ف 1 ( النشر فى الصحف ): من كتاب ( جهادنا ضد الوهابية ).
بعض مقالات فى جريدة ( الأحرار ) فى توضيح حقائق الاسلام

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٠ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بعض مقالات فى جريدة ( الأحرار ) فى توضيح حقائق الاسلام

 ف 1 ( النشر فى الصحف ): من كتاب  ( جهادنا ضد الوهابية ).

 

قال الراوى : ويسألونك عن النقاب (30 /  12 / 1991   )

1 ـ حكى أحدهم أنه كان فى بلد يعتنق فكرة النقاب للنساء، وانه كانت له علاقة غير شريفة لاحداهن ، وحدث أن زاره زوجها على غير موعد ، وكانت تلك المرأة عنده فى البيت ، وتحير صاحبنا ماذا يفعل ، ولكن الزوجة المحترفة طمأنته، ولبست النقاب ودخلت عليهما تقدم لهما الشاى، ولم يعرفها زوجها ، ونجا صاحبنا بفضل النقاب ..

2 ـ  فى تلك القصة كان النقاب هو البطل الذى يتظاهر بالفضيلة والعفاف ويخفى داخله الرذيلة والنفاق ، وتلك كانت وظيفة النقاب فى مصرفى العصر المملوكى حيث ساد التمسك بمظاهرالتدين دون مراعاة لحقيقة الدين وروحه ، وقد كتب الفقيه ابن الحاج أن المرأة فى القاهرة المملوكية كانت لها حرية الخروج من بيتها كل أيام الاسبوع عدا يوم واحد ، وانها كانت تخرج من بيتها متنقبة فاذا ابتعدت عن المنطقة أسفرت عن وجهها وخالطت الرجال حيث لايعرفها أحد، فاذا عادت واقتربت من بيتها تنقبت . وبهذا المظهر كانت المراة تخرج الى الموالد والافراح والى القرافة وحفلات الأذكار ، وكانت تلك مفردات الحياة الاجتماعية المملوكية ، ظاهرها التسلية وباطنها الانحلال الخلقى وبطلها الأعظم النقاب  الذى يعلن الفضيلة ويخفى الرذيلة..

3 ـ وقد فوجىء ابن خلدون بمظاهر الانحلال المعتاد فى شوارع القاهرة دون ان ينكر ذلك       أحد فقال متعجبا عن القاهرة : ( ولاينكر فيها اظهار أوانى الخمر ولا آلات الطرب ... ولا تبرج النساء العواهر ولا غير ذلك مما ينكر فى بلاد المغرب . ). وقال المقريزى عن المصريين فى ذلك العصر: ( ومن أخلاقهم الانهماك فى الشهوات والامعان فى الملاذ وكثرة الاستهتار وعدم المبالاة ،وقال لى شيخنا عبدالرحمن بن خلدون ان أهل مصر  كأنما فرغوا من يوم الحساب.) .!!. وتحت شعار النقاب كان الفجور علنا فى الشوارع مادام لم يعرف أحد  أحدا . ونستشهد بهذه العبارة التى يحكيها المقريزى فى الخطط ، يقول: (  ولقد كنا نسمع ان من الناس من يقوم خلف الشاب أو المرأة عند التمشى بعد العشاء بين القصرين ويجامع حتى يقضى وطره وهما ماشيان من غير أن يدركهما أحد لشدة الزحام واشتغال كل أحد بلهوه ..). ووصل الفجورالى أماكن العبادة مما دعا السلطات المملوكية الى تطهيرها من أصحاب الفجور كما حدث بالنسبة للجامع الأزهر سنة 818 وبالنسبة لجامع الحاكم 822 هـ . واشتهرت المؤسسات الصوفية بذلك حتى كانت وثائق الوقف عليها تشترط تعيين خفراء لطرد راغبى المتعة الحرام منها !!!. وازدهر الانحلال الخلقى فىالموالد ـ ولايزال ـ  حتى أن السلطان جقمق أبطل مولد السيد البدوى 851  بسبب ما يقع فيه من مفاسد ،  فاقيم مولد أخر بالقرب من المحلة الكبرى ليتنفس الناس فيه الفجور بحكم العادة !! وكانت المرأة تذهب لتلك المناسبات الدينية تلبس النقاب بحكم العادة أيضا !! والدولة المملوكية التى احترفت التدين وتطبيق الشريعة كانت تأخذ الضرائب من البغايا وتسميه" ضمان المغان" وكان للبغايا زى معروف وصفه المقريزى فى الخطط ، وارتبطت مهنة البغاء بالعجوزة القوادة والمكارى الذى تركب العاهرة على حماره وهى ترتدى النقاب فى غاية الاحتشام!!. وأحيانا كانت السلطة المملوكية تمنع خروج المرأة ليلا لتحد من الفجور ، وتطرف بعضهم فى عقاب النساء اللاتى يخرجن ليلا فكان نصيبه السخرية من النساء ، وقالت النساء فى الامير دولات خجا سنة 835 ، : ( راحت دولة عمر ـ أى عمر بن الخطاب ـ وجت دولة خجا...)

وفى سنة 836 تندرت النساء على الامير منكلى بغا المحتسب الذى كان يضربهن مائتى جلدة اذا خرجن ليلا ، فكتبت النساء فيه اغنية راقصة يقلن فيها :

لا تمسك طرفى    منكلى خلفى ـ

علقته م يتين      قل ما يعفى .

وكن يرقصن بهذه الاغنية وهن يرتدين النقاب !!!

4 ـ ونقول للاخوات المؤمنات العفيفات ان النقاب بدعة  لم يعرفها عصرالرسول عليه السلام، اذ كان وجه المرأة وقتها مكشوفا معروفا ، فالله تعالى يقول للنبى : (  لايحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجببك حسنهن ) : 33/52 " والحسن فى الوجه .  والله تعالى يقول عن مجتمع الرسول (ص) ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء  بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ) :9 / 71  فهنا تفاعل اجتماعى حى يقوم على الايمان والتقوى والأمر بالمعروف لا نتصور حدوثه فى مجتمع النقاب .

5 ـ إن التقوى الاسلامية تعامل خاص بين العبد وربه تعالى الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور والذى يتقى الله تعالى ويخشاه بالغيب ليس فى حاجة لأن يعلن ذلك على الناس . لقد كان العصر المملوكى عصر النفاق الدينى حيث شاع الفجور وتقديس الأولياء وعبادتهم وممارسة الانحلال تحت شعار النقاب وفى حماية الأولياء وشفاعتهم المزعومة،  وظل الأمر كذلك الى أن بدأت الصحوة الاجتماعية بقاسم أمين . ولكن بدأت ( الصحوة الدينية ) المزعومة برواسب من العصرالمملوكى تهدد بعودة ظلمات القرون الوسطى ..

6 ـ  والحل أن نزداد علما بالاسلام وتاريخ المسلمين .

 

 

قال الراوي  : ويسألونك عن فيروز !! ( 2/ 12 / 1991   )

1 ـ كان خصما عنيدا لا يهدأ ولا يحل و لا يقتنع ولا يكل، ولم يقنع بالجدال في المسجد فجاءني في البيت وعلى غير موعد. كنت وقتها اقرأ وأكتب وجهاز التسجيل يعلو بأغنية لفيروز عن شادي الذي ضاع، وفوجئت به زائرا ورحبت به على مضض, ورأيت على وجهه كراهية لصوت فيروز فأغلقت المسجل ، وتأهبت لقضاء جلسة جدال لا أكسب منها إلا ضياع الوقت والمجهود.

2 ـ وكالعادة لم يقتنع. وكان يجلس معي في حجرة المكتبة ، فقمت أعطيه الكتب التي يقدسها واستخرج له منها الأدلة وأضعها أمام عينيه ، فانهارت كل دفاعاته إلا الخط الأخير منها والذي اعرفه جيدا, وهو تحويل الهجوم إلى شخصي كما يفعل الآخرون حين تعوزهم الحجة, وقدرت أنه لان يفعل فهو ضيفي وفي بيتي, ولكنه فعلها.  إذ سكت ثم قال: كيف يؤخذ منك العلم وقد زرتك على غفلة فوجدتك تستمع إلى فيروز مع أن الاستماع للغناء مما يضيع العدالة ويذهب بالمروءة..!!

3 ـ قلت له: ومن قال لك أن الاستماع إلى فيروز أو إلى غيرها من المطربات حرام ؟ وأذهله السؤال وسكت.  فأعطاني فرصة لأسترسل وكان يستمع إلي مدهوشا..

4 ـ قلت له: إن المحرمات في كتاب الله استثناءات فالقاعدة هي الإباحة أما الحرام فهو استثناء من القاعدة, وليس هناك تحريم إلا بأية قرآنية لأن الله تعالى هو وحده صاحب الشرع " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ؟ الشورى : 21 " . ومن أشد المحرمات أن نحرم حلالا أحله الله فذلك اعتداء على حق الله تعالى في التشريع يقول تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ . المائدة : 87 " .

5 ـ وقلت له إن تفصيلات المحرمات جاءت في الوصايا العشر في قوله تعالى .. ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . المائدة : 151 : 153 " وجاء موجزها في قوله تعالى " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . الأعراف : 33 " وفي الآية الكريمة جعل الله تعالى من الحرام أن نتقول عليه تعالى أو أن نشرع ما لم يأذن به . وقلت أن من أفتى بتحريم غناء المرأة احتج بأنه من الفواحش الظاهرة أو الباطنة أو أن صوتها عورة لأنه يحث على ارتكاب الفاحشة, وهذا ليس صحيحا على إطلاقه، فقد يكون هناك غناء فاحش يخالف الآداب والذوق ولكن الدولة تتدخل بمصادرته ومنعه, وذلك لا ينطبق على المصنفات الفنية المتداولة في حماية الدولة ورعايتها.

