فصل تمهيدى : عن الصلاة فى تاريخ المسلمين وفى تشريعاتهم (2 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٩ - سبتمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

فصل تمهيدى : عن الصلاة فى تاريخ المسلمين وفى تشريعاتهم  (2 )

رابعا : لمحة عن  الكتابات التاريخية والطبقات الكبرى لابن سعد

1 ـ لسنا هنا فى معرض التحليل والشرح ، لكن نقرر بسرعة أن الكتابات التاريخية الأساسية وهى (الحوليات) ـ التى تسجل الأحداث بالحول أو بالسنة ـ  ركّزت اهتمامها على الصراع السياسى دون اهتمام كاف بالتطورات الاجتماعية والدينية والتى تشمل أخبارا عن كيفية تأدية العبادات ومنها الصلاة. الا أن هذا النقص تداركته ـ نسبيا ـ كتب ( الطبقات ) وهى التى تترجم أو تؤرخ أساسا للعلماء والفقهاء والمشاهير. وبدأ الفقيه المؤرخ محمد بن سعد ( ت 222 ) ـ المعروف بكاتب الواقدى ـ هذا الفن التاريخى بكتابه الأشهر ( الطبقات الكبرى ) وهو عمدة هذا الفن وأقدم تاريخ متخصص ومفصّل لطبقات الصحابة والتابعين وتابعيهم. ثم تنوعت بعده كتب الطبقات للفقهاء عموما ولفقهاء المذاهب وللأدباء والنحويين و المغنيين والشعراء والمفسرين ... الخ.  واذا كان تاريخ الطبرى هو أهم كتب الحوليات على الاطلاق فان طبقات ابن سعد قد سبق الطبرى نفسه بنحو قرن من الزمان ، وعنه أخذ الطبرى ( ت 310 ) ثم ابن الجوزى ( ت 597 ) نظام العنعنة فى اسناد الروايات التاريخية .وقد اعتمدنا أساسا على طبقات ابن سعد فيما جاء من اشاراته عن الصلاة كما اعتمدنا على كتب الفقه النظرى وكتب الحديث فى اعطاء لمحة عن الصلاة فى تاريخ المسلمين بعد عصر النبوة الى صدر العصر العباسى .

2 ـ وتاريخ ابن سعد ( الطبقات الكبرى ) مؤسس وفق تنظيم زمنى ( طبقى ) ، يبدأ بالطبقة الأولى من الصحابة المهاجرين ثم الأنصار حسب أسبقية الدخول فى الأسلام ، ثم يتتبع تواجدهم فى الأمصار من الكوفة والبصرة ودمشق والفسطاط ثم من جاء بعدهم من التابعين وتابعيهم حسب ترتيب الرواة فى الحديث المنسوب للنبى محمد عليه السلام .

3 ـ وكالعادة اتبع محمد بن سعد تسجيل الروايت التاريخية بالسند والعنعنة وفق منهج المحدثين حتى فى تأريخه لأشخاص من التابعين وتابعيهم .وابن سعد هو المصدر الأصلى والأساسى لمعظم من جاء بعده من المؤرخين الذين كتبوا فى نفس الفترة من عصر النبوة الى مطلع العصر العباسى ..

4 ـ وقد عاش ابن سعد فى خلافة المأمون ، وكان من زعماء الفقهاء والمحدثين الذين رفضوا رأى المعتزلة بأن القرآن مخلوق وكان ضمن المضطهدين فى هذه الفتنة ، واضطر الى التراجع بينما ثبت على رأيه ابن حنبل وابن نوح . ومع أنه كان فقيها محدثا صاحب رأى وموقف إلا أنه كان ــ فى الأغلب ــ منصفا فيما يكتب ، خصوصا وأنه لم يتعرض فى طبقاته للتركيز على موضوع خلق القرآن.

5 ـ وقد دون ابن سعد الروايات المتداولة فى عهده – فى خلافة المأمون العباسى ـ عن أجيال الصحابة والتابعين الذين ماتوا فى عصر النبوة والخلفاء الراشدبن والأمويين والعباسيين حتى عصره . وبعض هذه الروايات تشير إلى بعض انشطة الذين يؤرخ لهمم وأقوالهم والأقاويل التى قيلت عنهم.  وخلال هذه الروايات يرد بين السطور إشارات عن الصلاة والزكاة والحج والثياب واللحى وتخضيبها وتنتهى بموت وجنازة من يؤرخ له .

