من ف2 : كتب المناقب الصوفية من ج1 ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )
تطور كتابة المناقب في العصر المملوكي :

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٠ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

تطور كتابة المناقب في العصر المملوكي :

من ف2 : كتب المناقب الصوفية من ج1 ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )

مقدمة :

1 ـ تطور التصوف فتسيد الحياة الدينية في العصر المملوكي والدليل على ذلك أن الفقهاء وهم أعداء التصوف كانوا أبرز المضطهدين للصوفية في القرن الثالث الهجري وقد ظاهروا السلطات العباسية في محاكمة الحلاج حتى أن الجنيد إبان محنة الصوفية ( تستر بالفقه ) كما يقول الشعراني في ترجمته[1]. ثم دارت الأيام وتقرر التصوف على يد الغزالي في القرن الخامس وتأثر بالغزالي من جاء بعده من الفقهاء كابن الجوزي الحنبلي – والحنابلة هم أشد الفقهاء تعصباً ضد الصوفية , ثم تمر الأيام ويتسيد التصوف الحياة في العصر المملوكي بحيث يضطهد الصوفية أئمة الفقهاء , ومعروف ما أصاب ابن تيمية الفقيه الحنبلي من اضطهاد الصوفية والحكام المتعاونين معه .

2 ـ ولا بد حينئذ أن تتطور كتابة المناقب للأولياء الصوفية من حيث الكم والكيف حتى تكون ظاهرة في الكتابة التاريخية لذلك العصر الذي عكف فيه العلماء على التدوين في شتى الفنون والعلوم ، ولا أدلّ على ذلك من أن بعض الصوفية كان يقيم لنفسه حفل تكريم بأن يكتب في مناقب نفسه يعدّد كراماته وجاهه عند الله وعند الناس ، ويجد العصر يتقبل منه ذلك الشطط دون تحرج أو استنكار . وسنعرض لنصين من هذا النوع أحدهما كتبه الدسوقي عن نفسه في كتابه الجوهرة  والآخر كتبه الشعراني عن نفسه في لطائف المنن والأخلاق .وقبله نرصد بإيجاز التطور الكمي والكيفي في كتابة المناقب في العصر المملوكي على النحو التالي

 التطور الكمي : انتشر التصوف وكثر أولياؤه في العصر ، ومن الطبيعي أن تتكاثر الكتب التي تتحدث عن مناقبهم ويمكن أن نصنفها كالآتي :

  1 :مؤلفات كتبت في مناقب مجموعة من الأولياء مثل : الطبقات الكبرى للشعراني ت 973 وهو مطبوع في جزئين , تحدث في الجزء الأول عن مشاهير الصوفية قبل القرن السابع تقريباً وخص الجزء الثاني عن الصوفية في العصر المملوكي وختمه بترجمة الصوفية المعاصرين له , وله ( الطبقات الوسطى ) وهو مخطوط و ( الطبقات الصغرى ) وهو مطبوع . ومنها ما كتبه اليافعي ت768 في كتابين ( فضل مشايخ الصوفية ) و ( روض الرياحين في حكايات الصالحين ) , وكتب الشطنوفي ت713 بهجة الأسرار في مناقب السادة الأخيار وهو مخطوط في جزئين . وكتب أبن عطاء السكندري ( لطائف المنن ) في مناقب شيخيه المرسي والشاذلي , وعلى منواله كتب ابن محسن في العصر العثماني ( تعطير الأنفاس بمناقب أبي الحسن وأبي العباس ) وكتب ابن فارس ( المنح الإلهية في مناقب السادة الوفائية ) الشاذلية , وفى العصر العثماني أيضاً كتب المناوي على نسق طبقات الشعراني ( الطبقات الكبرى ) ومنه جزء مطبوع و(الطبقات الصغرى ) وهو مخطوط , وكتب البلقيني طبقات الشرنوبي في مناقب الدسوقي والبدوي والرفاعي وكتب البكر تراجم صوفية وهى مخطوطة , وكتب ابن عياد ( المفاخر العلية ) في مناقب الشاذلية وهو مطبوع .

