الكسائي : إمام المدرسة النحوية في الكوفـــــــــــة: ( 1 من 2 )

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٤ - ديسمبر - ٢٠٢١ ١٢:٠٠ صباحاً


الكسائي : إمام المدرسة النحوية في الكوفـــــــــــة: ( 1 من 2 )

1 ـ تتلمذ علي يدي الخليل بن أحمد ( سيبويه ) الذي تأسست علي علمه مدرسة البصرة في علم النحو، وأيضا تتلمذ على يد الخليل بن أحمد :( الكسائي )ـ الذي أرسي مدرسة الكوفة النحوية .
2 ـ كان بين المدرستين النحويتين تنافس وخصومة فكرية ، اتخذت ميادين لها في بغداد والعراق في القرنين الثاني والثالث من الهجرة ، وحفلت كتب الأدب واللغة بوقائع تلك المنافسة ، وتعدد المتنافسون بين المدرستين ، كان سيبويه والكسائي ، ثم كان المبرد وثعلب . وبهذا التنافس تم ( خلق ) ( لغة عربية ) لم تكن ـ في معظمها ـ معروفة في القرن الأول الهجرى وما قبله في العصر الجاهلى ، ولكنها التي سادت حتى الآن .!.
3 ـ كان أبرز خلاف بين مدرستى الكوفة والبصرة النحويتين هو ( القياس والشذوذ ) فيما ( اسموه ) ب ( اللغة العربية ).
4 ـ اللسان البشرى لا بد أن يقع فيه إختلاف لأن من آيات الله جل وعلا إختلاف ألسنتنا وألواننا . قال جل وعلا : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) الروم ). جاءت آية خلقنا مختلفى الألسنة والألوان تالية لآية خلق السماوات والأرض ، وهذا دليل على أهمية خلقنا بالسنة مختلفة وألوان مختلفة . ليس الاختلاف فقط على مستوى العالم بألسنته المتعددة المختلفة المتنوعة ، بل يصل الاختلاف جزئيا داخل ( اللسان الواحد ) . إذ توجد فيه اللهجات ، والتي قد تتطور لتصبح ألسنة مستقلة . بالتالى ، فلا يمكن أن توجد قاعدة عامة تسرى على نطق الناس في لسان معين . وتطبيقا على اللسان العربى ، فلا بد أن يلحق التغيير النطق العربى ـ فكانت هناك ( لهجات ) عربية مختلفة ، واشهرها لهجة قريش . وبها نزل القرآن بلسان عربى مبين . قال جل وعلا : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء ) ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) الدخان ) ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97) مريم ) ، وقال جل وعلا عن كل الكتب الإلهية ، ومنها القرآن الكريم : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) (4) ابراهيم ) . اللسان العربى ــ الذى نزل به القرآن الكريم مبينا ــ لم يكن يسير على قاعدة موحدة ، بل كان فيه أغلبية تسير على القاعدة ، وكان فيه من لا يسير على القاعدة .
5 ـ للقرآن الكريم مصطلحاته ، منها ما كان جديدا ، جاء شرحه داخل القرآن الكريم نفسه بكلمة ( أدراك )، مثل قوله جل وعلا : ( الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) الحاقة ) ، او بغيرها مثل : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) الغاشية ). ثم هناك مصطلحات كانت معروفة لا تحتاج الى شرح . علماء ( النحو ) في العصر العباسى إخترعوا مصطلحات جديدة بدلا من المصطلحات القرآنية ، أشهرها ( اللغة ) بديلا عن اللسان ، بل حتى كلمة ( النحو والاعراب والرفع والنصب ..الخ ــ كلها لم يعرفها العرب وقت نزول القرأن الكريم .
6 ـ نرجع الى مدرستى البصرة والكوفة النحويتين : برز خلاف أساس بينهما فيما أسموه ب ( الشذوذ اللغوي ) . فاللسان العربي إمتاز بما اصبح يعرف ب ( الاعراب ) . الأغلب فيه أن يكون الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا ، والشاذ القليل أن يكون الفاعل منصوبا والمفعول مرفوعا . واختلف موقف المدرستين النحويتين في التعامل مع ذلك الشذوذ اللغوي :
6 / 1 : فمدرسة البصرة اعترفت بالشذوذ اللغوي وعاملته علي أساس أنه ظاهرة لغوية مستقلة أو" يحفظ ولا يقاس عليه " وذلك هو التعبير المأثور عندهم . وهذا يتفق وطبيعة البصرة ، فهى تعرف التنوع ، إذ هي ميناء على الخليج العربى يوصّل للهند ، وتسمع ألسنة متنوعة غير عربية . لذا لا ترى مدرسة البصرة بأسا في وجود حالات تخرج عن السياق المألوف ، أي لا باس أن يكون الفاعل منصوبا والمفعول مرفوعا .
