معزة ولو بتطير

محمد حسين في الإثنين ١١ - يونيو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

هناك قاعدة استشفها دائما من الحياة ولم تنكسر او تشذ ابدا ، تلك القاعدة تحديت فيها كثيرين على ان يكسروها فلم يقوى احد على ذلك ، وذلك ليس لانى "فلتة" زمانى او "ماجبتنيش ولادة" ولكن هى قاعدة لا تحتاج مجهودا كى تُرَى ، فقد تحدث عنها القرآن فى اكثر من موقف واكثر من قصة ، وحتى حواديت الف ليلة وليلة تحدثت عنها وكل شئ يتحدث عنها يوميا ، الا وهى قاعدة القلة الصائبة والكثرة الخائبة .... وانا دائما امتعض شفتاى عندما اكون فى اختيارا تجمع عليه الكثرة واظل افكر وانظر نظرة "السهن" فى تلك ا&aacutute;حالة ، واذهب فى غالب الاحيان مع القلة نظرا لاننى ابن من ابناء امة ما اجتمعت على شئ الا وكان خائبا تافها .... ودائما اتذكر قصة الملأ من بنى سرائيل عندما ارادوا ملكا وطلبوها بافواههم ما كى يحاربونه قتالا فى سبيل الله ، فلما جاءت ساعة الحق والوعد تولى اكثرهم واخذوا "ديلهم فى سنانهم " وبقى القليل منهم يحاربون وهرب القوم "الفشارين" .... ولطالما سمعت المثل الشعبى القائل "الجرى نص الجدعنة" واحيانا "كل الجدعنة" فاقسم داخل نفسى اننى من وطن ورثوا "الخلع" من بنى اسرائيل .... وعودة الى القصة القرآنية عندما ابتلى الله من بقى من بنى اسرائيل بالنهر الذى نهى عن الشرب منه ملكهم طالوت ، فاظهرت الحكاية "المستخبى" فى الفئة المتبقية فمنهم من "ادى الطرشة" وشرب من النهر ومنهم من بقى وهم قلة .... ثم كان ان قال احدهم او بعض منهم انه لا طاقة لنا اليوم بجالوت حتى ردت اخراهم بانه كم من فئة قليلة هزمت فئة كثيرة .... وبقوا وهزموه وكان النصر للقلة المتبقية بعد عملية الفرز التى استخلصت الفئة القليلة جدا المتبقية من الفئة الكثيرة الاولية ....
وهكذا انا بطبعى اشك دائما عندما اجد الكثرة فى امتى مجتمعة على شئ ، وحاولت مرات قليلة ان اتبع كثرتهم فانهالت علية "الخواذيق" من كل جانب .... والنظر فى احوال امتى من كل جانب تجد ان هرولة الكثرة فى اتباع شئ ما ماهو الا هرولة الى ما تحمد عقباه ، ولعل من يتفكر للحظات فى تلك الكلمات سيحدث له ماحدث لى وستنقلب راسه مكان "جزمته" وسيستمر فى الهرش فى رأسه حتى ينحل فروها وجلدها ....
وليتك بعد كل هذا تجد لهذه الكثرة توجها ، فلا توجه لقوم فقدوا هويتهم ولا يعرفون اين هم ومن هم .... فقد سألنى احد اصدقائى ونحن فى جلسة عن الفكر او الاستراتيجة او "السيستم" للدول العربية عامة وعلى ارضى خاصة ، قلت له نحن تفردنا بميزة لم تتميز بها اى امة او اى شعب من شعوب الارض ، فنحن "مالتى سيستم" ، او على رأى عدوية "حبة فوق وحبة تحت" وانا اضيف اليه "وحبة فى النص" ، فقال لى كيف ؟ قلت له كى ارد على تلك الكيف يجب ان اعرف من اى جهة تدار تلك الانظمة او ما اذا كان ريموت تحويل النظام "جولدستار" ولا "ابو العربى" معذرة اقصد "توشيبا العربى" ، وكل ما اعرفه اننا مرة اشتراكيون ومرة شيوعيون ومرة علمانيون ومرة ليبراليون ومرة اخوان و"حاجات كتير ماقدرش اقولها" .... فسالنى الا يوضع شيئا يقول عن النظام فى الدول ، قلت له نعم ، قال فيجب اذا ان يكون هناك نفس الشئ ... قلت له لا ، معنا الحكاية مختلفة بعض الشئ ، لان نظامنا ابن حرام ولقيط ، لا تعرف من وضعه وماذا اراد من وضعه لذلك فالوليد شعبا لا يعرف النظام "من كوز الدرة" ....

