معنى قوله تعالى
واضربوهن

يوسف ترناصت في الثلاثاء ٠٧ - يوليو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النساء الآية 34 :{..ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ   بَعۡضوَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰت لِّلۡغَیۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِی ٱلۡمَضَاجِـعِ وَٱضۡرِبُوهُـنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیّا كَبِیرا..}.

   لقد فهم السلف معنى اضربوهن في الآية الكريمة بمعنى تأليمهن، لكن  مراد الله كما طبقه السلف هل في محله أم أن للقرءان نفسه رأي آخر.

   ان سبب اختياري لهذا الموضوع بالذات هو أنه بسبب احتكاكي في مهنة المحاماة، وأنه يتم العرض على أنظارنا العديد من القضايا المتعلقة بالعنف الأسري، الذي تكون ضحيته الزوجة، خاصة في قضايا التطليق، وغالبا ما يستند الكثير من الأزواج على التراث الشعبي وسوء الفهم للدين السماوي، المنزل من عند الله الحكيم العادل في أحكامه وتشريعاته.

   حيث يصور الكثير ان الرجال قوامين على النساء بمعنى الغلظة والفظاظة والسيطرة على الزوجة وقهرها، ويستندون الى العديد من الأحاديث المنسوبة زورا للرسول الكريم، وأقوال الشيوخ الذين أجمعوا على امكانية ضرب الزوج لزوجته ضربا غير مبرحا لا يخدش لحما ولا يكسر عظما، وما فائدته اذا كان غير مبرحا وكيف سيردع الزوجة اذا لم يكن سوى مرجعية اساسية لتبرير العنف ضد الزوجة.

   لقد تدرج الله سبحانه في طريقة معاملة الزوج لزوجته الناشزة وهو البدء بالموعظة ثم الهجر في الجماع وأخيرا الهجر الكلي سواء في الجماع او غيره وهو مايسمى (بالإضراب)، فمثلا حينما نقول أضرب فلان عن الطعام فاننا نقصد بذلك انه كف عن تناول الطعام، حيث ان سياق كلمة "ضرب" في القرءان تأتي بمعاني مختلفة تفهم في سياقها الخاص داخل الآية القرءانية وسياقها العام داخل القرءان الكريم.

   لكن يجب أولا توضيح معنى النشوز الذي جاء في الآية الكريمة، فالنشوز يعني التعالي والتطاول، لما جاء في سياق الآية في نهايتها قوله سبحانه : "إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیّـا كَبِیرا"، وجاءت في القرءان الكريم بمعاني قريبة جدا من ذلك كطريقة تكوين  العظام  حينما يرفعها الله سبحانه من الأرض ويوقفها بشكل متراس كما جاء في قوله تعالى في خطابه مع صاحب القرية الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، يقول سبحانه {..وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَیۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡماۚ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعۡلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءقَدِیر(البقرة 259)}، فالزوجة كأنثى معروف عنها انها مصدر الرقاقة والطيبوبة اما اذا كان العكس بان تتطاول على الزوج وتسيئ اليه فالله امرنا بأن نعظها بالموعظة الحسنة فان لم تنفع معها الموعظة الحسنة ننتقل الى الهجر في الجماع والإعراض عنها حتى يلين قلبها وتحسن معاملتها.

   أما كلمة "ضرب" فمعناها في الآية الكريمة الإعرض عن الزوجة الناشزة حتى يلين قلبها وتطيع زوجها طاعة ارادية والطاعة دائما تكون بشكل ارادي وليس اكراها، فالإكراه بمعنى اجبار الشخص على فعل امر معين بالقوة وهذا لا يقبل عند الله في امور الدين والعقيدة وفلسفات الإنسان لذلك يقول سبحانه "لا إكراه في الدين".

