من ف2 : كتب المناقب الصوفية من ج1 ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية ) :
نصوص من كتب المناقب : النص الأول : من كتاب الجوهرة لإبراهيم الدسوقي ت 676

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١١ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نصوص من كتب المناقب : النص الأول : من كتاب الجوهرة لإبراهيم الدسوقي ت 676  

 من ف2 : كتب المناقب الصوفية من ج1 ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية ) :   

مقدمة

1 ـ كتاب ( الجوهرة) أو ( الجواهر ) ألفه الصوفي المشهور إبراهيم الدسوقي ، وقد أعتمد على ( الجوهرة ) كل من أرخ للدسوقي وطريقه الصوفي؛ فالشعراني بعد الدسوقي بثلاثة قرون يترجم للدسوقي وينقل آراءه من كتاب ( الجوهرة ) ويقول ( هذا ما لخصته من كتاب الجواهر له رضي الله عنه وهو مجلد ضخم )[1]والمناوي في طبقاته للكبرى يترجم للدسوقي وينقل آراءه من كتاب الجوهرة ويقول ( وقد ذكر ذلك كله في كتاب الجوهرة له وهو مجلد ضخم فيه عجايب ) .[2]

2 ـ وقد نقل الشعراني نصوصاً كثيرة من كتاب الجوهرة ولخص بعضها ، وعلى مثال الشعراني فعل المناوي ، ثم طبع من الجوهرة كتاب هزيل اختار منه بعض النصوص، وجاء في عنوان الكتاب ( كتاب منير من كلام القطب الكبير أبى العينين إبراهيم الدسوقي )، وفى نهاية الكتاب المطبوع مكتوب ( وإلى هنا قد انتهى ما أردنا جمعه مما يفيد ذكره ويكثر نفعه من كلام شيخنا وأستاذنا وعمدتنا .. سيدي إبراهيم الدسوقي ) ومعناه أن هناك المزيد في الأصل المخطوط للجوهرة كانت تنقل عنه آراء الدسوقي .

3 ـ وقد طبعت من جوهرة الدسوقي طبعتان : الأولى بتصحيح طه عبد الرءوف سعد ونشرته مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1972 وطبعة أخرى نشرتها مكتبة الجمهورية العربية ، وعن الطبعة الأخيرة أخذنا النص التالي وسنقارنه بعون الله بما أورده الشعراني عن الدسوقي واستقاه من الجوهرة الأصلية المخطوطة .           

   مقتطفات من الجوهرة  التي ألفها الدسوقي وطبع منها بعض أجزائها : ص 99 : 104 وص 141 : 143 ط 1972 نشر مكتبة الجمهورية .

( وقال شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه وعنا به ، وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته . أنا موسى في مناجاته ، أنا على في حملاته ، أنا كل ولىُّ في الأراضي جميعهم ، بيدي خُلع الفقراء البسنيهم الله ربى وربهم ورب كل شيء ، أنا في السماء شاهدته ،وعلى الكرسي خاطبته ، أنا بيدي أبواب النار غلقتها ، أنا بيدي جنة الفردوس فتحتها ، من زارني أو زاره ( يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بيدي جنة الفردوس أسكنته . أعلم يا ولدى أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون متصلون بالله، وما كان ولى متصلاً بالله إلا وهو يناجى ربه كما كان موسى يناجى ربه ، وما من ولى إلا ويحمل على الكفار كما كان على ابن أبى طالب يحمل على الكفار .وقد كنت أنا وأولياء الله أشباحاً في الأزل بين يدي الله القديم الأزل ، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الله عز وجل خلقني من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "يا إبراهيم تقدم فتقدمت" ، فقال لي : " يا إبراهيم أنت مقدم عليهم ، ونقيب عليهم ". هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نور يتلألأ بين يدي ربنا جلت قدرته ، وهو كقاب قوسين أو ادني وهو اجتماع الأحبة .فلهذا قلت :

