الضعف والاستضعاف والقوة في عهد النبى محمد عليه السلام

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٢ - نوفمبر - ٢٠٢١ ١٢:٠٠ صباحاً

الضعف والاستضعاف والقوة في عهد النبى محمد عليه السلام
مقدمة
لسنا هنا في استعراض لسيرة النبى محمد عليه السلام وأصحابه ، فهذا يخالف عنوان الكتاب ، إنّما نعطى ملاحظات أو نماذج من الضعف والاستضعاف والقوة ، من خلال تاريخ معروف في القرآن الكريم . ولا شأن لنا بما كتبوه عن النبى محمد عليه السلام في العصر العباسى .
أولا : العوامل المؤثرة
1 ـ تتحكم في الانسان عوامل متداخلة من الزمان والمكان . المقصود بالزمان هو المناخ السائد المتحكم ، وهو بالعادة ناتج عن دين أرضى سائد ، وفى الأغلب يتحكم في المجتمع أكابر المجرمين من الحكام ورجال الدين ، أصحاب الجاه والسلطة والثروة . من يرضى بالضعف والاستضعاف حرصا على حياة ذليلة لا يجد مشكلة في قبول الواقع والصبر الذليل عليه ، ومحاولات تبريره وتشريعه بالأمثال والقصص ، ويساعده في ذلك أكابر المجرمين من رجال الدين الذين يملكون دينهم الأرضى ، يقولون فيه ما يشاءون ، ويجدون التصديق والايمان من المستضعفين . يوجد التحدى في حالة دعوة للعدل وإحقاق الحق . القائم بهذه الدعوة عليه أن يواجه المناخ الثقافي ( الزمن ) وظروف المكان الذى يعيش فيه ، وقد تضطره الظروف الى الهجرة من هذا المكان الذى يسيطر عليه أكابر المجرمين الى مكان آخر ، يتيح له الحرية ، ولكن لا مفر من مواجهة تحديات أخرى زمانية ومكانية أيضا .
2 ـ هذا هو الذى واجهه خاتم النبيين عليه وعليهم السلام . ونتوقف معه ببعض تفاصيل فيما يخص الضعف والاستضعاف والقوة .
ثانيا : تحدى ( الزمان ) المناخ السائد والمكان
1 ـ في داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها توجد قريش بسطوتها وهيمنتها وتجارتها بالدين وثرائها برحلتى الشتاء والصيف ، وخضوع الأعراب لها وعلاقاتها بالقوى العربية المسيطرة على طريق القوافل بين اليمن والشام والعراق . كان من مصلحة قريش أن يظل العرب في تقاتل وغارات فيما بينهم طالما لا يتعرضون لقوافلها . خارج الجزيرة العربية توجد قوتان : الروم والفرس. الإسلام بعقيدته وقيمه العليا ضد أكابر المجرمين.
2 ـ وهنا ندخل على تحدى ( المكان ) ، ففي مكة بداية الوحى القرآنى كان العدو الأكبر قريش التي ترى في دعوة الإسلام تحديا لمكانتها وثرائها وتراثها . ثم بالهجرة الى المدينة تجدّد التحدى ، فقد أصبحت دولة الإسلام جزيرة تحوطها قوى معادية تنتشر في الصحارى المحيطة بها . كانت هدفا ثابتا يتعرض لخطر الحصار ، وهو ما حدث فعلا في موقعة الأحزاب . ولم تكن لهم حصون عسكرية ، أو أسوار دفاعية . أي هدف حربى سهل المنال من الأعداء المحيطين الكارهين من قريش ومن الأعراب مدمنى الغارات والسلب والنهب . واستغلت قريش ذلك في غاراتها على المدينة في بداية استقرار النبى والمهاجرين في المدينة ، ثم وصل الأمر الى حصار كامل للمدينة في موقعة الأحزاب ، لذا كانت الطريقة المُثلى للحرب الدفاعية بعدها هي الخروج من المدينة لمواجهة الجيش المعتدى قبل أن يقتحم المدينة . وهذا معنى ( الخروج ) (انفروا ). ونستشهد بقوله جل وعلا :
1 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعاً (71) النساء )
2 ـ ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً ) التوبة)
3 ـ ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) التوبة )
4 ـ ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) التوبة )
5 ـ ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) التوبة ) .
