الإتباع والحكم المطلق
التسليم في الفكر القرآني السليم

عبدالوهاب سنان النواري في الثلاثاء ١٠ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

المقدمة:

 

١- المجتمعات العشائرية المناطقية العرقية الجهوية، هي مجتمعات عنصرية - بطبعها - لا تستطيع أن تتعايش بود وسلام مع أحد. والأحزاب والجماعات التي تنشأ في هكذا مجتمعات حتى وإن أطلقت على نفسها مسميات إسلامية (جماعات وأحزاب الله) ، فإنها في الواقع أحزاب وجماعات متطرفة معجونة بالقبلية والطائفية والعرقية، تزكي نفسها وتخون وتفسق الآخر، وأسمائها إقصائية في حد ذاتها.

 

٢- كما أنها تنتج لنا أمير مؤمنين أو مرشد أعلى أو مرشد عام أو علم هدى أو حاكم ديكتاتور، لا تجوز معارضته على الإطلاق. فهو هبة الله للعالمين، وهو صفوته من خلقه، وهو القائد الفذ الحكيم الملهم، الذي يجب أن نطيعه طاعة عمياء، وأن نسلم له تسليما مطلقا، وإلا فنحن منافقون وفاسقون وأعداء لله تعالى، وخونة للوطن.

 

٣- ومن سخرية القدر أن يتسيد علينا، ويستبد بنا حكام فاشلين وجهلة، بعضهم لم يدخل مدرسة حكومية، وليس لديهم حتى شهادة أولى ابتدائية؛ ومع ذلك يطالبوننا بأن نكون تلاميذهم المهذبين، وعبيدهم المطيعين لتوجيهاتهم الحكيمة المسددة من السماء.

 

٤- كل هذا وسط تبعية وتأييد الجماهير الجاهلة المتخلفة المتعصبة، والتي عبرت عن جهلها وتعصبها وتخلفها بتأليه ذلك الحاكم الظالم الفاشل الجاهل، معلنة له وللعالم بأن أرواحها الرخيصة فداء لروحه الزكية الطاهرة.

 

٥- فلمن يكون الحكم المطلق، وكيف يكون الإتباع والتسليم في الفكر القرآني يا ترى؟ هذا ما سنعرفه في هذا المقال إن شاء الله تعالى.

 

 

أولاً- الحكم المطلق:

 

١- الله وحده لا شريك له، هو الذي لا يشرك في حكمه أحدا، وفي ذلك يقول سبحانه: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف : 26] . وكل من لا يشارك الناس في الحكم فقد تعدى على رب العزة في حاكميته.

 

٢- الله وحده لا شريك له، هو الفعال لما يريد، وفي ذلك يقول سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود : 107] . وكل من يعتبر نفسه مطلق اليد والصلاحية فقد تعدى على رب العزة في حاكميته.

 

٣- الله وحده لا شريك له، هو الذي لا يُسأل عما يفعل، وما دونه لا بد أن يخضع للمسائلة، وفي ذلك يقول سبحانه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء : 23] . وكل من لا يخضع للمحاسبة والمسائلة القانونية فقد تعدى على رب العزة في حاكميته.

 

٤- كل من يتصرف على أن البلاد والعباد ملكه الخاص فقد تفرعن وتعدى على رب العزة في ربوبيته، لسان حاله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات : 24] .

 

٥- كل من يسلك أو يمارس سلوكا اقصائيا، ويطالب الناس بأن يطيعوه وحده دون غيره، فقد تفرعن وتعدى على رب العزة في ألوهيته، لسان حاله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص : 38] .

 

 

ثانياً- التسليم في الفكر القرآني:

 

١- التسليم المطلق لا يكون إلا لله وحده لا شريك له، فهو الإله القاهر القوي العدل، الذي أسلمت له جميع الكائنات طوعا وكرها، وفي ذلك يقول سبحانه: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران : 83] . فلا مناص من ابتغاء دينه جل شأنه، لاسيما ونحن إليه راجعون، لذلك يأمرنا الحق تبارك وتعالى بالإنابة إليه والتسليم له قبل فوات الأوان، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر : 54] .

