السلطان المملوكى برسباى وابن حجر العسقلانى أكابر المجرمين في طاعون عام 841
رواية المقريزى شاهدا على طاعون عام 841 ( 2 من 2 )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٣١ - مارس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

السلطان المملوكى برسباى وابن حجر العسقلانى أكابر المجرمين في طاعون عام 841

رواية المقريزى شاهدا على طاعون عام 841  ( 2 من 2 )

6 ـ ( شهر شوال، أُهلّ بيوم الخميس ) : " يوم عيد الفطر وليلته ."

6 / 1 : ( وقد كلّ الناس بالقاهرة ومصر من القبض والأنكاد ما لا يوصف، وذلك من تزايد عدة الأموات في كل يوم، فكانت عدة من رفع ذكره من ديوان المواريث في هذا اليوم وهو يوم العيد من القاهرة مائة إنسان، ومن مصر إثنان وعشرون. هذا، وقد تعطل بيع كثير من البضائع وأمتعة النساء لإمتناعهن من المشي في الطرقات وإستوحش نساء الأمراء المجردين وأولادهم لغيبتهم عنهم، وقلق الناس من عسف متولى الحسبة، وشدة بطشه، ومن كثرة ما داخل الناس من الوهم خوفًا على أولادهم وخدمهم من الموت الوحى السريع بالطاعون، ومن نزول أنواع المكاره بالذمة من اليهود والنصارى، بحيث أنى لم أدرك في طول عمرى عيدًا كان أنكد على الناس من هذا العيد).

نلاحظ :  

 6 / 1 / 1 : العاصمة وقتها كان يطلق عليها ( القاهرة ومصر ) . القاهرة هي التي بناها جوهر الصقلى للخليفة الفاطمى المعز لدين الله ، ثم إتصلت المساكن بينها وبين المدن السابقة التي كانت عواصم من قبل ، وهى ( القطائع ) التي بناها أحمد بن طولون ، و ( العسكر ) التي بناها أول والى عباسى بعد قتل الخليفة الأموى مروان بن محمد ، ثم ( الفسطاط ) التي بناها عمرو بن العاص . بمعنى ان ( ضواحي القاهرة ) كان يطلق عليها ( مصر ). وحتى الآن يقول المصريون في الأقاليم عن القاهرة ( مصر ) .

  6 / 1 / 2 :  وواضح تركيز المقريزى على ضحايا الطاعون في القاهرة وضواحيها ( ممكن أن نقول القاهرة الكبرى ) ، وذكر عدد الموتى يوم عيد الفطر . وكما يحدث من كورونا الآن تعطل   الاقتصاد . وقد تم فرض حظر التجول على النساء ، وهن أكثر من يشترى ، ثم هناك الشدة التي كان يعامل بها المحتسب المملوكى الأمير دولات خجا .

6 / 1 / 3 : ثم هناك ( قلق ) النساء المترفات زوجات المماليك ، لأن ازواجهن في مهمة عسكرية.

6 / 1 / 4 : سكان القاهرة الكبرى عمّهم الخوف لأن الطاعون يلتهم أولادهم وخدمهم ، ويضاف اليهم العسف الذى حلّ بأهل الكتاب .وسنعرض له في المقال القادم .

 6 / 1 / 5  : والمقريزى بإعتباره شاهدا على العصر يعبر عن شعوره فيقول : ( لم أدرك في طول عمرى عيدًا كان أنكد على الناس من هذا العيد ). كتب هذا في نهاية عمره .

 6 / 1 / 6 : أي تعرّض المصريون لكارثتين ، إحداهما دورية وهى الطاعون ، والأخرى مستمرة وهى ظلم أكابر المجرمين من المماليك ورجال الدين .

  6 / 1 / 7 : كان هذا عن العاصمة فقط ، فكيف بالأحوال التفصيلية للناس الغلابة المستضعفين  في أقاليم مصر ، وفى بقية الدولة المملوكية ( الشام ) و ( الحجاز ).هذا (يمكن تخيله) أو ( لا يمكن تخيله ).!

