صلوا عليه و سلموا تسليما
صلوا عليه و سلموا تسليما

أسامة قفيشة في الإثنين ٢١ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

صلوا عليه و سلموا تسليما

من خلال المقال و البحث السابق و الذي كان بعنوان ( الأرحام ) , قد تبين لنا بأن رحمة الله جل وعلا لا تتحقق إلا لمن اتصل و تقرب إليه , و هذا التواصل يكون بتنفيذ العهد و الميثاق ككل , أي بجميع أركانه و تفصيلاته , و من ضمن هذا الوصل و التقرب كانت الصلاة بأوقاتها الخمس جزءً من أجزائه ,

و قلنا بان هذا الوصل الشامل هو الكفيل بنيل الرحمة لأولئك المتصلون المتقربون , و هذا هو المفهومٌ الجديد لحقيقة التواصل و الصلة و التقرب لله جل وعلا , فكان الوصل و التقرب له هو من خلال الخضوع لعهده و ميثاقه ( القرآن الكريم ) و التسليم به تسليماً قاطعاً ,

هذا الاستنتاج يقودنا لمفهومٍ جديد لقوله جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) :

من المعلوم بان الصلاة هي اتصال و تقرب , أو بمعنى آخر لا يوجد فيها قطعٌ أو ابتعاد , و الصلة بالله جل وعلا و التقرب إليه أشمل و أعمق كي تؤدي لنيل رحمته , و الله جل وعلا يقابل هذا الوصل بالوصل و يحفظ تلك الصلة , و يقابل التقرب بالقرب و يحافظ على هذا الاقتراب ,

أولاً في معنى التقرب :

و التقرب من الله جل وعلا يقابله الله بالقرب كي يخرجنا من الظلمات إلى النور ,

يقول جل وعلا ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) 37 سبأ :  

هنا نفهم بأن التقرب إلى الله جل وعلا يتطلب الإيمان به و بما يقول , ثم يتبعه العمل الصالح الناتج عن أوامر و نواهي قوله جل وعلا في عهده و ميثاقه , و هنا تم حصر هذا التقرب فقط بالإيمان و العمل الصالح ,

و يقول أيضاً ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) 99 التوبة :

هنا نفهم أيضاً بأن هذا الإيمان الشامل يؤدي إلى التقرب لله جل وعلا ,

و صلوات الرسول هي وصله و الاتصال به و عدم قطعه و الابتعاد عنه كي نقترب من الله جل وعلا , و الرسول هنا هو عهدة و ميثاقه ( القرآن الكريم ) أي رسالته , و هذا هو المعنى الحقيقي الذي يتوافق مع قوله في المثال الأول من سورة سبأ , و الذي بيّن لنا ما هو الشيء الوحيد الذي يقربنا منه و هو الإيمان و العمل الصالح ,

و هنا ننظر في عظمته جل وعلا حين أعطى نتيجة هذا الاقتراب و تلك الصلة , بأنه حينها سيدخلهم في رحمته , أي كما قلنا سابقاً بأن رحمته لا تصيب إلا من اتصل و اقترب منه .

ثانياً في معنى الوصل :

و من يتواصل و يتصل بالله جل وعلا يقابله الله بالوصل كي يخرجه من الظلمات إلى النور ,

يقول جل وعلا ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) 43 الأحزاب :

هنا نفهم بأن الله جل وعلا يكافئ هذا المتصل بالوصل , و رد الوصل يكون بوصل الله جل وعلا متضمناً أيضاً وصل ملائكته , و هذا هو الرد على صلتك به جل وعلا ,

و هنا ننظر أيضاً في عظمته سبحانه حين أعطى نتيجة هذا الوصل بالرحمة لهؤلاء المؤمنين .

بعد هذا الإيضاح و التدبر و تلك المقدمات ندخل على صلب هذا المقال :

يقول جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) 56-58 الأحزاب :

مقدمات للفهم :

حالة الإيمان أعلى من حالة الإسلام , تأتي مرحلة الإسلام ثم تأتي مرحلة الإيمان .