على الدرة البيضاء كان اجتماعنا       وفى قاب قوسين اجتماع الأمة

فأمرني سيدي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أخلع عليهم بيدي ، فقال لي :"  يا إبراهيم أنت من نورى أخلع عليهم بيدك." ، فخلعت عليهم بيدي ، وأنا من نوره صلي الله عليه وسلم خلقني الله عز وجل من نوره ولياً له ، قبل أن يخلق الأكوان والموجودات ، فكنا على الدرة البيضاء والأولياء حولي كذلك . ولهذا قلت :

          وكل ولى للإله مؤيد       ليشهد أنى ثابت في ولايتي

فهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فكنا نسبح الله ونعظمه ونمجده ونوحده ونحن أشباح بين يدي الله عز وجل وجبريل بيننا ، وميكائيل واسرافيل وعزرائيل حولنا . وربنا جل جلاله ينظر.  فيسأل جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وهو أعلم : "أين كنتم  ؟ . فيقولون : " كنا نسبح مع أوليائك المقربين منك" . فيقول الله عز وجل: " قد غفرت لهم ولكم معهم ولمن يتبع طريقتهم ويقتدي بهم فهم الذين لا يشقى جليسهم." فلما علم رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر أن يسير بأشباحهم إلى الجنة أو قال بأرواحهم .  وكان أخي عبد الله الجيلاني خلفي ، وابن الرفاعي خلف عبد القادر ومقدم على بقية الأولياء .  وهذا ونحن أشباح في الأزل ، وكل الكون أشباح . فالتفت إلىّ رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال لي : " يا إبراهيم سر إلى مالك وقل له يغلق النيران وإلى رضوان وقل له أن يفتح الجنان ". فجئت إلى مالك وقلت: " أمرك سيدي أن تغلق النيران" قال : "من هو سيدك ؟ قلت: "  الذي خُلقت من نوره "، قال : " أنت من نور من خلقت ؟ . قلت : "من نور رسول الله صلي الله عليه وسلم ".قال مالك : "إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما يمر على النار تغلق بغير إذني فإن كنت من نوره فأشر إليها. "  فأشرت إليها فغلقت أبوابها . ثم مضيت  إلى رضوان وقلت له : " أمرك سيدي أن تفتح أبواب الجنان ".  قال : " ومن هو سيدك ؟ " قلت : " النبي صلي الله عليه وسلم الذي خلقني الله من نوره. "  قال رضوان : " إن رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أشار إلى الجنة تفتح بغير إذنه ، فإن كنت من نوره فأشر إليها تفتح . " فأشرت إليها ففتحت أبوابها بقدرة الله عز وجل . ثم جئت إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فسار بنا إلى الجنة، فكان رسول الله أمامي . وأنا من خلفه ، وعبد القادر من خلفي وابن الرفاعي من خلف عبد القادر ، وإنهما قرءا عليّ ونحن في الجنة ، فعلمتهما مما علمنيه رسول الله صلي الله عليه وسلم، فامتلئا من العلم ما لا يحمله غيرهما من الأولياء، إلا ما كان من علم على ابن أبي طالب كرم الله وجهه وأصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ففاقا بعلمهما على من تقدمهما من الأولياء .  وكان حاضراً معنا عبد الله فسمعني وأنا أذكر في مناجاة ربى فعارضني وقال لي : "يا إبراهيم تأدب . إنما ناجى الله موسى ابن عمران ومن أين لك أن تناجيه كما يناجيه موسى ؟ " فقلت : "يا عبد الله ما علمت أنى قد خلقت من نور رسول الله صلي الله عليه وسلم وأن النبي صلي الله عليه وسلم يناجى ربه في حضيرة قدسه جلا ربنا وتعالى وأنا من نور حبيبه ، ويقول ربنا جلت قدرته لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: إخلع نعليك ودُس بساط قدرتي وسل تُعط , واشفع تشفع . فيقول رسول الله صلي الله عليه وسلم  : يا ربنا أغفر لنا ذنوبنا ، أخي موسى كليمك ما يدوس البساط . فيقول الله عز وجل يا محمد موسى كان كليمي , وأما أنت فقد اتخذتك حبيبي ونديمي فأكون معه نوراً من نوره  صلى الله عليه وسلم ." 