6 ـ وقلت له: وحتى الغناء الفاحش المرذول ليس من الكبائر ولكنه مجرد( لمم )أي ما يلم به الإنسان في هفواته ولا يصل إلى مرتبة الفواحش الكبيرة, وهذا ( اللمم ) من الصغائر التي يغفرها الله تعالى للتائب, ومن منا لا يخلوا من هذا اللمم ؟  يقول تعالى عن صفات المحسنين " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ . النجم : 32 " وقلت له : انك إذا قرأت تفسير ( اللمم ) في كتب التفسير وجدت الغناء الفاحش بل ومشاهدة الأفلام البورنو هينة بالنسبة لمعنى ( اللمم ) عندهم .

7. وأفاق صاحبي ليعود لنبرة الهجوم قائلا: أو ليس من الأفضل لك أن تسمع الابتهالات والأغاني الدينية وما فيها من دعاء وذكر لله ؟ وقلت له: لازلت تحتاج لفهم دينك حق الفهم.. أن الغناء خارج نطاق الدين هو من المباح مادام لم يكن من الفواحش، أما إذا دخلنا في العبادات من ذكر الله تعالى والدعاء فهنا ينبغي أن نلتزم بالتشريع الذي أوجبه الله تعالى علينا، ولا نؤدي تلك العبادات تبعا لأهوائنا ورغباتنا .

. ومثلا فإن ( ذكر الله ) تعالى من الفرائض التي شرع الله تعالى كيفيتها فقال "  وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ . الأعراف: 205 " أي يكون ذكر الله تعالى بالتضرع وبالخشية وبصوت خفيض وبين الإنسان ونفسه، ولكننا نحول ذلك إلى مهرجان رقص وأغان، والله تعالى يقول في صفات المؤمنين حقا " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم.. " لا رقصت قلوبهم !!

8 ـ  وحين ندعو الله تعالى فينبغي أن يكون ذلك تضرعا وخفية وإلا كان سخرية بالله تعالى واعتداء على جلاله في النفوس يقول تعالى " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ  " ..   " وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ : الأعراف : 55 , 56 . "  فكيف ندعو الله  في تضرع وخوف وطمع إذا كنا نغني ونرقص ونهلل ؟ . إن نبي الله زكريا حين دعا ربه أن يهبه ولدا نادى ربه بصوت خفي لم يسمعه إلا السميع العليم فرحمه ربه  واستجاب له ونبهنا على ذلك فقال " ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا .. " لم يجعلها زكريا أغنية ولم يحشد خلفه الكورال , ولو فعل لكان ذلك استهزاء بالله تعالى وهزلا في موضع الخشوع ولا يمكن لأنبياء الله تعالى أن يفعلوا ذلك ..

9 ــ  وقلت له: تخيل نفسك في مأزق رهيب جعلك تلجأ لله تعالى طالبا الفرج والدموع في عينيك ، هل يكون لديك متسع للغناء والرقص , إن حالتك هذه حين المصيبة هي ما ينبغي أن يكون عليه من يدعو الله تعالى في خوف وتضرع .. وقلت له : تخيل أن ابنك جاءك يطلب شيئا فأحضر معه طبلة ومزمار ومجموعة من أصدقائه وجعل مطلبه في أغنية اخذ يغنيها ومعه أصدقاؤه : ألن تعتبر ذلك سخرية بك وإهانة لك ؟ إذا كان هذا ما ترفضه لنفسك فكيف تفرضه على ربك ؟ ..

10 ـ  وقلت له إننا حولنا فرائض الإسلام من قراءة للقرآن والدعاء وذكر الله تعالى إلى لهو ولعب وغناء ثم التفتنا للغناء الدنيوي المباح فجعلناه فواحش وعورة .. أي قلبنا الموازين ..

11 ـ . ثم قلت له: أليس من الأفضل لك أن تجلس أمامي مجلس التلميذ من أستاذه لتستفيد بدلا من سوء الأدب والهجوم ؟ وتركني خارجا ولم يعد .أو كما قالت فيروز وضاع  شادي .. !  

 

 

قال الراوى : الإسلام والفكر الإسلامي

1 ـ ـ هناك فرق بين الدين والفكر الديني أي هناك فرق بين الإسلام والفكر الإسلامي ـ الإسلام هو دين الله تعالي الذي نزلت به كل الرسالات السماوية وبكل اللغات التي تكلم بها الانبياء في كل زمان ومكان ، ثم نطق دين الله ــ الإسلام ــ باللغة العربية في آخر رسالة سماوية.

2ــ وفي كل تلك الرسالات السماوية التي جاء بها كل الأنبياء فان دين الله تعالي يعني اخلاص الدين لله تعالي وحده في العقيدة وفي العبادة , أي لا تقدس غير الله ولا تدعو مع الله أحدا ولا تعبد غير الله ولا تتقي الا الله تعالي ...

3 ـ وفى كل الرسالات السماوية التى نزل بها دين الله تعالى فإن للبشر عادة واحدة , هى اضافة أفكارهم الدينية الخاصة إلى الرسالة السماوية وخلط دين الله تعالى ( الذى نزل من السماء لإصلاح أهل الأرض ) بأفكار البشر وتدين البشر . وهنا يحدث الإختلاف تبعاً لإختلاف البشر فى أفكارهم وأهوائهم فتحدث الإنقسامات والطوائف والمذاهب الدينية ويتحول ذلك الإختلاف المذهبى إلى تقاتل واضطهادات , وكل فرقة تعتقد أنها تملك الحق المطلق , وتتدخل السياسة فتتحول المذاهب الدينية إلى دول دينية تضطهد خصومها فى الرأى , ويأتى أقوام فيكرهون هذا التسلط الدينى , ولأنهم لا يعرفون أن ذلك التسلط لا شأن لدين الله تعالى به , وإنما هو من صنع الفكر الدينى للبشر وأهوائهم ومذاهبهم , ولأنهم لا يفرقون بين الدين والفكر الدينى فإنهم ينبذون الدين كله ويهجرون الله تعالى ويخاصمون رسله وأنبياءه ورسالاته . ولو أنصفوا  لعرفوا أن دين الله تعالى برىء من ذلك التسلط الدينى وذلك الاحتراف الدينى وذلك التعصب الدينى , فكل ذلك صناعة بشرية .

 4 ـ وهذا هو موجز تاريخ الرسالات السماوية على هذه الأرض . حدث ذلك قبل بعثة خاتم النبيين . وحدث ذلك بعدها ـ قبلها جاء موسى بالاسلام ينطق بالأرامية ومثله باقى الأنبياء حتى عيسى ( بالعبرية ) وحدث الاختلاف بسبب الفكر الدينى , وتطور الاختلاف إلى مذاهب واضطهادات . ثم تكررنفس التاريخ بعد نزول القرآن ومن عجب ان يتبلور الاختلاف ويصل إلى قمته بعد قرنين من نزول الرسالة السماوية كما حدث بعد نزول الانجيل وبعد نزول القرآن 5 ــ  وتلك المذاهب المختلفة تجعل كل حزب يؤكد مصداقيته بأن ينسب كلامه لله تعالى أو للنبى أو للشيعة الأقربين من النبى أو من القديسين . ويصبح هذا الكلام البشرى مقدساً عن طريق هذه النسبة المزورة . وبذلك يضاف لكتاب الله تعالى كتب أخرى مقدسة . ويضاف لله تعالى أولياء مقدسون . ولأن القرآن قد حفظه الله تعالى من التحريف فإن الفكر الدينى للمسلمين ركز على نسبة آرائه للنبى ( عند أهل السنة ) أو نسبتها لآل النبى (عند الشيعة) أولما جعلوهم أولياء مقدسين (عند الصوفية) وذلك بالإضافة إلى الأقاويل التى نسبوها لله تعالى .

6 ـ ـ هذا مع ان الله تعالى ما فرط فى الكتاب من شىء وأنزل الكتاب تبياناً لكل شىء , وتجد فى القرآن السنة والشريعة وكل ما يهدى إلى صراط الله المستقيم . والله تعالى وحده صاحب هذا الدين وذلك الكتاب , وهو وحده الذى سيحاسب البشر جميعاً من الأنبياء والصالحين والعصاة أمَّا أولئك الأئمة فهم مجرد بشر يخطئون ويصيبون , وسيحاسبهم الله تعالى كما سيحاسب باقى البشر وهم ليسوا أصحاب الدين لأنهم ليسوا آلهة , ولأنه لا إله إلا الله , ولا إله مع الله . هم مجرد بشر قالوا كلاماً قد يكون صحيحاً أو باطلاً , وصحته وبطلانه فى إطار كونه فكراً وليس ديناً . لأن الدين لله تعالى وحده , وإذا كان مستحيلاً أن نتخذ إلاهاً واحداً مع الله فكيف نضيف لله تعالى عشرات الآلهة وأنصاف الآلهة من الأئمة والأولياء ( المقدسين ) ؟

7 ـ وصدق الله العظيم ـ ( وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ) النحل  (51) وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ ) النحل : 52

 * وله الدين واصباً .. !!!

 * أفغير الله تتقون ..  ؟؟؟

ملاحظة : وقتها كنت أقول ( التدين ). فيما بعد أطلقت تعبير ( الأديان الأرضية ) ، وتعبير ( المحمديون ) .