2 ـ ومن المناقب ما كتب عن ولى بمفرده , مثل الشيخ المنوفى في القرن الثامن وقد كتب مريدوه مناقبه واسمه ابن إسحاق المالكي ت 767 وتمتاز بالاعتدال عن غيرها , وهناك مناقب الفرغل – وهو ولى أمي في الصعيد . وكتب الشعراني الوصية المتبولية في شيخه المتبولي , وكتب العيدروس ( النجم الساعي في مناقب القطب الرفاعي ) وهو مطبوع . واشتهر في القرن التاسع صوفي اسمه ( شمس الدين الحنفي ) وقد ترجم له الشعراني في طبقاته وأخذ عن مناقب الحنفي التي كتبها البتنونى بعنوان ( السر الصفي في مناقب الحنفي ) وقد توفى البتنونى في أواخر القرن التاسع .

3 ـ ويلاحظ أن العصر العثماني تابع ما كتب من مناقب في العصر المملوكي حيث ازدادت شهرة الأولياء الصوفية من أبناء العصر المملوكي. وورث العصر العثماني تقديسهم وبالغ في كراماتهم , وكان العصر العثماني أكثر تأثراً بما كتبه أعلام الصوفية المملوكيين المتأخرين مثل السيوطي 911 أو الصوفية المخضرمين الذين عاصروا وحضروا العصرين كالشعراني 973 . وترتب على ذلك أن حيكت مناقب متعددة في ولى بمفرده إذا كان مشهوراً , مثل أحمد البدوي الذي كتب له الشعراني ترجمة في طبقاته ، وترجم له السيوطي في حسن المحاضرة ثم كتب فيه أكثر من مؤلف . فكتب عبد الصمد الأحمدي فيه ( الجواهر السنية ) وكتب الخفاجي ( النفحات الأحمدية ) وهما مطبوعان , وكتب العلوي ( كان موجوداً سنة1018 ) ( النصيحة العلوية ) وهى مخطوطة . وفى الشيخ ( إبراهيم الدسوقي ) كتبت ترجمة في طبقات الشرنوبي , ثم كتب له الكركي ( لسان التعريف ) وتابعه حسن شمة في ( مسرة العينين في شرح قصيدة أبي العينين ) وهما مخطوطان .

4 ـ ونظراً لازدهار عصر كتابة المناقب فقد ألقت بظلالها على الأنواع الأخرى من التاريخ فكتبت سيرة السلاطين في صورة مناقبية ، كما فعل القاضى المؤرخ بدر الدين العيني في كتابه ( الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر- ططر) وقد ملأه نفاقاً للسلطان ططر, وكتب العينى أيضا في السلطان المؤيد شيخ ( السيف المهند في سيرة الملك المؤيد ) وخلطه بعناصر صوفية , ونحوه كتب ابن عبد الظاهر ( الألطاف الخفية في السيرة الشريفة السلطانية ) في الأشرف خليل بن قلاوون .وكتب السيوطي ( تاريخ قايتباي ) وهو مخطوط .

5 ـ ثم ازدهرت كتابة المناقب لآل البيت والخلفاء الراشدين والعباسيين فكتب السيوطي في مناقبهم جميعاً , فله (الأساس في مناقب بني العباس ) ( فضائل آل البيت ) و( تحفة العجلان في فضل عثمان ) و ( الدرر في فضل عمر ) و ( الروض الأنيق في فضل الصديق ) و( القول الجلي في فضل على ) وكلها مخطوطة , هذا بالإضافة على ما كتبوه في أئمة الفقه فى مناقب الشافعى ومالك وابى حنيفة وابن حنبل ، وهو كثير .

6 ـ ثم يحلو للسيوطي أن يكتب في مناقب البراغيث ( الطرثوث في فوائد البرغوث ) والوسادة ( ما رواه السادة في الاتكاء على الوسادة ) و المسبحة ( المنحة في السبحة )

7 ـ وذلك قليل من كثير تفيض به المصادر المخطوطة في العصر المملوكي تعبر عن ازدهار كتابة المناقب الصوفية وتعددها.

