الصعاليك
الذكر والاسوة ....وايات القتال الجزء الرابع

حسام علم الدين في الأحد ٠٤ - أغسطس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

تحدي الاسلام روابط الدم والسلطة الابوية في سبيل  القناعات الفردية فاعلن العصيان على سلطة الاسرة في حالة اجبار الابناء  على عبادة غير الله فيقول الله تعالى (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ) لم يكن قبل الاسلام من المقبول مجتمعيا ان يخالف الابناء قناعات آباءهم فهم دائما يسيرون على خطى الاباء والاجداد دون نقاش بل جاء الاسلام  ليكسر التابو المقدس في هذا العصر عن عصمة الاباء والاجداد  ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) البقرة و لم يقتصر الاسلام على هذا فحسب ولكنه جعل الولاية لله وليس لصلة الدم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)) هذا الاسلوب الجديد الذي اتى به الاسلام مًثل ثورة اجتماعية انتصرت للحرية الفردية على ثقافة القطيع التى كانت سائدة في ذلك الوقت ولم يكن يشذ عن هذه الثقافة  الا مجموعات احتلت مكانة دنيا بين المجتمع القبلى وهم الصعاليك

يقول  الدكتور /جواد على في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ( الجزء التاسع )

ان الصعاليك ، قوم خرجوا على طاعة بيوتهم وعشائرهم وقبائلهم ، لأسباب عديدة ، منها عدم ادراك اهلهم او قبيلتهم نفسياتهم، مما سبب الى نفورهم منهم ، وخروجهم على طاعة  مجتمعهم، وهروبهم منه ، والعيش عيشة  الذؤبان ، معتمدين على انفسهم في الدفاع عن حياتهم ، وعلى قوتهم في تحصيل ما يعتاشون به ، بالإغارة على الطرق والمسالك ، ومهاجمة احياء العرب المبعثرة ، افرادا أو طوائف . ص 601

 كما اورد الدكتور  في ذات الكتاب  " ان الصعاليك كانوا  يتكتلون احيانا ، بانضمام بعضهم الى بعض ، مكونين جماعات ، جمعت بينهم وحدة الهدف ، وغريزة حماية النفس ، والمصلحة المشتركة ، بعد ان حرمهم اهلهم ومجتمعهم من تقديم اي مساعدة او حماية لهم ، وسحب منهم حق الاخذ بالثأر والانتقام ممن يعتدي عليهم ص 602

وهذا التمرد الذي صاحب فلسفة الصعلكة في العرب  جعل من الروابط التى تربط بين هؤلاء القوم تتخطى القرابة أو العرق فيستطرد الدكتور جواد على في كتابه السابق الاشارة اليه ( ولصعوبة تصعلك الرجل بمفرده ، تكتل الصعاليك كتلا، وكونوا لهم فرقا ، تكونت من اشتات وانماط من الرجال ، فيهم الحر الثائر ، وفيهم الضال الغاوي ، وفيهم الاسود العبد ، وفيهم القاتل الفاتك. وهم بالطبع من قبائل متنافرة . فلا تجمعهم عصبية القبيلة ، ولا نخوة العشيرة ، ومع ذلك فبينهم رابطة قوية ، ووحدة جمعت بينهم ، هي وحدة الدفاع عن النفس ، والذب عنها والكفاح في سبيل المعيشة ، بأي سبيل ، وبأية طريقة وجدت ووقعت ، حتى بالقتل . فمن وجد شخصا ومعه مال ، لا يجد الصعلوك والقاتل سببا اخلاقيا يمنعه من قتله للحصول على ماله . ص 611-612

