أنا لا أكذب ولكنني أتجمل

نهاد حداد في الأحد ١٩ - يناير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

انا لا اكذب ولكنني اتجمل
عنوان لفيلم من بطولة السيدة آثار الحكيم والفنان العبقري الجميل الراحل أحمد زكي ، فيلم خلاصته ان شابا يدرس الفلسفة في الجامعة، طالب نابغ مثابر يقع في حب طالبة معه في نفس القسم ، وستبادله الطالبة نفس الشعور! 
والد هذه الأخيرة كاتب معروف يدعي بأن الحب أقوى من كل شيء  و يجب ان تتهاوى أمامه الفروق الاجتماعية . 
لكن يتضح بأنه يكيل بمكيالين، فقناعاته الفكرية تتداعى حين يتعلق الأمر بابنته التي وقعت في حب البطل احمد زكي الذي يعيش تحت خط الفقرويساعد والدته في دفن الموتى والاهتمام بالمقابر ! طبعا، لم يعترف احمد زكي لحبيبته بظروفه الاجتماعية، وعاشا قصة حب جميلة لكنها سرعان ماتكتشف انه فقير ، ومع ذلك فإنها تتحدى والديها اللذان رفضا هذه العلاقة، لتذكر والدها بالمبادئ السامية والشعارات الرنانة عن الحب ، فتغفر لأحمد زكي كذبته التي   يعتبرها تجميلا للحقيقة وليس ادعاء ! لكنها لن تستطيع تحمل رؤية الشاب الذي أحبته وهو يمارس شعائر دفن الموتى وينتظر الصدقة من المعزين في الجنازة ! وكأن للحب خطوط حمراء لايمكن تخطيها حين ينزل الفقر عن الحد الأدنى ( العيش في مقبرة )! طبعا لم أحب نهاية الفيلم لان الشابة تترك حبيبها في نهاية المطاف لهذا السبب! ولكن يبقى المخرج حرا في اختيار النهاية التي ترضيه !
أما أنا، فلم يهمني مضمون الفيلم بقدر ما أعجبني عنوانه ! 
لماذا ، لأنه من حق كل إنسان أن يتجمل ! لا أن يكذب، ولكن أن يتجمل ! 
وفعلا، لو أن حبيبته لم تر بعينيها أين يقضي حبيبها يومه وكيف يكسب عيشه مع أمه لما فرقت بينه ولا بين أي طالب آخر ينتمي إلى عائلة ميسورة ! ربما يقصد المخرج ان رفع الشعارات لا يعدو ان يكون كطلقات بارود في الهواء حين تصطدم بالواقع ! ومع ذلك لننس التصرف الصبياني للخطيبة  ولنكمل كذبة احمد زكي ! 
يبقى البطل بالرغم من ظروفه الصعبة انسانا شجاعا يسير مضيا وراء حلم كبير ويساير المجتمع في نفاقه ! فمن المريض هنا ياترى ، الانسان الحالم ام المجتمع؟ هل هو هذا المجتمع الذي يغض البصر عن الجوهر ولا يرى الا القشور ؟ 
فالفقيه يخدعك بزبيته التي يريد ان يوحي لك بها بانه من الركع السجود ، والمنقبة قد تخبئ تحت خمارها سيدة غير جديرة بالاحترام مطلقا، والمحجبة قد تخدعك بغطائها الذي قد تخفي تحته مصائب لا يعلمها إلا الله ! 
لا شك انك تطمئن أكثر حين تحدثك سيدة محجبة تردد كلمة الله والرسول كل آن وحين مع انها تحت هذا القناع ، تكن لك كل الحقد والبغض القادرة عليه ! 
ربما حان الوقت للتمعن وملاحظة الطبيعة أكثر !
تأخذ الحرباء لون النبات الذي تلتصق به حتى تنقذ نفسها من الضواري ! او ليس هذا التصرف جديرا بالتنويه ؟ اليست هذه عبرة قد تفيد الانسان في حياته ؟ 
 
على أي ، حين قرأت مقال السيد رضا البطاوي البطاوي " قراءة في كتاب ثقتي بنفسي كيف ابنيها " وجدتني أفكر في هذا الفيلم دون ان اجد اية علاقة منطقية بينهما! 
غريب دماغ الانسان، كيف يمكن ان ينتابك شعور او تأتيك فكرة دون رابط مشترك ! ومع ذلك فقدرة اللاشعور على الربط بين الأشياء مذهلة، وقد تستغرق عقلنة سلوك ما او شعور ما وقتا قبل فك الخيوط الرابطة بين الأضداد والمتناقضات! 
أنا لا أكذب، ولكني أتجمل ! 
التجمل او التجميل مصطلح عهدناه في كل مايتعلق بالمظهر الخارجي، ولكن هل يصلح تجميل السلوك والاخلاق ؟ كيف يمكن ذلك ؟ والى اي حد يمكنك التمادي في التجمل او تغيير طباعك ؟ 
هنا ، تأتي آية قرآنية جميلة جدا " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . 
شعار قرآني يمكن الك أن تضع تحته ما تشاء ! و" ما" وحدها تحمل من المعاني مالا نهاية له  من الأشياء والمعاني : 
ما بنفسك ؟ تعني اأخلاقك، طريقة تدينك، أسلوبك في الحياة، نظرتك للأشياء والكون، قراراتك، معاملتك للأشخاص، للأديان، للحيوانات، لنفسك، لوطنك، لأوطان الآخرين، لبيئتك، لبني جلدتك" ، تلك آية من الآيات التي كتبت من أجل قوم يفقهون أو يتفكرون أو يتدبرون ! 
لاتكذب ولكن تجمّل! 
تدينك السطحي كذب ورياء " الذين هم يُراؤون" 
تجمّل بالأخلاق الحميدة ! الإنسانية، تلك هي فلسفة القرآن كما أفهمها ، وفي آيات الله عبر لقوم يتفكرون ! 
لا تنم إلا وانت راض عن نفسك، وان لم تكن راضيا عنها في قرارة نفسك، فتأكد بأن الله غير راض عنك! 
إن الملائكة لا تلعن أحدا لذلك فلا ترغم زوجك ولا ابناءك بالقيام بأشياء ترضيك انت ولا ترضي رب العزة! 
لاتضرب طفلك ان لم يصلّ بل جادله بالحكمة والموعظة الحسنة " وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها" ! كن انت المثل الاعلى ولا تكن المتحدث الاعلى فاطفالك سيقلدون افعالك لا أقوالك ! 
لا تكذب ! 
تجمَّل ! 
اجمالي القراءات 3852