6 ـ وبعض الإشارات التى ذكرها ابن سعد  ( وغيره ) عن الصلاة هى تصوير للواقع  التاريخى لتأدية الصلاة من حيث الشكل ومن خلالها نفهم كيف تم استغلال الصلاة  سياسيا لصالح الحكم الأموى . وكيف كانت صلاة القوم وسيلة فى العصيان والبغى والعدوان ، وجمعت بين  المعاصى الأخلاقية من إنحلال خلقى و التطرف فى العبادة السطحية المظهرية . أى كانت ( صلاة شيطانية ) . الصلاة إسلامية هى وسيلة للتقوى وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ، أما الصلاة الشيطانية فهى تبرير وتشجيع مقدما على العصيان والظلم وسفك الدماء ، وهذا ما بدأه الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) ثم إتبعهم الأمويون ثم العباسيون والفاطميون والمماليك.  

7 ـ وبعض الروايات الأخرى عن الصلاة وغيرها كانت انعكاسا لاختلافات فقهية ، فحاول كل فريق تأييد رأيه وتدعيمه بإسناده للنبى محمد أو أحد كبار الصحابة ، خصوصا عمر وعلى ، أو بعض التابعين مثل الحسن البصرى ومكحول وعمر بن عبد العزيز.

خامسا : التسجيل التاريخى للصلاة عند المسلمين

1 ـ ودائما تتناقض كتب الحديث و التاريخ والفقه فيما بينها . وحتى فى داخل الكتاب الواحد وربما فى الصفحة الواحدة ، ومثلا فإن ابن سعد فى طبقاته الكبري يقول : عن عبد الله ابن عمر انه كان يصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد ، ثم يروى رواية اخرى تقول ان ابن عمر اعتاد فى منزله الوضوء لكل صلاة والمصحف بينهما ( الطبقات الكبرى 4 – 119، 125) . ومهمة الباحث أن يرجح الرواية الصحيحة بين الروايات المتناقضة بنقد المتن و السند ، وبالنظر الى روايات اخرى فى نفس الموضوع، وفى النهاية فإن كل ما يصل اليه الباحث هو مجرد وجهة نظر،والعلم الحقيقى بهذا الغيب عند الله تعالى وحده.

2 ـ ومن الطبيعى أن التسجيل التاريخى للصلاة يختلف عن الكتابة الفقهية عن الصلاة وغيرها . الكتابه الفقهية تكتب فى الفراغ نظريا وتضع أحكاما لأحداث تفترض وقوعها على نسق من فعل كذا فهو واجب أو مكروه أو حرام . أما الكتابه التاريخية عن الصلاة وغيرها فهى فى الأغلب تسجيل ما كان يحدث وكتابة ما كان يقال دون إعطاء حكم فقهى له .

3 ـ وفى هذا البحث التاريخى عن الصلاة فإن المادة التاريخية التى جمعناها هى التى تحدد مسار البحث لأن الباحث التاريخى لا يفرض أمنياته على البحث ولا يؤلف روايات من خياله ولا ينتقى من الروايات ما يحلو له ، بل هو يدخل إلى الموضوع المراد بحثه فى العصر التاريخى دون حكم مسبق ودون هوى أو غرض ، ليبحث كل الروايات الخاصة بموضوعه ، والقريبة منه والتى تعطى خلفية للأحداث والقضايا الأساسية فى بحثه، ويقرن ذلك بفهم عميق لكل نواحى العصر التاريخى الذى يأخذه مجالا لبحث تلك الجزئية . وعموما فالروايات تتحدث عما هو كائن بالفعل وبالتالى فليس على الباحث سوى أن يجمع ما اتصل منها فى موضوعه ثم يقوم بنقده وتحليله ، وإذا إستلزم عرضه على القرآن الكريم فلا بد أن يفعل طالما هو يؤرخ لشعيرة دينية هى الصلاة .