الفرق بين التمرد الذي دعا اليه الاسلام وتمرد الصعاليك

تمرد الاسلام

كانت مكة في البداية  لا تحفل كثيرا بدعوة النبي محمد عليه السلام ولا تعيرها اهتماما ظنا منها ان هذا التمرد الذي يدعو اليه القران لا يختلف في فلسفته عن تمرد الصعاليك الذين قادهم التمرد الى هجران قبائلهم والسعي الى تطبيق العدالة بالقوة من وجهة نظرهم لكنهم فوجئوا ان دعوة الاسلام في مكة بدأت تنتشر كالنار في الهشيم حيث انها  تنتقد هذه المظالم المجتمعية ولا تفرضها بالقوة فنلاحظ تعرض القران الى آفات المجتمع  والثورة على الظلم من خلال الآيات واستطرد القران يشرح هذه الآفات وسببها والعواقب المترتبة عليه اجتماعيا ودينيا ويشجع على مقاومتها   مثال الغش والظلم والعنصرية والفساد والخنوع والكبر ونلاحظ ذلك في ايات المطففين 1و 2و3  ( الروم 41،42) الانعام 50 و51 و52 الفجر 17 و18 و الاسراء من 30 الى 38 و 19لقمان 17 و18 و19الليل 8 و9 و10الهمزة والماعون والقيامة 14 و15والزمر 36 والاهم من عرض آفات المجتمع ان تلك الايات  اكدت على ان الله الواحد الاحد هو من يدعو الي هذه القيم النبيلة وهو من يطلب من اتباعه مكافحة تلك الآفات.

 ان الله كان معروفا عن العرب ضمن منظومة الالهة المتعددة بل ان مكانة الله كانت تتخطى كل الالهة وهذا الامر هو سمة كل المجتمعات الجاهلية  قبل  بعث الرسل فالله معروف ومعروفة مكانته لكن المشركين والكفار قد حيدوا وجوده في المجتمع وانشأوا وساطات من الهة اصغر مهمتها التغطية على سلطان الله  ويمكننا القول انهم حجبوا قدرته وسلطته  او بالأحرى تأثيره   في المجتمع باعتباره يمثل القيم العليا من حق وعدل وخير ليفرضوا سلطانهم عبر الهة وسيطة لا تكلفهم سوي طقوس شكلية وجعلو من هذه الالهة الوسيطة المتحكمة الفعلية في

ان الاسلام قد ركز على وحدانية الله وقدراته وسلطان الاخرة من ثواب وعقاب وهو ما احي الامل في نفوس الناس ان العدالة الالهية  معنية بالظلم الحادث  بين بنى البشر

ان الطباع السلمى لدعوة الاسلام اغري قريش على اضطهاد هذه الدعوة ومن آمنوا بها بل واستقر رأيهم في النهاية الى التآمر على النبى ودعوته سواء بالمكر او القتل او المهادنة او الاخراج من مكة وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) (  الانفال )وانتهى الامر بهجرة الرسول واتباعه الى المدينة .

تمرد الصعاليك

لم يكن الظلم والفساد في القبائل العربية امرا عاديا فحسب لكنه تطور ليفرض نفسه كتقليد وعادة اكتسبت نمط حياة دائم ومستمر هذا النمط فرض قيما رزيلة باعتبارها القيم السائدة واكتسبت  هذه القيم من قدمها عرفا سائد بين البشر  فالعنصرية مثلا ضد السود باعتبارهم اقل شأنا من العرب كانت سائدة الى درجة لم يعتقد احدا خلاف المتعرض لهذه العنصرية انها امرا يستوجب التمرد بل اعتبر هذا الامر من المسلمات التى لا يناقشها المجتمع وكذلك وضع المرأة و الربا الفاحش و غيرها من هذه القيم وهو ما جعل تمرد المظلمين من هذه الافات حبيسا داخل نفوسهم لا يرجون منه خلاصا فسطوة المجتمع والملا اكبر من ان يناطحها احد  في ظل غياب الله من نفوس المجتمع وهو ما اجج الحقد في نفوس المظلومين وجعل ثورتهم كالبركان  فخلعهم  من قبائلهم نتيجة تمردهم اضفت قسوة وعنف في تصرفاتهم وقت انتزاع حقهم يقابلها ضعف ورقة مع الضعفاء امثالهم .