 

قال الراوى : يا حسـرة على العــباد.. !! (11/4/1994 )

1 ـ   شاء الله تعالى أن تنطق كلمته الأخيرة للبشر باللغة العربية، وكلمة الله تعالى للبشر هي أن يطيعوه وأن يعبدوه وحده ، وكانت الرسالات السماوية السابقة تعبر عن هذه المعاني باللغات التي كان ينطق بها الأنبياء وأقوامهم ، ثم نطقت تلك المعاني باللغة العربية فأصبح مجملها الإسلام الذي يعني الانقياد لله تعالى وحده والطاعة له وحده ، والأنبياء هم أول الناس طاعة لله ،أو كما قال تعالى للنبي الخاتم " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "

 2 ـ   وكل  الأنبياء نزل عليهم الإسلام في الرسالات السماوية ، وبكل اللغات البشرية ، ولكن المعنى واحد وهو الاستسلام لله تعالى وطاعته وحده ، وإبراهيم حين قال له ربه " أسلم قال أسلمت لرب العالمين" 2/131 فإنه لم ينطقها باللغة العربية ، وفرعون حين نطق ساعة الغرق "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين"10/ 90  كان يتكلم باللغة المصرية القديمة، وبالتأكيد فإنه لم ينطق كلمة إسلام وإنما نطق معناها  من الخضوع لله تعالى وحده باللغة المصرية،  وقبلهم كان نوح يقول لقومه " فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجرى إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين " 10/ 72 فهل كان نوح ينطق كملة الإسلام باللغة العربية ؟ وقبل خاتم النبيين كان الحواريون يقولون لعيسى " نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون " 3/ 52  فهل نطقوا كلمة " بأنا مسلمون " بالعربية أم بالعبرية؟ 

3 ـ    ثم نزلت الرسالة الخاتمة تؤكد ما قالته الرسالات السماوية السابقة ،ولكن باللغة العربية وبين قوم لم يأتهم رسول من قبل خاتم النبيين، وتقول"إن الدين عند الله الإسلام"3/19 أى أن الإسلام عند الله تعالى هو الخضوع له وطاعته بأي لغة وفي أى عصر وفي أى مكان وفي كل شريعة ، وفي كل منهاج وبكل منسك،لأن الله تعالى هو رب الأولين والآخرين ورب كل البشر في كل زمان ومكان وليس منحازا لعصر دون عصر ، ولا لقوم دون قوم ، بل إنه تعالى خلقنا من ذكر وأنثى وجعلنا شعوباً وقبائل ، والمعيار في التفاضل بيننا عنده تعالى هو التقوى "إن أكرمكم عند الله اتقاكم" ، ومعيار الخسران يوم القيامة هو التكبر عن طاعته والأعراض عن الخشوع إليه وحده ، فالذي يفعل ذلك فقد رفض الاستسلام  للواحد القهار،أو بالمعنى القرآني اختار غير الإسلام أو الانقياد لدين آخر  ، لذلك يكون مصيره يوم القيامة الخسران " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين "3/85 .

4 ـ   ولأنه تعالى هو رب القلوب، ولأنه تعالى ليس منحازاً لطائفة على حساب أخرى فأنه لا يأبه بالشعارات ولا بالمزايدات ، فالإسلام عنده تعالى  هو خضوع فى القلب يثمر عملا صالحاً على الجوارح بلا رياء أو نفاق ، ولكن خوفاً من حساب اليوم الآخر يقول تعالى" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون" 2/62 . " ويقول : " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون 5/69 ".  فالله تعالى يؤكد هنا بوضوح شديد إن الذي يؤمن بالله إيماناً صحيحاً ويؤمن باليوم الآخر إيماناً صحيحاً ويعمل صالحاً فهو من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون سواء كان من المؤمنين بالقرآن أو كان من الذين هادوا أو من النصارى أو من الصابئين،أو بمعنى آخر فهو عند الله مسلم أى خاضع مطيع لوجه الله تعالى مهما كانت طائفته أو عصره أو مكانه أو لغته أو زمانه.

5 ـ هذه الصيغة العالمية لدين الله تعالى أفقدنا نحن معناها السامي الراقي ، ونسجنا منها ثوباً ضيقاً على قدر أهوائنا وظروفنا ، ثم تعددت الأثواب وتعددت الموديلات، جعلنا المسلم هو المسلم باللغة وبالبطاقة الشخصية وبالوراثة ، وأعطينا أنفسنا شهادة نجاح في الآخرة قبل أن تقوم الساعة وقبل أن يأتي يوم الحساب، وأصدرنا قراراً بأن الله تعالى منحاز لنا نحن دون العالمين، ثم انقسمنا إلى طوائف وشيع وأحزاب من شيعة وسنة وصوفية ، وخوارج ،وكل طائفة تنقسم على نفسها عشرات الفرق ،اختلفنا في كل شيء واتفقنا على شيء واحد هو تفريغ الإسلام الحقيقي من مضمونه الراقي وتحويله إلى أشلاء ورقاع ، وأحزاب وكل حزب يسلم نفسه وينقاد إلى إمام أو شيخ يتخذه إلها مع الله.

6 ـ    وبعد هذا ندعي أننا مسلمون وأننا أولياء الله من دون الناس وأن الجنة هى مثوانا.. وصدق الله العظيم " يا حسرة على العباد .." .

 

قال الراوى : من تاريخ البيعة فى الإسلام  ( 1 / 2 / 1993 )

1 ـ كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور قد اشترط على أهل الموصل حين بايعوه بالخلافة أنهم إذا ثاروا عليه فإن دماءهم حلال ، وحدث أن ثاروا سنة 148 هـ فجمع الخليفة المنصور كبار الفقهاء وفيهم أبو حنيفة وقال لهم أهل الموصل قد شرطوا ألا يخرجوا على ،وهاهم قد خرجوا ، وحلت لي دماءهم . فقال له فقهاء السلطة : " إن عفوت يا أمير المؤمنين فأنت أهل العفو ، وإن عاقبت فبما يستحقون" ، وأمتعض أبو حنيفة ، فقال له المنصور : أراك سكت يا شيخ !! فقال أبو حنيفة : أنهم ـ أى ـ أهل الموصل ـ قد أباحوا لك ما لا يملكون ، وأنت اشترطت عليهم ما ليس لك ، أرأيت لو أن امرأة أباحت لك جسدها بغير زواج أيجوز ذلك لها ؟ أى أن الدماء والأعراض حرام بشرع الله ليس لأحد أن يعطى دمه أو عرضه إلا وفق الشرع ، وأضطر الخليفة للسكوت بسبب شجاعة أبى حنيفة. وقد تألم أبو جعفر المنصور وأحس بخطورة أبى حنيفة على سلطانه ، وأضطهده وعذبه وقتله بالسم فيما بعد ( سنة 150 هـ ) .

2 ـ وخلا الجو لفقهاء السلطة ، وأصبحت البيعة للسلطان تعنى أن تكون للسلطان حرية التصرف فى أموال المسلمين ودمائهم وربما أعراضهم ، وسار على ذلك الخلفاء من ذرية أبى جعفر المنصور وغيرهم . وتوارثنا المبايعة للسلطان أو الخليفة بهذا المفهوم ، وأصبح من مظاهر الدجل السياسي أن يكتب المنافقون مبايعة بالدم للسلطان ، وأن يهتفوا له " بالروح بالدم نفديك يا فلان " فإذا سقط صريعا انفضوا عنه واستداروا يتندرون عليه ..!!.

3 ـ إن التجارة بالإسلام قد أعمت أصحابها عن تأصيل المفاهيم الإسلامية الحقيقية فى الشرع وشئون الحكم ، فليس لديهم من الوقت للفصل بين الحق الذي جاء به القرآن والذي طبقه خاتم النبيين عليه السلام وبين الزيف الذي أخترعه فقهاء السلطة وجرى عليه العرف حتى أصبح دينا وما هو من الدين من شيء .

4 ـ وموضوع المبايعة للسلطان يدخل فى ذلك الإطار. فالمبايعة لها مفهوم فى القرآن ، ما لبث أن حوره الفقهاء ليرضى استبداد السلطان .. والأجدر بنا إن كنا نحب الإسلام حقا أن نتعرف على حقيقته بدلا من أن نتاجر باسمه العظيم فى سبيل حطام الدنيا ..

5 ـ كان الدخول فى الإسلام فى عهد النبي يقترن بمبايعة النبي على التمسك بشريعته ، حتى لو كان من يدخل فى الإسلام من النساء ، والله تعالى يقول " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) الممتحنة ".أى كانت النساء يدخلن فى الإسلام بالمبايعة على طاعة الله ورسوله . وبالإضافة للطاعة كان الرجال يبايعون النبي أيضا على الجهاد ، وكذلك فعل الأنصار فى بيعتي العقبة الأولى والثانية وكانوا يجددون البيعة فى الأزمات كما حدث فى بيعة الشجرة التى قال عنها رب العزة " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) الفتح ".

6 ـ وهذه المبايعة كانت عهدا أمام الله تعالى ومع الله تعالى على الطاعة والفداء ، وكان النبي عليه السلام أول المؤمنين فى الطاعة لله وقائدهم فى المعارك، ولأنها بيعة لله تعالى فى الأصل فإن الله تعالى يقول للنبي على بيعة الشجرة " إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) ..الفتح " وهكذا جعل الله تعالى المبايعة عهدا معه ، وحين هوجم المسلمون فى المدينة فى غزوة الأحزاب بايعوا النبي على القتال فى سبيل الله ، ونكث المنافقون فقال الله عنهم " وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) الأحزاب ".، ولكن المؤمنون أوفوا  بالعهد فقال تعالى عنهم  " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) الأحزاب .

7 ـ ولأنها عهدا مع الله تعالى رأسا دون واسطة فإن الله تعالى يجعلها صفقة بينه وبين المؤمنين الذين يبذلون دماءهم فى سبيل الله ويكافئهم الله تعالى على ذلك بالجنة يقول تعالى " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة ".

8 ـ ثم تحولت المبايعة من قتال فى سبيل الله إلى قتال فى سبيل الدنيا ، وبعد أن كانت تضحية فى سبيل المولى عز وجل أصبحت مبايعة لحاكم مستبد يتملك لنفسه رقاب المسلمين وغيرهم .. وبعد أن كانت المبايعة جهادا أصبحت استبدادا ، وبعد أن كان المجاهد يهتف : من يبايعني على الموت فى سبيل الله أصبح المنافق يصيح بالروح بالدم نفديك يا عباس .. وإن شئت الدليل ـ عزيزي القارئ ـ فاقرأ الموضوع من بدايته .