**** 

"معزة ولو بتطير" مثل قاله وتناقلته العامة وهى تعى ماهيته ، وهذا من ضمن الاشياء التى طالما حلقت فوق رأسى وافكارى فى أننا نعظ بالأمثلة ولا نعمل بها ، وعندما نعمل بأمثلة ما فإنها دائما ما تكون اما امثلة تدعو الى النفاق او الجهل او الجبن او ما شابه .... وعلى سبيل المثال لا الحصر "اللى نعرفه احسن من اللى ما نعرفوش" "اللى ماتحتاجش لوشه النهارة بكرة تحتاج لقفاه" "الباب اللى يجيلك منه الريح" والاخير فى حد ذاته يحتاج مقالات ومقالات ، لأننى شخصيا لا اعلم اى ريح يقصدون ؟!!!! ولكن هذا ليس مجاله الآن ....
اما عن المثل القائل معزة ولو بتطير فهو مثل منطقى ينطبق حاله على حال الامة "الغير منطقية" باشملها وليست على بلدى وحدها ... فدائما تجد الشخص مهما حاورته لا يرد عليك الا بكلمة واحدة اما ان تجعلك قابعا فى بئر من الاكتئاب او انها تقودك الى الانفلات العصبى "والقولون العصبى" او انها تخرسك وتجعلك تعود وتقول لنفسك "معزة ولو بتطير" ....
اكاد اجزم اننى عندما يسألنى احدهم فى اى امر اقول له اقرأ واتى بمصادرك وحاول ان تحلل الاشياء وتجد وما يتفق بها مع المنطق ثم بعدها تناقش كى تصل الى اسمى اجابة ، ولكنها تبدو وكأنى اقول له "اشرب سم" مع ان اول كلمة انزلها الله كانت "اقرأ" -على حد علمى ومعرفتى- ولكن عندما تقول "اقرأ" يبغضك الاخرون وربما "يلعنون سلسفينك" .... ولو انى عاقل ما طلبت من احد ان يقرأ ويحبو نحو المعرفة ، لانهم هم نفس الاناس الذين هجروا كتاب رب العزة وهو القائل "اقرأ" فكيف هم بمسمعين لى ....
الفرد منا جاهل ولو نسبيا ويحتاج المزيد والمزيد ، فبئر الحقيقة والنور عميق وسحيق ويحتاج للتدريب حتى يستكشفه ، واستكشافه هو المعرفة والعلم ، وسلاحه هو القراءة والتفكر والتدبر والتعقل ، وتالله ما انا بآت بشئ من عندى ، ان هذا ما يطلبه منا الله عز وجل ، ولكن يبقى العقل "المتربس" يرفض ذلك ويود الظلام وكأننا الفنا الظلام واحببناه وتعايشنا معه ....
يسألك السائل واكاد اجزم انه ينتظر اجابة تريحه ، او الاجابة التى يودها ، ايا كان السؤال ، واذا اتت الاجابة بما لا توده نفسه فإنك خاطئ ومخطئ ومذنب ويقام عليك الحد لانك ارتكبت جرما فاحشا عندما اجبته ، ولان المجتمع اصبح مجتمعا منافقا فحلك معه اربعة حلول لا خامس لها ، اما ان تجيب بما هو ليس على هواه فتصبح مجرما ، او انك تسكت بعدما فتحت الموضوع وتكون خائفا وجاهلا ولست اهل علم وتصبح "ملطشة وتريقة خلق لله" او انك ترد بما تهواه نفسه وتصبح منافقا ، وساعتها لن ترحمك الالسنة حتى وان كنت معهم ، او انك "تاخدها من قاصرها" ولا تتحدث مع ايا منهم وتقف موقف المتفرجين "واديك اهبل من ضمن المهابيل" وتقول مع القائلين "معزة ولو بتطير" ....
الادمغة تم تآكلها ولم تعد صالحة لأى شئ ، والغيبوبة والتيه العقلى اصبح جزءا لا يتجزأ من سمة الشخصية العربية ، ولهذا اكلنا الاونطة بسهولة وتم بيع الاونطة لنا بسهولة .... 

