تحريف التواتر فى الصلاة بين الفقه والحديث : ( مقدمة )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٤ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تحريف التواتر فى الصلاة  بين الفقه والحديث : ( مقدمة )

أولا :

كتب الحديث ليست مصدرا لتعلم الصلاة   

1 ـ هب أنك مطالب بالبحث عن الصلاة وكل ما يتعلق بها فى كتب الأحاديث المختلفة ، وأن ذلك فرض دينى لا بد منه على كل مسلم عالما كان أم جاهلا قارئا كان أم أميا ، شابا أم شيخا ذكرا أم أنثى. هل يستطيع كل فرد عمل ذلك ؟

هب أن كل تلك الكتب ـ التى لا نهاية لصفحاتها ولا نهاية لاختلافاتها وتناقضاتها ـ  كانت جزءا من الدين ونحن مأمورون بقراءتها وتلاوتها ودراستها كالقرآن الكريم ، من يستطيع اداء هذا الواجب الدينى وتلك الفريضة؟

2 ـ  الرحمةالالهية اقتضت أن يكون لك كتاب إلهى واحد ميسر للذكر مفصل كامل تام حتى لا  تضيع بين اسفار البشر الكاذبه المختلفة المتناقضة . ولأنه لا إله الا الله الواحد فليس الا كتاب واحد هو القرآن، اذا اتخذت معه كتبا أخرى فقد جعلت مؤلفى هذه الكتب آلهة مع الله ، وجعلت شخصياتهم فوق النقد وفوق الخطأ ، وتناسيت انهم بشر سيتعرضون للحساب مثلى ومثلك أمام الواحد القهار جل وعلا.

3 ـ لقد ظل خاتم النبيين متمسكا بكتاب الله وحده متبعا لوحى الله وحده ، ثم دخل المسلمون عصر الفتنة ولم يخرجوا منه حتى الأن ؛ ولابد للفتنة من دستور ينشر الخلاف والتفرق فاخترعت أحاديث منسوبه للنبى راجت فى عصر الفتنة الكبرى ، ثم ازداد إنتشارها بمرور الزمن إلى أن تم تدوينها منذ القرن الثالث الهجرى وأصبحت  الدستور الحقيقى الذى يتمسك به المحمديون حتى الآن، بل على أساسه يتهمون القرآن بأنه ناقص مجمل ولا يكفى وحده فى بيان الدين . والحجة المفضله لديهم هى أن القرآن ليس فيه عدد ركعات الصلاة ومواقيتها ... وأن الاحاديث هى التى ذكرت ذلك كله .

4 ـ وهذة الحجة المضحكة يقولها الكثيرون من الجهلة محترفى العلم ومن محترفى التدين بل يقولها من لم تعرف قدماه مسجدا للصلاة . مجرد عبارة يقولونها دون تفكير واكتسبت بالتكرار مصداقية عند الناس لأن احدا لم يناقشها بل لم يتوقف معها بعقله دون أن يتساءل : اذا كانت كتب الاحاديث هى التى يتعلم منها الناس كيفيه الصلاة ، فهذه الكتب قد كتبها اصحابها منذ القرن الثالث الهجرى . فكيف كان الناس يصلون قبل تأليف هذه الكتب ؟ وهل انتشرت هذه الكتب التى يتعلم منها المسلمون منها الصلاة بحيث أصبح لكل مسلم على اتساع الدوله العباسية كتاب ينظر اليه يتعلم منه الناس الصلاة ؟ وفى عصرنا الراهن يتعلم الجميع كيفيه الصلاة وموقيتها حتى لو لم يكن من المصلين ،  فهل قرأ البخارى او مسلم او غيره ؟. ثم أئمة الحديث الشمهورون فى العصر العباسى الثانى من القرن الثالث الهجرى كانوا من الفرس ، أى دخل آباؤهم الاسلام وتعلموا الصلاة على أيدى ولاة الصلاة ، فهل هم الذين نتعلم منهم الصلاة ؟ وهل هم مصدر الصلاة ؟