 

قال الراوى : الدواء المغشوش : ( 3 مايو 1993م )

1 ـ  في جريدة أخبار اليوم بتاريخ 6/3/1993م ,كتب أحد العلماء الرسميين مقالا بعنوان "الإرهاب وحكم الإسلام فيه" قال فيه "فلقد حرم الإسلام العدوان على النفس بغير حق فقال الله تعالى "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق "وهذا الحق وضحه الرسول (ص) حين قال:لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث:النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة."

2 ـ وفضيلة الكاتب أراد أن يهاجم الإرهاب فوضع بين سطوره ما يؤكد الدعوة للإرهاب واستشهد بحديث : ( لا يحل دم امرئ إلا بثلاث .. ) وهو من الأحاديث التي نسبها العصر العباسي للرسول عليه السلام ، والرسول منه برئ ، ودعاة الإرهاب يعتمدون على ذلك الحديث في قتل النفس البريئة ، إذا أنهم يحكمون بكفر المجتمع ثم يقيمون حد الردة المزعوم على من يشاءون .. ويعتقدون أن ذلك هو الإسلام ، وما دام بقيت تلك الأحاديث بدون مناقشة فسيظل الإرهاب الديني متفشياً ..

3 ـ كان ينبغي لفضيلة الكاتب إذا أراد أن يهاجم الإرهاب فعلا أن يحتكم للقرآن وحده فيقول مثلا لقد حرم الله تعالى قتل النفس بغير حق ، فقال تعالى في سورتي الأنعام والاسراء " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " فالاستثناء الوحيد لقتل النفس هو الحق الذي جاء به القرآن ، والحق اليقيني جاء في القرآن فحسب والله تعالى يقول "وبالحق أنزلناه وبالحق نزل" :الإسراء 105".

4 ـ وإذا تتبعنا الحق القرآني الذي على أساسه يباح قتل النفس وجدناه في قوله تعالى " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس "المائدة45" أي لا يباح قتل النفس إلا إذا قتلت هى نفساً، وليس هناك مبرر آخر لقتل نفس لم ترتكب جريمة قتل ، و إلا كان ذلك إفساداً في الأرض.

5 ـ إن القرآن يعتبر الإفتاء بقتل نفس لم تقتل نفساً ــ يعتبره فساداً وجريمة تساوي قتل الناس جميعاً، ويجعل استنكار تلك الفتوى انقاذا وإحياءاً للناس جميعاً ، والقرآن الكريم بعد أن ذكر قصة ابن آدم الذي طوعت له نفسه قتل أخيه قال "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً :المائدة32" والإعجاز التاريخي في الآية الكريمة السابقة يتجلى في عصرنا ، عصر الإرهاب ، حيث صيغت فتاوى تبيح قتل النفس خارج القصاص ، ونسبوا تلك الفتاوى للرسول عليه السلام وهو منها برئ ، وعلى أساس تلك الفتاوى يباح قتل الناس جميعا بعد اتهامهم بالكفر .

6 ـ لقد اتفق علماء الأصول على أن الأغلبية العظمى من الأحاديث هى أحاديث آحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين , وفي قضية خطيرة مثل قتل النفس يؤكد القرآن على أن المبرر الوحيد أو الاستثناء هو الحق "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " فالله تعالى هو الذي حرم قتل النفس والله تعالى هو الذي استثنى فقال"إلا بالحق" ولم يقل بالظن، والحق في كتاب الله تعالى وحده ، والظن فيما عداه ، ولكن الشهادة أن أكثر البشر تتبع الظن وتهجر القرآن يقول تعالى "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ، إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون: الأنعام116" وذلك الظن الذي يتبعونه لا يغني أمام حق القرآن شيئاً يقول تعالى" وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغنى من الحق شيئاً : يونس  36".

7 ـ لقد اخترع الحكم الديني في العصر العباسي حد الردة وحد الرجم ليعاقب خصومه السياسيين بعد أن يتهمهم بالزندقة ، وصاغ تلك العقوبات في أحاديث منسوبة للنبي عليه السلام ولم يكن ذلك معروفاً في عهد النبي عليه السلام ، ولكن على أساس تلك الفتاوى ينشر التيار الديني المتطرف الإرهاب ويسعى لتدمير المجتمع .. ونحن نشهد أن الرسول عليه السلام لا يمكن أن يخالف القرآن ولا يمكن أن ينطق عن الهوى.. فقد كان رحمة للعالمين " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..  الأنبياء 107" ولم يرسله ربه تعالى لإهلاك العالمين، فإذا كانت أغلبية البشر ضالة مضلة " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " فهل يعني ذلك سفك دمائهم؟ أم يعنى دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وإرجاء الأمر إلى الله تعالى يوم القيامة كما قال القرآن "وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون , وانتظروا إنا منتظرون.. هود121"

8 ـ وواجبنا نحن العلماء أن نفحص كتب التراث لنفضح الأسس التراثية التي يقوم عليها الإرهاب لننصف الإسلام من تهمة الإرهاب، ولننقذ منه المصريين ..

 9 ـ هذا ما كان ينبغي على فضيلته أن يقول .. وأكون واهماً إذا توقعت منه أن يقول ذلك ، فقد تعرضت للاضطهاد بسبب دعوتي إلى مناقشة كتب التراث ، وقد تنبأت في كتاب "السيد البدوي" سنة 1982م باستفحال الصدام بين الشباب والسلطة ما بقيت مقولات التراث كما هى تحظى بتقديس الشيوخ.. وأكبر دليل على صحة ما أقول ليس تفشي الإرهاب فحسب ، ولكن لأن بعض الأشياخ إذا حاول الرد على الإرهاب استشهد بالأحاديث التي تدعو للإرهاب، أى يلقي بالديناميت في حريق الإرهاب ليفجر الوطن بما فيه..            

 

قال الراوي : الصحابة

1 ـ بعض خصومنا يتهموننا بالهجوم علي صحابة النبي عليه الصلاة والسلام ، ويعتبرون الصحابة عدولا أي معصومين من الخطأ وبالتالي فإن الهجوم عليهم زندقة وكفرا .

2 ـ ونحن لا نتهجم علي الصحابة ولا نعتبرهم معصومين ، أي لانقع في تقديس البشر كما لا نتطاول علي أحد ممن صحب النبي عليه الصلاة والسلام ، ونتخذ من القرآن الكريم الأساس الديني لنظرتنا للصحابة ، كما نأخذ من كتب التراث نفسها الأساس العلمي التاريخي لتاريخ الصحابة ، ولا نتكلم بدون دليل وبرهان .

3 ـ ومن القرآن الكريم نتعرف علي معني الصحابة والصاحب . فالصاحب هو الذي يصحبك في الزمان والمكان ، فالصحابة من الصحبة كما أن الصديق والصداقة من الصدق ، وعليه فلا يشترط في الصاحب أو الصحابة إلا كونه رأي النبي ، أما درجته في الإيمان فذلك شيء آخر ، والقرآن يقول عن قوم موسي " فلما تراءي الجمعان قال أصحاب موسي إنا لمدركون : الشعراء 61 " أي كانوا أصحابا لموسي ومع ذلك فعندما جاوز بهم البحر طلبوا منه أن يجعل لهم إلها غير الله ثم عبدوا العجل..  والله تعالى يقول لمشركي مكة عن النبي عليه الصلاة والسلام "ما بصاحبكم من جنة : سبأ 46" أي جعل النبي صاحبا لهم ،ويقول لهم "ما ضل صاحبكم وما غوي :النجم 2 " فالصحبة هنا موجودة مع اختلاف العقيدة ، ويقول تعالى "عن النبي ورفيقه في الغار" إذ يقول لصاحبه لا  تحزن إن الله معنا: التوبة 40 " فهنا صحبة فى نفس المكان والزمان . وعليه فالصحبة دليل على الوجود في المكان والزمان نفسيهما وليست دليلا على الإيمان . !!

4 ـ ولذلك كان الصحابة حول النبي درجات . والله وحده هو الذي يعلم سريرة كل إنسان وحقيقة عمله ،والله تعالى ذكر درجات الصحابة دون أن يحدد أحدا منهم  بالاسم، وكان منهم السابقون والرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،وكان منهم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا،وكان منهم المنافقون وضعاف الإيمان .. وفى القرآن مئات الآيات عن المنافقين وكفرهم وتآمرهم ، وأولئك من الصحابة وفقا لمدلول الصحبة الذي اعترف به علماء التراث أنفسهم . إلا إن بعضهم ادعي أن النبي كان يعرف كل المنافقين ،وينسى أن الله تعالى قال للنبي"وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم :التوبة 101 " وبعضهم  يستشهد على مقولته بعصمة الصحابة وعدالتهم بقوله تعالى "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا .." ويتناسى أن يكمل الآية إلى آخرها حيث يقول تعالى "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " فقال "منهم" أي أن بعضهم وعدهم الله بالمغفرة والأجر العظيم ،أما الباقون فهم منافقون في الدرك الأسفل من النار ، والله تعالى يقول لهم يهددهم ويخبرنا بأنواعهم "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ، ملعونين أينما ثقفوا : الأحزاب 60 " إذن هناك منافقون وهناك ضعاف الإيمان وهناك مروجون للإشاعات وقت الحرب .. وقد استحق الجميع لعنة الله تعالي.

5 ـ إن القران لم يتحدث عن أشخاص بالاسم و إنما تحدث عن صفات مثل "و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار "و مثل" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " ومثل "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" ونحن نؤمن بكل حرف جاء في الكتاب العزيز ونعتقد أن مقولة عصمة الصحابة أو "تعديلهم " أو وصفهم بالعدالة جميعا مما يخالف القرآن وحديثه عن المنافقين في مئات الآيات .

