأن المريض يكون أحسن حالة باستعمال رجل مصنوعة )
وقد راجعت بعض الأطباء الموثوق بهم فأيدوا هذا المعنى , وأكدوا أن إعادة اليد أو الرجل لا تكون ناجحة , .."
وطبيا أجريت عمليات مثل تلك المذكورة ونجحت فى العديد من الحالات وتحدث عن المسألة فقال :
"أما البحث عن مسألة العضو المقطوع في السرقة أو الحرابة فلا يتعلق بالواقع العملي , فالمناسب أن لا نخوض فيها قبل وقوعها وكان السلف يكرهون الخوض في مسائل لم تقع بعد , ويقولون ( لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله )
ولذلك لا أرى البت في هذه المسألة حتى نشاهدها تقع عينا , ولكني أريد أن أذكر الأصل الذي تبتنى عليه المسألة لو فرضنا أنها وقعت ليكون مساعدا في استخراج الحكم حينئذ
وذلك أن المسألة لها منزعان :
المنزع الأول : أن نقيس الحد على القصاص , فنقول : قد ثبت بما أسلفنا في مبحث القصاص أن المختار عند جمهور الفقهاء أن القصاص ينتهي حكمه بإبانة العضو , وليس من جملة القصاص أن يبقى العضو فائتا إلى الأبد , فكذلك الحد , إذا أقيم مرة بإبانة اليد أو الرجل , انتهت وظيفة الحد , وليس المقصود تفويت اليد أو منفعتها على سبيل الدوام , ولذلك يجوز للسارق والمحارب أن يستعمل يدا أو رجلا مصنوعة فلا مانع من أن يزرع المقطوعة
والمنزع الثاني : أن بين الحد والقصاص فرقا , وهو أ، المقصود من القصاص أن يصيب الجاني ضرر مماثل لضرر المجني عليه , وذلك يحصل بإبانة عضوه , فإن الجناية الصادرة من الجاني لم تتجاوز أن تقطع عضوا ولك تكن مانعة من إعادته إلى محله إذا اختار المجني عليه ذلك فكذلك استيفاء القصاص يحصل بمجرد الإبانة , ولا يمنع ذلك أن يعيد الجاني عضوه إلى محله , بخلاف إبانة العضو في الحد , فإنه ليس ذلك لأن يعيد الجاني عضوه إلى محله , بخلاف إبانة العضو في الحد , فإنه ليس مقابلا لضرر مماثل , وإنما هو مقدر الله عقوبة ابتدائية , وحيث قد فرض الله سبحانه و قطع اليد أو الرجل فليس المقصود منه فعل الإبانة , وإنما المقصود إبانته لتفويت منفعته على الجاني , ولو أجزنا للجاني أن يعيده مرة أخرى , فإن ذلك تفويت لمقصود الحد فالنظر في المسألة موقوف على أن المقصود من الحد هل هو إيلام الجاني بفعل الإبانة فقط أو المقصود تفويت عضوه بالكلية ؟ وعلى الأول تجوز الإعادة , وعلى الثاني لا نجوز ولكل من الاحتمالين دلائل ولا يجب علينا القطع بأحدهما الآن , لكون المسألة غير متصورة الوقوع حتى اليوم ولئن وقعت فسيشرح الله صدور الفقهاء حينذاك بما فيه رضاه"
وكما سبق القول إن النص يمنع إعادة العضو للجانى فى السرقة أو فى أى جريمة أخرى وهو " نكالا من الله" " وذلك لهم خزى فى الحياة الدنيا"
وفات العثمانى مسائل أخرى فى الموضوع منها:
- تركيب العضو المقطوع لمجاهد أو برىء بدلا من صاحبه
- الاستفادة من أجسام القتلة قصاصا بزرع بعض الأعضاء منها فى أجسام مجاهدين مضرورين أو مضرورين أخرين
اجمالي القراءات 2626