معضلة ( المكان ) فى الآخرة

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٣ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

معضلة ( المكان ) فى الآخرة 

مقدمة : 

هذا تدبر قرآنى فى موضوع المكان فى الآخرة حيث الجنة والنار ، هما غيب مستقبلى لم يحدث بعدُ ، ولكن جاءت عنه إشارات قرآنية نتدبرها ،وقد نخطىء وقد نصيب . وفى النهاية فإن ما جاءت به الآيات القرآنية سيأتى تأويله ( بمعنى التجسيد والتحقق ) يوم القيامة .

أولا : علمنا القليل ورؤيتنا المحدودة فى هذه الدنيا :

1 ـ نحن لا نرى طاقات وأشعة نستفيد بها ، أى ضمن عالمنا المادى ، ولا نرى بأعيينا المجردة دواب حية فى أعماق المحيطات ، ودواب حية تعيش داخلنا وعلى جلودنا ونستنشقها ، وبعضهما نافع وبعضها ضار . قال جل وعلا عنها أنها ( أٌممُّ أمثالنا ) : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) الانعام ) . نستخدم المناظير والتيليسكوبات فى رؤية الدقيق القريب والضخم البعيد من الذرة الى المجرة، وكلما إكتشفنا شيئا أدركنا مقدار ما نجهله من بديع صنع الرحمن جل وعلا  . 

2 ـ العلم الحديث الآن يدق أبواب عوالم البرزخ فيما يعرف بنظرية أو نظريات الأوتار الفائقة ، وفيها إختلافات وعليها إعتراضات ـ شأن بداية أى علم يدق أبواب المجهول . وعرفوا من نظرية الأوتار الفائقة أن الأبعاد في الكون الذي نعرفه؛ 3 أبعاد رئيسية وهي (الطول، العرض، الارتفاع)، بالإضافة إلى البُعد الرابع (الزمن). أما نظرية الأوتارفتقول أن الكون مُكوّن من «11 بُعداً»، منها الأبعاد الثلاثة الرئيسية، والبُعد الرابع (الزمن)؛ بالإضافة الى 7 أبعاد كونية أخرى. وقالوا إن نظرية الأوتار الفائقة تفسر ما حدث وماكان موجودا قبل الانفجار العظيم حين كان الكون كلة مركزا فى نقطة واحدة إنفجرت ، وهو المُشار اليه فى قوله جل وعلا يخاطبهم :( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا )(30)الأنبياء ).   وقالوا إن الأبعاد لهذا الكون تتحرك ضمن قوانين جديدة . وتؤكد نظرية الأوتار على أن الوحدات الأساسية المكوِّنة للعالم هي الأوتار، وهي خيوط اهتزازية من الطاقة متناهية الصغر.  يهتز كل وتر على تردد معين ويمثل قوةً محددة. وتعتبر الجاذبية وجميع القوى الأخرى نتاجاً لاهتزازات أوتار محددة.وكل شيء في الكون (فيرميونات، كواركات وليبتونات، هادرونات، بوزونات، وحوامل القوة كالفوتونات) يعرف بنمط الاهتزاز لأوتاره.وأن هذه هذه الأوتار المهتزة هى الوحدة الأساسية لتشكيل المادة ، وليس الذرات أو الجسيمات النقطية الصغيرة .  وقالوا أنه إذا صحت هذه الفرضية الخاصة بالأبعاد الـ11، فإن معنى هذا أن الكون ليس وحيدًا، وإنما هناك أكوان عديدة متصلة ببعضها، ويشير العلماء إلى أن هذه الأكوان متداخلة ولكن لكل كون قوانينه الخاصة، فالحيز الواحد من العالم من الممكن أن يكون مشغولًا بأكثر من جسم لكن من أبعاد مختلفة أى متداخلة .

