الناسخ و المنسوخ في نظره سريعة
الناسخ و المنسوخ في نظره سريعة

أسامة قفيشة في الأحد ١٣ - يناير - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

الناسخ و المنسوخ في نظره سريعة

بالنسبة للنسخ :

النسخ يعني النقل المشابه و المتماثل دون تغير , أي حين نقوم بنسخ شيْ فالمنسوخ يكون بنفس هيئة و كيفية المنسوخ عنه ( الناسخ ) ,

و النسخ لا يقتصر على الكتابة فقط , بل هو معنى أعمق و أوسع و أشمل من ذلك , فهو يشير للكتابة و القول و الفعل , فلا يمكن اقتصار مفهوم الناسخ و المنسوخ بمفهومه الضيق بآيات الذكر الحكيم أو بأحكامه الشرعية , بل يجب النظر في مفهومه العام و الشامل ,

و عجباً لمن يقول بان النسخ يعني الحذف و الإلغاء , و ما الحذف و الإلغاء إلا المعنى المضاد للنسخ ! و كما قلت فالنسخ هو أوسع و أشمل من ذلك كله ,  

فعلى سبيل المثال حين تأتي بكتاب و تقوم بنقل محتواه من كلمات في كتابٍ آخر فهذا نسخٌ له ,

أو حين تأتي بصورة ما و تنقل رسمها أو تقوم بطباعتها فهذا نسخٌ لها , و هذا فيما يتعلق بمفهوم النسخ الذي يشير للكتابة ( أي المرئيات ) , أما فيما يتعلق بالنسخ في الأقوال ( السمعيات ) فهو النقل الحرفي لما تم سماعه , فحين يقوم شخصٌ بنقل كلام شخصٍ آخر فهذا يعتبر نسخاً للقول ,

و فيما يتعلق بالنسخ في الأفعال أو الأعمال أو الحركات ( التمثيل و التشكيل ) فهو نقلٌ مطابقٌ للأصل , فحين يقوم شخصٌ بتقليد حركة شخصٍ آخر فهذا نسخٌ لتلك الحركة , و حين تقلد عمل شخصٍ فأنت تنسخ عمله , و حين تقلد فعله فأنت تنسخ هذا الفعل ,

فعلى سبيل المثال لو أن إحدى شركات السيارات قامت بصناعة سيارة بمواصفات و شكلٍ ما و قامت شركة أخرى بتصنيع نفس السيارة بنفس الشكل و المواصفات فتلك عملية نسخٍ لها .

إذا فالنسخ كما نلاحظ فهو النقل بشرط التطابق و التماثل و الانسجام التام ما بين المنسوخ و المنسوخ عنه ( الناسخ ) , نقلٌ بكافة التفاصيل .

و فيما يقوله أهل السنة بأن النسخ يشير لتغير الحكم الشرعي فهذا غير صحيح , لأن نسخ الشيء يعني بأن يكون المنسوخ مطابقا و مماثلاً لأصل المنسوخ عنه ,

و إن كان النسخ يقتصر على آيات الذكر الحكيم و الأحكام بأنها لا تتغير , فهذا أيضاً لا يؤخذ به , و لنأخذ بعض الأمثلة على ذلك , فالقبلة في الصلاة قد تغيرت , و هذا واضح من نص كلام القرآن الكريم , و في مثالٍ آخر فقد تغير حكم الصيام و هذا أيضاً واضح و صريح في نص القرآن .  

و من خلال البحث نلاحظ بأن تغير بعض الأحكام بأحكام أخرى فهو أمرٌ وارد كما القبلة و الصيام و هذا لا يعني نسخاً لأن التغير كان جذرياً و مختلفاً , و لأن النسخ يجب أن يكون نفس المنسوخ فهنا لا يمكننا القول بأن تغير الأحكام يعد نسخاً لها .