  التطور الموضوعي:

1 ـ لم تكتف كتب المناقب في العصر المملوكي بتزكية الأولياء بالتقوى والصلاح وإنما رفعتهم إلى مرتبة الإلوهية الواضحة بدون مواربة أو رموز , وساعدهم على ذلك أن نبض العصر المملوكي كان يعتقد الصلاح والولاية في الصوفي صاحب الشطحات . فالمؤرخ المملوكى الارستقراطى أبو المحاسن بن تغرى بردى يقول في ترجمة السطوحي ت865 وكان مشهوراً بإساءة الأدب على الله تعالى ( إذا بدأ في الشطح بتغير كلامه كله بالسفه والإساءة المفرطة الفاحشة بغير سبب .. رحمه الله ونفعنا ببركة أوليائه )[2]أي مع ذلك يعتقد فيه الولاية . ويقول الشعراني عن عبد القادر السبكي ( وكان رضي الله عنه .. كثير الشطح ) ويقول عن أحمد الكعكي ( وكان كثير الشطح تبعاً لشيخه سيدي الشيخ محمد الكعكي ، حتى كان لا يقدر على صحبته كل أحد) ويقول عن أبى السعود الجارحي ( وكان رضي الله عنه له شطحات عظيمة ) أي يصف شطحاته بأنها عظيمة .. مع أنه على أساس تلك الشطحات قتل الحلاج على أن نطق منها كلمة في بداية التصوف في القرن الثالث إلا أنها أصبحت مكرمة للصوفي في العصر المملوكي .

2 ـ فقد كان الناس وقتها يتسامحون في كل ما يقوله الصوفي حتى لو استهزأ بالإسلام والقرآن يروى الشعراني عن الشيخ إبراهيم العريان – وكان معاصراً له – ( كان رضي الله يطلع المنبر ويخطب عرياناً فيقول " السلطان ودمياط وباب اللوق وبين القصرين وجامع طيلون الحمد لله رب العالمين" فيحصل للناس بسط عظيم ) ويقول في ترجمة شعبان المجذوب ( كان يقرأ سوراً غير السور التي في القرآن على كراسي المساجد يوم الجمعة وغيرها فلا ينكر عليه أحد , وكان العامي يظنها من القرآن الكريم لشبهها بالآيات في الفواصل. وقد سمعته مرة يقرأ على باب دار على طريقة الفقهاء الذين يقرءون في البيوت فصغيت إلى ما يقول فسمعته يقول " وما أنتم في تصديق هود بصادقين ولقد أرسل الله لنا قوماً بالمؤتفكات يضربوننا ويأخذون أموالنا وما لنا من ناصرين " ثم قال اللهم اجعل ثواب ما قرأناه من الكلام العزيز في صحائف فلان وفلان إلى آخر ما قال .. وكانت الخلائق تعتقده اعتقاداً زائداً ولم أسمع قط أحداً ينكر عليه شيئاً من حاله , بل يعدون رؤيته عيداً عندهم )[3]. وفى هذا العصر الذي يسلم للأولياء بكل ما يقولون وما يدعون حتى لو كان استهزاءاً بالإسلام والقرآن راجت كتب المناقب وعبرت بصدق عما يعتمل في نفسية كاتبها من عقائد لا يمكن أن تلتقي مع الإسلام , وإن التقت مع عقائد الناس ومشاعرهم وعبرت عنها .

3 ـ ولن نختار أمثلة مما كتبه المريدون في أشياخهم وإنما سننقل أمثلة مما كتبه الأشياخ في أنفسهم يدعون فيه الإلوهية والجاه العريض عند الله والتصرف في ملكه , ولن نختار نصوصاً من كتب المناقب المخطوطة وإنما مما هو مطبوع ومنشور ومتداول ومعروف لدى الباحثين .. وطبعاً ما خفي أعظم وأشد ..

  



[1]
الطبقات الكبرى للشعراني  1 ر 10 ، 13، 14 .

[2] حوادث الدهور 565

[3] الطبقات الكبرى للشعراني 2ر 166 ، 167 ، 117 ، 129

اجمالي القراءات 3367