طقوس صلاة الجمعة الفاطمية ( 2 من 2 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٥ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

ثانيا :  طقوس صلاة الجمعة الفاطمية ( 2 من 2 )

تحت عنوان : (هيئة صلاة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين‏) أورد المقريزى معلومات ننقل منها :

1 ـ أسّس الخليفة العزيز بالله جامع الحاكم ، وفى أول خطبة فيه جلب اليه الفقهاء المعينين فى الجامع الأزهر، وسار للجامع الجديد فى موكب : ( وركب لصلاة الجمعة في رمضان سنة ثمانين وثلاثمائة إلى جامعه ، ومعه ابنه منصور ، فجعلت المظلة على منصور ، وسار العزيز بغير مظلة‏.). وكان فى موكبه خمسة آلاف شخص : ( وفي يوم الجمعة غرة رمضان سنة ثمانين وثلاثمائة ركب العزيز بالله إلى جامع القاهرة بالمظلة المذهبة ، وبين يديه نحو خمسة آلاف ماش ، وبيده القضيب وعليه الطيلسان والسيف‏. فخطب وصلى صلاة الجمعة وانصرف ، فأخذ رقاع المتظلمين بيده وقرأ منها عدة في الطريق. وكان يومًا عظيمًا ذكرته الشعراء‏.)  وفى العام التالى كانت حول موكبه مظاهرة من ثلاثة آلاف : ( وخطب فيه  سنة إحدى وثمانين و ثلاثمائة لأربع خلون من شهر رمضان ..وكان في مسيرة بين يديه أكثر من ثلاثة آلاف وعليه طيسان وبيده القضب وفي رجله الحذاء.. )  .

هل كان النبى محمد عليه السلام يسير الى صلاة الجمعة فى موكب ؟ وهل كانوا يلتزمون بالبقاء معه حتى إنتهاء الصلاة ؟ وهل يجرؤون على ترك الخليفة وهو يخطب كما فعلوا مع النبى محمد عليه السلام ؟ . هنا ملمح من الفوارق بين صلاة الجمعة الاسلامية وصلاة الجمعة الشيطانية .

2 ـ المؤرخ إبن الطوير ( عبد السلام القيسرانى ) عاش فى العصر الفاطمي وأدرك العصر الأيوبى ومات عام 617 وقد جاوز 92 عاما ، وله فى تاريخ الدولتين كتاب (نزهة المقلتين فى اخبار الدولتين ) ، وقد ذكر طقوس صلاة الجمعة الفاطمية من واقع المشاهدة والمعاينة والمعاصرة . وقد نقل عنه المؤرخ المسبحى الذى كان من قواد الخليفة الحاكم الفاطمى ، وكتب عدة مؤلفات منها التاريخ الكبير الذى قام المقريزى بتلخيصه فى كتاب (إتّعاظ الحنفاء ) . ، ونقل المقريزى عنهما فيما أسماه (هيئة صلاة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين ‏).

3 ـ قال المقريزى :

3 / 1 :  (  قال المسبحي‏:‏ قال ابن الطوير‏:‏ إذا انقضى ركوب أول شهر رمضان استراح في أول جمعة فإذا كانت الثانية ركب الخليفة إلى الجامع الأنور الكبير في هيئة المواسم بالمظلة وما تقدم ذكره من الآلات ولباسه فيه ثياب الحرير البيض توقيرًا للصلاة من الذهب والمنديل والطيلسان المقور الشعري . ). الخليفة يستريح فى الجمعة الأولى فى رمضان لأنه يكون قد أقام موكبا بمناسبة أول رمضان . و هذا الموكب يتحلى بالذهب ( توقيرا للصلاة ) التى ليست لرب العزة لأن رب العزة يتوعد الذين يكنزون الذهب والفضة بالعذاب الأليم ( التوبة 34 : 35 )

