فهمي لسورة التوبة ( الجزء الثاني عشر )
فهمي لسورة التوبة ( الجزء الثاني عشر )

أسامة قفيشة في الثلاثاء ٠٥ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

فهمي لسورة التوبة ( الجزء الثاني عشر )

للتذكير فالحديث يدور عن القبائل العربية التي دعاها النبيّ للنفير و الخروج معه خلال رحلة العودة للمدينة بعد أن تخلف عنه من تخلف و خذله الكثير من المهاجرين العائدون بعد أن اتضح بأنهم كانوا مجرد منافقون .

( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) 94-95 التوبة :

1 - ( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ) : أي يعتذرون منكم بعد أن لجئتم و توجهتم إليهم و طرقتم بابهم , و هذا رفضاً للنفير .

2 - و دلالة قوله جل وعلا ( قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ) هو دليلٌ متكررٌ ماثلٌ أمام المؤمنين و مثالٌ حاضرٌ يعايشونه , فكل من اعتذر من القبائل من قبل كان اعتذارهم بلا مبرر و بلا عذرٍ رسمي , و ما كانت دوافعه سوى الخيانة و الانشقاق و الانحلال .  

3 - هؤلاء الأعراب الخونة يحلفون بالله لكم بأنه لا دوافع خبيثة من وراء تخلفهم عن النفير , و هذا من أجل أن تعرضوا عنهم و لا تعاقبوهم أو تحاسبوهم مستقبلاً .

4 - يأتي أمر الله بالإعراض عن هؤلاء الخونة و عدم الاقتراب منهم , و ما أروع وصفهم بأنهم رجس كباقي أنواع الرجس المذكورة في القرآن و التي تستدعينا لعدم لمسها أو الاقتراب منها بل و البعد عنها , ثم يأتي القول عن هؤلاء بأن مصيرهم هو جهنم بما عملوا و بما اكتسبوا .

( يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) 96 التوبة :

يستمرون بالحلفان لكم , من أجل كسب الرضا البشري , و يتناسون بأنه من واجبهم تلبية نداء النفير كي يرضوا الله و رسوله , وذلك أحق أن يرضوه , و لكنهم كغيرهم من الفاسقين الذين فسقوا تباعاً و واحداً تلو الآخر , و قبيلةٍ تلو الأخرى .

( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) 97-98 التوبة :

1 - هؤلاء العربان ( القبائل البدوية الصغيرة من العرب ) هم كما هو واضح بأنهم متشددون في كفرهم و نفاقهم أيضاً , و هم يمتازون بالجهل أيضاً بل أن جهلهم هذا ينالونه بجداره ( من الناس من يطلب العلم و يسعى إليه , و لكن هؤلاء يطلبون الجهل و يسعون إليه و يتفوقون في تحصيله و ينالونه بجدارة ) .

2 - و من هؤلاء العربان من يعتبر تلك الصدقات و النفقات بأنها ( غرامات ) , فيتخذ من يدعو إلى الإنفاق أو يقوم بجمع النفقات بأنه غريماً لهم فيبتعدون عنه و يقاطعونه , و يقومون بالتربص له كي يلحقوا به السوء .

( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) 99 التوبة :

1 - هذا نوعٌ آخر من هؤلاء الأعراب , مختلف تماماً عن الأغلبية , و هذا الصنف تراه يعتبر تلك الصدقات و النفقات بأنها ( قربات ) لهم , فيتقربون بها إلى الله , و يحافظون على قربهم و صلتهم برسول الله و لا يبتعدون عنه .

2 - هذا الصنف من الأعراب سيدخلهم الله جل وعلا في رحمته .

( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) 100 التوبة :

و هنا إشارة لمن سيدخله الله جل وعلا في رحمته أيضاً من الأعراب , و للتذكير لازال النبيّ عليه السلام في طريق عودته للمدينة , بعد أن طلب النفير من أتباعه القرشيين السابقين الذين هاجروا ثم عادوا لمكة و علمنا درجة أيمانهم و بأنهم قد تخلفوا و كيف خذلوه إلا القليل منهم , ثم قام عليه السلام بطلب النفير من تلك القبائل العربية المتواجدة في طريق عودته و هم الأعراب فعلمنا بأن معظمهم قد تخلفوا عنه و خذلوه أيضاً إلا القليل منهم :

1 - ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) : تشير هنا لمن استجاب للنبيّ و لبى نداء النفير و خرج و سار مع النبيّ مهاجراً مرةً أخرى نحو المدينة ( أرض المنفى ) , و بطبيعة الحال الأنصار من ضمنهم لأنهم قد أتوا لمكة حجيجاً مع رسول الله و جرى أمامهم ما جرى , و من الطبيعي عودتهم مع النبيّ لمدينتهم ( هنا لا يمكننا القول بأن جميع هؤلاء الأنصار قد استجاب لنداء النفير و الخروج مع النبيّ استعداداً للقتال لأنهم بطبيعة الحال عائدون معه للمدينة , أي أن خروجهم من مكة مع النبيّ باتجاه المدينة هو تحصيل حاصل ) .

2 - ( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) : تشير لمن التحق بالنبيّ و من معه في عودته و اتبعوهم و لبّوا نداء النفير , هذا الفعل هو في حد ذاته إحسان , فقد أحسن هؤلاء في تلبيتهم النداء و الاستجابة لله و لرسوله .

3 - هؤلاء هم المؤمنون المخلصون ( الله وحده أعلم بأسمائهم ) , و ما دون هذا الركب القليل فهم من الخوالف و المشركين و المنافقين , بالعامية ( إللي ما كان معهم وقتها , غسل أيديك منهم و كب عالزبالة ) .

4 - هؤلاء القلة القليلة هم من رضي الله جل وعلا عنهم و رضوا به رباً و رضوا بأمره , و لمثل هؤلاء تكون جنات النعيم , خالدين هم فيها و ذلك هو الفوز العظيم و الكبير . 

اجمالي القراءات 4361