*****
 
المسألة ليست مسألة قرآنيين او اخوان او شيعة او بهائيين ، المسألة فى اعتقادى الشخصى البحت هى مشكلة نظام لا نعلم ماذا يريدون ، ان كنت اخوانيا فأنت متهم وان كنت قرآنيا فأنت متهم وان كنت قبطيا فأنت متهم وان كنت شيعيا او بهائيا فأنت متهم وان كنت منحرفا فأنت ايضا متهم وان كنت ماشيا فى الشارع ووقع على رأسك عامود انارة فأنت ايضا متهم لانك "عملت عقلك بعقل العمود" والكل متهم على تلك الارض التى اصبحت تشع فسادا وانحرافا. المسألة اصبحت فى غاية التعقيد وغاية البساطة فى آن واحد ، وهى ان النظام بدأت تظهر عليه علامات الشيخوخة التى تهاجمه بضراوة ، فبدأ يتخبط يمينا ويسارا لا تدرى له هوية او اتجاه ، والكل من ناحية اخرى فى غيبوبة عميقة وسبات طويل اخاف ان يكون هو موتا ونحن مازلنا على اعتقادنا فى انها غيبوبة . فأنا وانت وكل من حولنا لا نعلم من يحكمنا ، واذا افترضنا انه هناك من يحكمنا لا نعلم ماذا يريد . الغلاء يمتص دم المواطن فى حين ان رواتبهم الشهرية بالكاد تكاد تشترى اليه حذاءا فى دولة اوروبية "سكند هاند" ، المرض يفتك بجسد المواطن وعقله ومات العقل ولا يعى فرقا بين موته وحياته ، التعليم مقزز ومقرف وتطلع عليه وانت بينك وبينه مسافات لا تعلم ماذا تتعلم ولا يعلم معلمك ماذا يعلمك لانه شخصيا جاهل بما يعلمه ، فيحدثك عن الميكروتكنولوجى وانت قابع بين صفائح الزبالة وانعدام الخلق والانحرافات اليومية التى اصبحت عادة من عادات المجتمع ان هلكت هلكت معها الشخصية لان الفساد اصبح قاعدة اساسية مبنى عليها يوم الانسان ويبدو الامر وكانه يعلم شيئا غيبيا خرافيا ، والمواصلات والمرور والبيوت والجوامع والكنائس والاطفال والحوارى والسكك الحديدية والصحافة والاعلام وكل شئ اصبح منحدرا ، لا يرتقى حتى الى مرتبة العالم الثالث ، كل شئ اهوج وكل شئ غريب وبعيد هناك على تلك الارض الطيبة ، وحتى المياه التى جعل الله منها كل شئ حى لوثوها وجعلوا منها كل شئ ميت . وكل هذا والمواطن سعيد بأنه غلبان ولا اعلم من هو الغلبان ، لا يقول شيئا فلا يسلم ، وان قال شيئا لا يسلم ، والفرق هو استعجال المصيبة ، فان سكت فالمصيبة ستأتى بعد بضعة ايام اما اذا تحدث وقال فالمصيبة تأتيه بعد ساعة ، وفى كلا الحالتين المصيبة قائمة .
كل شئ فسد واولياء الامور تفرغوا للمشاكل الخارجية ومشاكل الدول الخارجية ونسيوا ان لهم شعبا بل نسيوا انهم يحكمون فيجب ان يؤدوا ، وكل مسئول له سلطة اتخذها كحق ، فى اى دولة محترمة تجد المنصب امتياز للانسان كى يقدم خدماته لبلده ، وفى بلدنا المسئول يتخذ منصبه وكأنه حق له ، فتنقلب الموازين ، والمواطن لا يعلم من المسئول لانه يجهله تماما ولا يعرف متى جاء هذا المسئول واين وجد ولماذا ذهب ، الكل يأتى فى الدول المحترمة بالانتخاب والاقتراع الا فى وسطنا الذى يأتى فيه المسئول بالتعيين ، فلا يعى ولا يخدم لأنه دائما وابدا يعتقد انه حق له .

****
يا اهل الصلاح ، ايا كان انتماؤكم وايا كانت لغة ضمائركم ، ان اردتم ان تصلحوا فيجب ان تعلموا انكم تحاربون اناس الفوا الفساد ، وهذا الفساد هو ارضهم الصالحة التى ينبتون فيها ، وسوف يقاتلونكم بشتى الطرق لان الفساد هو فرصتهم للحياة ، وانا لا اعتقد مطلقا انهم سيوزعون على المريد اصلاحا "رز بلبن" هدية لمحاربته لهم ، ولكنهم سيحاربون بشتى الطرق الغير شرعية ، وليست الشرعية لانهم ليسوا شرعيون فى اماكنهم ..... اعلموا اننا فى قوم بهم فساد واخرس فيهم القوم الصالحين ، ذلك بان الفاسدين مجرمون وبلطجية سلطة ....
وانا مع كل هذا اعلم علم اليقين ان من معه الحق سيبقى الى النهاية ايا كان ضعفه وقلة حيلته ، وايا كان موطئه وموطنه ، وانا اعلم هذا لان ما من سلطة ولا ملك الا وكان بمشيئة الله ، وسيذهب بمشيئة الله ، "الم تر الى الذى حاج ابراهيم فى ربه ان اتاه الله الملك ...." البقرة 258 ، وهذا دليل قاطع على ان الله بيده كل شئ وهو على كل شئ قدير .... ومهما طال زمن مكرهم فمكر الله غالب والله خير الماكرين ....













اجمالي القراءات 13680