بعض المنشور فى جريدة الخليج ( 5 ) القرآن الكريم بين التدبر والتفسير .

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٩ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بعض المنشور فى جريدةالخليج (  5 ) القرآن الكريم بين التدبر والتفسير .

فى 20 مارس 1993

أولا : القرآن الكريم للتدبر ، ومن الخطأ القول بأنه يحتاج إلى تفسير

1 ـ إستعمال كلمة ( التفسير ) للقرآن فيها إهانة للقرآن . فالتفسير يكون للكلام الغامض المبهم المعقد الذي لا يمكن فهمه إلا بتفسيره ، وليس القرآن كذلك .

2 ـ بل إنّ إستعمال كلمة تفسير للقرآن هو تكذيب لوصف الله تعالى للقرآن بأنه كتاب مبين وأن آياته بينات ، وأنه ميسر للذكر . وهو أيضا تكذيب للحقيقة القرآنية أن تفسير القرآن هو فى داخل القرآن. قال تعالى :  "وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الفرقان .

3 ـ وقد تكرر وصف القرآن بأنه كتاب مبين : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴿١٧٤النساء ) (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴿١٥﴾ المائدة ) (  الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) يوسف  ) (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) الحجر ) (طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الشعراء ) (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)  الشعراء  ) (  طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) النمل ) (طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) القصص ) (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الزخرف ) (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) الدخان )    

4 ـ وتكرر وصف آيات القرآن بأنها بينات . يقول تعالى عن القرآن : " وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ 2 / 99 " ، وجاء وصف القرآن بالبينات فى عشرة مواضع فى الكتاب العزيز . ويقول تعالى " وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ .." 24 / 34 " . وجاء وصف القرآن بأنه آيات مبينات فى ثلاثة مواضع فى الكتاب الحكيم . ويقول تعالى " قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ..5 / 15 "وجاء وصف القرآن بأنه مبين فى ثلاثة عشر موضعا فى القرآن الكريم . والمبين أى الذي يبين نفسه بنفسه . أى أن بيان القرآن فى داخل القرآن ، ولذلك يقول تعالى عن القرآن أنه بيان للناس " هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ 3 / 138 " يقول تعالى جلا وعلا انه هو الذي يبين القرآن " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ 75 / 19 ". وهذا البيان يحتاج الى تدبر. وقبل أن ندخل فى موضوع التدبر ومنهاجه نتحدث عن منهج البيان القرآني .

ثانيا : منهج البيان القرآنى :

1 ـ يقول تعالى عن القرآن العزيز : " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ 16 / 89 "  أى أنه جاء فى القرآن الكريم التبيان والتوضيح لكل شيء . والمؤمن بالقرآن حين يقرأ هذه الآية الكريمة يبادر بالقول : ( صدق الله العظيم ) ، ولا يجول فى عقله أى نوع من التشكيك فى قول الله تعالى حتى لا يكون ممن قال عنهم رب العزة " وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ  "  ، "وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ " 34 / 5 ، 38 ". إذن فالمؤمن يخشع عند قوله تعالى ""   وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ 16 / 89 " ويتدبر معناها ومدلولها فى القرآن الكريم .

2 ـ وكلمة " بان " أى ظهر ووضح ، إذن فالشيء الظاهر الواضح لا يحتاج إلى مزيد بيان ، فإذا كان هناك شخص يلبس عمامة بيضاء فلا داعي لإثبات أن عمامته بيضاء ، وإلا كان ذلك  نوع من السخافة والفضول  ، وكتاب الله تعالى هو القول الفصل الذي ليس بالهزل ، ولذلك فإنه يبين ما هو محتاج للتبيين ويظهر ويوضح ما هو محتاج إلى للإظهار والتوضيح وقوله تعالى "   وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ " يعنى توضيح كل شيئ يحتاج إلى توضيح .

3 ـ ولذلك فإن فى القرآن تفصيلات أنزلها الله سبحانه وتعالى ( على علم ) أى بالتحديد : " وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " 7 / 52 " فتفصيلات القرآن نزلت على علم وبمنهج .. وهناك فى القرآن تشريعات ترك القرآن تقنينها للعرف أوالمتعارف عليه بين الناس حسب ظروف كل عصر كقوله تعالى مثلا " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(242 ) البقرة " أى إنّ متعة المطلقة حق ولكنه متروك فى تحديده للمعروف والمتعارف عليه حسب أحوال المجتمع وحالة الرجل المطلق ، وبعدها يقول تعالى  " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" فهذا هو البيان القرآني فى داخل القرآن .

