رزان .. قصة قصيرة

شادي طلعت في السبت ٠٢ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

قصة شاب إسمه "مسلم العربي"، ناقم هو وأصدقاؤه على بلدهم العربي، يرونه شرقي متخلف، ويرون في الغرب التقدم والحضارة، "مسلم" غير عابئ بمصالح مجتمعه، لا يهتم إلا بمصالحه الخاصة، ومع صباح يوم جديد، يمسك الشاب هاتفه المحمول، ويبدأ في فتح برامج التواصل الإجتماعي، فله صديقات كُثر.
وأثناء تصفحه للصفحة العامة، الخاصة بأصدقائه، وجد صديق له أجنبي من أوربا، ينشر أحد الفيديوهات، لفتاة محجبة، يراها "مسلم" غير جميلة !، وحيث كان التعليق على الفيديو باللغة الإنجليزية، فإن الشاب مر عليه دون أن ينتبه للعنوان، فلماذا يتعب نظره في قراءة أشياء، عن فتاة غير جميلة، ولا تستحق أن تظهر صورتها على احد الفيديوهات !.
ترك "مسلم" هاتفه، ثم عاد إليه بعد ساعات، فقد تأخر عن صديقاته عبر برامج المحادثات، وأثناء تصفحه لحساباته الشخصية، إذ به يجد أصدقاء له آخرون من الأجانب أيضاً، غير عرب، ينشرون نفس فيديو الفتاة.
إستفزه الأمر، فمرر الفيديو سريعاً، بعد أن قال "أف"، وعاد لصديقاته من جديد، ورمى شباكه على إحداهن، حتى أخذ منها موعداً في صباح اليوم التالي، ثم خرج في المساء مع أصدقائه، يتحدثون عن النساء، ويحكي كل منهم مغامراته، ناقمين على العيش في بلدهم العربي، حتى عاد في المساء، بعد أن أُجهد من نزهته، يبحث عن سريره، ثم أمسك هاتفه، ليلقي عليه نظرة قبل النوم، وأثناء فتحه لصندوق رسائله، وجد أحد أصدقاءه الأجانب أيضاً، قد أرسل إليه الفيديو الخاص بالفتاة المحجبة، تذمر "مسلم"، من تفاهة أصدقائه الغربيين، فما لهم يهتمون بفتاة عربية محجبة، غير جميلة ثم أغلق هاتفه لينام، فلديه موعد غرامي في صباح الغد.
 
لكن النوم قرر ترك الشاب الممتلئ غيظاً من إهتمام المجتمع الغربي بالفتاة المحجبة، التي لا تمتلك أي ميزة، فظل الأرق معه لأكثر من ساعة، حتى راودته نفسه أن يشاهد الفيديو الخاص بالفتاة، فعاد وأمسك بـ هاتفه، والحقد، والغيرة يملئان قلبه تجاه الفتاة.
 
فإذا به يجد أن الفتاة هي أحد المتطوعين لإسعاف المصابين في قطاع غزة، أثناء "صراع شهر رمضان ٢٠١٨م"، وقد أجرى إللقاء معها صحيفة التايمز البريطانية، فإستخف الشاب من الفتاة، متعجباً .. ولماذا تنال كل هذا الإهتمام.
أغلق هاتفه ليعود للنوم، إلا أن شيئاً ما في نفسه جعله يفتح الهاتف مرة أخرى، ليقرأ عنوان الفيديو، والذي كان مكتوباً باللغة الإنجليزية، فإذا به .. إسرائيل تقتل "رزان أشرف النجار"، أثناء قيامها بإسعاف المصابين.
 
صمت "مسلم"، وإنتبه فجأة، ثم قام من سريره، يعيد تشغيل الفيديو، وفي المرة الثانية للمشاهدة، أذرف الدمع عليها دون أن يشعر.
 
ظل الشاب مستيقظاً، فهو بحاجة للتفكير، والتكفير، فقد أخطأ في حق رزان .. حقد عليها تارة، وقال عنها في نفسه أنها غير جميلة، لكن بعد أن شاهد صورتها من جديد، وجدها في غاية الجمال، كان ينتقد حجابها، إلا أنه وجد أنها أفضل من كل صديقاته اللاتي عرفهن.
 
أذن المؤذن لصلاة الفجر، فإذا بالشاب، يتوضأ ويصلي بالمسجد، وبعد الصلاة ظل يعاود التفكير في رزان، ويسأل نفسه، ماذا فعلت الفتاة لتقتل.
حتى جاء الصباح، وإقترب موعد الشاب مع فتاته الجديدة، وإذ به يرتدي ملابسه، ويغادر منزله.
وصديقته الجديدة تنتظره، إلا أنه لم يذهب إليها، حتى تأخر عن موعده لساعات، لا يجيب أحداً على هاتفه .. ظل مختفياً ليوم، حتى ذهبت الشرطة لمنزله، تستجوب أهله حول ولدهم.
 
فسأل الأب  : ماذا فعل ولدي.
 
فأجابوه : قد مات، في حادث طريق !، وسائق السيارة يدعي أنه كان ينوي الإنتحار !.
 
فتشت الشرطة غرفة الشاب، فوجدوا آخر كلمات كتبها، "رزان أشرف النجار"، إسم فتاة الفيديو.
 
كانت الشرطة تعلم من هي رزان، وبعد تحقيقاتها علمت أن الشاب كان محباً للحياة، فلماذا إذاً ينتحر، هل يكون لمقتل رزان سبب، هل يمكن أن يكون الحادث قدرياً .. إنشغل عقل الشاب بالفتاة، فمر أمام السيارة دون أن يدري.
 
سأل الأب نفسه : هل لو كنت تركت الحرية لولدي، ولم أكن حائلاً بينه، وبين الشأن العام، ما كان "مسلم"، قد مات.
 
في النهاية : مات الشاب بعد ساعات من موت رزان، لكن لم يعلم أحد، هل كان موته قدرياً، أم إنتحارياً.
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 5561