6 / 2 : ( وفي ليلة هذا العيد: إشتد برد الشتاء في بلاد الشام، فأصبح الناس من صفد إلى دمشق وحماة وحلب وديار بكر، إلى أرزن كان، وقد صقعت أشجارهم، بحيث لم يبق عليها ورقة خضراء إلا إسودت، ما عدا شجر الصفصاف، والجوز فتلفت الباقلاء المزروعة، والشعير والبيقياء والهليون وعامة الخضروات، فزادهم ذلك بلاء على بلائهم بكثرة الموتان الفاشى في الناس وهبت مع ذلك بصفد ريح باردة، هلك بعدها من الناس والدواب ما شاء اللّه. وتلفت بها الزروع والأشجار. وإتفق أيضًا في ليلة عيد الفطر أن هجم على مدينة فاس من بلاد المغرب الأقصى، سيل عظيم جداً، فأخذ خلائق وهدم عدة مساكن، فكان أمرًا مهولاً وحادثًا شنيعًا ).

نلاحظ :  

6 / 2 / 1 : هنا : صقيع  وريح قاتلة + تلف المحاصيل + طاعون أهلك الناس والأنعام. هذا في المشرق.

6 / 2 / 2 : يضاف الى ذلك سيل عظيم في المغرب أغرق الناس وهدم المساكن .!

6 / 3 :( وفي يوم الثلاثاء سادسه: خلع على الإمام الحافظ شهاب الدين أبى الفضل أسد ابن على بن حجر، وأعيد إلى قضاء الشافعية بديار مصر، عوضاً عن قاضى القضاة علم الدين  البلقينى. وألزم أن يقوم لعلم الدين صالح بما حمله إلى الخزانة. هذا، وقد أظهر السلطان أنه لا يولى أحدًا من القضاة بمال، فإنه داخله وهم عظيم من كثرة تزايد الموت الوحى السريع في الناس، وموت كثر من المماليك السلطانية سكان الطباق من القلعة، وموت الكثير من خدام السلطان الطواشية، ومن جواريه وحظاياه وأولاده ) .

نلاحظ :

6 / 3 / 1 : تعيين القضاة بالرشوة ، لا بد للقاضى أن يدفع للسلطان مالا ليتولى المنصب ، يسرى هذا على قضاة القضاة ونوابهم من القضاء العاديين . وابن حجر العسقلانى كان يتولى منصبه بالرشوة ، وبعد أن يتولى لا بد أن يعوّض ما دفع بأخذ الرشوة من الناس ، ولا عيب ولا حرج في هذه ، فهى شريعة أكابر المجرمين . ولا يمكن أن يكون هناك عدل وقاضى القضاء يتعين بالرشوة ، وكذلك القضاة التابعون له .  كان ابن حجر قاضى القضاة الشافعية فعزله السلطان برسباى وعيّن مكانه علم الدين البلقينى ، ثم عزل السلطان البلقينى وأعاد ابن حجر . وألزم السلطان برسباى قاضى القضاة الشافعى إبن حجر أن يدفع للبلقينى ما سبق أن دفعه البلقينى من رشوة للسلطان .

6 / 3 / 2 : لم يشعر ابن حجر بتأنيب الضمير وهو يدفع رشوة للقاضى السابق حتى يتولى مكانه ، ولكن الذى شعر بتأنيب الضمير هو السلطان برسباى . هذا شأن العاصى الذى يتعرض لإبتلاء فيتوب توبة وقتية . برسباى رأى الطاعون يفتك بالناس ويصل الى ( المماليك السلطانية) أي المماليك الذين إشتراهم السلطان بنفسه لحمايته ( مثل الحرس الجمهورى والحرس الملكى ) ويفتك بالمماليك  (الطواشية ) القائمين بخدمة السلطان ، ويفتك بجواريه وحظاياه وأولاده . خاف أن يصل الطاعون اليه فأعلن أنه لن يولى القضاة بالرشوة ، ولم يأخذ لنفسه رشوة من ابن حجر ، فأمره أن يدفع الرشوة للقاضى المعزول. السلطان برسباى أصابه مرض ــ ليس الطاعون ــ بل أشد ألما من الطاعون . الطاعون يقضى سريعا على المريض فلا يتألم كثيرا ، أما السلطان برسباى فقد تصالحت عليه أمراض مزمنة مات منها بعد عذاب هائل .