 يقول الدكتور جواد على في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام عن الصعاليك ( ومن بين صعاليك العرب ( الغربان ) واغربة العرب سودانهم . شبهوا بالاغربة في لونهم ، وكلهم سري اليهم السواد من امهاتهم تصعلكوا لازدراء قومهم لهم ، ولانتقاص اهلهم لشأنهم ، وعدم اعتراف ابائهم ببنوتهم لهم ، لانهم ابناء اماء . او لفقرهم وظلم المجتمع لهم وعدهم طبقة مملوكة ، هم والحيوان المملوك سواء بسواء  )  والحديث للدكتور جواد علي عن  نفسية الصعاليك ( وعلى الرغم من هذا العنف ، ومن هذه القساوة العنيفة ، التى تصل الى الوحشية ، نري عند بعضهم ، روحا انسانية ، فيها العطف على الضعيف ومساعدة المحتاج وبذل المال والنجدة ، والبر للاهل والاقارب بل وللغريب ايضا . بل نجد هذه الروح احيانا حتى عند القساة منهم ، وسبب ذلك ان الصعالكة في ثورات نفسية ، يعيشون عيشة قلقة مضطربة ، فاذا كانوا في ثورة جامحة من جوع وحاجة وتألم بما حل بهم وبما هم فيه من سوء حال ، هاجوا فكفروا بكل شئ ، وثاروا على كل شئ وعلى كل احد ، وصاروا لا يبالون بعرف او سنة ، يقتلون لاتفه الاسباب ، لانهم معرضون انفسهم في كل لحظة للقتل ........فاذا وجد الصعلوك غنيمة ، عاد الى مقره سالما ارتخت اعصابه ، وهدأت سورته ، وتذكر نفسه وما يقاسيه من الم وجوع ، فيعود انسانا آخر ، بارا بأصحابه حنونا عليهم ، نادما على حياة يعيشها جعلته يعيش مثل الوحوش الكاسرة ، كريما يعطى مما ناله بقوته وبسلاحه وبذكائه  ص 612 .

يتجلى الفرق بين تمرد الصعاليك وتمرد دعوة الاسلام هى ان الاولى رغبة انتقامية من قيما فاسدة اثرت سلبا على حياة المنتقمين مع يأسهم من تغيير هذه القيم الى قيما عادلة بينما جاء تمرد الدعوة الاسلامية الى احياء الايمان بتلك القيم النبيلة عبر نسبتها الى الله باعتباره القوة المهيمنة على الكون وايمان حقيقي بالقدرة على توطين هذه القيم النبيلة عبر المؤمنين بها .

التماهى بين تمرد دعوة الاسلام وتمرد الصعاليك وكيف حسمه القران

 ان التشابه بين التمرد الإسلامي وتمرد الصعاليك من رفض للظلم والقيم الفاسدة بين المجتمعات جعل التقارب بين الفصيلين  في البداية امرا عاديا فدعوة الاسلام التي جاءت ضد الظلم والعنصرية والفساد تلاقى هوي لدي الصعاليك الذين عانوا من كل هذه الانواع من القيم الفاسدة كذلك فان المؤمنون يرون في الصعاليك ضحايا لتلك القيم الفاسدة ومن هنا اعلن الصعاليك تأيدهم لدعوة الاسلام والايمان بها لكن البعض منهم استمر على فلسفته  الانتقامية فاستمر في القتل والسلب والنهب حتى ان هذا القتل قد طال المسلمين المسالمين حال تنقلهم  في الصحراء طلبا للرزق

وهنا اختلفت جماعة المؤمنين حين تعرض المسلمين للقتل على يد هؤلاء الصعاليك فمنهم من اسبغ صفة الايمان على هؤلاء وكره قتالهم بسبب اعتداءهم ومنهم من صنفهم في خانة الكفار المعتدين الواجب قتالهم طالما يعتدون بالقتال على المسالمين الامنين

وهنا انزل الله تعالى في كتابه ايات حاسة باعتبار اي معتد يحمل السلاح كافرا مستوجب قتاله دفاعا عن النفس وصنف ان معاداتهم للظلم التى تتشابه مع دعوة الاسلام هى نوع من النفاق وان اعتداءهم قد خرج بهم حتى من دائرة النفاق الى دائرة الكافر المعتدي المستوجب القتال  وجعل من وقف القتال مع المسلمين توقفهم عن الاعتداء واثبات ايمانهم الحقيقى بالاسلام بالهجرة الى المدينة وترك حياة التصعلك القائم على الانتقام المجتمعى بالقتل والسلب والنهب فقال تعالى ۞ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ۚ فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (91)

وهنا نلاحظ  ان القران يتكلم عن جماعة تعيش في الصحاري بعيدين عن قومهم وعن المدينة وانهم يمارسون القتل  على  قومهم وعلى  المسلمين وقد حسم القران ان هذه الفئة لا تعد مسلمة مسالمة حتى لو صرحوا بايمانهم بل تعتبر جماعة معتدية كافرة تستوجب القتال دفاعا عن النفس ليحسم الجدل الدائر بين جماعة المسلمين في المدينة آنذاك ويؤكد ان الاعتداء هو كفر يستوجب القتال حتى ولو اشتر المعتدي  في قوله بالإيمان مع المسلمين .

اجمالي القراءات 3054