 6 ـ   وإذا كان القرآن قد تحدث عن صفات فإن التاريخ تحدث عن أسماء محددة ،جعل منهم المبشرين بالجنة وكبار المنفقين والمتآمرين ، وكما تحدث أيضا عن دور الصحابة في الغزوات وفي الفتوحات وعن الفتنة الكبرى والحروب الأهلية التي تزعمها بعض الصحابة في مواقع الجمل وصفين والنهروان ..

7 ـ  وإذا كان ما يقوله القرآن يعتبر الدين اليقيني الذي ينبغي الإيمان به فإن ما يذكره التاريخ هو حقائق تاريخية قابلة للشك وليست من عناصر الإيمان ..أي أنها قضية علمية وليست قضية دينية . وهذا ما ينبغي أن يكون ، إلا أن بعض المسلمين خلط بين الدين الحق في القرآن وبين التدين المكتوب في التراث فجعل أشخاص الصحابة من عناصر الإيمان ، فتطرف بعضهم مثل الشيعة في تقديس علي وذريته وتكفير الآخرين ، وتطرف آخرون فأفتوا بأن الصحابة كلهم آلهة لا تخطئ أبدا وأنهم كالنجوم من اهتدى بهم ـ حتى في الفتنة الكبرى ـ فقد اقتدى بالصراط المستقيم ..

 8 ـ  ومن حقنا أن نؤمن بما جاء في القرآن الكريم عن أصحاب النبي ومن حقنا أن نناقش تاريخهم لنتعظ ونتأكد أنهم بشر وليسوا آلهة ..

 9 ـ   ومن حق أرباب الموالد أن يعتقدوا بما يشاءون .. وسنجتمع أمام الله تعالى يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .. !!

 

قال الراوى : مستر أندرسون .. بورك فيك !! (29 يونيو 1992 )

1 ـ  تيرى أندرسون هو مراسل وكالة الأسيوشيتدبرس الذى قضى رهينة لمدة (2455 ) يوما فى لبنان ، ضمن خمسة اختطفهم حزب الله فى البقاع ، وكانوا ينقلونه من مكان سرى الى آخر ، عشرين مرة ، وفى كل مرة كانوا يكممون فمه فيشرف على الموت إختناقا ، وأحيانا كانوا يضعونه فى أربطته المحكمة أسفل عربة نقل فيحاصره عادم السيارة والتلوث وإحتمال التقيؤ من فمه المكمم مع صعوبة التنفس ويرى الموت يقترب منه مع كل رجة من عربة النقل ، وهى إحدى المآسى التى عاشها تيرى أندرسون عدة مرات ، وإن كان حبسه فى الزنزانة مع رفيقه تيرى ويت المصاب بمرض صدرى مزمن أشد فى المعاناة ، والأقسى والأسوأ هو معاملة الحراس لهم طيلة فترة الاختطاف .

2 ـ وقد أجرت مجلة التايم الأمريكية حوارا مع تيرى أندرسون بعد أن تم تحريره وعاد لموطنه ، ونشرت التايم ذلك الحوار فى عددها الصادر فى 18 مايو 1992 ، وحين قرأت ذلك الحوار شعرت بالعار مما فعله أبناء قومى بدينهم الإسلام وهم يمارسون الإرهاب وإختطاف الرهائن الأبرياء بإسم الإسلام العظيم .

3 ـ لقد وصف أندرسون معاناته فى الزنزانة فى الفاظ قليلة ولكنها فى منتهى الصدق فى التعبير ، وأشد ما فيها إيلاما ما يبدو بين السطور من محاولته نسيان ماحدث ، مما يدل على أنه بعد مضى فترة علاج وإستشفاء من كوابيس المحنة فإنه ليس مستعدا للخوض فى تفصيلاتها . إلا أنه مع ذلك التقتير فى الكلام عن معاناته فى الأسر فإنه توسع فى الحديث عن دروسها وتأثيراتها عليه وإنطباعاتها فى نفسه إذ عاد مسيحيا ملتزما بعد أن كان مارقا عن الدين ، واصبحت له نظرة موضوعية لأولئك الذين خطفوه بل إنه يجد لهم بعض العذر بسبب ماحدث لهم من الولايات المتحدة التى يعتبرونها الشيطان الأكبر ، ولايملك المرء إلا أن يعجب بذلك الإنسان النبيل الذى يدفع السيئة بالتى هى أحسن وينسى ويغفر ، ولاتدفعه معاناته من مختطفيه إلا إلى الرفق بهم فى كلامه عنهم ومطالبته قومه بأن ينظروا الى مشاكل الشرق الأوسط نظرة جديدة موضوعية .. وأحسب أننى لو كنت مكانه ما تصرفت بنفس هذا النبل العظيم ..

4 ـ  إن آخر سؤال وجهته المجلة لأندرسون هو هل تحمل ضغينة لأولئك الذين خطفوك ، وكان رده أن قال : ليس لدى الوقت لذلك ، ولا أحتاج لذلك إن المطلوب منى كمسيحى أن أنسى ذلك  و أصفح عنهم ، إننى أدعو لهم ولا أرجو لهم أى سوء .. بورك فيك  يا مستر أندرسون .. !!

5 ـ  كنت دائما أعتقد أن الغرب فى الغالب منصف فى كل شىء إلا فيما يخص الإسلام . فالرأى السائد عند مثقفى الغرب والمستشرقين هو مسئولية الإسلام عن تأخر المسلمين ، ويحلو لهم أن ينسبوا سيئات المسلمين الى الإسلام ويستشهدون بما كتبه المسلمون فى تراثهم من أقاويل وأقاصيص منسوبة للنبى عليه السلام ، وبما كان يفعله الخلفاء غير الراشدين ، ويعتبرون أن ذلك هو الإسلام ، ويؤكد دعواهم أن المسلمين أنفسهم يدافعون عن تلك الكتب ويقدسون تلك الأ قاويل ويحكمون بكفر من يناقشها وبكفر من يثبت مخالفتها للقرآن الكريم .  ثم شهد القرن العشرين تدهور المسلمين وتحولهم إلى شراذم متعادية متخلفة تستر عجزها بالإرهاب الذى ينصب على الأبرياء والضعفاء ، ثم ظهر التطرف الدينى مجمع كل هذه النقائص وأسبغ عليها رداء دينيا يبرأ منه الإسلام ، إلا أن التطرف الدينى لم يجد عناء فى الاستدلال من كتب التراث على مشروعية مايفعل ، وإتخذ من ذلك سيفا يهدد به كل مصلح يدعو لتنقية عقائد المسلمين وإنصاف الإسلام من تلك التصرفات التى يرتكبها المسلمون .

6 ـ وكأنما تعمد تيرى أندرسون أن يثير مواجعى حين أجاب عن سؤال لمجلة التايم يتعلق بعقائد مختطفيه ، قال أندرسون عن مختطفيه أنهم أعضاء راديكاليين فى حركة أصولية والطريقة التى يفهمون بها دينهم تسمح لهم بذلك التصرف وتبرر لهم ما يفعلونه ، ومعناه أن دين الاسلام ليس مسئولا عن تصرفاتهم ، ولكن المسئول هى طريقتهم فى فهم الاسلام . ثم يستطرد أندرسون يشرح فيثبت أن القرآن ينكر أفعالهم ، ويقول أنه ليس دارسا للإسلام ولكنه قرا القرآن فوجد فيه العدالة والتسامح وأن تلك المضمونات تظهر فيه بوضوح وليست مختلفة عن القواعد الأخلاقية للمسيحية.

7 ـ ولمستر أندرسون اقول :

أنه وإن لم يكن متخصصا فى الاسلام إلا أنه فهم الاسلام على حقيقته أكثر مما يفهمه أولئك الذين ينتسبون للإسلام وأفعالهم تناقض الاسلام وتجلب له العار .        

 وأقول له إن إحتجازك رهينة مع زملائك جريمة يرفضها الاسلام ، فمهما كان اختلافنا مع دولتك الولايات المتحدة إلا أنه لاذنب لك فى ذلك ، والقاعدة القرآنية تقول " ألا تزر وازرة وزر أخرى " فمن الاجرام أن تؤاخذ أنت بذنب غيرك من الساسة الظلمة، وكونك أمريكيا أو حتى كنت يهوديا فليس ذلك مبررا على الاطلاق أن يقع عليك ظلم ، بل ليس مبررا على الأطلاق لأن  نحرمك حقا هو لك ، وحتى لو كنت لنا عدوا فإن حقوقك مصونة لدينا إذا كانت لك حقوق عندنا ، فهذا مايقرره القرآن العظيم حين يقول" ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون  5 /8 "  .

ولمستر أندرسون أقول أن فى القرآن أعظم رقى حضارى فى الأخلاق والسلوك وإن ذلك لايختلف عن الأنجيل الذى أنزله الله تعالى ولايختلف عن التوراة الحقيقية .. فالدين الذى ينزله الله هو لتقدم البشرية ورقيها ولصيانة دمائها ، ولكن للبشر عادة سيئة هى أنهم يتركون التعاليم الألهية خلف ظهورهم ثم ينشئون تشريعا جديدا يمارسون على أساسه الظلم ويسفكون به الدماء . فعل ذلك المسلمون فى حروبهم ، وفعل نفس الشئ الأوروبيون حين استعمرونا وهم يرفعون الصليب . ولايزال أولئك وأولئك يفعلون .       

 وأخيرا أقول لمستر أندرسون أن مختطفيك لم يظلموك فحسب .. وإنما ظلموا الإسلام قبلك .. ويكفيك فخرا لدينا أنك أنصفت الاسلام من أعمالهم .. ويكفيك نبلا أنك صفحت عنهم .. ولو كان لديهم ذرة شرف لكتبوا إعتذارا لك فى نفس المجلة .. وبالنسبة لى فإننى أعتذر اليك عما فعلوا وعما سيفعلون . بورك فيك مستر أندرسون .

