أحلام باتا البنية .. قصة قصيرة

شادي طلعت في الجمعة ٣١ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

"باتا" فتاة من البلد البني أهله، وكانت صفاتها كالتالي :
- ذكية.
- جميلة.
- بشرتها لونها بني فاتح، فكانت بيضاء بين كل البنيين.
- شعرها طويل وناعم.
- كانت طولها 155 سنتيمتر، ووزنها 70 كيلوجرام.
- طموحها ليس له حدود.
- متفوقة في دراستها، وترتيبها الأول دائماً.
-ومنذ أن تخطت سن السادسة عشر، وهي محط أنظار كل الشباب البني.
 
كانت ترى في منامها أحلاماً لم تجد لها تفسير مثل :
 
* تجد نفسها تقف على حافة جبل تكاد تسقط، وحولها شباب ذكور كُثر، لا يرغبون في مساعدتها.
 
* تجد نفسها على شاطئ وحيدة تفكر، وكل البنات حولها يقفن بصحبة أصدقائهن، أو أزواجهن.
 
* تجد نفسها تعطف على الحيوانات أكثر من عطفها على البشر.
 
وبعد أن أتمت "باتا" دراستها الجامعية، تقدم لخطبتها شاب بني غني، ذو جاه ومال، فوافقت عليه، وباركت عائلتها خطبتها.
وتم تحديد موعد الزواج، لكن قبل الزفاف، إتصلت الجامعة بـ باتا، وأخبرتها أنه تم ترشيحها لمنحة دراسية في إحدى بلاد الغرب، ففرحت الفتاة وأهلها، وبدأت تحلم بمستقبل أفضل من حاضرها، فراحت تتخيل الحياة في بلاد الغرب، منتبهة للفارق الكبير بين حياة البيض وحضارتهم، وحياة البنيين وتخلفهم !.
 
فقررت فسخ خطبتها، وإنصاع خطيبها لقرارها، ولم يعترض أهلها، فجميعهم يقدرون أن "باتا" تستحق حياة أفضل مما هي عليه.
 
ثم سافرت إلى البلد الغربي، فانبهرت بأضواء المدن، وسلوك الناس المتحضر، وذوقهم الرفيع، وعلمهم الغزير، اكتشفت أن الفارق بين بلدها البني، وبين الغرب عقود طويلة.
 
وبعد عام في الغربة، ملت "باتا" من الوحدة بدون وجود رجل في حياتها، حتى وإن كان صديقاً لا زوجاً، قد تكون الصداقة بين الرجل والمرأة أمر غريب في بلاد البنيين، لكنه شيء معتاد في بلاد الغرب، وتنوي الفتاة أن تفتح قلبها لأول طارق يطلب الحب منها، لكن مر العام الثاني أيضاً، ولم يطرق باب باتا أحد !، مع أنها الفتاة الجميلة، التي كان يتهافت عليها الشباب البني، في بلدها البني.
فكرت الفتاة في أن سبب نفور الشباب الأبيض منها، قد يكون سلوكها المتحفظ، أوملابسها المحتشمة، ومن ثم غيرت الفتاة من نفسها، وأصبحت متحررة متبرجة، إلا أن العام الثالث قد ولى، ولم يتقدم أي شاب يطلبها.
 
فقررت باتا أن تستشير صديقاتها، من البنات الغربيات الشقراوات، فأشرن عليها بأن تبادر هي بطلب الصداقة من الشباب البيض، وأن لا تنتظر حتى يأتيها الرجال، وإقتنعت باتا بنصيحتهن، وقررت أن تبدأ بالمبادرة مع أحد الشباب، فتصارحه بمشاعرها نحوه، إلا أن الشاب إعتذر، وأخبرها أن لديه صديقة، تفهمت الأمر، ثم ذهبت تطلب صداقة شاب أبيض آخر، فاعتذر لها أيضاً، ثم ذهبت إلى ثالث ورابع وخامس، وجميعهم إعتذر !.
 
حتى إنتهى العام الرابع للمنحة، وباتا لم تصادق أو تتزوج من أي شاب أبيض، إلى أن جاء يوم العودة إلى بلدها البني، فأعدت حقائب سفرها، وذهبت إلى المطار.
وأثناء إنتظارها في صالة السفر، وجدت كل المسافرين من بلدها البني، فلاحظت عدة ملاحظات :
 
- كل المسافرين على طائرة العودة، كانوا من بلدها البني، رجال ونساء، شباب وفتيات.
 
- وجدت الفتيات البنيات قصيرات القامة مثلها، بينما الفتيات الغربيات يتمتعن بنسبة طول أكبر.
 
- وجدت الفتيات البنيات سمينات، بينما فتيات الغرب الشقراوات نحيفات رشيقات.
 
- وجدت شعر الفتيات البنيات أقرب إلى الأجعد، بينما شعر الفتيات الغربيات ناعم بدون أي تدخلات.
 
- وجدت ملابس الفتيات البنيات، لا تناسب خلقتهن، بينما الفتيات الغربيات ملابسهن متسقة مع خلقتهن.
 
بعد تلك الملاحظات قررت باتا أن تذهب إلى الحمام لتنظر إلى نفسها في المرآة، فوجدت أن كل ما لاحظته على الفتيات البنيات، ينطبق عليها.
 
علمت باتا في نهاية رحلة السفر، سبب نفور الشباب الغربي منها سواء كزوجة أو كصديقة، وبعد عودتها إلى بلدها البني، كادت عيون الرجال البنيين تقتلع عليها، وبعد خروجها من المطار، إذ بالعديد من الشباب البني، يغازلها ومنهم من يعرض عليها أن يوصلها لأي مكان بسيارته الفارهة.
أعادت باتا النظر إلى الشباب البني الذي رغب بها، فوجدت أن الإحتلاف بينهم وبين الشباب الغربي، هو نفس الإختلاف بين الفتيات البنيات، والفتيات الغربيات، فتذكرت باتا أحلام ما قبل السفر، وفهمت تفسيراتها.
 
وبعد أن مكثت قليلاً في بلدها البني، سألها أهلها :
 
- الأهل : أيهما أفضل لكِ الآن الحياة في بلدنا البني المتخلف، أم الحياة في بلاد الغرب.
 
- باتا : الحياة في بلدنا البني أفضل.
 
- الأهل : كيف.
 
- باتا : هنا سأكون المميزة، والجميلة، أما هناك فأنا لا أملك أي مميزات، ولست في تعداد الجميلات.
 
- الأهل : كيف تقولين أنك هناك لن تكوني جميلة، وأنت من أنت !، الفتاة التي يتهافت عليها خيرة الشاب البني.
 
- باتا : نعم يتهافت علي الشباب البني، لكن لن يتهافت علي شاب غربي، فقوامي في بلد البنيين رشيق، وفي بلد الغرب سمين !، وشعري في بلاد البنيين حرير، لكنه في بلاد الغرب أجعد، وهيئي في البلد البني متسقة، لكنها في بلاد الغرب مشوهة، هنا أنا بيضاء، لكني في بلاد الشقر بنية !.
 
وتقرر باتا أن تكمل حياتها في بلدها البني.
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 5242