وقال شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى برهان الملة والدين، سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه وعنا به , وأعاد علينا والمسلمين بركاته: فلما كان هذا من عبد الله إلتفت إلىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول الله صلى الله عليك. إن كنت تعلم أنى قد خُلقت من نورك فاهد عبد الله للحق." .فلما سمع أخي عبد القادر وابن الرفاعي غشي عليهما , وكذلك كل ولى لله حاضر معنا , وهاموا وتاهوا , وطربوا وتوجدوا حين سمعوا خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " يا عبد الله كن من إبراهيم على حذر فإنه من نورى ومن نشأتي . " فلهذا قلت :

نعم نشأتي في الحب من قبل نشأتي , ومن قبل إيجادي ظفرت ببغيتي

فقال عبد الله : " يا رسول الله إن إبراهيم يقول من زاره فقد زارك ومن زارك فقد زاره"  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله وللأولياء العلماء بالله للذين هم في حضرة الإله : " يا أولياء الله أشهدكم بالله أنه من زاره فقد زارني , فإنه من نورى ، واعلموا يا أولياء الله أن الله قد ولّاه درك الثلث في السماوات والأرضين ومن زارني فقد زاره ويكون كمن حج حجة مقبولة ". فلهذا قلت :

حجوا إلىّ فذاتي كعبة نصبت      والسر فيها كسر البيت والحرم

 فإن للكعبة رجالا يطوفون بها ولله رجال يطوفون بالكعبة .

ثم قال شيخنا وقدوتنا إلى الله سيدي إبراهيم الدسوقي : فسرتُ والأولياء كلهم أشباح خلفي والنبي صلي الله عليه وسلم أمامي حتى دخلنا معه الجنة . وكانت الحور العين قد كشفوا لثامهم على رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما رأوني أرادوا أن يتلثموا . فقال لهم النبي صلي الله عليه وسلم : " لا تتلثموا فإنه من نورى " . فلما دخل الأولياء وهم أشباح الجنة ونظروا إلى أرواح المؤمنين الذين يدخلون الجنة سكروا بغير مدام وأسبلت الحور لثامهم ، فبكوا الأولياء وضحكوا لما رأوا ما أضحكهم وما أبكاهم، ثم سكروا وطربوا ثانياً بغير مدام , وهاموا وغابوا وتواجدوا وبكوا وضحكوا , فلهذا قلت:

على مذهبي كل المحـبين يـمموا          ونشأت خمر هيمتهم فهمهموا

وكل مـلاح الحـي أرخوا لثامهم          علىّ وعن غيري أبوا وتلثموا

أنا الصاحي السكران من غير خمرة       أنا الضاحك الباكي وسرى مكتم

واعلموا يا أولادي أن هذا مبدأ عباد الله وأوليائه وسر من أسرار نبينا محمد صلي الله عليه وسلم وكتمته وعلى القلب أبديته.  فلهذا قلت : وسرى مكتم ، وقلت يراني وأراه بالقلوب لا بالعيون . وقلت :

