مسلسل الحُمق في ذرية (على بن أبى طالب ) : ثورة زيد بن على زين العابدين

آحمد صبحي منصور في الأحد ١١ - أكتوبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

مسلسل الحُمق في ذرية (على بن أبى طالب ) : ثورة زيد بن على زين العابدين

مقدمة

كان ( على زين العابدين بن الحسين ) متفرّدا في أسرته من العلويين . برغم ما عاناه عاش مُسالما مُتسامحا فعّالا للخير مُتواضعا . لم يتّبعه إبنه ( زيد بن على ) بل إتّبع طريق جدّه الحسين ، وجده ( على بن أبى طالب ) في طلب الدنيا ولو بسفك الدماء ، ومنها دماؤهم ودماء أتباعهم وأعدائهم . نتوقف مع مأساة ( زيد بن على زين العابدين ) الذى ثار عام 121 ، وفشلت ثورته وقتلوه وصلبوه عام 122 .

  أسباب الثورة :

  تتجمع في طموح زيد بن على ، وعدم تسامح الأمويين مع أي بادرة خروج عليهم .

 1 ـ قيل إن زيد بن على نقم على الأمويين محاسبتهم له على مال كان خالد القسرى كان قد أعطاه له حين كان واليا على العراق . جذور هذا السبب ترجع الى الصراع القبلى ( نسبة للقبيلة ) بين قبائل اليمن القحطانية وقبائل مُضر العدنانية . وصل نفوذ القبائل اليمنية القحطانية أقصاه  في خلافة هشام بن عبد الملك الذى عيّن خالد بن عبد الله القسرى البجلى واليا على العراق فعيّن خالد أخاه أسد القسرى على شرق العراق . ثم غضب الخليفة هشام على صديقه خالد القسرى فعزله وعزل أخاه ، وعيّن مكانه يوسف بن عمر الثقفى المُضرى المشهور بقسوته ، فتسلّم يوسف ( خالدا القسرى ) وأوقع به تعذيبا هائلا ، وحقّق في مصروفاته وثروته ، وجاء إتهام بأن خالدا القسرى قد أعطى أموالا لزيد بن على زين العابدين وآخرين من الهاشميين ، واستلزم هذا مُساءلة مُهينة لزيد بن على شجعته على الثورة . رجع الهاشميون من مقابلة يوسف بن عمر الى المدينة بينما بقى في الكوفة زيد بن على فوجد فيها من حرّضه على الثورة .

2 ـ وقالوا إن زيد بن على زين العابدين ذهب الى دمشق ليقابل الخليفة هشام ، فرفض هشام مقابلته ، ثم أذن له ، ودار بينهما حوار غير وّدّى ، إذ حلف زيد للخليفة هشام في موضوع خالد القسرى  فقال له الخليفة : "  لا أصدقك " ، فقال زيد : " يا أمير المؤمنين إن الله لم يرفع قدر أحد عن أن يرضى بالله ولم يضع قدر أحد عن ألا يرضى بذلك منه. " فقال له هشام : "  لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة . " وكانت أم زيد جارية هندية ، وكانت العرب خصوصا الأمويين يحتقرون أبناء الإماء . ورد زيد بما أغاظ الخليفة : ( فقال زيد : " إن لك يا امير المؤمنين جوابا " . قال : " تكلم ." قال : "  ليس أحد أولى بالله ولا أرفح عنده منزلة من نبي ابتعثه،  وقد كان إسماعيل من خير الأنبياء وولد خيرهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وكان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة مثلك ، فاختاره الله عليه ، وأخرج منه خير البشر .. "، فقال هشام : " اخرج . " قال : " أخرج ثم لا تراني إلا حيث تكره " ) .

محاولة الأمويين إخراجه من الكوفة قبيل الثورة

وبينما عاد الآخرون الى المدينة ذهب زيد بن على الى الكوفة ، أقام بها أربعة أو خمسة أشهر، فأقلق ذهابه للكوفة الخليفة هشام. وكتب هشام إلى والى العراق يوسف بن عمر الثقفى أن يرغم زيدا على الخروج من الكوفة والرجوع الى المدينة . فكتب يوسف الى والى الكوفة بهذا ، وأرسل الي زيد يستدعيه ، فكان زيد يماطل ، فأرسل من قبض عليه فلحقته الشيعة وأنقذوه (  فقالوا له : " أين تذهب عنا ومعك مائة ألف رجل من أهل الكوفة يضربون دونك بأسيافهم غدا وليس قبلك من أهل الشأم إلا عدة قليلة لو أن قبيلة من قبائلنا نحو مذحج أو همدان أو تميم أو بكر نصبت لهم لكفتهم بإذن الله تعالى فننشدك الله لما رجعت. " فلم يزالوا به حتى ردوه إلى الكوفة. )

الاختفاء بالكوفة وزواجه بها مرتين:

1 ـ  إختفى زيد بن على في الكوفة ، بضعة عشر شهرا ، وقضى شهرين في البصرة ، ثم عاد الى الكوفة فأقام بها.  