6 / 2 : أما الكوفة فهى قريبة من البادية العربية ، وبالتالي تمثل مدرسة محافظة . ، فقد تجاهلت ذلك الشذوذ ولم تعترف به ، وأخضعته لأسلوب القياس ، وكان الكسائي إمام المدرسة الكوفية النحوية هو أول من طبق هذا المنهج .
7 ـ أدى منهج الكسائى هذا إلي تغيير في نمط اللهجات العربية المعروفة وقتها، فقد تجاهل بعضها ، بأن استحدث مشتقات لم تكن معروفة ومستعملة في اللسان العربى ، ولكن أنتجها بالقياس اللغوي . وذلك موضوع طويل وهو اقرب إلي فلسفة اللغة . ولكن نعطى عنه أمثلة بسيطة :
7 / 1 : الفعل ( جعل ) يأتي منه بالقياس ( يجعل ، إجعل ، مجعول ، جاعل ، جعّال ، جعول ، متجاعل ..الخ ). لم يستعمل العرب مثلا كلمات ( جعّال أو جعول ) . لكن الكسائى ومدرسته جعلوها بالقياس من اللسان العربى ، أو بتعبيرهم من ( اللغة العربية ) .
7 / 2 : الفعل ( مات ) يأتي بالقياس منه ألفاظا لم يعرفها العرب من قبل مثل ( موّات )( مائت ) . مع هذا القياس أنكروا ألفاظا عربية أصيلة مستعملة لأنها لم تتفق مع القياس . أي إن القياس كان ماكينة أنتجت ألفاظا ومشتقات لم تكن معرفة في اللسان العربى من قبل ، وتزايد هذا حتى يمكن القول بأن علماء ( النحو ) قاموا بصناعة ( لغة عربية ) لم تعرف العرب بعض كلماتها من قبل ، وبالتأكيد لم يعرف العرب من قبل كل تلك المصطلحات في شتى علوم ( اللغة ) ، وهى مصطلحات سادت ، ولا تزال حتى اليوم ، دون أن يدرك الناس أنها صناعة عباسية .
8 ـ وهنا بدأت واتسعت الفجوة بين اللسان العربى المبين الذى نزل به القرآن الكريم ، وتلك ( اللغة ) التي صنعها أئمة النحو في العصر العباسى . ولأن القرآن الكريم نزل بلسان عربى مبين فليس فيه ذلك الالتزام بالقياس . ويظهر بعض أرباب الجهل يقولون بأن في القرآن الكريم أخطاء نحوية . ومن الجهل ما قتل . وللموضوع تفصيلات ، نرجو أن يأتي وقت شرحها .
9 ـ لا يقتصر الأمر على هذا ، بل وصل الى الطعن في ( قراءة القرآن الكريم ) . هناك ( قراءة واحدة ) للقرآن الكريم . ومنها كان إسمه الأشهر ( القرآن ) ، من القراءة الوحيدة . وهذا ما تعلمه النبى محمد عليه السلام ، قال له ربه جل وعلا : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة ). وكما إخترع العصر العباسى أديانا أرضية ( سنة / تشيع / تصوف ) فقد إلتفت أئمته الى القرآن الكريم يطعنون فيه بمقولات ( النسخ ) بمعنى الإبطال للأحكام ، والأحاديث والتأويل والتفسير وما يسمى بعلوم القرآن ، ثم ما اطلقوا ما يسمى ب : ( القراءات ) .
10 ـ لم يتساءل أحد وقتها : هل عرف النبى محمد عليه السلام والناس من حوله هذه ( القراءات ) ؟ وهل كانت قراءاتهم للقرآن الكريم مغلوطة ، وجاء الكسائى وغيره يصححونها ويخترعون ( قراءات ) جديدة يختلفون فيها .؟ . لم يحدث هذا التساؤل ، بل في الأجيال التالية ــ وحتى الآن ــ اصبحت ( القراءات ) والأحاديث والسُنّة والنسخ والتفسير والتأويل من المعلوم عندهم من الدين بالضرورة .
10 ـ تخصّص الكسائي ( في القراءات ). كأن أول من إشتهر بها في الكوفة ( حمزة بن حبيب الزيات ) ، فتعلم الكسائي قراءته أو طريقته في القراءة للقرآن ، ثم اختار الكسائى لنفسه قراءة خاصة به ( فأقرأ ) بها الناس ، و( قرأ )عليه بها خلق كثير في بغداد والرقة. وفي شهر شعبان كان يوضع له منبر فيقرأ علي الناس ويختم القرآن مرتين في ذلك الشهر ، لذا أصبح الكسائي أحد أئمة القراءات وجعلوه من القراء السبعة المشهورين . إذ كان من حق من يشاء أن يخترع لنفسه ما يشاء من قراءات ، وينسبها لنفسه ، ففي النهاية هي أديان ( ملاكى ) يملكها أصحابها . وكان الكسائى من (مُلاك ) الدين السنى .
9 ـ ولكن من هو الكسائي إمام المدرسة النحوية والقراءات في الكوفة ؟
انتظرونا .!!
اجمالي القراءات 2420