ثالثا : مدى إستجابة الصحابة المستضعفين لتحدى الزمان والمكان
1 ـ دعوة الإسلام للسلام والحرية والعدل جذبت المستضعفين في مكة إذ وجدوا في الإسلام فرصتهم من التحرر من استعباد قريش ، وفى نفس الوقت فإن حريتهم الدينية في تقديس الأنصاب مكفولة ، أي كل ما عليهم هو الدخول في الإسلام السلوكى الذى يعنى السلام . هاجروا بنفس تلك العقائد ، ورفضوا أن يضيفوا الى إيمانهم السلوكى ( الأمن والأمان ) الايمان القلبى العقيدى بالله جل وعلا وحده وكتبه ورسله ، وهذا ما قاله جل وعلا لهم في خطاب مباشر : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) النساء ). نزل لهم الأمر باجتناب الرجس من الأوثان وقول الزور في الدين ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج ) فلم يستجيبوا ، وظلوا مستمسكين بهذا الرجس ، مع إنه نزل لهم خطاب مباشر أكثر تفصيلا في أواخر ما نزل من القرآن الكريم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة ) قال جل وعلا ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ولم ينتهوا ، وفى الآية التالية تحميل لهم المسئولية فما على الرسول إلا البلاغ وفقط : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ) أعجبهم الإسلام السلوكى وبالحرية الدينية المطلقة في الإسلام .
2 ـ ولكن لم يعجبهم فرض القتال عليهم دفاعا عن أنفسهم .
بعد الهجرة قامت قريش بغارات على المدينة لإكراه المؤمنين على الردة ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا )(217) البقرة ). وقتها كان المؤمنون مأمورين بكفّ اليد وعدم المقاومة لمن يهاجمهم معتديا . فلما نزل فرض القتال الدفاعى تعددت مواقفهم :
2 / 1 : رفضوه حرصا على حياتهم . قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) وجاء الردُّ عليهم بحتمية الموت وأن متاع الدنيا قليل : ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (78) النساء ) .
2 / 2 : وفى الحرب كانوا يتخلف بعضهم عنها ، ثم يفرح بهزيمة المؤمنين ونجاته ، وإذا انتصر المؤمنون تمنى لو كان معهم ليشاركهم الفوز. قال جل وعلا : ( وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) النساء ) .
2 / 3 : واستمر موقفهم هذا حتى أواخر ما نزل من القرآن قال جل وعلا في خطاب مباشر يؤنبهم فيه على تقاعسهم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) التوبة )
رابعا : علاج الاستضعاف
1 ـ عمليا بالتدريب العسكرى والاستعداد بكل المستطاع لارهاب العدو وردعه حتى لا يعتدى . قال جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) الانفال )
2 ـ إقناعهم بأنهم مع كراهيتهم للحرب الدفاعية فعسى أن يكرهوها وهى خير لهم ، وعسى أن يحبوا القعود وهو شرُّ لهم ، لأنه يعنى استئصالهم من عدو شديد البأس . قال لهم جل وعلا في خطاب مباشر :
2 / 1 : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) البقرة )
2 / 2 : ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) التوبة )
3 ـ أمر النبى محمد عليه السلام أن يحرّضهم ويحمّسهم على خوض القتال الدفاعى والصبر فيه . قال جل وعلا :
3 / 1 : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) الانفال )
3 / 2 : ( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84) النساء )
4: إثارة حميتهم بإنقاذ إخوانهم المستضعفين . قال جل وعلا : ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) النساء )
5 ـ عقد بيعة مع الله جل وعلا : أن يقاتلوا في سبيل الله جل وعلا قتالا دفاعيا ، ولهم عند الله جل وعلا الجنة : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة )
6 ـ وأنهم لن يدخلوا الجنة إلا بطاعة الأمر بالقتال الدفاعى بما يستلزمه من الصبر ، قال جل وعلا : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران ).
7 ـ أي جعلها رب العزة تجارة تنجيهم من عذاب أليم ، وهى الخير لهم ، هذا إذا كانوا أنصارا لله جل وعلا . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) الصف ) .
8 ـ ولهم الأجر العظيم مهما كانت نتيجة القتال طالما كانوا يقاتلون دفاعيا في سبيل الرحمن جل وعلا . قال جل وعلا : ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) النساء ) .
9 ـ ثم تهديدهم بالعقاب إذا :
9 / 1 : قعدوا عن القتال : ( إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ) (39) التوبة )
9 / 2 : فرّوا هاربين وقت الحرب : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) الأنفال )
10 ـ علاج الخوف في قلوبهم بأن
10 / 1 : الموت حتمى لا مهرب منه ، وسبق إيراد قوله جل وعلا ردّا على من قال بتأجيل فرض القتال : ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) (78) النساء ) . وهو نفس ما قال جل وعلا للمنافقين الهاربين من الدفاع عن المدينة في موقعة الأحزاب : ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16) الأحزاب )
10 / 2 : تقوى الله جل وعلا تنجيهم من الخوف ، لأن الذى يخاف الله جل وعلا وحده لا يمكن أن يخاف من مخلوق ، أما الكافرون فإن وليهم الشيطان يخوفهم ، قال جل وعلا : ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران .
خامسا : التدخل الالهى ببثّ الرعب في قلوب المعتدين
حدث هذا في :
1 ـ موقعة بدر التي تحتمت فيها المواجهة مع جيش قريش لتبديد الخوف منهم . فنزلت الملائكة تثبت قلوب المؤمنين ( الأنفال : 9 : 12 ، 17 ) ( آل عمران 124 : 126 )
2 ـ موقعة الأحزاب ، إذ سلّط الله جل وعلا عليهم الرياح وملائكة غير مرئية جعلتهم ينسحبون لم ينالوا خيرا ، وكفى الله جل وعلا المؤمنين القتال ( الأحزاب 9 ، 25)
3 ـ في حرب أهل الكتاب الذين نقضوا العهد وتحالفوا مع الأحزاب ، فذهب النبى والمؤمنون لقتالهم ، وقد تحصنوا بحصونهم عند القتال فألقى الله جل وعلا في قلوبهم الرُّعب : ( الأحزاب : 26 : 27 )
4 ـ في حرب تالية مع أهل كتاب معتدين ، استقووا بحصونهم المنيعة وفى قرى محصّنة وتحيط بها الأسوار . ألقى الله جل وعلا في قلوبهم الرعب فبادروا الى الهرب قبل القتال ، وخرّبوا بيوتهم وتركوها ، لذا فإن الله جل وعلا هو الذى أخرجهم جزاء عدوانهم ( الحشر : 2 ، 14 )
5 ـ في موقعة ( حنين ) هرب معظمهم فأنزل الله جل وعلا ملائكة تثبّت قلب النبى محمد والمخلصين من أصحابه . والنصر هنا منه جل وعلا القائل : ( لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) التوبة ).
سادسا : مواقف عملية ومتباينة
الوعد الالهى :
1 ـ في أول إستقرارهم بالمدينة ومعاناتهم من الهجوم المتكرر نزل وعد الله جل وعلا للمؤمنين المخلصين بالاستخلاف في الأرض وانتهاء عهد الخوف . قال جل وعلا : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور )
2 ـ وتحقق هذا بعد النصر في موقعة بدر . قال جل وعلا يذكّرهم بخوفهم السابق : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الانفال )
3 ـ في موقعة بدر نفسها وعدهم الله جل وعلا بالقافلة أو النصر ، وكانوا يتمنون القافلة ويخشون الدخول في تجربة القتال، قال جل وعلا : ( وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) الانفال )
العهد مع الله جل وعلا
حين زحف جيش الأحزاب أخذ الله جل وعلا عهدا ووعدا بالنصر . وتباينت المواقف :
1 ـ فالمنافقون وضعاف الايمان هربوا وسخروا من وعد الله جل وعلا وتناسوا عهدهم مع الله جل وعلا : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً (13) الأحزاب ) ( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً (15) الأحزاب )
2 ـ المؤمنون الحقيقيون صمدوا مع النبى مصدقين وعد الله جل وعلا وملتزمين بعهدهم مع الله جل وعلا . ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) الأحزاب )
في الموقف عند المواجهة الحربية
1 ـ في موقعة بدر همّت طائفتان من المؤمنين بالفشل ( آل عمران 122 ) وجادلوا النبى محمدا كراهية في القتال ، ثم إذا تحتم عليهم القتال واصبح لا مفرّ منه كانوا كأنما يُساقون الى الموت وهم ينظرون ( الأنفال 5 : 6 )
2 ـ في موقعة الأحزاب ومفاجأة الحصار يكفى وصف الله جل وعلا لحالهم : ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) الأحزاب )
أخيرا : إنتهاء الاستضعاف
1 ـ كانوا قبل إختبار موقعة بدر ( أذلّة ) بالوصف القرآنى ، وتغيّر الوضع بعدها فاكتسبوا ثقة في النفس ، واصبح مطلوبا منهم تقوى وشكره جل وعلا . قال جل وعلا ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) آل عمران ) .
2 ـ جاءت مرحلة القوة ، وساعدت على نشر الإسلام السلوكى بمعنى السلام ، والذى يتعزّز بالحرية الدينية ، فدخلوا فيه أفواجا . قال جل وعلا : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) النصر)
اجمالي القراءات 2760