6 / 4 : ( وإتفق مع ذلك كله حوادث مؤلمة منها أن امرأة مات ولدها بالطاعون، ولم يكن لها سواه ، فلما غُسل وكُفّن وأُخرج به ليوضع في التابوت ليدفن في الصحراء أرادت أمه أن تخرج وراء جنازته، فمنعت من ذلك لأن السلطان رسم ألا تخرج امرأة من منزلها. فشق عليها منعها من تشنيع جنازة ولدها، وألقت نفسها من أعلى الدار إلى الأرض، فماتت. وخرجت امرأة أخرى من دارها لأمر مهم طرأ لها، فصدفها دولت خجا متولى الحسبة، فصاح بأعوانه بأن يأتوه بها ليضربها، فما هو إلا أن قبضوا عليها، إذ ذهب عقلها وسقطت مغشيًا عليها من شدة الخوف، فشفع فيها بعض من حضر ألا يعاقبها، فتركها، وانصرف عنها. فحملت إلى دارها وقد إختلت وفسد عقلها فمرضت مع ذلك مدة ). من لم يمت بالطاعون مات بظلم أكابر المجرمين .!

6 / 5 :   ( وفي يوم الجمعة تاسعه: إتفقت حادثه لم ندرك مثلها، وهو أن الخطيب بالجامع الأزهر رقي المنبر فخطب، وأسمع الناس الخطبة، وأنا فيهم ، حتى أتمها على العادة. وجلس للإستراحة بين الخطبتين، فلم يقم حتى طال جلوسه. ثم قام وجلس سريعًا، وإستند إلى جانب المنبر ساعة قدر ما يقرأ القارىء ربع حزب من القرآن، والناس في إنتظار قيامه، وإذا برجل من الحاضرين يقول: مات الخطيب. فإرتج الجامع وضج الناس، وضربوا أيديهم بعضها على بعض أسفًا وحزنا ، وأخذنى البكاء، وقد إختلت الصفوف، وقام كثير من الناس يريدون المنبر، فقام الخطيب على قدميه، ونزل عن المنبر، فدخل المحراب وصلى من غير أن يجهر بالقراءة، وأوجز في صلاته حتى أتم الركعتين، وقدمت عدة جنائز فلم أدر من صلى بنا عليها. وإذا بالناس في حركة وإضطراب، وعدة منهم يجهرون بأن الجمعة ما صحت. وتقدم رجل فأقام وصلى الظهر أربعًا، وجماعة يأتمون به. فما هو إلا أن قضي هؤلاء صلاتهم إذا بجماعة أخر قد وثبوا وأمروا فأذن المؤذنين على سدة المؤذنين بين يدى المنبر، ورقي رجل المنبر، فخطب خطبتين، ونزل ليصلى فمنعوه من التقدم إلى المحراب، وأتوا بإمام الخمس، فقدموه حتى صلى بالناس جمعة ثانية. فلما إنقضت صلاته بالناس ثار آخرون وصاحوا بأن هذه الجمعة الثانية لم تصح، وأقاموا الصلاة، وصلى بهم رجل صلاة الظهر أربع ركعات، وكان في هذا اليوم بالجامع الأزهر إقامة خطبتين وصلاة الجمعة مرتين، وصلاة الظهر مرتين، وإنصرف الناس، وكل طائفة تخطىء الأخرى، وتطيّر ( أي تشاءم )  كثير منهم على السلطان بزواله من أجل إقامة خطبتين في موضع واحد هذا، وقد كان الناس عندما قيل: مات الخطيب، قد ملكهم الوهم، فأرعد بعضهم، وبكى جماعة منهم، ودهش آخرون. وهبت عند ذلك ريح باردة، فظنوا أنهم جميعًا ميتون، حتى أنه لو قدر اللّه موت الخطيب على المنبر لهلك جماعة من الوهم. وللّه عاقبة الأمور ) .

 نلاحظ:

6 / 5 / 1 : المقريزى كان حاضرا هذه الحادثة ، وهى تؤكّد على :

6 / 5 / 1 / 1 : الرُّعب الذى حلّ بالناس من الطاعون . أصيب الخطيب بإغماء فحدث ما يشبه الإغماء للحاضرين .

6 / 5 / 1 / 2 : سرعة الإختلافات الدينية ، وهى عادة سيئة في المجتمعات التي يسيطر عليها التدين السطحى الشكلى المظهرى الإحترافى . ظهر هذا في عدم الإعتراف بصلاة الجمعة ، وصلاتها أكثر من مرة مع صياح وشقاق .

