اساليب الشيطان في غواية البشر

يوسف ترناصت في الإثنين ١٧ - أغسطس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

   يقول سبحانه  وتعالى : "إِنَّ ٱلشَّيطـٰنَ لَكُمۡ عَدُوّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا یَدۡعُوا۟ حِزۡبَهُۥ لِیَكُونُوا۟ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ(فاطر 6)".

   ان الشيطان اللعين هو ألد أعداء البشر، وقصة العداوة هاته بدأت منذ أن رفض الشيطان السجود لأدم، حيث عصى الشيطان أمر الله سبحانه وتعالى، فاستحق بذلك الطرد من الملأ الأعلى.

  وقد طلب الشيطان الرجيم من الله سبحانه أن يمهله الى يوم البعث، فاستجيب له ذلك الطلب، فيكون الشيطان بذلك قد سخر حياته لغواية آدم وذريته، غير أن الله سبحانه قد حذر الإنسان من وساوس الشيطان وأساليب غوايته لأنه اتخذ عهدا مع الله : "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ(ص 82)"، وبما أن الإنسان خلق ضعيفا فإن درجة غواية الشيطان تختلف حسب درجة التقوى لدى البشر.

    ويستعمل الشيطان في غوايته للبشر العديد من الأسلحة لإيقاعهم في الفخ وأبرزها؛ الأمانــي، والوعــود، وأقــوى سلاح هو الإضــلال، يقول سبحانه : {..إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117)لَعَنَهُ الله وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا(118) وَلَأُضِلَّنَّهُم وَلَأًمَنِّيَنَّهُم وَلَءَامُرَنَّهُم فَلْيُبَتِكَنَّ ءَاذَانَ اَلْأَنْعَامِ وَلَءَامُرَنَّهُم فَلْيُغَيِّرَنَّ خَلْقَ الله وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا(119) يَعِدُهُم وَيُمَنِيهِم وَمَا يَعِدُهُم الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا(120) (النساء)}،

  وبأسلحته تلك يوقع الإنسان في الغلط والتدليس بحيث يصور له الأمر على غير حقيقته، بحيث يضع صورة وهمية للإنسان، يتهيأ له أنها هي الحقيقة، في حين انها في الواقع وهمية قد توقعه في المعصية ثم إدمان المعصية ثم الإضلال، لذلك فالله سبحانه أمرنا بعدم اتباع خطواته حتى لا يصل الإنسان إلى الإضلال الذي هو أخطر سلاح لدى الشيطان اللعين، يقول سبحانه : {..یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُوا۟ مِمَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ حَلَـٰلا طَیِّبا وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّ مُّبِینٌ(البقرة 168)}، وقوله : {..یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱدۡخُلُوا۟ فِی ٱلسِّلۡمِ كَاۤفَّة وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّ مُّبِین(208 البقرة)}، وقوله : {..وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ حَمُولَة وَفَرۡشاۚ كُلُوا۟ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّ مُّبِین(142 الأنعام)} ، وقوله : {..یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ وَمَن یَتَّبِعۡ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَإِنَّهُۥ یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدا وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیم(النور 21)}.

   فما هي اذن أساليب الشيطان في غوايته للبشر ؟؟؟؟؟؟؟.

1 ) أسلوب الهمـز أو الطيـف أو النزغ :

   وهو أخف أساليب الشيطان التي تصيب الإنسان مرارا وتكرارا وتختلف حدته حسب اختلاف درجة التقوى لدى البشر.

  يقول سبحانه وتعالى : {..وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِیعٌ عَلِیمٌ، إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕف مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُوا۟ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ(الاعراف 200 و201)}، وقد جعل الله دعاءا للمتقين لتجنب هذا الأسلوب، يقول سبحانه : {..وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَ ٰتِ ٱلشَّیَـٰطِینِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن یَحۡضُرُونِ(المؤمنون 97 و98)}، فالإنسان التقي الذي يخاف الله اذا مسه طائف شيطاني تذكر الله بسرعة، وهذا لن يقع الا اذا كان الإنسان دائم الصلة مع الله، اي يتذكر الله كثيرا، يقول سبحانه : {..وَاِذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ اَلْجَهْرِ مِنَ اَلْقَوْلِ بِاَلْغُدْوِ وَاَلْءَاصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ اَلْغَافِلِينَ(الأعراف 205)}، ويقول سبحانه : {..وَاِذْكُر رَبَّكَ اِذَا نَسَيْتَ..(الكهف 24)}، وقوله : {..يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اِذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا(الأحزاب 41)}.

