الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ( 2 )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٩ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ( 2 )

مقدمة :

1 ـ لم يكن الخليفة الفاطمى ( الحاكم بأمر الله ) مجنونا ، بل كان صريحا واضحا معبرا عن دين التشيع ونظرته فى ( حاكمية الإمام ) أو الخليفة الذى يكون معصوما متمتعا بالتأليه وصاحب الشرع الالهى  فى دينهم الأرضى . هذا هو ( الباطن ) المستور الذى كان يغلفه أساطين التشيع بالتقية أو ( الظاهر ) تظاهرا بالاسلام وشريعته. هتك الخليفة الحاكم هذا الستر الباطنى وأوضحه بأعمال خارجة عن المألوف .

2 ـ  ولم ينتبه أحد الى مدلول لقبه وهو ( الحاكم بأمر الله ) . كانت ألقاب أسلافه من الخلفاء كالآتى : ( عبيد الله المهدى ، القائم بأمر الله ، المنصور بنصر الله ، المعز لدين الله ، العزيز بالله ) ثم ألقاب من جاء بعده ( الظاهر لإعزاز دين الله ، المستنصر بالله ، المستعلى بالله ، الحافظ لدين الله ، الآمر بأحكام الله ، الظافر بأمر الله ، الفائز بنصر الله ،العاضد لدين الله ). كلهم إحتكر اسم رب العزة جل وعلا لنفسه شأن الدولة الدينية ( وهو ما حدث فى خلفاء العصر العباسى الثانى ). ولكن تميز ( الحاكم بأمر الله ) فى أن لقبه يعنى أنه يحكم بأمر الله ، أى مايقوم به من أحكام إنما هى أوامر الله ، وما يقترفه من كبائر ليست سوى شرع الله. لذا تصرف حسب هواه ـ وتقلب وتناقض مؤمنا أن ما يقوم به هو تجسيد لكونه ( الحاكم بأمر الله ). وتأكيدا لهذا لم يكتف بالأزهر مسجدا ، فأقام مسجدا حمل إسمه ( مسجد الحاكم بأمر الله ) وكان يخطب ويؤم فيه الصلاة وفق المراسيم الدينية للخلافة الفاطمية .

3 ـ فى المقال السابق نقلنا عن السيوطى ( 849 : 911 ) فى كتابه ( حُسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة )، وقد نقل السيوطى أخبار الدولة الفاطمية عن مؤرخى العصر الفاطمى بالاضافة الى ما ذكره المقريزى فى ( خطط المقريزى ) . السيوطى كان متعصبا للعباسيين وصديقا للخليفة العباسى فى القاهرة ، وقد أرّخ لهم محتفلا بهم فى كتابه ( تاريخ الخلفاء).

4 ــ كان المقريزى ( 764 : 845 ) متعاطفا مع الفاطميين متأثرا بشيخه ابن خلدون. قام المقريزى بتجميع تاريخ الفاطميين فى الخطط المقريزىة وفى كتابه ( إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ). والعنوان يوضح إحتفاءه بالفاطميين . وقد نقل المقريزى  عن المسبحى وابن زولاق . وبسبب تعصبه فقد تجاهل الكثير مما يُشين الخلفاء الفاطميين ، وخصوصا خلال ربع قرن هى فترة خلافة الحاكم بأمر الله:( 386 : 411 هجرية: 996 : 1020 ميلادية ). وكرر بعض هذا فى (الخطط )

5 ـ ننقل منهما بعض ما أورده المقريزى مما يعبر عن حُكم الخليفة الحاكم بأمر الله وصلاته الشيطانية .

أولا : عام 386 :

وهو العام الذى تولى فيه الخلافة صبيا فى الحادية عشر من عمره .  

