لمحة تاريخية عن ( عدو الله ) فى عصر معاوية ويزيد بن معاوية

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٦ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

لمحة تاريخية عن ( عدو الله ) فى عصر معاوية ويزيد بن معاوية   

مقدمة : نواصل تتبع ما بين سطور تاريخ الطبرى فى الاتهامات المتبادلة ب ( عدو الله ( أعداء الله ) بين الصحابة والتابعين فى العصر الأموى .

أولا : زياد ابن أبيه

1 ـ كان مجهول الأب من أم غانية تخدم فى حانة . ولكن تميز بعبقرية سياسية جعلت على بن أبى طالب يعينه واليا على فارس ، فضبط أحوالها ، وأخضعها ل( على ). ثم إختلف مع ( على ) بسبب الأموال ، ولم يستطع ( على ) إخضاعه . بعد مقتل (على ) عام 40 هجرية  ظل زياد بن أبيه معتصما فى فارس ومعه الأموال والجند فأفزع معاوية . توسط المغيرة بن ابى شعبة فى الصلح بين معاوية وزياد بن أبيه ، وتم الصلح على أن يدخل زياد فى طاعة معاوية تاركا موقعه فى فارس ، وأن يتنازل عن بعض أمواله لمعاوية ، كل ذلك مقابل أن يعترف معاوية بأن زياد هو إبن لأبى سفيان ، أى أخ لمعاوية ، وأن أبا سفيان زنا بأم زياد واحبلها ، وولدت زيادا . وعقد معاوية ( مؤتمرا صحفيا ) لإعطاء زياد نسبه الجديد . وسخر الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري من معاوية فقال  :

 ألا أبلغ معاوية بن حرب ** مغلغلة عن الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف ** وترضى أن يقال أبوك زاني؟

وأشهد أن رحمك من زياد ** كرحم الفيل من ولد الأتانِ

2 ـ حين كان زياد واليا لعلى كان متفقا مع (على ) على أن معاوية ( عدو الله ) . إختلف الأمر عنده بعدها . عيّن معاوية زيادا على الكوفة ثم البصرة فأصبح عنده (على ) هو ( أبو تراب ) عدو الله ، واصبح من لا يزال محبا ل (على ) عدوا لله ومستحقا للعقاب . يكفى أن زياد تسبب فى قتل حجر بن عدى وصحبه لأنهم إعترضوا على قيام زياد بلعن (على ) فى خطبة الجمعة . وتتبع زياد شيعة (على ) بالإضطهاد لأن عليا عنده أصبح عدو الله ، وصار لقبه ( أبو تراب ) كما يقول الأمويون.

3 ـ  جاء فى تاريخ الطبرى : ( وجاء قيس به عباد الشيباني إلى زياد فقال له : " إن امرأ منا من بني همام يقال له صيفي بن فسيل من رؤوس أصحاب حجر وهو أشد الناس عليك. "  فبعث إليه زياد فأتي به . فقال له زياد : " يا عدو الله ما تقول في أبي تراب ؟ قال : " ما أعرف أبا تراب . " قال : " ما أعرفك به ." قال : " ما أعرفه " . قال : " أما تعرف علي بن أبي طالب ؟  قال : " بلى " . قال : "  فذاك أبو تراب " . قال : " كلا ذاك أبو الحسن والحسين .. ) زياد يصف هذا الرجل بأنه ( عدو الله ).