5 ـ ان علماء السّنة البشرية يقولون أن الاحاديث كلها آحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين ويجوز العمل بها عند الترجيح. فهل تكون تلك الأحاديث مصدرا يقينيا لتأدية الصلاة ؟

6 ـ إن تأدية الصلاة توارثناها فى مصر ( مثلا ) عبر اسلافنا المصريين الذين أسلموا وتعلموا الإسلام واللغة العربية على أيدى الفاتحين العرب سنة 20 هجرية وقبل أن يولد البخارى وغيره ، أكثر من ذلك لا يوجد حديث واحد فى البخارى وغيره يفصل كل شىء عن كيفية الصلاة ومواقيتها وكل ما يتعلق بها من بدايتها الى نهايتها من الصبح  الى العشاء . بل أكاد اقطع بالقول بأن أحدا من المصلين لم يفتح كتاب البخارى ليتعلم منه الصلاة ؛ ولو فعل لخرج قراءته بالشك فى الصلاة ؛ وذلك هوالدور الحقيقى االذى تقوم به كتب الاحاديث المشهورة.... وهاتوا برهانكم ان كنتم  صادقين .!

ثانيا :

كتب الأحاديث والتشكيك فى الصلاة : ( البخارى نموذجا )

نقول لمن يتهم كتاب الله بالتقصير لأن عدد الركعات لم تأت فى القرآن بينما جاءت فى كتب الاحاديث وأهمها البخارى :

1 ـ وفى صفحة واحدة يقول البخاري "كان النبي يتوضأ عند كل صلاة" وبعدها مباشرة حديث يناقضه "إن النبي صلى المغرب ولم يتوضأ" (البخاري: الجزء الأول ص 62).
2 ـ وتأتى أحاديث كثيرة تحض على سرعة التبكير بالذهاب لصلاة الجمعة، وتملأ هذه الأحاديث صفحات من البخاري ثم يتبعها حديث ينقضها جميعاً يقول "إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".. (البخاري: الجزء الثاني ص 3، 4، 8، 9)

3 ـ وروايات متناقضة في صلاة الكسوف تملأ صفحات وقد يخرج منها القارئ بتصميم على ألا يصلى الكسوف أبداً (البخاري: الجزء الثاني ص 42: 50)

4 ـ وأحاديث تحذر من المرور بين يدى المصلى وتأمر المصلى أن يخرج من صلاته ليقاتل ذلك المسلم الذى مر أمامه لأنه شيطان "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله إنما هو شيطان" "لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه". وفى نفس الصفحة أحاديث تبيح ذلك منسوبة لعائشة "لقد رأيت النبي يصلى وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير" "كنت أنام بين يدى رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما" ثم حديث ابن عباس "أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلى بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدى بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علىّ أحد" وأحاديث أخرى تجعل الحمير والخراف والنساء تمر أمام النبي وهو يصلى، فأيهما نصدق؟ (البخاري: الجزء الأول ص 128: 129، الجزء الأول ص 29، ص 126).
5 ـ  وهناك أحاديث تأمر المرأة بأن تصلى وهى حائض وأحاديث أخرى تنهى عن ذلك (البخاري: الجزء الأول ص 81، 84، 85، 86).

6 ـ وأحاديث تأمر بالصلاة بعد الصبح وبعد العصر وأحاديث تنهى عن ذلك (البخاري: الجزء الأول ص 143: 145).

7 ـ وأحاديث تثبت أن النبي كان يصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين في غير السفر وفى غير الخوف منها: "خرج علينا رسول الله بالهاجرة فأتى بوضوء فجعل الناس يأخذون منه فضل وضوئه فيتمسحون به فصلى النبي الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة" "أن النبي صلى بهم البطحاء وبين يديه عنزة الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه المرأة والحمار" (البخاري: الجزء الأول ص 57، ص 126).
8 ـ وأحاديث أخرى تقول أن النبي كان يصلى الصبح أربع ركعات "أن رسول الله رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة يصلى ركعتين فلما انصرف رسول الله لاث به الناس وقال له رسول الله: الصبح أربعاً الصبح أربعاً" (البخاري: الجزء الأول ص 159: 160).