1 ـ قال عنه المقريزى  : ( أبو علي منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معد . ولد بالقصر من القاهرة المعزية ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثمائة في الساعة التاسعة والطالع من برج السرطان سبع وعشرون درجة . وسُلّم عليه بالخلافة في مدينة بلبيس بعد الظهر من يوم الثلاثاء عشري شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة .  ودخل القصر قبل صلاة المغرب. ) لاحظ دقة التوقيت ، وإتخاذ مواقيت الصلاة دليلا زمنيا.

2 ـ عن  طقوس دفن والده العزيز بالله قال : (وسار إلى قصره في يوم الأربعاء بسائر أهل الدولة ، والعزيز في قبة علىناقة بين يديه ، وعلى الحاكم دراعة مصمتة وعمامة فيها الجوهر، وبيده رمح وقد تقلدالسيف فوصل إلى القصر ولم يفقد من جميع ما كان مع العساكر شيء. ودخله قبل صلاةالمغرب .) الطفل الذى سيتم تنصيبه خليفة يرتدى عمامة فيها الجوهر يحضر جنازة والده ، ثم يدخل القصر ( قبل صلاة المغرب). هنا التوقيت بموعد الصلاة.

3 ـ تنصيبه خليفة قال : (ثم بكر( أى ذهب باكرا )  سائر أهل الدولة إلى القصر يوم الخميس ، وقد نصب للحاكم سريرمن ذهب عليه مرتبة مذهبة في الإيوان الكبير‏.‏وخرج من قصره راكباً وعليه معممة الجوهر ، فوقف الناس بصحن الإيوان،  وقبلوا الأرض ومشوا بين يديه حتى جلس على السرير ، فوقف من مهمته الوقوف وجلس من لهعادة الجلوس‏.‏فسلم عليه الجماعة بالإمامة واللقب الذي اختير له وهو الحاكم بأمرالله‏.‏وكان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وستة أيام‏.‏) . عمامة مزينة بالجوهر وسرير من الذهب ومرتبة من الذهب ، وسجودهم أمامه يقبلون الأرض .. هل هذا من الاسلام ؟ ثم هو طفل فى الحادية عشر من عمره ، وقد أصبح إلاها عندهم وحاكما بأمر الله .!!. سبحانك هذا بهتان عظيم.!  

3 ـ  للمسجد دور حتى لو كان مسجدا صغيرا ، أو ( مصلاة ). بعضهم إعترض على تولية الحاكم ، وهم من شيوخ قبيلة كُتامة ( الأمازيغية ) وهم عسكر الفاطميين. وأعلنوا عن موقفهم بالتجمع فى ( المصلّى ). قال المقريزى : ( وكان جماعة من شيوخ كتامة تخلفوا عن الحضور وتجمعوا نحو المصلى‏.‏) وتمت ترضيتهم بالمال ، وهو إلاههم الأعظم . يقول : (وفي ثاني ذي القعدة تجمع الكتاميون عند المصلى فأنفذ إليهمواستحضرهم وتقرر أمرهم على النفقة فيهم فأنفق عليهم‏.‏).

4 ـ وتم تعيين أبن عمار فى وظيفة الوساطة بين الخليفة المؤلّه و( الرعية ). ويأتى هنا دور الجامع ، إذ تمّ فيه الاعلان عن تعيين ابن عمار. يقول : (  وقرىء سجل قرأه القاضي بالجامع ، يتضمنولاية ابن عمار الوساطة ، وتلقيبه بأمين الدولة وأمر الناس كلهم أن يترجلوا لابن عمارفترجلوا بأسرهم له‏.‏).

ثانيا : عام (  387  )

1 ـ ( في المحرم ورد سابق الحاج فأخبر بتمام الحج والدعاء للحاكم فيالحرمين‏.‏). كان الحجاز تابعا للفاطميين. وهذا ملمح آخر من إستغلال الدين عند الفاطميين.

2 ـ ( وفيه ضربت رقبة عيسى بن نسطورس‏.‏).