سادسا : لمحة عن أنواع الكتابات الفقهية

بعد تلك اللمحة التاريخية نعطى القارىء فكرة سريعة على أنواع الكتابات الفقهية وصلتها بالواقع التاريخى الذى عاشه المسلمون لنتمكن من أن نتتبع ـ تاريخيا ـ كيف أدّى المسلمون فريضة الصلاة بعد انتهاء عصر النبوة.

الفقه النظرى والشافعى  

الكتابات الفقهية الكلاسيكية تأثرت بمنهج الشافعى  ت 204 فى كتابه الضخم (الأم ) وبالقواعد التى وضعها فى " الرسالة ".

منهج الشافعى فى كتاباته الفقهية ( الفقه النظرى )

  كان يبدأ بفكرة مسبقة ويحاول الاستدلال عليها بإنتقاء الآيات القرآنية وتحريف معناها وبصناعة أحاديث تعضدها ، وبالرد مقدما على خصومه المخالفين لرأيه. ونعطى بعض التفصيل :

1 ـ  الاعتماد على تأليف الأحاديث المنسوبة للنبى محمد عليه السلام ، وجعلها تحمل الرأى الذى يريده دون الحاجة الى استدلال عقلى .

2 ـ ظهرت الكتابة الفقهية الجدلية على يد الشافعى، ويبدو فيها  كأنه فى مناظرة أو مناقشة مع خصم له ، مثل قوله : فإن قلت كذا فالجواب كذا. ومع أنه بهذا جمع منهج أهل الحديث مع منهج أصحاب الرأى إلا إن الشافعى قد قام بتطويع الرأى للحديث. ونفس الحال قام بتطويع المنهج الصورى للحديث.

3 ـ  ظهر أبو حنيفة ( ت 150 )  زعيما لمدرسة الرأى فى العراق فكان ( مالك بن أنس ) خصما لهذه المدرسة بإفتراء الأحاديث.  إنحاز الشافعى لشيخه ( مالك ) فى ( المدينة ) ( ت 179 ) وقام بتقعيد مدرسة ( الحديث ) فى رسالته المشهورة . وفى هجرته للعراق تعلم من البيئة العراقية غرامها بالمنهج الصورى ( التصورى ) الاستقرائى فجاء كتابه (الأم ) مزيجا من الحديث المخترع المنسوب للنبى محمد عليه السلام والفقه التصورى النظرى .

لمحة عن المنهج الصورى ( التصورى ) الذى بدأه الشافعى فى الكتابة الفقهية :

1 : أن ( يتصور الفقيه فى خياله ) :

1 / 1 : رأيا مخالفا لرأيه فيرد عليه . والشافعى هو الذى بدأ هذا المنهج الصورى  فى كتاباته التى يغلب عليها طابع الجدل والمناظرة ، خصوصا وأنه واجه من ينكر الأحاديث فى عهده ، فقام بالرد عليهم مقدما دون أن يستفيض فى ذكر أدلّتهم.   

1 / 2 : حدثا ثم يضع له حكما فقهيا ، مثل قوله : أن فعل كذا فالحكم فيه كذا.

2 ـ هذا المنهج التصورى نشأ وتطور فى الحضارة السريانية قبل الغزو العربى ، ثم عاد للظهور فى العراق فى العصر العباسى مع النهضة الفكرية وقتها .

2 : وهذا المنهج الصورى أو التصورى له بالطبع أصل نسبى فى الواقع الذى عاشه الفقيه. فالفقيه كان تتأثر أفكاره بمعطيات عصره.

3 ـ الا أن الفقه السّنى بالغ وأوغل فى التنظير والتصورات مبتعدا عن ذلك الواقع. ثم انتقل من التنظير الى الاستقراء أى محاولة تعميم الحكم بالبناء عليه والتوسع فيه الى درجة  تغطية كل الصور العقلية الممكنة التى يفترضها افتراضا . وأقرب مثل لهذا المنهج بعد الشافعى وكتابه ( الأم ) هو الفقيه الحنفى علاء الدين أبو بكر القاشانى المتوفى سنة 587 فى كتابه الضخم : ( بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع )

4 : كان هذا مقبولا نوعا ما فى عصر الازدهار العلمى والنضج العقلى فى العصر العباسى الأول . الا أنه تحول الى بلوى فى العصور اللاحقة التى سيطر فيها التصوف وانتشرت فيها خرافات الكرامات والمنامات وانقطع الاجتهاد وحل محله الجمود والتقليد والتأخر والتخلف بالتدريج . التنظير الفقهى فى هذا العصر وصل الى افتراضات مضحكة بذيئة كقولهم ( من اضطر الى أكل لحم نبى هل يجوز له ) ( من حمل قربة فُساء هل ينتقض وضوؤه ) ( من كان لذكره فرعان ونكح زوجته فى قبلها ودبرها هل يجب عليه غسل واحد أو غسلان ) ( من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة عامدا ماذا عليه من الاثم ). وقد كان ابتلاؤنا فظيعا بهذا الفقه فى التعليم الأزهرى. وهو مع خيالاته المريضة البعيدة عن الواقع فقد كان انعكاسا أمينا للذهنية الفقهية ومستواها الهابط الى الحضيض . ولا يزال هذا الفقه فى مناهج الأزهر ، وبدأنا الإنكار عليه من ربع قرن وطالبنا بمحوه بإجتهاد جديد يستنبط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم ، وتعرضنا للإضطهاد كالعادة .

 بين الفقه النظرى والواقع المُعاش :

1 ـ يتكون الفقه النظرى من ( أحاديث ) مصنوعة ، ومن ( تصورات ) بالمنهج الصورى المشار اليه.

2 ـ وقلنا إن هذا الفقه النظرى الصورى أو التصورى لم يكن ـ  فى أغلبيته العظمى  ـ شديد الالتصاق بحركة المجتمع ولم يكن قوى التأثير فيها ، وان كان نابعا منها ومن خيالات الفقيه وتصوراته ومعبرا عن مستواه الثقافى والعقلى..

3 ـ  ونفس الحال مع الأحاديث التى إفتراها مالك والشافعى ومن جاء بعدهما من أعمدة الحديث السُّنّى مثل ابن حنبل والبخارى ومسلم. والذين راعوا الأبواب الفقهية فى كتبهم ( الحديثية ) . معظم الأحاديث الفقهية فى الفقه النظرى كان انعكاسا لبعض المظاهر الحياتية وقتها . فقد كانت تلك الأحاديث رد فعل للمتطلبات الحياتية وانعكاسا للتطور السائد  حتى فى البيئة المحافظة التقليدية كالمدينة. وكان الأمر أكثر وضوحا فى البيئات النهرية خصوصا فى العراق حيث التنوع الثقافى والعنصرى والجنسى والاختلافات السياسية والمذهبية والدينية ، وتحولها الى أحزاب متصارعة بالبنان واللسان والسنان. وكان اختراع الأحاديث أهم سلاح فى الخلافات الفقهية والمذهبية والسياسية والحزبية والطائفية والقبلية ( نسبة للقبيلة ) والقطرية( نسبة للقطر).

فقه الحيل

1 ـ أنتج العراق هذا النوع الفقهى الذى يريد الالتفاف على الفرائض الشرعية بأنواع من الحيل متناسيا أن تلك الأوامر التشريعية هى مجرد وسائل للتقوى، واذا كنا نتحايل على شرع الله تعالى فلا مجال للتقوى فى القلوب.

2 ـ  فقه الحيل كان تعبيرا أمينا على التلون الذى ساد العصر العباسى ، فقد أعطى فقه الحيل مشروعية زائفة للجمع بين المظهر الدينى والانحلال الخلقى والعقيدى. كان النتاج الطبيعى للتدين المظهرى السطحى الشكلى الذى أعادته الى حياتنا المعاصرة الحركة الوهابية فى الصحراء العربية وربطته بالاسلام زورا وبهتانا. كان المجون على أشده فى القصور العباسية والحانات الشعبية ، وكان على الجانب الآخر حركات دينية فاعلة ومساجد مأهولة وثقافة دينية يختلط فيها الصحيح بالفاسد مع ظلم اجتماعى وقهر سياسى وخلافة كهنوتية تنتسب للنبى عليه السلام وتشجع الرواية عنه وعن ابن عمه ابن عباس وهو جد الخلفاء العباسيين. وظهر (فقه الحيل ) يعقد الصلح شكليا بين الواقع المُشين والتدين السطحى المظهرى ، فيعطى حُجة زائفة للمعاصى أن تستمر وتعلو برأسها متمتعة بدليل من فقه الحيل ( أو التحايل ) على شرع الرحمن جل وعلا.