النّبي هو شخص محمد عليه السلام .

الرسول يأتي وصفاً للنّبي و يأتي وصفاً للرسالة .

الأرحام تشير للنسل القريب و للنسل البعيد , أي جميع البشر , و تستوجب بأن تكون العلاقة بينهم على أساس الوصل و الاقتراب التزاماً بما شرع الله في كتابه بكيفية الوصل و الاقتراب , كي يتحقق الرُحم و الرحمة بينهم , أما في حالة عدم الالتزام بهذا التشريع فهذا بمثابة قطعٍ و ابتعاد عن منهج التشريع و يكون فيه اعتداء على الميثاق و العهد , و نتيجة ذلك يقع الظلم و التعدي و فيه تحل الأذية و يحل الأذى مكان الرُحم و الرحمة , و للمزيد من التوضيح يرجى الرجوع إلى سياق سورة الأحزاب بكل آياتها كي تضح الصورة أكثر عن تلك الأذية و الظلم و التعدي .

أولاً في قوله ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) :

هي تماماً كقوله ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) , فقد علمنا بأن صله الله جل وعلا و التقرب إليه يقابلها الله بالصلة و القرب , و علمنا معنى الوصل و التقرب و كيفية تحقيقه , و بأن صلته و قربه جل وعلا هي للمؤمنين المتقربين المتصلين فقط ,

و ما النبّي محمد عليه السلام إلا واحداً من بين المؤمنين ( وأمرت أن أكون من المؤمنين ) .

ثانياً في قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) :

هذا النداء و الدعوة موجهه إلى الذين آمنوا , إذا فهي أيضاً موجهه للنبي محمد عليه السلام كونه منهم و قد أمر بأن يكون منهم ,

فالأمر بصلّوا عليه و سلموا تسليما المقصد يرجع فيها على الله جل وعلا , بأن نصله سبحانه و نتقرب إليه كما أمر في عهده و ميثاقه و أن نسلم بهذا العهد و الميثاق تسليماً قاطعاً , و لا يرجع على محمد عليه السلام , و هذا هو مفهوم الوصل و الاقتراب من الله سبحانه و تعالى .

و بهذا تتحقق المعادلة بكل أركانها , فحين يسلم الجميع بما فيهم الأنبياء بميثاق و عهد الله جل وعلا فيتصلون و يتقربون به إلى الله تكن النتائج بأن يصلهم الله سبحانه و يقربهم منه .

ثالثاً :

لأن الموضوع يتعلق بالصلة و التقرب بين الجميع بناءً على النسل القريب و النسل البعيد و طبيعة العلاقة التي يفترض أن تكون , و بناءً على الأذى الحاصل في حال القطع و الابتعاد عن المنهاج و العهد و الميثاق , فإنه ينتج عن ذلك حالتان :  

الأولى في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) :

و هنا الحالة الأولى و التي تتمثل في أذية الله جل وعلا و أذية رسوله و هو رسالته أي عهده و ميثاقه , و هنا نلاحظ دقة المفردات حيث لم يقل سبحانه ( نبيه ) بل قال رسوله .

و الثانية في قوله ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) :

و هنا الحالة الثانية و التي تتمثل في أذية المؤمنين و المؤمنات , و هنا تشمل النبي محمد عليه السلام لأنه من ضمن المؤمنين , كما تشمل جميع الأنبياء السابقين أيضاً .

لأن الأصل يرجع لطبيعة الوصل و التقرب من الله جل وعلا كي يتحقق الرُحم و الرحمة بين الله و المتقربين المتصلين به ,

و للأرحام أيضاً بشقيها ( النسل القريب و النسل البعيد ) و طبيعة العلاقة بالوصل و التقرب بين البشر جميعاً كي يتحقق الرحم و الرحمة بينهم جميعاً ,

و لكي لا يكون هناك أي أذى بين الجهات جميعاً سواء في أذية الله و ميثاقه أو في أذية المؤمنين و المؤمنات و الأنبياء جميعا .   

اجمالي القراءات 4523