 

٢- وقد سطر الخليل إبراهيم وولده إسماعيل (عليهما السلام) أعظم دروس التسليم لله رب العالمين فكانا من المحسنين، وفي ذلك يقول سبحانه: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} [الصافات] . لذلك اتخذ الحق تبارك وتعالى من إبراهيم خليلا، وقرن بين التسليم والاحسان واتباع ملة إبراهيم، معتبرا ذلك أحسن طرق التدين على الاطلاق، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء : 125] .

 

٣- ورغم أن نبي الله موسى (ع) كان قد قطع على نفسه وعدا لذلك الرجل الذي آتاه الله علما: بأن يتبعه صامتا لا يسأله عن شيء مهما حدث، إلا أنه لم يكن ليسكت إذا ما رأى منكرا يحدث بين يديه، وفي ذلك يقول سبحانه: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)} [الكهف] .

 

٤- وقد عبرت ملكة سبأ عن ذكاءها وفطنتها بأن جعلت تسليمها لله رب العالمين، ولم تجعله لشخص سليمان، فلم تقل: وأسلمت لسليمان. بل قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل : 44] .

 

٥- وفي درب أولو العزم من الرسل سار خاتم النبيين، مسلما لله جل وعلا، هو من اتبعه من المؤمنين الصادقين - في كل مكان وزمان - داعيا الناس إلى التسليم لله وحده لا شريك له، وفي ذلك يقول سبحانه: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران : 20] .

 

٦- وقد وصف الله حال طائفة من المؤمنين بأنهم صادقين ثابتين في مواقفهم لا تزيدهم الأخطار والمصائب إلا إيمانا وتسليما، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب : 22] . نافيا الإيمان عن طائفة أخرى حتى تكون مسلمة راضية بقضاء الله فيها، جاء ذلك في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب : 36] . ويقول أيضا: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء : 65] .

 

٧- كان المؤمنون مأمورون بالتسليم لخاتم النبيين باعتباره المتلقي الحصري للوحي القرآني، والناطق بحكم الله جل وعلا، حيث كان الوحي يتابعه ويسدده ويصوبه في كل الأمور، وذلك تحت رقابة إلهية مشددة، تتجلى في قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} [الحاقة]. لذلك قال لهم الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب : 56] . ولا تسليم للنبي خارج هذه الدائرة على الإطلاق.

 

 

ثالثاً- الإتباع في الفكر القرآني:

 

١- خلق الله جل وعلا، هذا الكون وفق نظام السببية، فجعل لكل شيء سببا، أو بمعنى آخر: جعل كل الأسباب تؤدي إلى نتائج. والملموس أن العقل البشري لا يفهم شيء إلا بسبب، ولعل من حكمة الله البالغة أن هذه الأسباب الظاهرة تقودنا إلى مسبب الأسباب وهو الله جل وعلا، فالإنسان إذا ما فكر بسبب الشيء وتتبع السبب الأبعد فالأبعد وصل إلى الله سبحانه وتعالى لا محالة. أما الإنسان الذي لا يأخذ بالأسباب فهو شخص لا يقدر ولا يثمن نظام الله البديع القائم على السببية، لذا فالواجب علينا كمؤمنين هو أن نأخذ بأسباب الهداية والنجاة، وأن نتجنب أسباب الضلالة والهلاك. وقد حدثنا الله جل وعلا، عن نبيه ذي القرنين (ع) في سورة الكهف، فكان من أهم الدروس التي نتعلمها من ذلك الرجل العظيم هو وجوب الأخذ بأسباب الفوز والتفوق والنجاح، كي نظفر برضوان الله وتأييده، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)} [الكهف] .