6 / 5 / 1 / 3 : لأنهم صلوا الجمعة مرتين فقد إعتقدوا بموت السلطان برسباى عاجلا . كان هناك إعتقاد أنه إذا جاء يوم العيد في يوم الجمعة وصارت خطبتين للعيد والجمعة فالمعنى أنه نذير شؤم بقتل السلطان أو عزله . في هذه الحادثة ــ حيث أقيمت صلاة الجمعة مرتين في الجامع الأزهر ــ تشاءم الناس بزوال السلطان برسباى .!

6 / 6 : ( هذا، وقد شنع الموت بالدور السلطانية في أولاد السلطان الذكور والإناث، وفي حظاياه وجواريه، وجوارى نسائه، وفي الخدام الطواشية، وفي المماليك السلطانية سكان الطباق بالقلعة. وشنع الموت أيضاً في الناس بالقاهرة ومصر وما بينهما، وفي سكان قلعة الجبل، سوى من ذكرنا، وفي بلاد الواحات والفيوم، وبعض بلاد الصعيد، وبعض الحوف بالشرقية ) . المقريزى يذكر وصول وباء الطاعون الى قمته ، وهو كالعادة لا يفرّق بين أمير وأجير ، غنى أو فقير، ولا بين جوارى السلطان ولا جوارى حظايا السلطان  .  

6 / 7  ( وفي هذا الشهر: ثار عشير بلاد الشام قيسها وتميمها وتحاربوا في سادسه، فقتل من الفريقين جماعات، يقول المكثر زيادة على ألف، ويقول المقل دون ذلك، فنزل بأهل الشام الخوف الشديد، مع ما بهم من البلاء العظيم بكثرة الموتان عندهم، حتى لا يكاد يوجد بها إلا حزين على ميت. ومع ما أصابهم من إتلاف فواكههم عن آخرها ). مع وصول الوباء الى قمته ثارت حرب أهلية بين عشائر قبيلتى قيس وتميم في الشام ، كأن الطاعون وحده لا يكفى . ألا تجد شبها بين  كورونا اليوم وإقترانها بحروب في اليمن وليبيا وسوريا مع كان يحدث في 6 شوال عام 841 ؟

 لا جديد تحت الشمس في كوكب المحمديين.!

6 / 8 : ( وفي يوم الأربعاء حادى عشرينه: رفعت أوراق ديوان المواريث بعدة من مات في هذا اليوم بالقاهرة، فكانوا ثلاثمائة وأربعًا وأربعين ميتًا. وضبطت عدة من صلى من الأموات في المصليات، فبلغوا ما ينيف على ألف ميت ) . هذا تعداد للضحايا في القاهرة فقط وقت وصول الوباء الى قمته .

6 / 9 : ( وفي ثالث عشرينه: إستقل الحاج من البركة بالمسير ) . قوافل الحجاج خرجت من بركة ( الحاج ) خارج القاهرة الى الحجاز تحمل معها الطاعون .!

7 ـ ( شهر ذى القعدة، أهل بيوم السبت:)

( والناس في أنواع من البلاء الذى لم نعهد مثله مجتمعًا، وهو أن السلطان تزايدت أمراضه، وأرجف بموته غير مرة، وشنع الموت في مماليكه سكان الطباق، حتى لقد مات منهم في هذا الوباء نحو آلاف. ومات من الخدام الخصيان مائة وستون طواشي، ومات من الجوارى بدار السلطان زياده على مائة وستين جارية، سوى سبع عشرة حظية وسبعة عشر ولدًا، ذكورا وإناثًا ، وشمل عامة دور القاهرة ومصر وما بينهما الموت أو المرض، وكذلك جميع بلاد الشام من الفرات إلى غزة، حتى أن قفلًا توجه من القاهرة يريد دمشق، فما نزل بالعريش حتى مات ممن كان سائرًا فيه زيادة على سبعين إنسانًا، منهم عدة من معارفنا. ومع هذا كساد المبيعات وتعطل الأسواق، إلا من بيع الأكفان وما لابد للموتى منه، كالقطن ونحوه، إلا أنه منذ أهل هذا الشهر أخذت عدة الأموات تتناقص في كل يوم ) .