   2) أسلوب الوسوسـة :

   وهو أسلوب متوسط من أساليب الغواية لدى الشيطان، وعن طريق هذا الأسلوب يقترف الإنسان السيئات، حيث ينسى ذكر الله (تذكر الله)، بعد أن يغريه الشيطان بالوعود أو الأماني فيتبع الإنسان خطواته، والمثال الحي على ذلك نجده في قصة آدم الذي أكل من الشجرة المحظورة، يقول سبحانه : {..وَلَقَدْ عَهِدْنَا اِلَى آدَمُ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(طه 115)}، فهنا الشيطان اللعين استغل نسيان آدم لأمر الله تعالى وعدم تذكره للعهد الذي اقامه مع رب العزة، فوسوس الشيطان لأدم وزوجه اقتراف المعصية، بعد أن أوقعهم في الأمنيات، وزين لهم ارتكاب تلك المعصية، يقول سبحانه : {..فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُرِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ اَلْخَالِدِينَ(الأعراف 20)}، فهنا الشيطان أوقع آدم وزوجه في أمنية هي أنهما اذا أكلا من الشجرة سيكونا إما ملكين وإما خالدين، فاتبعا الأماني ونسيا وعد الله بأنهما اذا أكلا من الشجرة سيطردان من الجنة، فكانت نتيجة اتباعهم لخطوات الشيطان، أن كشفت عوراتهما، وبالتالي طُرِدَا من الجنة، يقول سبحانه : {..فَدَلّهُمَا بِغُرورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانَ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ اَلْجَنَّةِ وَنَادَهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوُّ مُبِينٌ(22)قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ اَلْخَاسِرِينَ(23)قَالَ اِهْبِطُوا بَعْضُكُم لِبَعْضٍ عَدُوُّ وَلَكُم فِي اَلْأَرْضِ مُسَتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)(الأعراف)}.

   فبسبب الوسواس يقترف الإنسان السيئات والمعاصي، ولا يتذكر إلا بعد أن يقع فيها، وقد يتوب بسرعة فور اقتراف السيئة أو المعصية، فيستغفر الله فيجد الله غفور رحيم، يقول سبحانه : {..وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم ذَكَرُوا الله فَاِسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يَصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(آل عمران 135)}.

   وقد يُسْرِف الانسان في ارتكاب السيئات والمعاصي، فيدمنها، مع احتمال كبير في التوبة وإصلاح الأخطاء، يقول سبحانه وتعالى : {..قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِم لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُو اَلْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53 الزمر)}.

   أما الإصرار على ارتكاب السيئات مع العلم التام بها فهو كفر واستهزاء بالله تعالى، يقول الله سبحانه وتعالى : {..أفأمن الذين مكروا السيءات ان يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين او يأخذهم على تخوف فان ربك لغفور رحيم(النحل 45 الى 47)}.  

  وقد يريد المسيء التوبة ولكن لا يستطيع لها سبيلا، فييأس ويكفر وينتقل بذلك الى الضلالة.

3) اسلــوب الإيحــاء :

  وهذا الأسلوب، هو أقوى الأساليب لدى الشيطان وبه يتمكن من الإستحواذ التام على البشر بعد أن يكون هذا الاخير قد نسي الله تماما وأعرض عن ذكره وضل عن سواء السبيل، ولا يمكن أن يهتدي ولا يمكن ان يجد من يرشده، بعد أن يكون قد استعمل الشيطان أقوى سلاحه وهو التضليل، يقول سبحانه وتعالى : {..وَإِنَّ الشّيَطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائَهُم لِيُجَادِلُوكُم وَاِن أَطَعْتُمُوهُم اِنَّكُم لَمُشْرِكُونَ، أَوَمَن كَانَ مَيِّتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(الانعام 121 و122)}.

  - الإعراض عن ذكر الله :

  يقول سبحانه وتعالى : {..وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُو لَهُ قَرِينٌ(الزخرف 36)}، ويقول سبحانه : {..وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ اَلْغَاوِينَ(175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى اَلْأَرْضِ وَاِتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ اَلْكَلْبِ إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكُه يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ اَلْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِءَايَاتِنَا فَاِقْصُصِ اَلْقَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ(176)سَاءَ مَثَلاً اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِءايَاتِنَا وَأَنْفُسِهِم كَانُوا يَظْلِمُونَ(177)مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ اَلْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِل فَأُولَئِكَ هُمُ اَلخَسِرُونَ(178)(الأعراف)}.

  - مـوالاة الشيطـان :

 وبالتالي فإذا استحوذ الشيطان على البشر فيصبح هو وليه، فيسيطر عليه ويحركه كيف يشاء ويزين له سوء عمله، بحيث تكون للشيطان الرجيم السيطرة التامة على البشر الذي يتبعه ويتولاه، يقول سبحانه : {..إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِم سُلطَانٌ إِلاَّ مَن اِتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ (الحجر 42)}، وقوله : {..إِنَّه لَيْسَ لَه سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّمَا سُلْطَانَه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّونَه وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (النحل 99 و100)}، والسلطان في الآيات الكريمة هنا بمعنى السيطرة والجبروت، اي ان الشيطان تكون له السطيرة على الإنسان الذي يتبعه في غوايته و يتخذه وليا من دون الله.

    وقد أمرنا الله بعدم موالاة الشيطان اللعين وذريته، وذلك بعدم اتخاذهم أولياء من دون الله، يقول سبحانه : {..وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اِسْجُدُوا لِءَادَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسِقَ عَن أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَتَه أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً(الكهف 50)}.

 
  ذ.يوسف ترناصت
 
  باحث في الثرات الإسلامي.
اجمالي القراءات 2727