 

٢- أسباب الهداية كثيرة جدا وقد أرشدنا إليها رب العزة في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، حيث يحثنا جل شأنه إلى اتباع سبيله ورضوانه من خلال ما أنزله إلينا من كتب سماوية عبر أنبياءه ورسله، وفق معايير الهداية والحق واليقين والعلم والقول الحسن، كأمثل سبيل للمؤمنين المخلصين الذين لا يطلبون الأجر على الدعوة من أحد. كما أن أسباب الضلالة كثيرة جدا وقد حذرنا منها الحق تبارك وتعالى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، يأتي الشيطان الرجيم وهو رأس كل بلية في مقدمة أسباب الضلال، وإلى جانبه اليهود والنصارى ونهج الآباء الضالين، والأولياء والشركاء، إضافة إلى الظن والهوى والشهوات وما تشابه من القول .. الخ. والإنسان بعد ذلك مخير بين اتباع أسباب الهداية، أو اتباع أسباب الضلالة، وهو المسؤول عن مصيره الدنيوي والأخروي فيما أختاره لنفسه.

 

٣- يخبرنا الحق تبارك وتعالى بأنه جعل القرآن الكريم هدى للذين يتبعون رضوانه جل شأنه، يخرجهم به من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، وفي ذلك يقول سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة] . كما أنه قد أحاط من يتبعون رضوانه بالرعاية والحراسة بحيث أنه لا يمكن أن يمسهم سوء بفضله وعظمته، وفي ذلك يقول سبحانه: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران] . حتى أن ملائكة الله جل وعلا، إلى جانب القيام بمسؤولياتها وتسبيحها بحمد ربنا، فإنها تستغفر للذين يتبعون سبيل الله، وتطلب منه سبحانه: أن يقيهم من عذاب الجحيم، وفي ذلك يقول سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر : 7] . أما أولئك المرتدين الذين سول لهم الشيطان بأن يطيعوا من كرهوا هدي الله في بعض الأمور، فاتبعوا بذلك ما أسخط الله وكرهوا رضوانه، فإن الله جل وعلا، يحبط أعمالهم؛ فيما تقوم ملائكة الموت بضرب وجوههم وأدبارهم، وفي ذلك يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)} [محمد] .

 

٤- أنزل الحق تبارك وتعالى كتابه الحكيم بينة لما في الصحف الأولى، حجة على الناس، وقاطعا الطريق عليهم، حتى لا يأتي أحد يوم القيامة متحججا بأنه لو جاءه رسول لاتبع آيات ربه، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)} [طه] . ويقول أيضا: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص : 47] .

     صرف الله جل وعلا، آيات كتابه العزيز، وبينها للعالمين، وأمر خاتم أنبياءه بأن يكون متبعا للقرآن العظيم، معرضا عن المشركين، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)} [الأنعام] . وتكفل الحق تبارك وتعالى بحفظ القرآن وجمعه وبيانه، وأمر خاتم النبيين باتباعه فحسب، وفي ذلك يقول سبحانه: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} [القيامة] .

     لم يكن لدى خاتم النبيين خزائن الله جل وعلا، ولم يكن يعلم الغيب، ولم يكن من الملائكة، وإنما كان متبعا للقرآن العظيم لا غير، جاء ذلك في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام : 50] . وكانت مهمته (عليه السلام) مقتصرة على التبليغ، وكان عليه مثل غيره أن يتبع القرآن الكريم لا غير، لذلك أمره رب العزة أن يقول للناس: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف : 9] .

     كان خاتم النبيين متبعا لهدي الله تعالى، وهو في ذلك مستعد لاتباع أي كتاب يأتي من عند الله تعالى، خاصة إذا كان ذلك الكتاب أهدى مما هو موجود، جاء ذلك في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص] . وقد وضح الحق تبارك وتعالى لخاتم أنبياءه: بأنه مجرد مبشر ومنذر لمن اتبع الذكر وخشي الرحمن، أما المعاندين فلا عليه منهم، وفي ذلك يقول سبحانه: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} [يس : 11] .

