ثقافة الفقر : ( عمولات الأسلحة )

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٦ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ثقافة الفقر : ( عمولات الأسلحة )

 مقدمة :

1 ـ أربع مافيات تسبب الفقر فى العالم وتنشر الفساد والخرائب هى مافيا الاستبداد و مافيا الكهنوت ( المخدرات الدينية ) ومافيا المخدرات العادية ، ومافيا الأسلحة .

2 ـ قد لا يكون هناك علاقة وثيقة بين مافيا المخدرات العادية وبقية المافيات ، ولكن التعاون قائم على قدم وساق بين مافيات المخدرات الدينية والاستبداد والسلاح . ومعظم سكان العالم يدفعون الثمن فقرا وتعذيبا وقهرا وقتلا .

3 ـ ودعوتنا الى العدل والسلام والحرية تظل صراخا فى الهواء بسبب تسلط هذه المافيات الثلاث وتعاونها مع بعضها ، هذا مع أن الدول ( الديمقراطية ) تزعم الدعوة الى الحرية والديمقراطية والعدل والسلام بينما هى التى تحتضن مستبدى العالم وهى التى تقوم بصناعة الاسلحة وتصديرها وخلق مسرح لها لضمان تصدير السلاح .

4 ـ شياطين الغرب والشرق يتعاونون معا فى تجارة السلاح ، وهى تجارة الخفى فيها أكبر من المعلن عنه ، ولها قواعدها ، وضوابطها وعلاقاتها التى لا ترتبط بالعلاقات السياسية ، فإيران مثلا أتى عليها حين من الدهر كانت فيه تستورد السلاح من الشيطان الأكبر ( أمريكا ) عبر وسطاء فى حرب العراق ، والقذافى داعية القومية العربية كان يساعد فى تسليح ايران ضد رفيقه العروبى صدام الذى كان يزعم أنه يقف مدافعا عن العروبة فى وجه إيران الآرية الفارسية .

5 ـ  وقالت وكالة سبوتنيك الروسية أن الجانب المصري يتحفظ على الإعلان عن صفقات الأسلحة مع روسيا، وهو ما أكده السفير الروسي بالقاهرة سيرجي كيربيتشينكو الذي قال للوكالة إنه "لا يمكنه الإعلان عن تفاصيل الصفقات، لأن وزارة الدفاع المصرية تعدّها معلومات سرية".وتتعجب أن تكون إسرائيل على إطلاع بكل طلقة رصاص تصل الى الدول العربية ولا بد من موافقتها أولا، هذا بينما لا يعرف العرب المحكومون شيئا عن صفقات السلاح التى يعقدها الحكام ، لا يعلمون شيئا عن العمولة التى يتقاضاها الحاكم واعوانه ولا يعرفون إذا كانت هذه الأسلحة ضرورية أم لا ، وهل هى بثمن مناسب أم لا ، وهل لديها مثيل أفضل وأرخص فى دول اخرى أم لا .وهل هى أسلحة راكدة ( زبالة ) أم جيدة وحديثة ! . واضح أن الذى يهم المستبد هو مقدار العمولة والتى تصل نسبتها أحيانا الى ثلث ثمن السلاح ، وهى نسبة مرتفعة لا توجد فى أى تعامل تجارى . ولذا يكون حظر المعلومات عن صفقات الأسلحة ضروريا ، فالمستبد يعتبرها أسرارا عسكرية لا يجوز للشعب أن يعرفها ، مع ان الشعب هو الذى يدفع ثمنها من قوته ثم من دمائه ، ومع إن إسرائيل تعرف خبايا هذه الصفقات ربما أكثر مما يعرفه عنها المستبد .

5 ـ وفى إحدى ندوات رواق ابن خلدون إستضفت ضابطا مصريا أحالوه للمعاش بعد فترة سجن ، عوقب لأنه إعترض على نوعية سلاح فى عهد مبارك ، ورأى ـ من حيث تخصصه ــ أنها غير مطابقة للمواصفات .

