نسف شبهة أمية الرسول

يوسف ترناصت في السبت ١١ - أبريل - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً



   نتطرق في هذا المقال القصير لموضوع شائع ويخلق نوعا من البلبلة في ديننا الاسلامي، حيث يتهم نبينا الكريم كونه كان أميا لا يعرف الكتابة ولا القراءة، وأن كتبة الوحي هم من كانوا يكتبون القرءان عوضا عنه، والخطير في ذلك ان البعض يعتقد أن القرءان الكريم قد تم نقله الينا بالتواثر أي أن القرءان لم يكتب في عصر النبي وان الصحابة كانوا يحفظون القرءان ونقلوه عبر الأجيال الى ان تم بدأ تدوينه بعد وفاة النبي.

   لكن ان الغريب في الأمر أن القرءان الكريم ينسف هذه الشبهات، حيث أن جمع القرءان الكريم كان في عصر النبي حيث ان النبي كان يعرف القراءة والكتابة، كما أن ان حفظ القرءان ليس بطريقة علمية تحفظ القرءان الكريم من التحريف والضياع، ناهيك عن طريقة كتابة القرءان التي تتطلب الكثير من الدقة في جانبها اللغوي والإعجازي، وفي القرءان الكريم العديد من الآيات القرءانية التي تؤكد هذا المنطلق.

1-  النبي عليه السلام كان يقرأ ويكتب : 

   حيث في بداية نزول الوحي كان النبي قد تلقى أمرا من الله سبحانه وتعالى بالتعلم (القراءة والكتابة) حيث كان من أوائل ما نزل سورة العلق التي جاء فيها : ﴿ اقـرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقـرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلـم (4) علم الإنسن مالم يعلم (5)...﴾، حيث سيلتزم تنفيذ هذا الأمر الإلهي حتما ليساعده في تبليغ الوحي، وان الله سبحانه وتعالى لا يمكن ان يأمر النبي الكريم بالقراءة ويستنكف النبي عن ذلك.

  وان النبي عليه السلام لم يكن يتلوا على الناس القرءان فحسب بل كان يعلمهم القرءان، فكيف يعلمهم وهو لا يقرأ ولا يكتب، يقول عز وجل : ﴿ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم ءايته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ (آل عمران 129)، كما يقول عز وجل : ﴿ هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم ءايته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ (الجمعة 2).

    2- النبي الكريم كان يقرأ القرءان من الصحف المكتوبة :

  والغريب في ذلك ولا يعقل أن النبي تكون معجزته القرءان الكريم ولا يقرأ ولا يكتب، في حين ان القرءان الكريم يؤكد على ان النبي محمد عليه السلام كان يقرأ ويتلو القرءان من صحف مكتوبة فيها القرءان مصداقا لقوله تعالى : ﴿ رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ﴾.

  ومعنى الصحف في القرءان الكريم اي النسخ المكتوبة او المحررة كقوله تعالى في مشهد من مشاهد يوم الحساب : ﴿ وإذا الصحف نشرت ﴾، أي أعمال الناس ستعرض عليهم مكتوبة في كتب أعمالهم يقول تعالى يوم الحساب : ﴿اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ﴾ (الاسراء 14)، وقوله تعالى في سورة الإسراء الآية 13 : ﴿ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ﴾.

   وفي معنى الصحف المكتوبة يقول عز وجل عن القرءان الكريم : ﴿كلا إنها تذكرة (11) فمن شاء ذكره (12) في صحف مكرمة (13) مرفوعة مطهرة (14) بأيدي سفرة (15) كرام بررة(16) ﴾ (عبس)، فالقرءان الكريم مدون في صحف مطهرة من التحريف والتبديل مرفوعة بأيدي ملائكة الله الكرام الأبرار وتقريبا في نفس السياق ويقول سبحانه وتعالى عن ملائكة تسجيل الأعمال : ﴿ وإن عليكم لحفظين (10) كراما كاتبين (11) يعلمون ما تفعلون (12) ﴾ (الانفطار).

   وهنا اتضحت لنا الصورة بان الرسول عليه السلام كان يكتب القرءان الكريم بيده في صحف وكان يتلوه منها وفي ذلك نقرأ الآية التالية في خطاب المشركين مع الرسول حول القرءان الكريم : ﴿ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ﴾ (الفرقان 5)، فالمشركين أعترفوا بأن النبي محمد كان هو الذي يكتب القرءان بيده، الذي اعتبروه أساطير الأولين، واكتتبها بمعنى اجتهد في كتابتها وهي تملى عليه، وليس استكتبها بمعنى طلب كتابتها.