ثانيا : بين معاوية و الخوارج

1 ـ تميز الخوارج بشجاعتهم وتمسكهم بدينهم الفاسد الدموى وتطرفهم فى سفك الدماء ، إعتقادا منهم أن من لا يكون منهم يكون عدوا لله مستحقا للقتل حتى لو كان من النساء والصبيان.  جاء فى تاريخ الطبرى أن الخوارج دخلوا المدائن ( .. فشنوا الغارة على أهل المدائن يقتلون الولدان والنساء والرجال ويبقرون الحبالى ... فأقبلوا إلى ساباط فوضعوا أسيافهم في الناس ، فقتلوا أم ولد لربيعة بن ماجد ، وقتلوا بنانة ابنة أبي يزيد بن عاصم الأزدي ، وكانت قد قرأت القرآن ، وكانت من أجمل الناس ، فلما غشوها بالسيوف قالت : " ويحكم هل سمعتم بأن الرجال كانوا يقتلون النساء ؟ ويحكم تقتلون من لا يبسط إليكم يدا ولا يريد بكم ضرا ولا يملك لنفسه نفعا ؟ أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ؟ " . فقال بعضهم : " اقتلوها " . وقال رجل منهم : " لو أنكم تركتموها .! " فقال بعضهم : " أعجبك جمالها يا عدو الله قد كفرت وافتتنت ؟ " . .... وحملوا عليها فقتلوها . فقالت ريطة بنت يزيد : " سبحان الله أترون الله يرضى ما تصنعون ؟ تقتلون النساء والصبيان ومن لم يذنب إليكم ذنبا ؟! " . ثم انصرفت . وحملوا عليها وبين يديها الرواع بنت إياس بن شريح الهمداني وهي ابنة أخيها لأمها ، فحملوا عليها فضربوها على رأسها بالسيف ويصيب ذباب السيف رأس الرواع فسقطتا جميعا إلى الأرض . ) . عندما ترفق واحد من الخوارج ونصحهم بعدم قتل بنانة إتهموه بالكفر وبأنه ( عدو الله ). !.

2 ـ عام 43 هجرية كان المغيرة بن أبى شعبة والى العراق لمعاوية . وأرسل قائدا إسمه ( معقل بن قيس ) لحرب الخوارج وقال له : (يا معقل بن قيس إني قد بعثت معك فرسان أهل المصر أمرت بهم فانتخبوا انتخابا فسر إلى هذه العصابة المارقة الذين فارقوا جماعتنا وشهدوا عليها بالكفر فادعهم إلى التوبة وإلى الدخول في الجماعة فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم وإن هم لم يفعلوا فناجزهم واستعن بالله عليهم فقال معقل بن قيس سندعوهم ونعذر وأيم الله ما أرى أن يقبلوا ولئن لم يقبلوا الحق لا نقبل منهم الباطل ) . هنا يجعل فريق معاوية يرى الخوارج مارقين خارجين عن الجماعة ، وانهم يتهمون معاوية ورفاقه بالكفر . وأرسل المغيرة الى الناس فى مسجد الكوفة يهدد بالقتل من لا يلتحق بجيش معقل بن قيس .

3 ـ وكتب زعيم الخوارج المستورد بن علفة الى القائد الأموى سماك بن عبيد: ( " من عبدالله المستورد أمير المؤمنين إلى سماك بن عبيد . أما بعد فقد نقمنا على قومنا الجور في الأحكام وتعطيل الحدود والاستئثار بالفيء وإنا ندعوك إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه وولاية أبي بكر وعمر رضوان الله عليهما والبراءة من عثمان وعلي لإحداثهما في الدين وتركهما حكم الكتاب فإن تقبل فقد أدركت رشدك وإلا تقبل فقد بالغنا في الإعذار إليك وقد آذناك بحرب فتبذنا إليك على سواء إن الله لا يحب الخائنين . ). ووصل الخطاب الى سماك بن عبيد فرد بالرفض فقال المستورد : (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم .) .

4 ـ ثم علموا بقدوم جيش معقل بن قيس ، فجمع المستورد أصحابه يقول الطبرى : (  فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن هذا الخرق معقل بن قيس قد وجه إليكم وهو من السبئية المفترين الكاذبين وهو لله ولكم عدو فأشيروا علي برأيكم ) وأجاب بعض أصحابه : ( والله ما خرجنا نريد إلا الله وجهاد من عادى الله وقد جاءونا فأين نذهب عنهم بل نقيم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين ." وقالت طائفة أخرى : " بل نعتزل ونتنحى ندعو الناس ونحتج عليهم بالدعاء" . فقال يا معشر المسلمين : " إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا ولا ذكرها ولا فخرها ... وما خرجت إلا التماس الشهادة وأن يهديني الله إلى الكرامة بهوان بعض أهل الضلالة .. ) وفى رواية أخرى : ( .. فلبثنا بمكاننا ذاك يومين أو ثلاثة أيام ، ثم استبان لنا مسير معقل بن قيس إلينا ... فجمعنا المستورد ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد فإن هذا الخرق معقل بن قيس قد وجه إليكم ، وهو من السبئية المفترين الكاذبين ، وهو لله ولكم عدو . فأشيروا علي برأيكم " .. فقال له بعضنا : " والله ما خرجنا نريد إلا الله وجهاد من عادى الله ، وقد جاءونا فأين نذهب عنهم ؟ بل نقيم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين." ) . زعيم الخوارج فى عصر معاوية يصف قائد معاوية بأنه عدو الله ، ويؤيده الخوارج .    