لو نظرنا لسياق الآيات التي تتحدث عن النسخ ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ * أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) 106-108 البقرة ,  

هنا نلاحظ بأن المقصود بالآية التي ينسخها الله جل وعلا لا تشير إلى آيات القرآن الكريم أو قوله جل و علا و أحكامه , بل تشير للمعجزات الحسية التي أتى بها الرسل عليهم جميعا أفضل السلام , و هذا للأسباب التالية :

أولا : هناك عملية نسخ لتلك الآيات ( المعجزات ) أي تكرارها , و تكرارها يرجع لسبب جوهري و هو أن تلك المعجزات الحسية مؤقتة و ليست دائمة , لأنها مرتبطة بحياة الرسول , فبموت هذا الرسول و رحيله تنتهي معه تلك المعجزة , و كلام الله جل وعلا يتحدث عن نسخ ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ) كما يتحدث عن احتمالٍ آخر و هو النسيان و التلاشي و الحذف التام ( أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ) و في هذه الحالة لا يتم نسخها أو تكرارها بل الإتيان بخيرٍ منها ,

فالنسخ للآية هو الإتيان بمثلها (أَوْ مِثْلِهَا ) , و الاحتمال الآخر هو الإتيان بمعجزة أخرى تحل مكانها و تكون خيراً و أفضل من تلك المعجزة السابقة .

ثانيا : كل آيات الذكر الحكيم هي كلام الله جل وعلا و هو جميعه خير الكلام , فلا يجوز لنا القول بأن بعض كلامه خيرٌ من البعض الآخر ! لذا قوله جل وعلا ( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ) لهو دليلٌ قاطع بأن المقصود بتلك الآية هو المعجزة الحسية التي بحوزة الرسل و ليس المقصود هنا كلامه جل وعلا .

ثالثاً : قوله جل وعلا في سياق الآيات ( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى ) و هنا إشارة شديدة الوضوح تدل بأن تلك الآية التي ينسخها الله جل وعلا أو يأتي بخيرٍ منها تشير و تدل على المعجزة الحسية التي طالبوا بها الرسول محمد بأن يأتيهم بها .

ملخص القول نجد بأنه لا مشكله في تغير الحكم الشرعي من قبل الله جل وعلا و هذا لا يسمى نسخاً , كما نجد بأن النسخ هو في جانب المعجزات الحسية و ليس في قول الله جل وعلا , فالمعجزات الحسية إما أن تتكرر مع بعض الرسل ( و هذا هو نسخها ) , أو أن يتم تأيدهم بمعجزةٍ حسية جديدة , أو يؤيدهم بشيءٍ آخر مختلف تماماً يكن بمرتبةٍ أفضل من تلك المعجزات الحسية التي تتكرر و تنسخ ,

و هذا ما حدث مع محمد علية السلام حيث لم يؤيده الله جل وعلا بأيٍ من تلك المعجزات السابقات بل أيده بخيرٍ من ذلك كله و هو كلامه جل وعلا الوارد في كتابه الكريم فكان هو الآية و المعجزة الفكرية الخالدة , فكان خيراً من كل المعجزات و الآيات الحسية السابقة , فكان هو وحده معجزةً دائمة لا تنتهي و لا تتوقف إلى يوم الدين .  

و من الجدير ذكره أيضا هو محاولة البعض القول بأن الله جل وعلا يبدل القول بمعنى يغير القول , و يستشهدون على ذلك بقوله جل وعلا ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) , فهنا التبديل لا يعني التغيير بل يعني النقل و استبدال المكان فقط دون أي تغيير باللفظ أو المعنى , فالتبديل هنا تم ربطه بالمكان , و هنا إشارة لنا بأنه قد تم نقل بعض الآيات من سياقها إلى سياقٍ آخر أي تم تبديل مكانها بين السور و الآيات إلى أن تم ضبط هذا التوزيع و الإفراز بوحيٍ من الله جل وعلا لنبيه محمد عليه السلام بعد أن اكتمل نزول القرآن و بدأ عليه السلام بتجميعه حسب الأمر و الوحي الإلهي .         

اجمالي القراءات 6145