   3 - النبي لم يكن أمي بمعنى يجهل القراءة والكتابة كما يدعى أهل الجماعة :

   ان مصطلحات القرءان الكريم تفهم من داخله ولا يمكن ان نفهمها بمصطلحاتنا المتداولة لأن اللغة في تغير ونمو مستمر ولا يمكن الاعتماد على معاجم البشر لفهم كلام رب البشر ، لذلك فان معنى كلمة (أمي) في القرءان الكريم ليس الجهل بالكتابة والقراءة، وانما تأتي بمعنى  الجهل بالكتب السماوية، ولنا ان نفتح القرءان الكريم ونلاحظ لذلك بتدبر آياته ؛

     قبل بعثة الرسول كان العرب في الجزيرة العربية، ينقسمون الى العارفين بالكتب السماوية (وهم أهل التوراة وأهل الإنجيل او ما يسمى بأهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب)، وآخرين كانوا يجهلونها تقول الآية الكريمة : ﴿ فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ﴾ (آل عمران 20)، ويقول تعالى أيضا : ﴿ ومن أهل الكتاب من إن تأنمه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ﴾ (آل عمران 75)، ويقول تعالى : ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم...﴾ (الجمعة 2).

    وحتى من أهل الكتاب كان منهم من لا يعلم الكتاب السماوي الا قيلا او أماني بعد ان دخلت عليه بعض التحريفات، يقول سبحانه وتعالى : ﴿ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا آماني وإن هم إلا يظنون (78) فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (79) ﴾ (البقرة)، اذن فكيف يكونوا اميون وهم يكتبون الكتاب بأيديهم.

   والرسول عليه السلام كان بدوره من الأميين العرب بحيث لم يكن يعرف عن الكتب السماوية اي شيء يقول تعالى : ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم ﴾ (الشورى 56)، وقوله : ﴿ ووجد ضالا فهدى ﴾ (الضحى 7)، فالله بعثه الى الأميين وهو منهم يقول سبحانه : ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ (الجمعة 2)، فالآية الكريمة توصف الضلال الذي كان فيه العرب بأنهم لم يكونوا يعرفوا عن الكتب السماوية فقد كانوا في ضلال مبين.

    فالنبي قبل نزوح الوحي عليه لم يكن يعرف شيئا عن الكتب السماوية ولم يكن يكتبها، وقد أختاره الله سبحانه وتعالى لحكمته  يقول سبحانه وتعالى : ﴿ وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين ءاتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون (47) وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لاتاب المبطلون (48) بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بءاياتنا إلا الظالمون (49) ﴾ (العنكبوت)، وقد كان المشركون يطالبون النبي بإتيانهم كتابا آخر غير القرءان يقول سبحانه في سورة يونس : ﴿ وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير هذا أو بدله..﴾ ويأتي الرد من الله سبحانه وتعالى ﴿..قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (15) قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون (16) ﴾

   وقد أمر سبحانه الناس جميعا ومنهم أهل الكتاب ان يأمنوا برسوله ويتبعوه قال سبحانه : ﴿ قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فءامنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلمته واتبعوا لعلكم تهتدون ﴾، وقالوا في الذين اتبعوه من أهل الكتاب : ﴿ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والّإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ﴾ (الأعراف 157).

  وختاما فالنبي عليه السلام كان يقرأ ويكتب ونفذ أمر الله عز وجل ﴿إقرأ﴾، وأنه قبل نزول الوحي كان لا يعلم بالكتب السماوية السابقة وهذا هو معنى لفظ أمي وأميين او أميون في الذكر الحكيم، كما ان النبي كان هو الذي يكتب القرءان بيد فاذا قرءنا الآية التالية بمفهوم المخالفة نفهم الأمر يقول عز وجل : ﴿ وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ﴾، أي بعد نزول الكتاب (القرءان الكريم) أصبح يتلوه ويخطه بيمينه لأنه قبل نزول الوحي لم يكن يعلم عنه شيئا.

  وأخيرا فالقرءان الكريم مكتوب في حياة النبي وبخطه في صحف : ﴿ رسول يتلوا صحفا مطهرة ﴾، ونختم بقوله تعالى : ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ (الإسراء 36).

 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

معاكم اخوكم ذ.يوسف ترناصت 

محام من المغرب

اجمالي القراءات 4468