5 ـ وإستمر الصراع بين معاوية والخوارج ، كل منهم يتهم الآخر بأنه عدو الله . وفى  عام 58 تزعم الخوارج حيان بن ظبيان . وقد خطب أتباعه يحرضهم على حرب معاوية فقال   :  ( رأيت أن أخرج معكم في جانب الكوفة والسبخة أو زرارة والحيرة ثم نقاتلهم حتى نلحق بربنا فإني والله لقد علمت أنكم لا تقدرون وأنتم دون المائة رجل أن تهزموا عدكم ولا أن تشتد نكايتكم فيهم ، ولكن متى علم الله أنكم قد أجهدتم أنفسكم في جهاد عدوه وعدوكم كان لكم به العذر وخرجتم من الإثم قالوا رأينا رأيك . ). معاوية هو عدوهم وعدو الله ..!!

ثالثا : فى خلافة يزيد بن معاوية

كان قتل الحسين بن علي في صفر سنة إحدى وستين ، أى فى الشهر الحرام. وقد بحثنا الموضوع فى كتاب خاص منشور هنا . ونعطى بعض سطور جاء فيها ( عدو الله ).

1 ـ بعض أهل الكوفة ممن قعدوا عن نصرة الحسين كانوا يبكون يدعون الله جل وعلا أن ينصر الحسين  دون أن يتحركوا لنجدته. تقول الرواية : (  إن اشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل يبكون ، ويقولون: " اللهم أنزل نصرك "قال قلت : " يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه " ؟! )

2 ـ وجىء برأس الحسين الى يزيد بن معاوية فى دمشق ومعها من بقى من أهله وكلهن نساء ما عدا على بن الحسين ، وكان لم يبلغ الحلم لذا لم يقتلوه . تقول الرواية عن فاطمة اخت الحسين : ( لما أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا وأمر لنا بشيء وألطفنا . قالت : ثم إن رجلا من أهل الشأم أحمر قام إلى يزيد فقال : " يا أمير المؤمنين هب لي هذه " ، يعنيني ، وكنت جارية وضيئة ، فأرعدت وفرقت وظننت أن ذلك جائز لهم وأخذت بثياب أختي زينب . قالت " وكانت أختي زينب أكبر مني وأعقل وكانت تعلم أن ذلك لا يكون فقالت : " كذبت والله ولؤمت ما ذلك لك وله " فغضب يزيد فقال : " كذبت والله إن ذلك لي ولو شئت أن أفعله لفعلت " قالت : " كلا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا " . قالت فغضب زيد واستطار ثم قال : "  إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك " فقالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك " قال : " كذبت يا عدوة الله " ). يزيد يجعل زينيب بنت على ( عدوة لله ) .!

رابعا : فى ثورة التوابين

إستقدم شيعة العراق الحسين ثم تخلوا عنه وحدثت مذبحة كربلاء. شعر بعضهم بالندم فعزموا على الثأر للحسين ( بأثر رجعى ) فكانت حركة التوابين بقيادة سليمان بن صرد. أورد الطبرى كتاب سليمان بن صرد فى الدعوة للخروج أخذا بثأر الحسين . مما جاء فيه : : ( إن التقوى أفضل الزاد في الدنيا وما سوى ذلك يبور ويفنى فلتعزف عنها أنفسكم ولتكن رغبتكم في دار عافيتكم وجهاد عدو الله وعدوكم وعدو أهل بيت نبيكم حتى تقدموا على الله تائبين راغبين، أحيانا الله وإياكم حياة طيبة وأجارنا وإياكم من النار وجعل منايانا قتلا في سبيله على يدي أبغض خلقه إليه وأشدهم عداوة له إنه القدير على ما يشاء والصانع لأوليائه في الأشياء والسلام عليكم ) . سليمان بن صرد يصف الأمويين ب ( عدو الله وعدوكم وعدو أهل بيت نبيكم ) و (أبغض خلقه إليه وأشدهم عداوة له ) .