6 ـ ولأن مصر دولة محورية في مرور الصفقات وإبرامها، كان مبارك مستشارًا لشركات أسلحة عالمية داخل مصر؛ مثل «يونايتد ديفنس» و«يونايتد تيكنولوجيز» و«أباتشي»، ويعقد صفقات لدول عربية وإفريقية بعمولات تصل إلى 25%. هذا بالإضافة الى شرائه السلاح لمصر بالأمر المباشر .

7 ـ وشبّ الخلاف بين مبارك ووزير الدفاع (ابو غزالة ) بسبب عمولات السلاح . كان ابو غزالة شريكا لمبارك نائب الرئيس السادات فى تجارة السلاح مذ كان أبو غزالة رئيسا للمخابرات. وإشتكى وزير الحربية وقتها أحمد بدوى من علاقات مبارك بالجيش وبأبى غزالة فتآمر مبارك مع أبى غزالة على قتل وزير الحربية أحمد بدوى ، إغتيل مع 13 من كبار القادة فى حادث طائرة مدبر فى 2 مارس 1981 . وأصبح ابو غزالة بعده مباشرة وزير الدفاع . وشكّ السادات فى الأمر ، والسادات متآمر عريق فطلب من مبارك الاستقالة فعاجله مبارك وأبو غزالة بالاغتيال  يوم 6 اكتوبر من نفس العام . وظل أبو غزالة شريكا لمبارك فى تجارة السلاح حتى أقاله مبارك فجأة فى أبريل 1989 ، وكانت إقالته بفضيحة نسائية لتغطى على موضوع خلافهما حول السلاح .

8 ـ ويحضرنى هنا قضية شاب مصرى قام بتكوين شركة صغيرة للسلاح فى الخارج مع شريكين أحدهما روسى والآخر اسرائيلى ، فإعتقله مبارك بتهمة التجسس ، وطلبت والدته من مبارك أن يعدم إبنها إن كان حقا جاسوسا. وإغتالوه فى السجن .

ونعطى بعض تفصيل :

أولا : تجارة السلاح

1 ـ يصل الإنفاق السنوى فيها ما بين تيريليون ونصف الى 2 تريليون دولار . وهى ليست مجرد صناعة بل تتبعها مراكز أبحاث للتطوير ، وخبراء فى التسويق والتهريب والمناقصات والاتفاق على العمولات . وهذه تجارة  خطيرة تحفها الأسرار ، ولذا يتناثر حولها القتلى لأسباب شتى .

2 ـ ولكى تستمر وتزدهر هذه الصناعة وتلك التجارة لا بد لها من نشوب حروب ولو من  خلال وكلاء . وقد يكون هذا بالاتفاق بين الدول اللكبرى المتنافسة لتصريف ما لديهم من أسلحة راكدة أو لتجريب اسلحة حديثة . ومنطقة الشرق الأتعس هى السوق المناسب ، ولذا لا بد من إحتضان حكامها المستبدين وتشجيعهم بالعمولات الباهظة . جرى تشجيع صدام على دخول حرب فى إيران ثم فى حرب الكويت . وجرى تشجيع القذافى وتضخيم ذاته كما فعلوا بصدام ، ثم إنتهى أمره كصدام وورثوا أمواله ، أيضا كصدام. وداعش كانت كامنة يمكن بسهولة القضاء عليها ،ولكن أتاحوا لها الفرصة لتتوسع فى العراق وسوريا وليبيا ومصر لتخدم أشرار العالم فى الدول الكبرى وفى الشرق الأتعس .

3 ـ نحن الآن فى أيام يتصاعد فيها التوتر بين أمريكا وإيران . لو نشبت الحرب بين إيران وأمريكا فستصل التكلفة المباشرة الى ما يقرب من  3 تريليونات دولار ، أما غير المباشرة فلا تقل عن تريليون دولار.جاء هذا التقدير مقارنة بحرب الخليج ضد صدام التى تجاوزت تكلفتها الاجمالية 3 تيريليون دولار . ولو قامت حرب ايران أمريكا فإن السعودية ودول الخليج هى التى ستدفع التكاليف. بل إن تحركات الاسطول الأمريكى  ستدفعها تلك الدول حتى لو لم تنشب حرب.