    ولأن الطاعة هي ضد الإكراه فالله يميز بينهما   كقوله تعالى :"..ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ وَهِیَ دُخَان فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِیَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡها قَالَتَاۤ أَتَیۡنَا طَاۤئِـعِینَ(فصلت 11)"، وقوله تعالى : "..قُلۡ أَنفِقُوا۟ طَوۡعًا أَوۡكَرۡها لَّن یُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡما فَـٰسِقِینَ (التوبة 53)"، فالله سبحانه في الآيتين ميز بين الطوع والإكراه، فالطوع والطاعة دائما يكون بالإرادة الحرة والإختيار، اما الإكراه فهو عكس الطاعة يكون باجبار الشخص وحمله على فعل او عدم فعل امر معين وهذا الأسلوب الأخير لا يمكن ان يجلب نتيجة ايجابية بين الزوج وزوجته سوى تعميق الخلاف والشقاق بينما الذي ينهانا الله سبحانه وتعالى عن الوقوع فيه اصلا، ويبين لنا سبل معالجته في حالة الوقوع فيه، لذلك قال الله سبحانه في نهاية الآية التي نحن بصدد التدبر فيها "فَـإِنۡ أَطَعۡنَكُـمۡ فَلَا تَبۡغُـوا۟ عَلَیۡهِـنَّ سَبِیلًاۗ"،فالله سبحانه قال فان "اطعنكم" والطاعة قلنا لا تأتي بالإكراه بل هي ضد الإكراه، وان الضرب بمعنى الإيلام يحمل على الإكراه، فكيف تأتي الطاعة بعد الإكراه ان لم تكن خوفا ورهبة.

 

    كيف ينهانا الله عن عدم الوقوع في الشقاق ؟، وما هي سبل معالجته ؟.

   يقول سبحانه :{..وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَیۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُوا۟ حَكَما مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَما مِّنۡ أَهۡلِهَاۤ إِن یُرِیدَاۤ إِصۡلَـٰحا یُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَیۡنَهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا خَبِیرا(النساء 35)}.

 

  اما اذا فهمنا الضرب في الآية الكريمة بمفهوم الإيلام فهذا ليس من مقاصد  الله سبحانه وتعالى الحكيم في تشريعاته ولوقع   تضاربا في آيات القرءان الحكيم، فلو كان مجرد نشوز الزوجة تستحق عنه الضرب بمعنى الإيلام، فلماذا يقول سبحانه  :  {..یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَ ٰجِكُمۡ وَأَوۡلَـٰدِكُمۡ عَدُوّا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُوا۟   وَتَصۡفَحُوا۟  وَتَغۡفِرُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُوررَّحِیمٌ(التغابن 14)}، فاذا كان ما قد يصدر من الزوجة يصل الى حد العداء والإساءة عالجه الله سبحانه  بالعفو   والصفح   والمغفرة، فلماذا سيقول عن النشوز انه يستحق عنه الضرب بمعنى الإيلام، او ان الله سبحانه يقصد الموعظة   اوالهجر والإعراض عند الضرورة، وقد يصل الأمر بان تأتي المرأة بفاحشة (من غير الزنا فالزنا فاحشة وليست كل فاحشة زنا) فالله سبحانه يقول في سورة النساء الآية 15 :{..وَٱللتِی یَأۡتِینَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مِن نِّسَاۤىِٕكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ عَلَیۡهِنَّ أَرۡبَعَةمِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُوا۟ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِی ٱلۡبُیُوتِ حَتَّىٰ یَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلا} فجعل عقابها مسكها في البيت، اما الفاحشة التي يأتي بها الرجال فجعل عقابها الآذى حيث يقول سبحانه في الآية 16 من نفس السورة :{..وَٱلَّذَانِ یَأۡتِیَـٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُوا۟ عَنۡهُمَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابا رَّحِیمًا}، لا شك ان الامساك في البيت (بالنسبة للنساء) ليس هو الأذى (بالنسبة للرجال).

   واذا كان النشوز من الزوج فالله سبحانه يقول :{..وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضا فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۤ أَن یُصۡلِحَا بَیۡنَهُمَا صُلۡحاۚوَٱلصُّلۡحُ خَیۡرۗ  وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟  فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرا(النساء 128)}..

 .........

 ذ. يوسف ترناصت.

  باحث اسلامي.

اجمالي القراءات 2576