 

قال الراوى : ( أهل الله )؟!!

1 ـ  مسكين ذلك المصرى قليل البخت،قليل البخت في الدنيا  وفي الآخرة أيضاً ؛ يتحمل ظلم الحاكم ويهتف له  ولا يجد له عند الحاكم فى مقابل ذلك إلا الاستهانة والنكران ، ويقوم المصرى المسكين بالرد على ذلك بطريقته الخاصة ، يستغيث بالأولياء والصالحين أو ما يسميهم " بأهل الله " ويقف أمام الأضرحة والقبور المقدسة يطلب منهم رفع الأذى ، وربما كتب مطالبه فى ورقة ورسالة وأودعها عند الإمام الشافعى أو عند "السيدة "فهى "رئيسة الديوان " "وأم العواجز" و" ندهة المنضام " .

2 ـ والمصرى حين يفعل ذلك يعيش على وهم كاذب، بأن الظلم سينقشع ، ويكتفى بالأمل وينشد مواويل الصبر ،ويأمل أن يقوم الصبر بحرق الدكان طبقاً للمثل الشائع ، ولكن يظل الدكان عامراً بالظلم ،فييأس المصرى من الدنيا ويتمنى أن يكون صاحب حظ في الآخرة ، إذ ليس معقولاً أن يكون قليل البخت في الدنيا والآخرة ،ولكنه لايعرف أنه أضاع نفسه فى الآخرة أيضاً حين استغاث بغير الله ، وحين طلب المدد من الموتى الذين صاروا تراباً ، وحين قال عن الأولياء الذين يقدسهم أنهم " أهل الله " !!

3 ـ  هل لله تعالى ( أهل )؟؟ .

 إن الأهل هم الزوجة والأولاد فهل يصح أن يقال ذلك على الله تعالى وهو الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كواً أحد ؟ ! ! لقد حفلت عشرات الآيات في القرآن الكريم بنفى أن يكون لله تعالى ولد ، والله تعالى يقول" بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة: 6 – 101 " والصاحبة هى الزوجة ، والله تعالى يقول عن ذاته " وأنه تعالى جد ربنا ، مااتخذ صاحبة ولا ولدا :72-3 "  ومع أننا نقرأ هذه الآيات كثيراً، ومع أننا ننفى باللسان أن يكون لله تعالى ولد أو زوجة أو ( أهل ) إلا أننا نقف أمام الأضرحة المقدسة نستغيث ب ( أهل الله ) ونهتف قائلين: " مدد يا أهل الله "، ونعتقد أن لهم تصريفاً وجاهاً وتحكماً في ملك الله ،ونخدع أنفسنا فلا نطلق عليهم لقب الآلهة ،مع أننا نصفهم بصفات الآله الواحد جل وعلا ونعتبرهم ( أهل الله) الذين يتحكمون في الدنيا والآخرة .. ومن يدعى العلم والمعرفة فينا يقول أن أهل الله هم المتحكمون فى الباطن ، أما حكام الدنيا فهم أصحاب دولة الظاهر، وعلى هذا فالمصرى المسكين ضائع بين أهل الباطن وأهل الظاهر  ، تظلمه الحكومة فى الظاهر ، وتخدعه مملكة أهل الباطن بمشايخها واعوانها المستفيدين من الأضرحة والقائمين على صناديق نذورها، وبين أولئك وأولئك يفقد المصرى أمواله وكرامته ودنياه وآخرته.

4 ـ  وإذا أردت أن ترى الخشوع على حقيقته فانظر إلى المصرى وهو يقف أمام مقصورة الضريح المقدس ... إنه يؤدى صلاة كاملة ، يقف خاشعاً قانتاً كأنه يقف أمام الله تعالى يصلى ، ثم تراه في تلك الوقفة أمام الضريح يقرأ الفاتحة، ثم يركع بأن ينحنى يقبل زجاج المقصورة ويتنسم عبيرها ( المقدس ).!، ثم يجلس ليلثم ويبوس الأعتاب ، والمثل الشعبى يقول " إللى يبوس الأعتاب ما خاب!!" ثم يجلس وقد أسند رأسه للمقصورة يشكو حاله وهو يعتقد بأن المدفون في الضريح يعلم ما في خلجات نفسه ، وقد يتلو القرآن في جلسته ويتهجد بالأوراد ، إذن هى صلاة كاملة وعبادة تامة ، فيها القيام ،والركوع والسجود والجلوس للتشهد ، وفيها الفاتحة وقراءة القرآن والدعاء والاستغاثة .

5 ـ الفارق الوحيد بين صلاة المصرى  لله تعالى وصلاته أمام الضريح أن المصرى حين يصلى لله الصلوات الخمس فإنه يشغل عقله بكل شئ عدا الصلاة وتنطلق أفكاره حول كل شئ وربما فى المعاصى ، ويكتفى بآداء الحركات في الصلاة وينطق الفاتحة والتكبير والتسبيح والتشهد كأنه آلة دون أن يعقل شيئاً مما يقول ، أما حين يقف ضارعاً متوسلاً أمام الضريح فهو يقرأ الفاتحة في خشوع ، وينهال تقبيلاً وتقديساً على زجاج المقصورة وقماش الضريح ، ودموعه تسبقه وقلبه ينتفض وجوارحه ترتعش ، وخوفه هائل وأمله في صاحب الضريح عظيم ..! !  وبعدها يعود وقد أحس بالراحة والإنشراح واعتقد أن الفرج قريب.

6 ـ  ومع ذلك فالظلم باق ومستمر ومنتشر ... لأن المصرى – وهو المظلوم – قد ظلم رب العالمين حين وقع في الشرك وعبادة الأولياء والأضرحة، وليس مهماً إن كان يفعل ذلك بحسن نية وعن طيبة قلب ، لأن الطريق إلى الجحيم مفروش دائماً بالنوايا الحسنة ... وكان يكفى المصرى أن يقرأ القرآن بعلم وتعقل وتدبر ليتأكد أن الشرك ظلم عظيم .

 

 

 

قال الراوى : انهم يصرخون .. دعهم يصرخون (  26 -4 – 1993 )

1 ـ أصبحنا ظاهرة صوتية، نعبر عن افكارنا بالصراخ ، وتحولت مناقشاتنا الى فواصل من الموسيقى المزعجة ، وامتد الصراخ والفحيح من الفكر والغناء الى الدين والدعوة اليه ، وان شئت الدليل فاذهب الى ميدان العتبة ، ستجد نفسك رهينة لحملة مركزة من الصراخ ، مزيج من صراخ الاغانى وصراخ الخطباء الآئمة ، تطلقها مدافع ودبابات صوتية ، تحاصرك اينما توجهت ، ولن تفلت منها إلا وأنت مصاب بالصداع وربما تهتك الاذن الوسطى ..

2 – واذا كان بعض العقلاء يهاجمون الاصوات الجديدة فى الغناء ويهاجمون  تشنجات بعض الساسة والمثقفين فإننى أرى أن الأهم ان نبتعد بالاسلام عن تلك المنافسة الصوتية المزعجة فليس فى الاسلام مجال للصراخ بأى حال ، وذلك ما ينبغى أن يفهمه أولئك الأشياخ الجدد الذين لا يجيدون إلا الصراخ والعويل والتهديد والوعيد، ويطلون علينا من أشرطة التسجيل والميكروفونات ويحاصروننا فى البيوت والمساجد ووسائل المواصلات .. ندعوهم لعقد هدنة معنا ، وأن يأخذوا إجازة من الصراخ والعويل ليفهموا أن الإسلام على حقيقته ينكر عليهم هذا الازعاج وليس فى حاجة إليه ...

3 ـ إن جوهر الدعوة للإسلام هى الحكمة والموعظة الحسنة ، ولا يمكن أن تلتقى الحكمة والموعظة الحسنة بذلك الصراخ والتهديد والوعيد .. والذى يدعو  أخاه للتقوى والطاعة لايطلق عليه لسانه كصراخ مدفع رشاش وانما يخاطبه فى رفق وحب وهدوء متمثلا قوله تعالى لنا" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق !! 57/16 . فذلك الاسلوب المترفق الحانى الهادىء هو الذى يخشع به قلب القائل والسامع أيضا .. وهو الذى يعطى الفرصة كاملة للعقل لأن يفكر وللقلب كى يعتبر ويهتدى . 

4 ـ وعبادات الاسلام لامجال فيها للصوت العالى ، فالصلاة ينطق بها المسلم بصوت خفيض يخاطب بها ربه جل وعلا وهو السميع العليم ، والله تعالى ينهى عن الجهر بالصلاة ويقول "ولاتجهر بصلاتك ولاتخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا" : 17/110 . ومع ذلك فالميكروفونات تقتحم الجدران تسلطها المساجد والزاويات فى الاتجاهات الأربعة ، تعلن مخالفة كتاب الله تعالى فى عدم الجهر بالصلاة ، فالصلاة، علاقة خاصة بين العبد وربه، ولكنهم يعلنوها على الناس ويغضبون بذلك رب الناس .

5 ـ والله تعالى يأمر بأن يكون المسلم ذاكرا لربه فى سره بصوت خفيض ويقول " واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول: 57 ـ 2  ويأمر بأن يكون الدعاء لله فى صوت خافت خاشع" ادعوا ربكم تضرعا وخيفة ".. "وادعوه خوفا وطمعا ":  7-55-56  . ومع ذلك فنحن نحول الدعاء والذكر والتضرع الى مهرجانات من الصراخ والعويل ، ولا يلتفتون لتشريعات الله تعالى فى القرآن .