 خامسا : (موقعة الحرة ) : غزو المدينة وإنتهاك حرمتها وإغتصاب نسائها وفتياتها

جاءت زينب بنت على الى المدينة تحمل رأس الحسين ومعها بنات الحسين وأخريات ، فثارت المدينة ، فأرسل اليهم يزيد بن معاوية جيشا يقوده مسلم بن عقبة . وكان رجلا يرى دينه فى الاخلاص لبنى أمية ، ويرى أن من يعاديهم فهو (عدو الله ) يبدو هذا من مواقفه ومن أقواله . وننقل ما جاء بين سطور الطبرى دليلا على هذا .

1 ـ يقول الطبرى ( كانت فى شهر ذى الحجة الحرام سنة ثلاث وستين يوم الأربعاء لليلتين بقيتا منه )

2 ـ فى الطريق قابل مسلم بن عقبة بنى أمية الذين كانوا بالمدينة وطردهم أهل المدينة ، وقد طلب مسلم بن عقبة نصح عبد الملك بن مروان بن الحكم ، فدله ، وقال فى نهاية كلامه : (ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم فإن الله ناصرك إذ خالفوا الإمام وخرجوا من الجماعة ). إبن مروان بن الحكم يجعل رب العزة تابعا للسفاح مسلم بن عقبة ..ونستغفر الله العظيم .!

3 ـ وبدأ مسلم بن عقبة بعرض السلام على أهل المدينة وأن يتعاونوا معه على قتال عبد الله بن الزبير الذى أعلن نفسه خليفة فى مكة . وأعطاهم مهلة ثلاثة أيام ، تقول الرواية : ( ولما مضت الأيام الثلاثة قال : " يا أهل المدينة قد مضت الأيام الثلاثة فما تصنعون أتسالمون أم تحاربون ؟ "  فقالوا : " بل نحارب " . فقال لهم : " لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد ( ابن الزبير ) الذي قد جمع إليه المراق والفساق من كل أوب "  فقالوا لهم : " يا أعداء الله والله لو أردتم أن تجوزوا إليهم ما تركناكم حتى نقاتلكم نحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام وتخيفوا أهله وتلحدوا فيه وتستحلوا حرمته لا والله لا نفعل . ). مسلم بن عقبة يصف ابن الزبير بالملحد ويصف أتباعه بالمروق وبالفسق ،وأهل المدينة يجعلون مسلم بن عقبة وجنده أعداء الله.!

4 ـ فى البداية إنهزم جيش الأمويين ولكن ثبت مسلم بن عقبة . تقول الرواية : (  فأخذ مسلم رايته ونادى يا أهل الشأم أهذا القتال قتال قوم يريدون أن يدفعوا به عن دينهم وأن يعزوا به نصر إمامهم ؟ قبح الله قتالكم منذ اليوم .! . ما أوجعه لقلبي وأغيظه لنفسي أما والله ما جزاؤكم عليه إلا تحرموا العطاء وأن تجمروا في أقاصي الثغور شدوا مع هذه الراية ترح الله وجوهكم إن لم تعتبوا ) . وفى رواية أخرى: ( أن مسلم بن عقبة كان مريضا يوم القتال وأنه أمر بسرير وكرسي فوضع بين الصفين ثم قال يا أهل الشأم قاتلوا عن أميركم أو دعوا ثم زحفوا نحوهم ) .هنا إخلاص فى الجهاد فى سبيل يزيد بن معاوية .!

5 ـ كان مسلم بن عقيل يؤمن أنه يقاتل أعداء الله ، ولهذا فبعد أن هزم جيش المدينة أسرف فى قتل أهلها وفى سلب أموالهم وإغتصاب نسائهم . وقد عرضنا لجانب من هذا فى أبحاث سبقت وفى مقال بحثى منشور هنا عن الفقيه الناقم سعيد بن المسيب.

اجمالي القراءات 5216