3 ـ حسنا . لقد سبق القرآن الكريم العلم الحديث فى موضوع البرازخ للسماوات السبع والأرضين السبع ، والمتداخلة فى نفس المكان . فما يقولون أنه ( أبعاد ) هو البرازخ للأرضين الست والسماوات السبع . وبالتالى فالأبعاد هى 13 وليس 11 كما يقولون . 

4 ـ  وسبق القرآن الكريم فى أن هناك مخلوقات حية فى السماوات والأرض ، قال جل وعلا : ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) النحل ) ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)  الشورى ) ومفهوم انها الجن والإنس والشياطين والملائكة . 

4 ـ ما نعرفه قليل فى عالمنا المادى ( الأرض والنجوم والمجرات ) وما نعرفه أقلُّ وأقلّ عن برازخ الأرضين الست والسماوات السبع . ومصدر العلم هو ما جاء من إشارات عنها فى القرآن الكريم الذى يسبق علم البشر . بالتالى فإن مصدرنا الوحيد هو القرآن الكريم فى معرفة ما سيحدث فى المستقبل فى قيام الساعة وتدمير هذا الكون وتبديله بارض بديلة وسماوات بديلة ومجىء الرحمن ليحاكم الخلق من بشر وجن وملائكة وشياطين . وما ينتج عن الحساب من نعيم أو جحيم . 

5 ـ المشكلة فى توصيل المعلومات عن اليوم الآخر بطريقة نفهمها ، ونحن لا نفهم إلا ما ندركه بحواسّنا ، وما نكتشفه فى عالمنا المادى نصنع له تعبيرات وصفات جديدة . وبالتالى فإن رب العزة جل وعلا يصيغ لنا معرفة جديدة نستطيع بها الاقتراب من هذا العالم المختلف الذى لم يأت بعد . ومن هنا أيضا تبدو معضلة الزمان والمكان فى اليوم الآخر . 

6 ـ القائلون بنظرية الأوتار الفائقة يتصورون مادة مختلفة فى الأبعاد أو الأكوان ، ليست ثلاثة أضلاع بالاضافة الى الزمن . بالتالى فهناك مكان مختلف فى هذه الأكوان فى هذه الدنيا ، وبالتالى أيضا فالمكان مختلف بل متناقض تماما فى اليوم الآخر ، ولا يمكننا تصوره على حقيقته . 

ثانيا : السماوات والأرض فى اليوم الآخر 

1 ـ للأرض الحالية معانى مختلفة عرضنا لها فى باب القاموس القرآنى . ومنها ( الأرض ) بمعنى أرض الجنة فى قوله جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ (105) الانبياء )، وقول أهل الجنة : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر ). 

2 ـ وتأتى ( الأرض ) مرادفة للسماوات فى قوله جل وعلا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) الزمر ) ، ويأتى بعدها قوله جل وعلا :  ( وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) الزمر ) . أى أن يوم الحساب ولقاء الرحمن سيكون على أرض الآخرة . وعليه قد تكون الارض والسماوات متداخلة . 

3 ـ ويقول جل وعلا عن إتساع الجنة : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران ). أى إن عرضها هو السماوات والأرض . والمفهوم هنا ان الجنة ستكون مفتّحة الأبواب ( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الأَبْوَابُ (50) ص  ) بحيث يجوب أصحاب الجنة كل مكان بما فيها النار يرون أهلها ، وحكى رب العزة جل وعلا مشهدا فى ذلك حيث إطّلع واحد من أهل الجنة على واحد من أهل النار كان قرينا له فى الدنيا يحاول إضلاله وخاطبه مؤنبا له : (  فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) الصافات )  . وهم فى هذا لا تضرهم نارها ولا يسمعون حسيسها ، قال جل وعلا  عن أصحاب النار: ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) الأنبياء ) 

ويقول جل وعلا : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ )(21) الحديد )  ، هنا إستعمال التشبيه ( كعرض السماء والأرض )  

اجمالي القراءات 5556