2 ـ وتزوج فيها ابنة يعقوب بن عبد الله السلمي أحد بني فرقد ، وتزوج أيضا ابنة عبد الله بن أبي العنبس الأزدي. ( وكان سبب تزوجه إياها أن أمها أم عمرو بنت الصلت كانت ترى رأي الشيعة ، فبلغها مكان زيد فأتته لتسلم عليه ، وكانت امرأة جسيمة جميلة لحيمة قد دخلت في السّن إلا أن الكبر لا يستبين عليها ، فلما دخلت على زيد بن علي ، فسلمت عليه ، ظن أنها شابة،  فكلمته فإذا أفصح الناس لسانا وأجمله منظرا ، فسألها عن نسبها فانتسبت له وأخبرته ممن هي.  فقال لها : " هل لك رحمك الله ان تتزوجيني ؟ "  قالت : " أنت والله رحمك الله رغبة لو كان من أمري التزويج. "  قال لها : " وما الذي يمنعك ؟ " قالت : " يمنعني من ذلك أني قد أسننت . " فقال لها : " كلا قد رضيت ما أبعدك من أن تكوني قد أسننت. "  قالت : " رحمك الله أنا أعلم بنفسي منك وبما أتى علي من الدهر ولو كنت متزوجة يوما من الدهر لما عدلت بك ، ولكن لي ابنة أبوها ابن عمي وهي أجمل مني وأنا أزوجكها إن أحببت . " ... فتزوجها ). وكان زيد يتنقّل في الكوفة في منازل شتى منها بيوت أصهاره ، إلى أن ظهر.

الدعوة والمبايعة

بايعه خمسة عشر ألفاً، وقيل: اربعون ألفاً، فأمر أصحابه بالاستعداد،  وأرسل إلى أهل السواد وأهل الموصل رجالا يدعون إليه وشاع أمره في الناس .

زيد ( مثل جدّه الحسين يرفض النصيحة )

1 ـ قال له ابن عمه : ( داود بن علي ): ( يا ابن عم إن هؤلاء يغرونك من نفسك، أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك ؟ جدك علي بن أبي طالب حتى قتل؟ والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه؟ أوليس قد أخرجوا جدك الحسين وحلفوا له وخذلوه وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه. فلا ترجع معهم.) فقال زيد لداود: ( إن علياً قاتله معاوية بداهية وبكراهية، وإن الحسين قاتله يزيد والأمر مقبل عليهم.)  فقال داود: ( إني خائف إن رجعت معهم أن لا يكون أحد أشد عليك منهم، وأنت أعلم.)

2 ـ   أتاه سلمة بن كهيل فذكر له فرابته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم وحقه، فأحسن ثم قال له: ننشدك الله كم بايعك؟ قال: أربعون ألفاً. قال: فمن بايع جدك؟ قال: ثمانون ألفاً. قال: فكم حصل معه؟ قال: ثلاثمائة. قال: نشدتك الله أنت خير أم جدك؟ قال: جدي. قال: فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال: ذلك القرن. قال: أفتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجدك؟ قال: قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم. قال: أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد؟ فلا آمن أن يحدث حدث فلا أملك نفسي. فأذن له فخرج إلى اليمامة. ) .

3 ـ وكتب عبد الله بن الحسن بن الحسن إلى يزيد: ( أما بعد فإن أهل الكوفة نفخ العلانية خور السريرة هرج في الرخاء جزع في اللقاء، تقدمهم ألسنتهم ولا تشايعهم قلوبهم، ولقد تواترت إليّ كتبهم بدعوتهم، فصمتُّ عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأساً منهم واطراحاً لهم، وما لهم مثل إلا ما قال علي بن أبي طالب: إن أهملتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على غمام طعنتم، وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم. ) . ( فلم يصغ زيد إلى شيء من ذلك. ).  

4 ـ وقال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : ( أذكرك الله يا زيد لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك إلى ما يدعونك إليه ، فإنهم لا يوفون لك ). فلم يقبل منه ذلك .  