     خلق الله جل وعلا، البشر وجعل سعادتهم وأمنهم وراحتهم في اتباع هديه، وفي ذلك يقول سبحانه: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 38]. .. {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه : 123] . ولكن رفض مشركو السعودية هدي الله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص : 57]. هذا مع أم الله جل وعلا يقول: {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه : 47] .

     جعل الحق تبارك وتعالى كتابه العزيز جامعا للشمل مانعا للفرقة والإختلاف، رحمة للعالمين، وأمر الناس بأن يتبعوه وأن لا يتبعوا سُبلا أخرى تفرقهم وتبعدهم عن سبيله، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)} [الأنعام]. كما أمر الحق تبارك وتعالى عباده: بأن لا يتبعوا أولياء من دون القرآن العظيم، لكن الناس قليلا ما يتذكرون، وفي ذلك يقول سبحانه: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف : 3] .

     كان الله جل وعلا، قد أنزل العديد من الكتب السماوية، وأمر الناس باتباعها، وأخيرا أنزل القرآن الكريم، كأحسن كتاب على الإطلاق، لذلك جاء الوعيد مقرونا بالأمر الإلهي باتباع أحسن ما أنزل على الناس، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر : 55] . لذلك تجد أن المفلحين هم من يتبعون كتاب الله تعالى، وفي ذلك يقول سبحانه: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف : 157] . كما أن المهتدين وأولي الألباب هم من يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وفيهم يقول الحق تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر : 18] .

 

٥- إتباع الرسل واجب على كل الناس، كيف لا ؟! وما أرسلهم الحق تبارك وتعالى إلا ليطاعوا بإذنه، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[النساء : 64] . لذلك كان اتباع الرسل من دواعي وشروط حب تعالى، ومن موجبات الغفران من الله تعالى لعباده، جاء ذلك في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران : 31] . وقد أرسل الله جل وعلا، رسله دعاة مبشرين ومنذرين، وبهذا لم يعد لأحد عذر أمام الله تعالى، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إبراهيم : 44] .

       أرسل الحق تبارك وتعالى رسله للعالمين، وكتب لهم ولمن تبعهم النصر، وفي ذلك يقول سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر : 51] . وهو جل شأنه القائل لموسى وهارون: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص : 35] . وهو سبحانه القائل لخاتم النبيين: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال : 64] .

     وقد خلد الحق سبحانه، وصية ذلك الرجل المؤمن لقومه باتباع المرسلين في قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس : 20] . كما قرن بين التصديق به وبين اتباع ملة إبراهيم في قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران : 95] . وجعل الحق سبحانه، أولى الناس بإبراهيم هم الذين اتبعوه، أو بمعنى آخر هم الذين اتبعوا ملته، أي الذين يتمسكون بطرقة العبادة المتوارثة عنه، مع الإخلاص لله في العبادة، وفي ذلك يقول سبحانه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 68] . ونحن جميعا من إبراهيم (عليه السلام) بإذن الله تعالى، أي متبعون لملته، وهو القائل: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم : 36] .

     والرسول ما هو إلا مبلغ لرسالة ربه، وإتباعه لا يكون إلا من خلال الرسالة لا غير، فالرسول لا يأتي بشيء من جعبته، وإنما هو مؤمن بكلمات الله، مبلغ لها، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، يحل الطيبات ويحرم الخبائث، وعلى أساس ذلك يكون اتباعه، نفهم ذلك من قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف] . ونفهم ذلك من أمر الله تعالى لخاتم أنبياءه بأن يقول للناس: {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف : 61] . أي اتبعوني وفق صراط الله وهو القرآن الكريم. ونفهم ذلك أيضا من دعاء الحواريين حين قالوا: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران : 53] . أي أن اتباعهم للمسيح كان على أساس التوراة التي نزلت عليه، وليس على أساس شيء آخر.