 نلاحظ :

7 / 1 / 1 : في شهر ذي القعدة إشتد مرض برسباى ، وإشتد الطاعون في إهلاك مماليكه السلطانية الجنود المحاربين ، والطواشية الخدم ، وجاء المقريزى بإحصاء للموتى منهم . أما الموتى خارج قصر السلطان وقلعته في مصر والشام فقد أهلك الطاعون معظم الناس ، وحلّ الكساد سوى ما يتصل بالموت مثل الأكفان .   

7 /1 / 2 : بعدها بدأ إنحسار الوباء ، وبدأ العدد يتناقص بالتدريج .

7 / 2 : (  وفي هذا الشهر: أتلف الجراد بضواحى القاهرة كثيرًا من المقاتى، كالخيار والبطيخ والقثاء والقرع. ووقع الطاعون في الغنم والدواب. ووجد في النيل سمك كثير طاف قد مات من الطاعون. وأما الطاعون فإنه كما تقدم إبتدأ بالقاهرة من أول شهر رمضان، وكثر في شوال حتى تجاوز عدة من يصلى عليه في مصلى باب النصر كل يوم أربعمائة ميت، سوى بقية المصليات وعدتها بضع عشرة مصلى. ومع ذلك فلم تبلغ عدة من يرفع في أوراق ديوان المواريث قط أربعمائة. وسببه أن الناس أعدوا توابيت للسبيل، ومعظم من يموت إنما هم الأطفال والإماء والعبيد، فلا يحتاج أهلهم إلى إطلاقهم من الديوان. ).

نلاحظ :  

7 / 2 / 1 : إنتقال الطاعون في الغنم والدواب والأسماك ، مع هجوم الجراد .

7 / 2 / 2 : يشير المقريزى الى أن الإحصاء طبقا لديوان المواريث لا يعبر عن الحقيقة لأن الموتى من العبيد والأطفال ليس لهم تركة ولا ورثة .

7 / 3 :  ( ومن أعجب ما وقع في هذه الأيام أن رجلاً نادى على قباء في عدة أسواق، فلم يجد من يشتريه لكساد الأسواق. وكان سوق الرقيق قد أغلق وتعطل بيع الرقيق فيه لكثرة من يموت منهم، فإحتاج رجل إلى بيع عبد له، فأخذه بيده وصار ينادى عليه في شارع القاهرة: " من يشترى هذا العبد" فلم يجبه أحد، مع كثرة الناس بالشارع، وإنما تركوا شراءه خوفًا من سرعة موته بالطاعون ، وقد تناقصت عدة الأموات بالقاهرة ومصر منذ أهل هذا الشهر، كما تقدم ).

8 ـ  ( شهر ذى الحجة، أُهلّ بيوم الإثنين:

8 / 1 : ( والناس بديار مصر من قلة الخدم في عناء وجهد، فإنه مات بالقاهرة ومصر وما بينهما في مدة شهر رمضان وشوال وذى القعدة زيادة على مائة ألف إنسان، معظمهم الأطفال، وأكثر الأطفال البنات، ويلي الأطفال في كثرة من مات الرقيق، وأكثر من مات من الرقيق الإماء، بحيث كادت الدور أن تخلو من الأطفال والإماء والعبيد. وكذلك جميع بلاد الشام بأسرها ) هذه إحصائية خاصة بالعاصمة فقط . وكادت بيوت القاهرة تخلو من الأطفال والرقيق .! والحال أفظع في الريف والأقاليم .  

8 / 2   ( وفي هذا الشهر ذي الحجة: والذى قبله فشا الموت بالطاعون في الإسكندرية، ودمياط، وفوه، ودمنهور، وما حول تلك الأعمال، فمات بها عالم كبير. وتجاوزت عدة من يموت بالإسكندرية في كل يوم مائة إنسان ). هذا  بعد موت برسباى ،

9 ـ يقول في تأريخه في نهاية هذا العام : ( ومات في هذه السنة بالطاعون وفي الحرب عالم عظيم جدًا من أهل الأرض،).   مات بالطاعون وبالحروب ملايين . أكابر المجرمين من المماليك لم يفعلوا شيئا في مواجهة الطاعون ، بل أضافوا ضحايا في حروبهم .

نتأهب للتوقف مع أكابر المجرمين في هذا العام ( برسباى وقومه ) مما كتبه عنهم المقريزى . 

اجمالي القراءات 3665