هل يرحل السيسي بسبب الأزمة الاقتصادية؟

سامح عسكر في الخميس ٠٥ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الكلام المنتشر الآن عن احتمالية تخلي الجيش عن السلطة

مصدره كلام الأديب "عز الدين شكري فشير" مقال كتبه عام 2013 وتوقع فيه بعض الأحداث حصلت والآخر لم يحن أوانه بعد، ومن ضمن ما توقع به هو تخلي العسكريين عن السلطة وعودة القطاع المدني للحكم تحت ضغط الاقتصاد

مع امتيازات للعسكريين تخص وضعهم في الدولة..

لن أحلل المقال بشكل مفصل فهو مكتوب بصيغة علمية وأدبية رائعة المضمون والعرض، إنما جوهر ما تنبأ به في تخلي العسكريين عن السلطة لا أوافقه فيه لعدة أسباب:

أولا: تخلي العسكريين يلزمه قوى مدنية مكافئة أو شعبية..وهي غير موجودة، بل تم شيطنتها في أجهزة الدولة بعد يونيو، وأكثر قيادات تلك القوى الآن في السجون..

ثانيا: الحديث عن انسحاب الجيش السياسي يلزمه حديث عن "المصالحة الوطنية" وأجواء الإعلام الآن لا تشير لشئ..كلهم يعتبرون ما يحدث في مصر حرب على الجيش وسجن وسحل كل مخالفيه.

ثالثا: نظام السيسي لا يتمتع برؤية إدراكية للواقع المعيب، فهو مع كل كوارثه في الاقتصاد لكن معزول عن حقيقة الشارع وما يجري فيه، بدليل استخدامه كل وسائل التزوير الانتخابي السابقة التي استخدمها مبارك، وهذا يعني أنه غير متبصر بحقيقة ما يجري على الأرض، وحلفائه في الخليج صوروا له برنامجه أنه "تحرر اقتصادي" وليس أزمة مالية تقرب من حد الكارثة.

رابعا: المرضى بجنون العَظَمة والعيش في البهرجة والفخامة سمة النظام الحالي، ومستحيل من يشعر بذلك الشعور أن يراجع ضميره، أنت تتحدث مع نظام مريض لا يُرجى شفاؤه إلا بالضربة القاضية.

خامسا: الأزمة الاقتصادية وزيادة الفقر والجوع وتهديد أركان الدولة المالية..هذه كلها أسباب ثانوية لتخلي العسكريين عن الحُكم، فالجيوش عندما تحكم لا يثنيها عن السلطة إلا الانقلابات والثورات والاغتيالات..لم يحدث في أي دولة في العالم أن انسحب الجيش من السلطة فيها بدافع اقتصادي..والتفسير ببساطة أن الحُكم العسكري هو حكم (طبقي) متعايش تماما مع فكرة جوع الكادحين وفقر البسطاء، وجاهز لأي حركة منهم بالسلاح.

سادسا: قصة الانتقال من العسكرية للمدنية هذه يلزمها فترة انتقال ومجلس حكم جديد بانتخابات جديدة..كيف تفعل ذلك والشعب فقد الثقة تماما في السياسة، وصار ناقم على أي حكومة، والمشكلة الأعظم ما برنامج تلك الحكومة الجديدة..؟..ستجد نفسها في مواجهة مع الشعب الغاضب (بطرق ديمقراطية) بما يرفع مؤشر الخطر لحدوث ثورة ثالثة..

سابعا: الفزاعات التي خلقها النظام وحملها كل مسئوليات فشله هي الحاجز المعنوي والمادي لمنع حدوث التحول، كفزاعة الإخوان مثلا، والفوضى في سوريا والعراق، هذا ستراها أي قوى مدنية مجرد فزاعات وهمية..لكنها أصبحت مترسخة عند قطاع عريض من الشعب، مما يعني أن القطاع المدني وقتها سيرى نفسه (كبش فداء) لتحميله كل خطايا الاقتصاد ونقل تلك الفزاعات من الخيال إلى الواقع...والنتيجة: رفض المدنيين السلطة إلا بتغيير جذري وحقيقي يشمل مراجعة لدور الجيش في السياسة.

لا تستهين بالفزاعات هذه، هي السبب في إبقاء البرازيل تحت الحكم العسكري طيلة عقود بدعوى أنهم (ليسوا كوبا) وخطر الشيوعية والإلحاد ..إلخ، بينما شعب البرازيل كاثوليكي متدين، نفس الحال في مصر..بقاء تلك الفزاعات يعني رجعية مستدامة، والقضاء عليها عمل ثقافي وسياسي مشترك، بينما مصر ثقافتها مُعطّلة بقوانين ضد الحريات لن يتخلى عنها الجيش أبدا حتى ولو بزي مدني..

ثامنا: رفض المدنيين المسئولية يدفع الجيش للبحث عن مدنيين تابعين له كنموذج موسى مصطفى مثلا..ولكن الشعب لا يريده، أنت تتحدث عن إجراء شكلي لانسحاب الجيش وإبقاءه حاكما خلف الستار..بينما جوهر مقال عز الدين شكري أن الجيش سينسحب ليجد حلول للأزمة الاقتصادية..وهذه يلزمها تغيير جذري حقيقي وليس متوهم باستقدام عناصر مدنية تابعة ولاءها لحُكم الجيش.

تاسعا: يوجد ما يمنع انسحاب السيسي من السلطة، فهو المسئول عن الكارثة الاقتصادية وبيع مصر للبنك الدولي، وبيع الجزر للمملكة والضرب بأحكام مجلس الدولة عرض الحائط، هذا يعرضه للمحاكمة، ولو لم يضمن بقاء السلطة سيُسجن وربما يُعدم بجرائم تحدث الآن في السجون..

عاشرا وأخيرا: نظام عمل الضباط في الحكم هو نفس عمل (الفتوات في الحارة) سيحكموك ويطلبوا المقابل، والثمن هي حريتك بفروق طبقية بدأت تشيع الآن في مصر لصالح قطاع الأمن..آخرها قانون تحصين قياداتهم من المحاكمة، فإذا تخلى الفتوة عن نفوذه بدعوى عجزه عن توفير طعام الفقراء أو رعبا من الحرافيش سيتخلى الجيش عن الحكم..ولكن للأسف الواقع لم ينقل لنا أبدا أن الفتوة خاف من الحرافيش..

اجمالي القراءات 5697