4 ـ والغالب فى  آيات التشريع أن يختمها الله سبحانه وتعالى بتأكيد أنها بيان من الله كقوله تعالى فى سورة البقرة مثلا بعد تشريعات الصوم  " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) " . وبعد تشريع التحريم للخمر والميسر ، ومقدار الإنفاق يقول الله تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) البقرة )..وبعد الكلام عن نكاح المشركين يقول " وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) البقرة " وبعد تفصيل لأحكام الزواج والطلاق استغرق عشرين آية قال تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) البقرة " وفى ختام الآيات عن الصدقة والترغيب فيها يقول تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) البقرة " . ويتكرر ذلك فى سورة النور فى آيات التشريع للاستئذان والولائم (كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٥٨﴾) (  كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴿٥٩﴾)  (كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٦١﴾  النور ) .

5 ـ كما يؤكد أن بيان القرآن فى داخل القرآن وليس خارجا عنه ، وأن الله تعالى هو الذي تكفّل بجمع القرآن وتكفل ببيان القرآن فى داخل القرآن : " إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴿١٧ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴿١٨ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿١٩﴾ القيامة). فهى حقيقة قرآنية يجب أن يؤمن بها من يتدبر فى القرآن ، وهى أن بيان القرآن هو داخل القرآن وليس من مصدر خارج عن القرآن .

6 ـ وقد يأتي القرآن بمصطلحات جديدة فيوضحها ويضع لها تعريفا ، فالكلالة فى الميراث تعنى أن يموت الإنسان دون ذرية من صلبه ، وينزل تشريع الميراث الخاص بالكلالة وفيه تعريف الكلالة يقول تعالى " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ .. " النساء 176 " فجاء تحديد الكلالة فى قوله تعالى "  إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ " وفى نهاية الآية يقول تعالى " يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) النساء فالبيان من الله فى داخل القرآن وليس خارجا عنه .

7 ـ وهناك مصطلحات أخرى خارج التشريع ، ومع ذلك وضع القرآن لها التحديد والشرح كقوله تعالى " مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج ) ، فذالك توضيح كلمة " ذي المعارج " . ومعنى القارعة فى نفس السورة " الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) القارعة )،  ومعنى الطارق فى قوله تعالى " وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) الطارق ) ، ومعنى الغاشية أيضا فى قوله تعالى " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) الغاشية ).

8 ـ وذلك يعنى أن منهج التدبر فى البيان فى القرآن هو أن نتتبع الآيات نفسها لنأخذ منها البيان ، وأن مجرد القراءة للآيات مع الفهم يجعل مدلولاتها تتضح بنفسها باعتبار أن الآيات " بينات مبينات " . أى أن وظيفة الدارس للقرآن هو أن يعرض على الناس الآيات البينات ولا يكتمها ، يقول تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة .. فالله تعالى أنزل القرآن " بينات " وهو الذي أوضح وبين الآيات البينات فى الكتاب والذين يكتمون الآيات البينات يلعنهم الله واللاعنون ، إلا إذا تابوا وأصلحوا وأظهروا الآيات البينات .إذن فعكس البيان هو الكتم ، أو عدم إظهار الآيات التى هى فى حد ذاتها بينات واضحات ، والله تعالى يتوعد الذين يكتمون البينات باللعنة والعذاب .

9 ـ والله تعالى أنزل الكتب السماوية السابقة مبينات أيضا " وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ  "    "وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ " 2 / 92 ، 87 " . وأخذ الله تعالى العهد على أهل الكتاب أن يظهروا البينات للناس و ألا يكتموها يقول تعالى " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ   3/ 187 " أى كتموا البينات بدلا من إظهارها .. فالكتم هو نقيض البيان بالنسبة لكتب الله تعالى ومنها القرآن .

ثالثا :  ولكن كيف نتبع الآيات لنأخذ منها البيان ؟  .

1 ـ هناك آيات فى التشريع تشكل وحدة قائمة بذاتها فى الأحكام التشريعية مثل الصيام والاستئذان ، والغالب فيها أن يختتم التشريع بأن  الله تعالى  يبين الآيات لعلهم يتذكرون أو يتفكرون أو يعقلون .