ثالثا : عام 389 ‏

1 ـ (  وقتل الأستاذ برجوان لأربع بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وله في النظر سنتان وثمانية أشهر غير يوم واحد )

2 ( ومنع الناس كافة من مخاطبة أحد أو مكاتبة بسيدنا ومولانا إلا أمير المؤمنين وحده وأبيح دم من خالف ذلك )، أى لوقال أحدهم لشخص ما : سيدنا ومولانا فهو حلال الدم. لأنه الخليفة الصغير هو وحده سيدهم ومولاهم.

3 : ( وفي شوال قتل ابن عمار‏. ) . أى فى هذا العام تخلص الحاكم من برجوان وابن عمار . وهذا بتدبير أخته ست الملك.

رابعا : عام ( 391‏ )

1 ــ الحاكم يقتل كبار الموظفين :

1 / 1 ـ (  سنة إحدى وتسعين وثلثمائة: في المحرم : قتل الحاكم ابن أبي نجدة ، وكان بقالا ، فترقت أحواله حتى ولىالحسبة ، ودخل فيما لا يليق به وأساء في معاملة الناس ، فاعتقل ، ثم قطعت يده ولسانه ، وشهرعلى جمل ، وضربت عنقه‏.‏) . هذا بقال أثرى وبالرشوة صار المحتسب ، وصار له نفوذ متخيلا أنه لا بأس بهذا فى دولة هذا الخليفة الصبى. فعوقب بالاعتقال ثم بقطع يده ولسانه والتشهير على جمل ثم بالاعدام بقطع الرأس ، ليكون عظة لمن تسوّل له نفسه من أرباب الوظائف أن يعلو صوته.

1 / 2  ـ ( ثم وفيها قتل الحاكم مؤدبه أبا القاسم سعيد بن سعيد الفارقي يومالسبت لثمان بقين من جمادى الأولى ، وهو يسايره بأن أشار إلى الأتراك بعينيه بعد أنبيت معهم قتله ، فأخذته السيوف ، وكان قد داخل الحاكم في أمور الدولة وقرأ عليه الرقاعواستأذنه في الأمور كهيئة الوزراء‏.‏). هذا الطفل كان له معلم يعلمه ، وظل هذا المعلم يعلمه بعد أن صار خليفة ، ولكن أصبح المعلم يتدخل قيما لا يعنيه ، فكان قتله وهو يصاحب تلميذه الخليفة. هذا الخليفة لم يعش فى عصر أمير الشعراء (أحمد شوقى ) القائل : قُم للمعلم وفّه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا ).!

1 / 3  ـ قتل الحاكم من ( فهد بن ابراهيم ) أحد الرؤساء :  ( وفي ثامن جمادى الآخرة ضربت رقبة فهد بن إبراهيم ، وله منذ نظر في الرئاسةخمس سنين وتسعة أشهر واثنا عشر يوما‏.‏). وجاء أبو غالب بثروة أخيه القتيل الى قصر الخليفة ، وهى نصف مليون دينار ، فرفض الحاكم أخذها وأمر بتوزيعها على ورثة القتيل . ثم جاءت وشاية الى الخليفة أن أبا غالب تكلم كلمة فى حق الخليفة فأمر الخليفة بقتله وإحراقه دون أن يتثبت فى الأمر. يقول المقريزى : ( فحمل أخوه أبو غالب إلى سقيفة القصر من مال أخيه فهد جرايات فيهاخمسمائة ألف دينار‏.‏فلما خرج الحاكم سأل عنها فعرف خبرها فأعرض عنا وبقيت هناك مدة ثمأمر بها فردت إلى أولاد فهد وقال إنا لم نقتله على مال فحملت إليهم ثم رفع أصحابالأخبار عن أبي غالب كلمة تكلم بها فقتل وأحرق بالنار‏.‏)

1 / 4  ـ ( وفي خامس عشر من شهر رجب ضرب عنق أبي طاهر محمود بن النحويالناظر في أعمال الشام لكثرة تجبره وعسفه بالناس‏.‏)

2 ـ فى هذه السنة بدأ تناقض الحاكم بين الخروج والانعزال فى القصر و، وبداية حظره التجول .