الثورة

1 ـ بدأ التجهيز للثورة ، ووصلت الأنباء الى الوالى على العراق يوسف بن عمر الثقفى عن طريق سليمان بن سراقة البارقي ، هذا في الوقت الذى إنشقّ عن زيد بعض الشيعة لأنه رفض تكفير أبى بكر وعمر ، وقالوا بإمامة جعفر الصادق ابن محمد الباقر ، فسماهم زيد ( الرافضة ) . ثم أصبح هذا اللقب يشمل كل الشيعة في العصر العباسى وما بعده.

2 ـ وكانت جواسيس يوسف بن عمر قد أخبروا يوسف أن زيدا واعد   أصحابه على الخروج أول ليلة من صفر، وبعث يوسف بن عمر، الى واليه على الكوفة ( الحكم بن الصلت ) يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم ، يحصرهم فيه، فجمعهم فيه. وأرسل قوة حربية لاعتقال زيد وهو في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، فخرج زيد منها ليلاً، وحدثت مناوشات قليلة وأصحاب زيد محصورون في المسجد الأعظم بالكوفة . وحضر بنفسه يوسف بن عمر والى العراق فوصل إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومعه رءوس القبائل ، وبعث بفرقة من الجيش لمواجهة زيد . 

3 ـ أحرز زيد بعض انتصارات متفرقة . كان من أتباعه نصر بن خزيمة العبسي  الذى هزم عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم  بن الصلت ، فقتل عمرا . وسار زيد بمن معه الى حىّ  الكناسة ، فهزم فرقة من جيش الأمويين .

4 ـ ومع ذلك فقد بدت نُذُر الهزيمة تتضح مبكرا أمام زيد . تقول الرواية : ( وأصبح زيد فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلاً، فقال زيد: سبحان الله أين الناس؟ فقيل: إنهم في المسجد الأعظم محصورون. فقال: والله ما هذا بعذر لمن بايعنا! ) .

وذهب زيد بمن معه الى دار أنس بن عمرو الأزدى  ( وكان في من بايعه وهو في الدار، فنودي فلم يجبهم، وناداه زيد فلم يخرج إليه، فقال زيد: ما أخلفكم؟ قد فعلتموها، والله حسيبكم ..! ) ، وتذكّر ما حدث لجدّه الحسين في كربلاء . تقول الرواية : ( فلما رأى زيد خذلان الناس إياه قال: يا نصر بن خزيمة أنا أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية. " قال:" أما أنا والله لأقاتلن معك حتى أموت." ).

كان أتباع زيد محصورين في المسجد الأعظم وسعداء بهذا الحصار ليكون حُجّة لهم للقعود عن القتال . نهض زيد بمن معه الى هذا المسجد لتخليص أصحابه ، وفى الطريق هزم فرقة للجيش الأموى يقودها عبيد الله بن العباس الكندي ، ووصل الى باب المسجد ، وأخذ جنود الأمويين يقذفونهم بالحجارة من أعلى المسجد ، بينما أصحاب زيد ( يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون: يا أهل المسجد اخرجوا من الذل إلى العز، اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنكم لستم في دين ولا دنيا.) . ولم يخرجوا ، وفى النهاية انصرف زيد بمن من معه.

5 ـ وتوالت معارك متفرقة ، كان آخرها معركة استعمل فيها الأمويون النشّابة من رُماة السهام ، تقول الرواية : ( فرُمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فثبت في دماغه، ورجع أصحابه...   ونزل زيد في دار من دور أرحب، وأحضر أصحابه طبيباً، فانتزع النصل، فضج زيد، فلما نزع النصل مات زيد، فقال أصحابه: اين ندفنه؟ قال بعضهم: نطرحه في الماء. وقال بعضهم: بل نحتز رأسه ونلقيه في القتلى. فقال ابنه يحيى: والله لا تأكل لحم أبي الكلاب. وقال بعضهم: ندفنه في الحفرة التي يؤخذ منها الطين ونجعل عليه الماء ،  ففعلوا، فلما دفنوه أجروا عليه الماء، ..وكان معهم مولى لزيد سندي... فدل عليه، وتفرق الناس عنه،  ثم إن يوسف بن عمر تتبع الجرحى في الدور، فدلّه السندي مولى زيد يوم الجمعه على زيد، فاستخرجه من قبره وقطع رأسه ....  وبعث الرأس إلى هشام ....) وصلبوا جثة زيد ، ثم أمر هشام بإحراق جثته . !!

اجمالي القراءات 5303