2 ـ وهناك تفصيلات متفرقة فى التشريع وغيرها وقد توزعت آياتها فى مواضع متعددة فى الكتاب الحكيم  . وهنا ينبغي للباحث أن يتتبع تلك الآيات فى القرآن ويسترشد بها جميعا للوصول للحكم ، وذلك معنى التدبر ، وذلك يعنى أن يسير الدارس خلف الآيات أو يتتبعها دون أن يكون فى ذهنه حكم مسبق حتى لا يقع فى تحريف المعاني أو تأويلها أو كتم الآيات التى تخالف معتقداته .

3 ـ وفى القرآن آيات محكمة أى أوجزت المعنى المراد فى صورة حاسمة ، وفى القرآن آيات متشابهات ، أى رددت نفس المعنى الذي يأتي فى الآية المحكمة ولكن بصور متنوعة ومختلفة ومتداخلة . والذي يدخل على الآيات بهواه وفى ذهنه أحكام مسبقة قد يجد غرضه فى الآيات المتشابهة فيأخذ من بعضها ما يريد ويتجاهل الآيات المحكمة والآيات المتشابهة الأخرى .أما الذي يريد الهداية ويهتم أساسا بمعرفة  الحق فهو يولى وجهه نحو القرآن ولديه الاستعداد التام لأن يتخلى عن كل ما فى عقله إذا تعارض مع كلمة واحدة فى الكتاب العزيز . وهو يؤمن أن القرآن ليس فيه مجال للعوج والاختلاف ، وبذلك يبدأ التدبر فى الآيات باعتباره فريضة إيمانية : " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء "

4 ـ والمنهج الذي يتبعه المتدبر فى القرآن هو أن يجمع كل الآيات الخاصة بالموضوع ، ما كان منها محكما وما كان  متشابها ، وهو يؤمن أنها كلها من عند الله ، ويتدبر معناها كلها ، وحينئذ سيجدها تؤكد نفس المعنى فى إيجاز وتفصيل يقول تعالى : " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) آل عمران .

5 ـ وهنا يتأكد أن الآيات المتشابهة تؤكد الآيات المحكمة ولا تتناقض معها والآيات المحكمة تؤكد ما فى الآيات المتشابهة ، ولذلك فالقرآن كله قد أحكم الله آياته " الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود )

رابعا : القرآن ميسور للذكر لمن أراد الهداية

1 ـ والله تعالى قد جعل القرآن ميسورا للذكر " فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ .." 19 / 97 ، 44 / 58 " . وقد جاء قوله تعالى " "  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " أربع مرات فى سورة القمر  ..والمعنى المراد أن كتابا معجزا مثل القرآن الكريم جعله الله تعالى ميسرا للذكر أو لمن أراد أن يتذكر أو يخشع .. والدليل أن المثقف العادي فى عصرنا إذا قرأ آية أضاءت معانيها فى عقله ، مثله فى ذلك مثل القارئ المسلم منذ قرون طويلة ، مع اختلاف الظروف واللهجات .

2 ـ والله تعالى يجعل القرآن ميسرا للذكر . والمقصود بالذكر عبارة التدبر والخشوع والاعتبار ومعرفة الأحكام والشرائع وقصص القرآن .  وعلى ذلك فإن الذي يدخل على القرآن وفى قلبه الاستعداد للذكر والرغبة فى الاستفادة منه وطلب الهداية من الله تتفتح أمامه كنوز المعرفة القرآنية يغترف منها على قدر ما لديه من رغبته فى الهداية وعلى قدر ما فى قلبه من تعظيم للكتاب العزيز . أما الذي يتجه للقرآن لكي يعزز وجهة نظره فإذا صادفته آية متشابهة توافق هواه فى الظاهر فرح بها ، وإذا عثر على آية أخرى تخالف هواه قام بتأويلها أو بكتمانها وتجاهلها ، وربما عثر على مبتغاة فى أقاويل السابقين ، وفى كل الأحوال يكون قد حرم نفسه من هداية الكتاب الذي لا ريب فيه  "ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة " .

3 ـ ولا يحسبن أن تأويله لآية هنا وتلاعبه بآية من هناك يجعله من المهتدين بحجة انه يستشهد بالقرآن ، لأن الله تعالى يقول " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) الإسراء ). فالمؤمن إذا أراد الهداية بالقرآن وسعى لها فى القرآن كان له القرآن شفاءا ورحمة . وضعيف الأيمان إذا أراد أن يؤكد لنفسه أنه على الحق واستشهد بالآيات متلاعبا بها لم يزد بالقرآن إلا خسارا . يقول تعالى عن القرآن " قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى  44 فصلت ".

اجمالي القراءات 4111