4 ـ لذا تقوم فى الشرق الأتعس حروب لا داعى لها ، ولكن لها الداعى الأكبر لدى صناع وتجار السلاح فى الشرق والغرب. ونعطى أمثلة مريرة :

  4 / 1 ـ  بدأ أحرار سوريا مظاهرات سلمية فى مارس 2011 ، ولكن سرعان ما تحولت الى حرب أهلية ، ملأت السعودية سوريا بآلاف الارهابيين وبموافقة ضمنية من بشار لتشويه المعارضة السلمية ووصمها بالارهاب . ورجح تقرير للأمم المتحدة تكلفة الدمار في سوريا بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب بحوالى 400 مليار دولار..وهذا لا يشمل "الخسائر البشرية" وهم حوالى 350 ألف شخص ، وإجبار نصف سكان سوريا على الهجرة أو النزوح .

4 / 2 : حرب اليمن نوع عبثى مؤلم . لا نتحدث عن الضحايا البشرية ، ولكن عن التكلفة التى تدفعها السعودية . قالت مجلة "فوربس" الأمريكية، بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب، إن تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي إن التكلفة الشهرية تصل إلى 120 مليار دولار.تقدير آخر جاء في دراسة نشرتها جامعة هارفارد الأمريكية، أشارت فيها إلى أن تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.ولم تنتصر السعودية بكل حلفائها ، وهى دائما تحارب فى حماية شركاء وحلفاء. بل إن الحوثيين هم الآن الذين يضربون السعودية .

4 / 3 : من الممكن حل مشكلة سيناء بمنتهى البساطة . إسرائيل إحتلت سيناء وحظيت بمحبة أهل سيناء ، ونجحت فى تطويرها ومدها بالمرافق وشق الطرق ، ولم تحدث أى حالة مقاومة أثناء فترة الاحتلال . لأن إسرائيل ليست مستفيدة من تحويل سيناء الى ساحة حرب. إختلف الوضع بعودة سيناء ( المصرية ) الى العسكر ( المصرى ) فتحولت سيناء الى ساحة حرب ، يحارب فيها الجيش المصرى أهل سيناء . يدفع الجنود الفقراء حياتهم وهم يقتلون فقراء سيناء ، والمستفيد قادة العسكر المصرى . بلغت  تكلفة الحرب فى سيناء منذ 2013، وحتى عام 2017 ما يقرب من 5 مليارات دولار، بينما كان ممكنا تطوير سيناء بأقل من 5 مليون دولار لأن البنية التحتية فيها موجودة . ولكن الحرب على ( الإرهاب ) ذريعة لبقاء العسكر فى الحكم وذريعة أيضا لشراء السلاح والحصول على عمولات السلاح، وليذهب فقراء مصر الى الجحيم .

5 ـ ونعتقد أن القضاء على مشكلة الفقر فى منطقة الشرق الأتعس قد لا تتعدى خمسين بليون دولار خلال عشرين عاما. أين هذا من التكلفة الشهرية لحرب اليمن وهى 120 مليار دولار؟

ثانيا : العمولات : ونكتفى بعسكر مصر

1 ـ قال تقرير بلومبرج الصادر حديثًا إن مصر رابع أكبر مستورد للسلاح عالميًا في 2015 بـ2.3 مليار دولار، بعد ثلاث من أغنى دول العالم، وهي السعودية والهند وأستراليا. و قالت دراسة أجراها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سيبري SIPRI» إنّ مصر ( الفقيرة المدينة ) احتلت المركز الثالث عالميًا في شراء الأسلحة من الغرب بين أعوام «2008-2012» و«2013-2017»، هذا مع إن مصر تتوسل للحصول على القروض وتلغى الدعم عن الفقراء . ثم هى مدينة للخارج . أما عن الدين الداخلى فقد كشف أحدث تقرير للبنك المركزي المصري أن حجم الدين العام المحلي تخطى التريليونين ونصف التريليون جنيه (نحو 150 مليار دولار).!!. ثم يتبجح العسكر المصرى بدعوة الفقراء للتقشف والتبرع لسداد ديون مصر .!