6 ـ  لقد كان الصراخ إحدى وسائل قريش فى التشويش على القرآن حين يتلى حتى لا تتسرب دعوته الهادئة للقلوب والعقول . والله تعالى يحكى تآمرهم فى هذا الشأن   " وقال الذين كفروا لا تسمعوا  لهذا القرآن والغوا فليه لعلكم تغلبون : 41/ 26 . وكانوا يعقدون مجالس صاخبة يسمرون فيها صارخين بالهجاء للقرآن : (  مستكبرين به سامرا تهجرون:23-67 . ونزل القرآن الكريم يعلم المسلمين الصوت الهادىء فى الحديث " واغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير 31-19   وبعض الاعراب حديثى العهد بالإسلام كانوا يتكلمون مع النبى بصوت عال فقال الله سبحانه وتعالى لهم ليعلمنا : ( ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق  صوت النبى ولاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض : 94-2 .

7 ـ ان الجهر مذموم خصوصا اذا حمل السوء من القول  ان الحالة الوحيدة التى يغفرها الله تعالى فى ذلك الصراخ هو المظلوم حين يصرخ بالسوء من القول : ( لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم: 4- 148 ) .. والمؤسف أن ذلك الصراخ الذى يطاردنا فيه الكثير من اللغو فى الدين وفيه الكثير من الأقاويل التى لم يعرفها الرسول عليه السلام ،  وكأنما أعوزتهم الحجة فلجأوا للصراخ والعويل والتهديد والوعيد . وأخشى أن يكون ممن ينطبق عليهم قوله تعالى لإبليس " واستفزز من استطعت منهم بصوتك 17-64 ..  فذلك الاستفزاز الصوتى مرجعه لكيد الشيطان طالما ينهى عنه القرآن .

8 ـ والحقيقة ان الشيطان يختفى خلف كثير من العمائم والذقون ..

ولذلك فهم يصرخون  فلندعهم يصرخون ..

 

قال الراوي :  قتل المنافقين ( 1/11/1993 )                          

   بعض القراء يعتقد أن القرآن نزل يأمر بقتل المنافقين الذين لم يرفعوا السلاح . ويستدل بقوله تعالي عنهم" ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا "33/ 61 .  وهذا خطأ. وربما مرجع الخطأ في الاستشهاد بالآية الكريمة إلي عدم الفهم لكلمة " ثقفوا" فهذه الكلمة ومشتقاتها معناها الاصطدام الحربي والتقاء جيشين علي أرض المعركة وبهذا المعنى وردت الكلمة في القرآن الكريم في مواضع القتال .. ونتتبع ورود هذه الكلمة في القرآن :

1- في تشريع القتال وكيف أنه للدفاع ورد الاعتداء ، يقول تعالي " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" ثم يقول تعالي بعدها " واقتلوهم حيث ثقفتموهم2/190، 191 أي اقتلوهم حيث تقابلتم معهم في المعركة حال كونهم معتدين عليكم..

2- وعن المشركين الذين ينقضون العهد ويعتدون علي المؤمنين يقول تعالي" الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون" ثم يقول تعالي بعدها " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون:8/56: 57" أي حين تقابلهم في أرض المعركة فاجتهد في هزيمتهم حتي يكونوا عبرة لغيرهم من مؤيديهم لعلهم يذكرون وينتهون.

3- وإذا كان المسلمون مؤمنين بالله تعالي حقا ومؤمنين بكتابه ورسوله صدقا فلن يهزمهم اليهود ، وهذا وعد الله تعالي الذي لا شك فيه ، يقول تعالي عن اليهود " لن يضروكم إلا أذي وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون" ثم يقول تعالي بعدها عن اليهود" ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا : 3/111: 112 " أي كتب الله عليهم الذلة أينما التقى بهم المسلمون في أرض المعركة . وذلك طبعا إذا نصرنا الله تعالي في عقيدتنا ، ولكننا نكذب بآيات القرآن إذا تعارضت مع بعض الأحاديث المكذوبة المنسوبة للنبي .. فكيف ينصرنا الله؟

4- ويقول تعالي عن المشركين للمؤمنين " إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء :60/2" أي حين يلقوكم في المعركة تظهر عداوتهم لكم برغم أنهم أقاربكم..

5- وجاءت كلمة " يثقف" أو مشتقاتها بالنسبة للمنافقين في موضعين وبنفس المعني أي الاصطدام الحربي .

5 / 1 :   جاءت بالنسبة للأعراب البدو حول المدينة وكانوا أشد الناس كفرا وأشدهم نفاقا ، وبعضهم كان ينافق المؤمنين ثم يتآمر عليهم ويتحالف ضدهم ويقطع الطريق علي المدينة فقال تعالي فيهم " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلي الفتنة اركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم :4/91"  أي إن اعتزلوا القتال وركنوا إلي السلام وكفوا أيديهم عن الحرب فهم منافقون مسالمون لا يجوز قتالهم أو قتلهم أما إذا شنوا الحرب فعلي المسلمين أن يقاتلوهم حيث التقوا بهم في الميدان ..

5 / 2 :  وفي غزوة الأحزاب اشتدت حركة المنافقين داخل المدينة ، وكان منهم من يعوق المسلمين عن الحرب ، ومنهم من يروج الإشاعات ، وكانوا قاب قوسين أو أدني من رفع السلاح ضد المؤمنين في ذلك الوقت العصيب ، فقال تعالي يحذرهم " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا :33/60: 62". أي إذا لم ينته المنافقون عن تآمرهم وعملهم طابورا خامسا للمشركين وهم يحاصرون المدينة فسينزل الأمر من الله بقتالهم ومعني ذلك أن تنتهي الحرب بهزيمتهم وخروجهم من المدينة لأن سنة الله تعالي لا تتبدل هي نصر المؤمنين علي المعتدين الكفار إذا كان المؤمنون مؤمنين حقا.. فقوله تعالى عن المنافقين" ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " يعني الحكم عليهم باللعنة والهزيمة إذا التقوا مع المؤمنين في معركة كانوا فيها ظالمين معتدين. وقوله تعالي بعدها " سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا " يؤكد أن الموضوع هنا موضوع قتال بين جيشين ، وأن سنة الله وحكمه هي نصر الذين ينصرونه ويقيمون منهجه . ونظير ذلك ما يقوله تعالي " ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا:48/22"    والمهم أن قوله تعالي " ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " تتحدث عن منافقين دخلوا حربا مع المؤمنين ولا علاقة لها بمنافق أو مرتد مسالم لا يرفع سلاحا ..

6 ـ ويبقي بعد ذلك أن نقول أن الله تعالي أمر بجهاد المنافقين والمشركين في  آيتين في القرآن " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير : 9/73،  66/9" فهو أمر بالجهاد وليس أمرا بالقتال . والجهاد قد يكون بالكلمة والموعظة وقد يكون بالسيف . وفي حالة السيف والحرب فله قواعد وتشريعات تؤكد أنه لدفع الاعتداء وليس للاعتداء . والله تعالي بقول للنبي في سورة مكية عن القرآن" فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا:25/52" فالنبي يجاهد المشركين في مكة بالقرآن فقط . وكان  ذلك جهاداً كبيراً.

 

 

قال الراوى : لانبتغى الجاهلين

1 ـ أصدر الأشياخ قراراً بأن إحدى الطوائف الصوفية مرتدة لأنها قالت في أحد كتبها أن النبى كان يعلم الغيب ، واستشهد الأشياخ بالآيات القرآنية الكثيرة التى تؤكد أن النبى لا يعلم الغيب ، وقالوا أن العلم بالغيب صفة إلهية وإسناد الغيب للنبى معناه تأليه النبى وذلك خروج عن الإسلام . ولنا على مواقف الأشياخ تعليقات وأكثر من علامات للتعجب .

2 ـ الكتاب المذكور لتلك الطائفة الصوفية سبق لنا أن هاجمناه منذ أكثر من عشر سنوات في داخل جامعة الأزهر ، وأثبتنا تناقضه مع الإسلام ، ووقف ضدنا نفس الأشياخ تقريباً الذين يرتدون ثوب البطولة هذه الأيام.

3 ـ أثاروا أكثر من علامة تعجب لأنهم بهجومهم على تلك الطائفة الصوفية وكتابها المذكور إنما يهاجمون التصوف وأولياءه المقدسين ، فالكتاب يكرر ويردد نفس المقولات في تأليه النبى والأولياء الصوفية . وما يقوله الكتاب قاله من قبل كبار الاولياء الصوفية أمثال ابراهيم الدسوقي في "الجوهرة" الامام الغزالي في "الاحياء"وفي "مشكاة الانوار"ناهيك عن ابن عربي وعبدالكريم الجيلي والشعراني ،وكتبهم مشهورة ومنشورة ، فالحكم علي هذه الطائفة بالكفر ينطبق على اشياخ التصوف سواء من كان منهم معتدلا أو صريحا متطرفا . والذين دفعوا لتكفير تلك الطائفة الصوفية باعتبارها " الحيطة المايلة" يلزمهم آلاف الملايين من الريالات ليحكم لهم الأشياخ بتكفير أئمة التصوف طالما أصبح هنا مزاد لتكفير الطوائف والأفراد.  وليكن واضحاً أننى منذ عشر سنوات تقريباً حين ناقشت الكتاب المذكور من واقع دراستى للتصوف وعلاقته بالإسلام فقد حرصت على توضيح الفجوة بينهما من خلال ذلك الكتاب ، ولم أخرج عن دائرة النصح والتوجيه إلى دائرة التكفير والحكم بالردة . ومع ذلك فإن موقفى حينئذ لم يعجب الأشياخ قد كان بعضهم يتلقى الدعم من تلك الطائفة .

4 ـ والأشياخ حكموا على الطائفة المذكورة بالردة لأنهم يسندون علم الغيب للرسول ، وقد قالوا بأن النبى لا يعلم الغيب . وصدق الأشياخ في ذلك ، ولكنهم أوقعوا أنفسهم فى مأزق هائل يثير عليهم عدة تساؤلات . وأكثر من علامة استنكار .