 

٦- الاتباع يكون على أساس الحق والعلم والهدى والرشاد، أو بمعنى أوسع: يكون الاتباع على أساس سبيل الله تعالى، وهو اتباع تطوعي لا أكراه فيه، وليس له ثمن، وفي ذلك يقول سبحانه: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس : 21] . لذلك نجد الحق تبارك وتعالى بأمرنا باتباع سبيل من أناب إليه من المؤمنين، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان : 15] . والعقل والمنطق يحتم علينا أن نتبع من يدلنا على الحق والهدى، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس : 35] . لذلك يتوعد الحق تبارك وتعالى، من لا يتبعون سبيل المؤمنين بجهنم وسوء المصير، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء : 115] .

     وفي سورة الأعراف يحدثنا رب العزة عن نوعية متبلدة لا خير فيها، جاء ذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف : 193] .. {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [الأعراف : 198] . وفي المقابل يحدثنا الحق تبارك وتعالى عن فطنة رجل مؤمن من آل فرعون، ويسطر كلام ذلك المؤمن بأحرف من نور، وذلك في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)} [غافر] .

     ويأتي العلم على رأس دواعي الاتباع، فهذا نبي الله موسى، يتوسل لذلك الرجل الذي آتاه الله العلم بأن يسمح له باتباعه ليتعلم منه، جاء ذلك في قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)} [الكهف] . وهذا نبي الله إبراهيم يطلب من أبيه أن يتبعه على أساس العلم والصراط السوي، وذلك بقوله: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم : 43] . أما أولئك الجهلة، وقاصري الوعي، فلا يجوز اتباعهم على الإطلاق، نفهم ذلك من قوله تعالى لموسى وهارون: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس : 89] .

     وما أروع أن يسير الأبناء على هدي الآباء في الإيمان والعمل الصالح، وفيهم يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور : 21] .

 

٧- الشيطان الرجيم رأس كل خطيئة، وهو سبب رئيسي في وقوع الإنسان في الشرور، إنه العدو التقليدي لابن آدم؛ عدو وصل به الفجور في الخصومة إلى درجة أن يسخر حياته لإغواء بني آدم، وايقاعهم في السوء والفحشاء والمنكر والتقول على الله جل وعلا، وذلك بغرض تدمير البشر دنيويا، والقضاء على مستقبلهم الأخروي نهائيا. والشيطان خبيث في أساليبه ووسائله، ولديه خبرة آلاف السنين في اضلال البشر واغوائهم؛ لذلك جاءت الكثير من التحذيرات الإلهية التي تحث الإنسان على عدم اتباع خطوات الشيطان الرجيم، وفي ذلك يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} [البقرة] .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)} [البقرة] .. {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام : 142] .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور : 21] .

     الشيطان الرجيم عدو ظاهر، والمفروض أن يكون الإنسان حذر وعال اليقظة من عدوه، ولكن ما سمي الإنسان إنسانا إلا لكثرة نسيانه، لذلك جاءت العديد من آيات الذكر الحكيم لتذكر الإنسان بتلك العداوة الأزلية، ونكتفي بقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)} [الحجر].

     والواضح في آيات الله جل وعلا، أنه سبحانه لم يجعل للشيطان أي سلطان على الإنسان، وأنه لا عذر لابن آدم في اتباعه لعدوه الرجيم، ومن العجب أن تصدق ظنون الشيطان في سذاجة وضعف الإنسان، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)} [سبأ] .

     سقط أهل الكتاب في مستنقع الشيطان، فكفروا بالله تعالى، وتعلموا ما يضرهم ولا ينفعهم، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} [البقرة] . كما سقط أغلب الناس في مستنقع الشيطان، وجادلوا في الله بغير علم، وهم يعلمون أن الشيطان يقودهم إلى الجحيم، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)} [الحج] . وسقط الكثير والكثير، ولم تنجو - بفضل الله تعالى - من مكر الشيطان إلا قلة مؤمنة صادقة، وصفهم الشيطان الرجيم سابقا بالْمُخْلَصِينَ، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 83] . جعلنا الله وإياكم من الْمُخْلَصِينَ.