 2 ـ عسكر مصر لا يريدون حربا مع اثيوبيا التى تهدد بتعطيش مصر ، وقال وزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم : إن مصر أضعف من أن تدخل في حرب مع إثيوبيا نتيجة "صراعاتها الداخلية والتردي الاقتصادي"، والسلاح المصرى لا يمكن إستعماله ضد إسرائيل الصديقة . أى إن إستعماله قاصر على تأديب الشعب المصرى ، وإضافة عمولات بمئات الملايين الى جيوب المجرمين .  

3 ـ وليست مصر فى حالة حرب تستوجب هذا الإنفاق على التسليح ، وقادة العسكر مشغولون بالتجارة ، وترهلوا بعد ربع قرن من الخمول . وفى حالة عدم القدرة على الحرب يكون التفاوض هو البديل . الجانب الضعيف الذى لا يريد الحرب عليه أن يتنازل . وتلك هى سياسة العسكر المصرى وقائده الذى لم يدخل حربا فى حياته سوى حروبه المنتصرة على الشعب المصرى الفقير الأعزل .

4 ، وليس هذا مهما لدى العسكر المصرى الحاكم ، فهو يحظى برضا روسيا وفرنسا وأمريكا والصين وألمانيا وحتى كوريا الشمالية وسائر القوى الكبرى التى تبيع السلاح لأنه يشترى منها السلاح الراكد الذى تعجز عن تخزينه وتريد تصريفه.

5 ـ  وفى تبريره الحصول على عمولة 35 % من شراء الأسلحة قال حسنى مبارك
  ( أنا لم أرفع نسبة العمولة عما كان يأخذه الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر وأنور السادات.. والبرلمان كان يعطيني هذا الحق .) . ولكن من وضع هذا القانون ؟ ومن الذى يتحكم فى مجلس الشعب ؟ . إنه مجلس الشعب المصرى وليس الكنيست الاسرائيلى الذى يحاسب السلطة التنفيذية بكل حسم . ففى  15 مارس 1977 كشف الصحافي  دان نرغاليت فى صحيفة هاآرست الاسرائيلية أن زوجة رابين تدير حسابا مصرفيا فى أمريكا مخالفة للقانون الإسرائيلي آنذاك فإستقال رابين !.

سؤال ساذج : لماذا تنتصر إسرائيل ؟

6 ـ يتطرف السيسى فى شراء الأسلحة ، فعقد صفقات  بالبلايين بالأمر المباشر فى ظل عجز الاحتياطى النقدى وإرتفاع الأسعار التى تلهب ظهور المصريين . وذكر معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أن واردات مصر من الأسلحة من 2013-2017 زادت بنسبة 225% مقارنة بالفترة ما بين 2008 و2012،. وبذلك تحتل المرتبة الثالثة بين أكبر خمس دول مستوردة للسلاح خلال السنوات الخمسة محل الرصد . وتقول  تقارير صحفية  إن السيسى أنفق 20 بليون دولار فى مشترياته من الأسلحة (بين 2013 و2017) . ولو كانت عمولته 30% فقد ربح 6 بليون دولار فى ثلاث سنوات فقط  ومن الاسلحة فقط .

 7 ـ ولا ينسى السيسى إستيراد أحدث أجهزة التعذيب من ألمانيا وغيرها ، ويتعامى الغرب عن تعذيبه المصريين الشرفاء .

أخيرا :

من نلوم أولا ؟ المستبد المصرى أم الغرب ؟

اجمالي القراءات 4489