9 ـ من يؤمن بالبخارى ويجعله مصدرا للصلاة سيخرج من قراءة البخارى بالشك العظيم فى الصلاة ، بل ربما فى الشك فى الاسلام نفسه .
ومع هذا يجعلون البخاري وكتب الاحاديث مصدرا للمعرفة بالصلاة وكيفيتها ، ولم يتساءل احدهم كيف كان المسلمون يصلون قبل مولد البخاري ؟

ونكتفى بذلك حرصا على صحة بعض الناس .

ثالثا :

الفقهاء والتشكيك فى الصلاة :.

1 ـ الفاتحة كانت بداية الصلاة التى تعلمها إبراهيم واسماعيل ونزلت فى القرآن كما نزلت فى سائر الوحى لجميع الانبياء بكل اللغات . و الفاتحة عند الاسرائيليين  بنفس المعنى والتشابه بين الالفاظ العربية والعبرية واضح فيها .وبعد الفتوحات العربية تعلمت البلاد المفتوحة الصلاة وقراءة الفاتحة باللغة العربية . ثم كانت روايات الأحاديث الضالة التى  تشكك فى الصلاة وعلى أساسها دارعلم الفقه واختلافاته حول الصلاة التى  لم تعرف إختلافا قبل ظهور اولئك الفقهاء .

2 ـ واختلافات الفقهاء حول الصلاة كثيره إلا إننا نكتفى منها ببعضها - حرصا منا كالعادة على صحة بعض الناس .

2 / 1 : ينقل ابن كثير فى تفسيره للفاتحة إختلاف الفقهاء فى قراءة الفاتحة فى الصلاة هل يجب قراءتها ام لا يقول " فعند ابى حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه فى الصلاة "  " والقول الثانى انه تتعين قراءة الفاتحة ففى الصلاة ولا تجزىء الصلاة بدونها وهو قول بقية الائمة ......"  

2 / 2 : ثم اختلفوا فى قراءتها فى كل ركعة " فذهب الشافعى وجماعة من أهل العلم أنه يجب قراءتها فى كل ركعة وقال أخرون أنه تجب قراءتها فى معظم الركعات وقال الحسن واكثر البصريين : انه  تجب قراءتها فى ركعة واحدة من الصلوات " وقال ابو حنيفة واصحابه والثورى والأوزاعى : لا تتعين قراءتها بل لو قرا بغيرها أجزأه"

2 / 3 : ثم اختلفوا فى "هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم فى صلاة الجماعة ؟ فقال بعضهم أنه  تجب على المأموم قراءة الفاتحة كما يجب على الإمام . وقال بعضهم لا يجب على المأموم قرأءة الفاتحة او غيرها . وقال أخرون بوجوب قراءة المأموم فى السرية ولا يجب عليه الجهر. ولكل فريق فى الآراء السابقة إحتجاج بأحاديث متعارضة .

3 ـ ومن حسن الحظ أن هذه الآراء بقيت فى بطون الكتب بعيدا عن أغلبية الناس .فظلت مجرد آراء للفقهاء نصبوا من أنفسهم مشرعين فى دين الله جل وعلا. ولكن بعض الأحاديث انتشرت بين الناس جميعا لأنه كان يرويها القصّاص الذين كانت تعينهم الدولة أو كانوا يتطوعون بهذا العمل لنشر ايدلوجية ما أو عقيدة ما . كانت تلك الأقاصيص والحكايات تقال للناس فى المساجد بعد الصلاة فاستهوت عواطفهم واستولت على مشاعرهم، ولأن لبعضها دخلا بالصلاة فقد أصاب الصلاة منها تحريف لا يزال مع شديد الأسف ساريا حتى الان ، ونقصد بذلك أحاديث المعراج وصيغة التحيات .

ونتوقف ببعض التفصيل : 

اجمالي القراءات 6623