3 ـ بدأ فقه الحيل داخل مدرسة الرأى التى تزعمها الفقيه الثائر ابو حنيفة (ت 150)، وهذا فيما يروونه عنه ، لأن أبا حنيفة ظهر مبكرا قبل عصر التدوين ولم يؤلف كتبا .

4 ـ تطور فقه الحيل فى العصر العباسى الثانى ليصبح منهجا متكاملا يتطرف فى استعمال الحيل بذكاء فى مقابل مدرسة الحديث الفقهية المحافظة التى تطورت بعد الشافعى بظهور ابن حنبل الذى جعل كتاباته الفقهية أحاديث خالصة فيما يعرف ب(مسند أحمد ).

5 ـ واستمر فقه الحيل حتى صدر العصر المملوكى ، فكتب ابن القيم الجوزية ( 691 : 751 )  يرد عليه فى كتابه (إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان ) .

الفقه الوعظى

1 ـ واذا كان فقه الحيل استجابة طبيعية للبيئة العباسية ومعبرا عنها بصورة غير مباشرة فان الفقه الوعظى  ــ الذى بدأ فى العصر العباسى الثانى ــ كان الأكثر تعبيرا عن عصره والأكثر قربا من علم التاريخ .

2 ـ (الفقه الوعظى ) هو تعبير من إختراعنا ، ونعنى به الكتابة الفقهية التى تتوخى الوعظ     تعليقا بالنقد والانكار على بعض ما يقع فيه الناس من أخطاء ، والحكم عليها فقهيا بالحرام أو المكروه.

3 ـ واذا كان الفقه النظرى يتخيل مسبقا حدوث فعل ثم يعطيه حكما فقهيا كقولهم ( ان فعل كذا فهو حرام أو حلال او مندوب أو مكروه) فان الفقه الوعظى يحكى الواقعة الحقيقية التى تحدث أو اعتاد الناس فعلها ثم يعلق عليها بالانكار معطيا ما يراه حكما فقهيا لها.

4 ـ هنا يتحول الفقيه ـ دون أن يدرى ـ الى مؤرخ . بل ومؤرخ موثوق به لأنه ـ دون أن يدرى ايضا ـ قد ذكر ملامح تاريخية اجتماعية ثمينة بدون تهويل أو تضخيم. والعادة أن المؤرخ المعاصر للحدث لا يهتم بالتفصيلات الاجتماعية الحياتية العادية، ويركز على الأحوال السياسية ويلون الأحداث برؤيته الشخصية.

5 ـ ميزة الفقه الوعظى من الناحية الفقهية أنه يصاحب تطور المجتمع بالنقد والتعليق، يجرى معه وخلفه يطلب الاصلاح من وجهة نظر الفقيه المؤلف بالطبع.

6 ـ نشأ هذا الفقه الوعظى مع ابى حامد الغزالى ( ت 505 ) بين ثنايا كتابه ( احياء علوم الدين). ثم أفرد له الفقيه المؤرخ الحنبلى عبد الرحمن بن الجوزى ( ت 597 ) كتابا خاصا هو ( تلبيس ابليس ) . ثم سار على أثره ابن القيم الجوزية الحنبلى 751 فى كتابه ( اغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ) ، والفقيه المغربى الصوفى ابن الحاج العبدرى (  ت   737 ) فى كتابه ( المدخل ). ثم جاء الشعرانى973  فى نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى ليكتب كثيرا من المؤلفات فى الفقه الوعظى منها ( تنبيه المغترين ) و ( لطائف المنن ) و( المنن الصغرى ) ( الأنوار القدسية فى معرفة قواعد الصوفية ) ( ألأنوار فى صحبة الأخيار ) ( آ داب  العبودية ) ( البحر المورود فى المواثيق والعهود ) ( لواقح الأنوار ). وقد مزج الشعرانى فقهه الوعظى بالحديث عن كراماته وكرامات أشياخه المزعومة .

أخيرا :

بعد هذه اللمحة التاريخية والفقهية ندخل فى موضوعنا عن الصلاة ، وكيف أضاعها ( المسلمون ) فى تاريخهم وفى تشريعاتهم . 

اجمالي القراءات 5034