4 / 1 : فإذا كانوا يؤمنون بالآيات القرآنية التى تؤكد أن النبى لا يعلم الغيب فلماذا يؤمنون بما يناقض تلك الآيات القرآنية من الأحاديث الكاذبة التى تجعل النبى يتحدث في الغيبيات ؟ فطالما لا يعلم النبى الغيب فليس له أن يبشر أحداً بالجنة من أصحابه لأن ذلك غيب لا يعلمه إلا الله ، وليس له أن يتحدث عن عذاب القبر والثعبان الأقرع ، وليس له أن يتحدث عن علامات الساعة والمسيح الدجال والمهدى المنتظر ونزول المسيح ، وليس له أن يتحدث عن غيوب القيامة مثل أحاديث الشفاعة فالشفاعة غيب والنبى لا يعلم الغيب . ومعنى ذلك أن تأكيد القرآن على أن النبى لا يعلم الغيب ينفى كل تلك الغيبيات . فالله تعالى قال لخاتم النبيين " قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلى "46/9 "،  أى أمره ربه تعالى أن يعلن أنه لا يدرى ما سيحدث له أو لغيره .

4 / 2 : فإذا كان الأشياخ يؤمنون بكتاب الله فعلاً فليعلنوا براءتهم من تلك الأحاديث الكاذبة التى سببت تخلف المسلمين وجعلتهم يعيشون في غيبيات متصلة يستيقظون على أحاديث الشفاعة فتشجعهم على المعاصى لأن هناك من سيشفع فيهم ، ثم ينامون على أحاديث الثعبان الأقرع وكوابيس عذاب القبر ، وفيما بين هذا وذاك لا يوجد لديهم مجال للتعقل أو تنفيذ أوامر الله تعالى في السير في الأرض والبحث عن آلاء الله تعالى في الكون .

 4 / 3 :   وإذا كانوا يؤمنون فعلاً بالآيات القرآنية التى تؤكد أن النبى لا يعلم الغيب لماذا كان التحقيق معى فى الجامعة  1985 حول كتاب الأنبياء في القرآن الذى يثبت من خلال القرآن الكريم أن النبى لا يعلم الغيب ولا يشفع وليس معصوماً عصمة مطلقة بل إن عصمته من خلال الوحى فقط ؟ ولماذا ثاروا علىّ حين أصدرت كتابى " المسلم العاصى " سنة 1987 الذى أكد القرآن أن النبى لا يعلم الغيب وأنه لن يتدخل لإخراج أحد من النار ؟ ولماذا ضغطوا ومعهم النفوذ الخارجى حتى وضعتنى الحكومة في السجن في نوفمبر 1987 ؟ ونشرت أخبار اليوم على لسان الأشياخ أن سبب ما ألاقيه هو أننى أنكر الغيبيات التى أعطاه الله تعالى للنبى؟  كانوا يقولون وقتها بأن النبى يعلم الغيب والآن يقولون العكس .  

لن ينفع أحد أحدا : " يوم يفر المرء من أخيه وأمه أبيه وصاحبته وبنيه " " يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله" . "يوم لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً"  . " يوم لا تجزى نفس عن نفس شيئاً ولا تقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولاهم ينصرون ". " يوم لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها  شفاعة ولا هم ينصرون" ." يوم تتقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا" . يوم يقولون " ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم  ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً " ..  يوم يقول الرسول متبرئا ممن يكذب عليه ويهجر القرآن :" يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا " .

  أما نحن في هذه الدنيا فعلينا أن نتحمل الأذى والافتراءات ونعرض عن الجاهلين تمسكاً بقوله تعالى " وإذا سمعوا اللغوا أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين " .

 

قال الراوي :  إنما الغيب لله !! (  29/ 11/ 1993 )

  1 ـ    كان عثمان بن مظعون من السابقين في الإسلام وصاحب هجرتين ، والروايات تقول إنه وهو يحتضر قالت امرأة عنه" هنيئا لك أبا السائب لقد أكرمك الله "، وتقول الروايات أن النبي قال لها " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ فقالت المرأة : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فمن يكرمه الله ؟ فقال النبي أما هو ــ أي عثمان بن مظعون ــ فقد جاءه اليقين ــ أي الموت ــ والله أني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي.".  تلك رواية بشرية تؤكد أن النبي لم يكن يدري ما سيحدث له أو لغيره في المستقبل، والقرآن الكريم هو مصدرنا الوحيد في السمعيات أو العقائد وأحوال القيامة والغيب كما يقول علماء الأصول، وفيه آيات كثيرة تؤكد علي أن النبي عليه السلام لم يكن يعلم الغيب وما سيحدث له أو لغيره والله تعالي يقول له "  قل ما كنت بدعا من الرسل ، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ، إن أتبع إلا ما يوحي إلي: 46ـ 9."

 2 ـ والله تعالي أعطي لبعض الأنبياء العلم ببعض الغيب دليلا علي صدق نبوتهم ، فكان عيسي عليه السلام يقول لقومه " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم : 3/49 "، ويوسف عليه السلام قال " لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، ذلكما مما علمني ربي:12/37".  أما بالنسبة لخاتم النبيين فقد أمره ربه أن يعلن أنه لا يدري ما سيحدث في المستقبل لأن الله تعالي لا يعطي العلم ببعض الغيب إلا لمن ارتضي من رسول " قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا، عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول: 72/24".  وكان النبي يسألونه كثيرا عن موعد الساعة وتتكرر الإجابة تؤكد إنه لا يعلم الغيب وأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب وأحوال القيامة : " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو" والآية التالية تقول للنبي " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء: 7/187 " وفي سورة أخري " يسألونك عن الساعة أيان مرساها ، فيم أنت من ذكراها ، إلي ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها :79/42 " ومع ذلك فقد زيفوا أحاديث نسبوها للنبي عليه السلام في أنواع الغيب مثل عذاب القبر وأحوال القيامة وعلامات الساعة والشفاعة .

3 ـ وابن القيم الجوزية ، وضع كتابا في الأحاديث الضعيفة سماه المنار المنيف في الصحيح والضعيف " وقد ألمح إلي نفي الأحاديث التي تتحدث عن الغيب وأحوال الساعة والقيامة ، وكان دليله أن النبي كان لا يعلم الغيب ( المنار المنيف 140: 143.)

 4 ـ إن تلك الأحاديث ليست فقط افتراء علي الله ورسوله ودينه ولكنها أيضا أدت إلي تدهور المستوي العقلي للمسلمين ، فالقرآن حصر الغيبيات في دائرة ضيقة وجعل العلم بها مقصورا علي رب العزة جل وعلا في القرآن الكريم وحده ، وأكد أكثر من مرة علي أن النبي نفسه لا يعلم الغيب وأمره أن يعلن ذلك ، وبذلك أفسح المجال للعقل البشري أن يفكر بلا حدود في عالم الحس والمشاهدة بعد أن اتضح أن الغيب فوق علم البشر.

5 ـ ولكن حدث العكس ، إذ استباح المسلمون حرمة الغيب ، واسندوا للنبي والأولياء الصوفية أقاويل في عوالم الغيب وأحاطوها بالتقديس . وبذلك تضخمت الغيبيات وكلما تضخمت الغيبيات ازداد حجم الخرافات المقدسة وتضاءلت بالتالي المساحة المتاحة للتفكير العقلي والبحث العلمي .. بل أصبح المفكر الحر متهما بالكفر إذا تعارض فكره مع تلك الخرافات الغيبية المقدسة ، وزاد الأمر سوءا أن أصبحت تلك الخرافات الغيبية تفسر الظواهر الطبيعية وتقول فيها الكلمة النهائية التي يجب أن يسمعها الجميع وإلا أصبحوا مارقين من الدين ، وهناك أمثلة عديدة فالخرافة القائلة بأن الأرض يحملها حوت ذكرها المسعودي في مقدمة كتابه " مروج الذهب " عن رواية لابن عباس، وذكرها الطبري في مقدمة تاريخه ، وذكرها ابن كثير في تفسيره لسورة القلم .. والبخاري يذكر حديثا يقول أن الشمس عندما تغرب تصعد إلي عرش الرحمن فتقول يارب إن قوما يعصونك فيأمرها بالرجوع .

6 ـ وتضخمت مساحة الخرافات في العصر المملوكي عندما سيطر التصوف وسادت خرافة العلم اللدني وعلم الأولياء بالغيب ، وأصبحت خرافاتهم المضحكة تحظي بالتقديس ويخر أمامها العقل ساجدا إذا كان حينئذ عقلا ، وفي طبقات الشرنوبي للإمام البلقيني يفسر إبراهيم الدسوقي القرآن علي طريقته ، يقول مثلا " وفككت طلاسم سورة الشمس فرأيتها أكبر من الدنيا مائة وستين مرة.. وفككت طلاسم سورة الزلزلة فعرفت إن الأرض يحملها ثور بقدرة رب العالمين .."

7 ـ وفي الوقت الذي عاش فيه المسلمون أسري لهذه الخرافات كانت أوربا تتحرر من سلطة الكنيسة الكاثوليكية وترسل حملات الكشوف الجغرافية وتكتشف العالم الجديد في الغرب والجنوب ، ثم تستدير للمسلمين لتستعمر بلادهم ، وحين هبطت الحملة الفرنسية إلي مصر التف العلماء يقرأون البخاري ليقوم عنهم بهزيمة نابليون .. والرجل الأبيض الذي سيطر علينا ولا يزال ، يستعد الآن لاستعمار القمر والمريخ ، وبعضنا لا يزال يقدس الأولياء والكرامات ويؤمن بزواج الإنس والجن ويخشى من أن يركبه العفريت أو أن يظهر له شمهورش أو أبو رجل مسلوخة.. 

اجمالي القراءات 5341