2 /  1 : الخليفة الطفل أراد اللهو فصار يتنزه ليلا فى شوارع القاهرة ، وأمر الناس بإشعال المصابيح ، فوجدها الناس فرصة للّهو واللعب ، وصارت فرصة للإنحلال الخلقى فمنع الخليفة الصغير خروج النساء فى الليل ومنع الرجال من الجلوس فى الحوانيت. قال المقريزى : ( وفي سنة إحدى وتسعين : واصل الحاكم الركوب في الليل كل ليلة ، فكان يشق الشوارع والأزقة وبالغ الناس في الوقود والزينة وانفقوا الأموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو ، وكثر تفرجهم على ذلك حتى خرجوا فيه عن الحد ، فمنع النساء من الخروج في الليل ، ثم منع الرجال من الجلوس في الحوانيت‏. ) ( سنة إحدى وتسعين وثلثمائة: في المحرم واصل الحاكم الركوب في الليل في كل ليلة وكان يركب إلىموضع موضع وإلى شارع شارع وإلى زقاق زقاق‏.‏وأمر الناس بالوقيد فتزايدوا فيه بالشوارع والأزقة وزينت الأسواقوالقياسر بأنواع الزينة وباعوا واشتروا وأوقدوا الشموع الكبيرة طول الليل وأنفقواالأموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو‏.‏ومنع الرجال المشاة بين يدي الحاكم أن يقرب أحد من الناس الحاكمفزجرهم وقال لا تمنعوا أحداً فأحدق الناس به وأكثروا من الدعاء له‏.‏وزينت الصناعة وخرج سائر الناس بالليل للتفرج وغلب النساء الرجالعلى الخروج في الليل وتزايد الزحام في الشوارع والطرقات وتجاهروا بكثير من المسكراتوأفرط الأمر من ليلة التاسع عشر إلى ليلة الرابع والعشرين فلما خرج الناس عن الحدأمر الحاكم ألا تخرج امرأة من العشاء فإن ظهرت نكل بها‏.‏ومنع الناس من الجلوس في الحوانيت‏.‏)

2 /  2 ( وفي ربيع الأول قرئ سجل برفع المنكرات وإبطالها ، وبمنع ذلك ، فختم علىعدة مواضع فيها المسكرات لتراق‏.‏)

2 / 3 . وفى شهر رجب : (.. وقطع الحاكم الركوب في الليل‏.‏ )..أى فرض على نفسه حظر التجول .

3 ـ  هذا العام شهد بداية قتل الحاكم لعوام الناس .  ( وقبض على رجل شامي قال‏:‏ لا أعرف علي بن أبي طالب وأقول إن النبيصلى الله عليه وسلم مرسل غير أني لا أعرف علي بن أبي طالب‏.‏فحبس وروجع ، فأصر على أنه لا يعرف عليا ، فرفق به القائد حسين فلميعترف بمعرفة علي رضي الله عنه ، فخرج الأمر بقتله فضرب عنقه وصلب‏ . )  .

3 ــ وفى هذا العام بدأ الحاكم إضطهاده للأقباط

3 / 1 : إعتقال الموظفين الأقباط ومصادرة أموالهم : (وقبضت أموال من قبض عليه من النصارى الكتاب‏.‏)

3 / 2 : بهدم كنيسة وإقامة جامع مكانها بإسم ( جامع راشدة ) وأقيمت فيه صلاة الجمعة. قال المقريزى : ( وابتدئ في عمارة جامع راشدة ، وكان مكانه كنيسة فبنى جامعاً ، وأقيمتفيه الجمعة ).. (وأمر بإتمام بناء الجامع الذي ابتدأ بعمارته العزيز على يد وزيرهيعقوب بن كلس . وفيه كانت صلاة الجمعة فى أول شعبان : ( وفي غرة شعبان جمع في الجامع الجديد بظاهر باب الفتوح‏.‏ ).

اجمالي القراءات 5156