 

٨- نهانا رب العزة عن اتباع المترفين والكفار والجبارين والمعاندين، وإن كانوا آباءنا. كما نهانا عن اتباع اليهود والنصارى كونهم متبعي أهواء، وأعوانا للشيطان في إضلال الناس. كما نهانا عن اتباع الشعراء وغيرهم؛ لأن إتباعهم ضلال وخسارة وظلم وجهل ولعنة في الدنيا والآخرة.وقد حدثنا الحق تبارك وتعالى عن قوم نوح (ع) وكيف أنهم عصوا الرسول واتبعوا مترفيهم، وذلك في قوله تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} [نوح : 21] . كما حدثنا عن قوم عاد، وكيف أنهم عصوا رسل الله تعالى، واتبعوا الجبارين المعاندين، لتحل عليهم لعنة الدنيا والآخرة؛ وذلك في قوله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)} [هود] . كما حدثنا جل شأنه عن فرعون وقومه، وكيف أعرض القوم عن الرشد فكانوا من المغرقين، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)} [هود] . ليطرح الأمر على خاتم النبيين كسنة بشرية سار عليها الناس في كل زمان ومكان، وفي ذلك يقول سبحانه: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود : 116] .

     أما عن كذب الكفار ومكرهم بالمؤمنين، فيقول سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت : 12] . وعن تمسك المشركين بنهج الآباء رغم ضلالهم، يقول سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان : 21] .. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170]. وعن اتباع الشعراء، يقول سبحانه: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)} [الشعراء] .

     وعن مكر أهل الكتاب وعنادهم واصرارهم على التمسك بتدينهم الفاسد، يقول سبحانه: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)} [آل عمران] . ويخبر الحق سبحانه خاتم أنبياءه بأنهم قد وصلوا في عنادهم إلى مرحلة أنه حتى لو أتتهم كل آية لما اتبعوا الحق، محذرا إياه من اتباع أهواءهم، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة : 145] . وعن سخطهم الأزلي على المؤمنين، يقول سبحانه: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة : 120] .

 

٩- ينهانا رب العزة عن اتباع الظن والهوى، والآيات في هذا الصدد أكثر من أن تستقصى، وقد سبق وكتبنا عن ذلك، ونكتفي هنا بقوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم : 23] .. {قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام : 56] .. {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام : 116] .. {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الروم : 29] .

     أما الشهوات فقد توعد الحق تبارك وتعالى من يتبعونها بالعذاب الشديد، وذلك في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم : 59] . كما حذرنا من مكرهم وسعيهم إلى حرفنا عن منهجه القويم، وذلك في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء : 27] .

     وفي التعامل مع الآيات المتشابهات، يقارن الحق سبحانه بين موقفين مختلفين، حيث يذهب الذين في قلوبهم زيغ نحو ما تشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلة، بينما يتوقف المؤمنون عن الخوض فيها، جاء ذلك في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران : 7] .

 

١٠- بين اتباع الحق والباطل شعرة، لكن الفرق بين النتائج شاسع جدا، وفي ذلك يقول سبحانه: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) } [محمد] .

     يوم القيامة يكون ندم أتباع الباطل شديد جدا، وتتعاظم حسرة الأتباع حين يتبرأ منهم أسيادهم، وعن ذلك يقول سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)} [البقرة] . في ذلك اليوم يظهر عجز وضعف الجميع، حيث لا يملك الأسياد أن يقدموا شيئا لأتباعهم، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم : 21] .. {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)} [غافر] .

 

أخيراً:

 

1- التسليم والحكم المطلق لا يكون إلا لله وحده لا شريك له.

 

2- أما الاتباع فقد يكون لغيره ولكن في حدود ما يرضيه سبحانه.

اجمالي القراءات 4904