   إذا ما حضرنا والرقيب بمعزل      ترانا سكوتاً والـهوى يتـكلم

( فصل آخر) من كلام سيدنا وأستاذنا، وقدوتنا إلى الله تعالى , سلطان الأولياء وسكردان الأصفياء برهان الملة والدين , وقطب الأولياء المحققين العلم المفرد والإمام الأوحد , سيدي إبراهيم الدسوقي ابن أبى المجد المدلجي القرشي نفعنا الله به  , وأعاد علينا من بركاته . مما فتح الله به على قلبه , من فتوح الغيب من رياض النفس من حضرة القدس , من بركات سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد صلي الله عليه وسلم فإنه خلق من نوره.
قال : مسكت من تحملهم الريح وقيل أنهم أولياء الله الطيارة وأنزلتهم إلى الأرض وأنا ابن سنة , وأمسكت من يمسك الريح , وقيل أنهم جن الأرض . وأقرأتهم القرآن وأنا ابن سنتين . ووليت الولاية وأنا ابن ثلاث سنين , وفُتح لي من عين العناية قدر خرم إبرة فرأيت ما بين المشرق والمغرب وأنا ابن أربع سنين ، فبينما أنا على وضوء اختتام الأربع سنين وإذا أنا بتفاحة جميلة المنظر كثيرة الرائحة قد سقطت في حجري فنثرتها من حجري وقلت في نفسي لعلها أن تكون لقطة فلا تجور لي أخذها وأكلها إلا بعد تعريفها، فنوديت في سرى أن : " يا إبراهيم خذها وكلها فإنها هدية من الله تعالى إليك من ثمار الجنة . "فلما سمعت ذلك في سرى أخذتها وأكلتها وبينما أنا في أثناء أكلها وقد أكلت نصفها إذ نوديت ثانياً في سرى أن : " يا إبراهيم أرم ما بقى منها فإنه يكفيك ما أكلته . " فرميت ما في يدي منها وهو النصف الآخر . ثم نوديت ثانياً في سرى أن :  " يا إبراهيم أنظر ما حصل في قلبك بعين بصيرتك لا ببصرك من سر ما أكلته من التفاحة . " فنظرت فرأيت روحي قد جالت في الملك والملكوت ، وإذا أنا واقف بين يدي الحي الذي لا يموت،فسررتُ بتلك العطية التي حصلت لي من تلك الهدية ، ونطقت بما أعطاني رب العالمين وأنا ابن خمس سنين , وقد شاهدت ما في العلا وأنا ابن ست سنين , وجاوزت مرتبة كل ولى لله وصرت في سواء أنا وأخي عبد القادر الجيلاني , وأنا ابن سبع سنين والفخر لرسول الله صلي الله عليه وسلم في ذلك ، ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثماني سنين , وفككت طلسم السما وأنا ابن تسع سنين ، ورأيت في السبع المثاني حرفاً معجماً حارت فيها الثقلان الإنس والجن فهمته أنا مما علمني ربى , وحمدت من له الحمد على معرفة الحمد وأنا ابن عشر سنين , ووضعت قدمي في الدنيا فلم تسعهُ فرفعته ، وعلمت أنه لم تسعه إلا رحمة أرحم الراحمين وأنا ابن أحد عشرة سنة ، ونقلت مريديّ من الشقاوة إلى السعادة , أي من النار إلى الجنة ِ بإذن العلى ِالأعلى وأنا ابن اثنتي عشر سنةٍ ، وجعلت الدنيا كلها في يدي كالكرة أو كخاتم ٍ في إصبعي، أقلبها كيف أشاء بإذن ربى وأنا ابن ثلاث عشر سنة ، وحركت ما هو ساكن في الكون بإذن القادر المقتدر وأنا ابن أربع عشر سنة ، وخاطبت جبريل الأمين عليه السلام وأنا ابن خمس عشرة سنة ، وجاوزت سدرة المنتهى وأنا ابن ست عشرة سنة فكنت أقعد على الثرى ، وأرى ما يخطه القلم في اللوح المحفوظ كرؤية أحدكم الإناء على يده وأنا ابن سبع عشرة سنة ، وإن ربى سبحانه وتعالى قد أطلعني على جميع العلوم ، وما في الكون من الرسوم ، والسنين وشهورها ، والشهور وجمعها والجمع وأيامها والأيام ، والليالي ولياليها وساعاتها والساعات ودقائقها والدقائق وثوانيها وما يحدث في جمعها من خير وشر .

والى هنا قد انتهى ما أردنا جمعه مما يفيد ذكره ويكثر نفعه من كلام شيخنا وأستاذنا وعمدتنا وملاذنا وقدوتنا إلى الله تعالى برهان الملة والدين وقطب الأولياء والصالحين العلم المفرد والإمام الأوحد سيدي إبراهيم الدسوقي ابن أبي المجد المدلجي القرشي نفع الله به وبكلامه وأعاد علينا والمسلمين من عميم بركاته آمين بالتمام والكمال ) .



[1]
الطبقات الكبرى للشعراني 1/ 158

[2] الطبقات الكبرى للمناوي . مخطوط 2/ 47ب .

اجمالي القراءات 3311