3 / 2 : ( فيدخل من باب الخطابة والوزير معه بعد أن يتقدمه في أوائل النهار صاحب بيت المال وهو المقدم ذكره في الأستذين وبين يديه الفرش المختصة بالخليفة إذا صار إليه في هذا اليوم وهو محمول بأيديي الفراشين المميزين وهو ملفوف في العراضي الديبيقية فيفرش في المحراب ثلاث طراحات أما سامان أو ديبيقي أبيض أحسن ما يكون من صنفها كل منهما منقوش بالحمرة‏. فتجعل الطراحات متطابقات ويعلق ستران يمنة ويسرة وفي الستر الأيمن كتابة مرقومة بالحرير الأحمر واضحة منقوطة أولها البسملة والفاتحة وسورة الجمعة وفي الستر الأيسر مثل ذلك وسورة ‏"‏ إذا جاءك المنافقون ‏"‏ قد أسبلا وفرشا في التعليق بجانبي المحراب لاصقين بجسمه.  ثم يصعد قاضي القضاة المنبر وفي يده مدخنة لطيفة خيزران يحضرها إليه صاحب بيت المال فيها جمرات ويجعل فيها ند مثلث لا يشم مثله إلا هناك ، فيجز الذروة التي عليها الغشاء كالقبة لجلوس الخليفة للخطابة ، ويكرر ذلك ثلاث دفعات. ) . قبل دخول الخليفة والوزير معه الى مسجد الحاكم ( الأنور ) من الباب الخاص بالخطابة يكون قد سبقهما ـــ ومن أول النهار ــ صاحب بيت المال ومعه الفراشون يحملون الفراش المختص بالخليفة فيفرشونه فى المحراب ، أى يقومون بعمل ديكورات من الأقمشة والستائر الحريرية والذهبية والمزخرفة بالبسملة والفاتحة وسورة ( المنافقون ) . بعد إستكمال الديكورات يصعد قاضى القضاة الى المنبر ومعه مدخنة ( مبخرة ) بعطر أخّاذ مخصوص لهذا الموقف ، ويقوم قاضى القضاة بتبخير المنبر ثلاث مرات لتجهيزه بالرائحة الطيبة ( فى سبيل الخليفة ).!

3 / 3 :( فيأتي الخليفة في هيئة موقرة من الطبل والبوق وحوالي ركابه خارج أصحاب الركاب القراء وهم قراء الحضرة من الجانبين يطربون بالقراءة نوبة بعد نوبة يستفتحون بذلك من ركوبه من الكرسي على ما تقدم طول طريقة إلى قاعة الخطابة من الجامع ثم تحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار العساكر ومن داخلها إلى آخرها صبيان الخاص وغيرهم ممن يجري مجراهم ومن داخلها من باب خروجه إلى المنبر واحد فواحد فيجلس في القاعة وإن احتاج إلى تجديد وضوء فعل والوزير في مكان آخر. ) . فى طريقه الى الجامع يكون حول الخليفة فى موكبه من الجانبين ( القّرّاء ) اى الذين ينشدون ويتغنٌّون بالقرآن الكريم نوبة بعد نوبة ، يجعلونه لهوا ولعبا فى (سبيل الخليفة وإبتغاء مرضاته ) ، وحول القُرّاء العساكر الراكبون ( أصحاب الركاب ). ويصل الموكب الى الجامع ، حيث يكون الحراس والعسكر يحفظون المقصورة بالمنبر . ويجرى تنظيمهم داخل المسجد . يدخل الخليفة ويجلس فى القاعة بينما يجلس الوزير فى مكان آخر.

3 / 4 : ( فإذا أذن بالجمعة دخل إليه قاضي القضاة فقال له‏:‏ السلام على أمير المؤمنين الشريف القاضي ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمك الله‏. فيخرج ماشيًا وحواليه الأستذون المحنكون والوزير وراءه ومن يليهم من الخواص وبأيديهم الأسلحة من صبيان الخاص وهم أمراء وعليهم هذا الإسم فيصعد المنبر إلى أن يصل إلى الذروة تحت تلك القبة المبخرة فإذا استوى جالسًا والوزير على باب المنبر ووجهه إليه فيشير إليه بالصعود إلى أن يصل إليه فيقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم يزر عليه تلك القبة لأنها كالهودج ثم ينزل مستقبلًا فيقف ضابطًا لباب المنبر فإن لم يكن ثم وزير صاحب سيف زر عليه قاضي القضاة كذلك ووقف صاحب الباب ضابطًا للمنبر‏.). يقدم الوزير طقوس التقديس للخليفة وهو يدعوه لصعود المنبر ليخطب ، فيسير الخليفة ماشيا الى المنبر ومعه قواد عسكره  ، ويقدم الوزير طقوسا أخرى فى تقديس الخليفة وهو على المنبر يراها الناس .

3 / 5 ( فيخطب خطبة قصيرة من مسطورة يحضر إليه من ديوان الإنشاء يقرأ فيها آية من القرآن الكريم ولقد سمعته مرة في خطابته بالجامع الأزهر وقد قرأ في خطبته ‏"‏ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي علي وعلى والدي ‏"‏ الآية ، ثم يصلي على أبيه وجده يعني بهما محمدًا صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويعظ الناس وعظًا بليغًا قليل اللفظ . وتشتمل الخطبة على ألفاظ جزلة ، ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه فقال‏ـ  ــ  وأنا أسمعه : " اللهم وأنا عبدك وابن عبدك لاأملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا . " ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله ، ويدعو للوزير إن كان وللجيوش بالنصر والتأليف وللعساكر بالظفر وعلى الكافرين والمخالفين بالهلاك والقهر ثم يختم بقوله " إذكروا الله يذكركم‏.") يخطب الخليفة من ورقة يصلى على أبيه وجده ( النبى محمد بزعمهم ) ويقوم بتقديس أسلافه ونفسه ويدعو لنفسه وجنده بالنصر ، ويدعو على أعدائه بالهزيمة . وابن الطوير الراوى لهذه الطقوس كان حاضرا ، وهو يقول : (  فقال‏ وأنا أسمعه : " اللهم وأنا عبدك وابن عبدك لاأملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا . " ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله.. )

3 / 6 : ( فيطلع إليه من زرّ عليه ويفك ذلك التزرير وينزل القهقرى . وسبب التزرير عليهم قراءتهم من مسطور لا كعادة الخطباء ، فينزل الخليفة ويصير على تلك الطراحات الثلاث في المحراب وحده إمامًا ويقف الوزير وقاضي القضاة صفًا ومن ورائهما الأستاذون المحنكون والأمراء المطوقون وأرباب الرتب من أصحاب السيوف والأقلام والمؤذنون وقوف ، وظهورهم إلى المقصورة لحفظه. فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي فأسمع القاضي المؤذنين وأسمع المؤذنون الناس ، هذا والجامع مشحون بالعالم للصلاة وراء .) أى هناك طقوس أخرى تقوم بها الحاشية عندما ينتهى الخليفة من الخطبة وينزل من المنبر للصلاة ، وهذا لإبهار الناس .

 3 / 7 : ( فيقرأ ما هو مكتوب في الستر الأيمن في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب في الستر الأيسر ، وذلك على طريق التذكار خيفة الإرتجاج) فى الصلاة يؤم الخليفة الناس فيقرأ الآيات المكتوبة عن يمينه فى الركعة الأولى والمكتوبة عن يساره فى الركعة الثانية.

3 / 8 : ( فإذا فرغ خرج الناس وركبوا أولًا فأولًا وعاد طالبًا القصر والوزير وراءه وضربت البوقات والطبول في العود. ) . ثم هناك طقوس وتنظيم فى خروج الناس من الجامع بعد صلاة الجمعة. ويعود الخليفة الى قصره  فى موكب تدق فيه الطبول والأبواق.

3 / 9 : ( فإذا أتت الجمعة الثانية ركب إلى الجامع الأزهر من القشاشين على المنوال الذي ذكرناه والقالب الذي وصفناه. ) أى يتكرر هذا فى الجمعة الثانية من رمضان .

3 / 10 :( فإذا كانت الجمعة الثالثة أعلم بركوبه إلى مصر في جامعها ، فيزين له من باب القصر أهل القاهرة إلى جامع ابن طولون، ويزين له أهل مصر من جامع ابن طولون إلى الجامع بمصر ، يرتب ذلك والي مصر كل أهل معيشة في مكان ، فيظهر المختار من الآلات والستور المثمنات ويهتمون بذلك ثلاثة أيام ولياليهن والوالي مار وعائد بينهم وقد ندب من يحفظ الناس ومتاعهم. ). فى الجمعة الثالثة تُقام الزينة فى ( مصر ) أى الفسطاط والعسكر والقطائع ، من مسجد عمرو بن العاص الى مسجد ابن طولون ، ويشرف الوالى على الزينة وحشد الناس ويستغرق هذا الاستعداد ثلاثة أيام تحت مراعاة الوالى .

3 / 11 :  ( فيركب يوم الجمعة المذكور شاقًا لذلك كله على الشارع الأعظم إلى مسجد عبد الله الخراب اليوم إلى دار الأنماط إلى الجامع بمصر، فيدخل إليه من المعونة ، ومنها باب متصل بقاعة الخطيب بالزي الذي تقدم ذكره في خطبة الجامعين بالقاهرة وعلى ترتيبهما‏. فإذا قضى الصلاة عاد من طريقه بعينها شاقًا بالزينة إلى أن يصل إلى القصر ، ويعطى أرباب المساجد التي يمر عليها كل واحد دينارًا‏. ) . هنا طريق محدد لسير موكب الخليفة وأبواب محددة لدخوله ، وبنفس الزى ونفس الموكب . ويعطى أرباب المساجد التى يمر عليها بموكبه دينارا ـ للتبرك .

أخيرا : هل يجرؤ أحد أن يقول إن صلاة الجمعة هنا هى لوجه الله جل وعلا؟ وهل يجرؤ أحد أن يقول إنه ينطبق عليها قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) ﴿٩﴾ الجمعة )

اجمالي القراءات 5088