الدور الإيراني في الشرق الأوسط (1)

سامح عسكر في الأحد ٢٧ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

في العام الثامن للحرب السورية تثار عدة أسئلة، ما الذي تحقق من دعاوى تغيير مشروعة ، وكيف تحولت سوريا لوباء طائفي مقيت، وإلى أزمات دولية وإقليمية صعبة، وهل رفع مطالب التغيير يعطي الحق لأصحابها أن يتصرفوا كيفما شاءوا، وما احتمالية أن تعود سوريا كما كانت آمنة قبل الثورة، وما مستقبل السوريين على أرضهم وفي اللجوء، وأخيرا: ما مستقبل المنطقة بعد إيقاف الحرب وإحلال السلام؟

أسئلة كثيرة لخصت حال سوريا بعد سنوات، وفي هذا المقال أعرج على دور إقليمي يُعد أهم الأدوار الإقليمية في سوريا على الإطلاق، أولا: لارتباطه بمصالح جيوسياسية مع الحكومة السورية، وثانيا: لارتباطه بصراع أيدلوجي وديني مع إسرائيل، وثالثا: لتعلقه بصراع هووي بين طبيعة ثورته الدينية في السبعينات وبين طبيعة ورثة القوى الاستعمارية الغربية، إنه الدور الإيراني الذي تعاطت معه النُخَب إما بتقصير في الميل أو إفراط في الازدراء، وكلاهما يحفزان على التسرع والاستنتاج الخاطئ.

مبدئيا: لا يعني استعراض الدور الإيراني إقرارا بنزاهة أدوار خصومه، إنما هي لمحة تحليلية أرصد فيها المشهد السوري في ظل وجود هذا الدور وتمدده بمرجعيات عدة سياسية ودينية وأيدلوجية، كما أنه ليس تحذيرا من طبيعته لإيماني بنسبية الرؤى السياسية، فما هو محذور عندي مشروع عند آخرين، إنما سأكتفي ببيان طبيعته وحركته التزاما بالمقدمة الاستفهامية التي أعتبرها مدخلا شاملا لفهم قصة سوريا ، ولأن الدور الإيراني جزء من تلك المقدمة وَجَب نقاشه مجردا على أمل أن نناقش الأدوار الأخرى مستقبلا.

ولأن بيان الأدوار يلزمه بيان طبيعة وقوة هذا الدور أولا أشير إلى أن لإيران علاقات مميزة بدول جوارها السبعة، إضافة لدول البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والصغرى، ومجموع هذه الدول لا يقل عن 30 دولة، إضافة لتمتعها بعلاقات تصل إلى حد التحالف مع روسيا والصين ودول البريكس..إضافة لعلاقاتها المميزة بدول جنوب شرق آسيا والهند..ليس هذا فقط..الإيرانيون لهم موطن قدم وعلاقات جيدة مع دول عربية كثيرة كالكويت وعُمان وقطر والجزائر وتونس ولبنان وسوريا واليمن.. غير وجودها الأفريقي الحاضر بمذهبيته في جامعة المصطفى، التي أعدها المسئول الأول عن نشر مذهب آل البيت على النمط الإيراني في أفريقيا.

وعن الاقتصاد فتحتل المرتبة 18 عالميا في الناتج المحلي الإجمالي gdp أو ما يعرف بمقياس مستوى المعيشة، ولعل ارتفاع هذا المؤشر لديهم ناتج من سنوات الحصار، وتركيز الدولة هناك على الصناعات البديلة، إضافة لاحتياطي نقد أجنبي أكثر من 120 مليار دولار، وثروة هائلة من النفط والغاز والصناعات الصغيرة والتحويلية ، علاوة على إنتاجها الزراعي والخدمي والتكنولوجي والذري، وقد أهلها ذلك لدخول منظمة شنغهاي للتعاون إضافة لقرار اتحاد أوراسيا الاقتصادي بإنشاء منطقة تجارة حرة معها.

مما يعني أننا أمام قوة إقليمية كبيرة بالفعل، فحسابات السياسة المعاصرة لم تعد تهتم فقط بالقوة العسكرية لفرض الرأي، أو الأفكار العابرة للحدود مثلما كان يحدث في زمن الحرب الباردة، الآن إذا لم تكن قويا اقتصاديا لن تكون قويا في السياسة أو في الجيش، وبلمحة بسيطة أرى أن أقوى 5 اقتصاديات في العالم هم أقواهم في السياسة والنفوذ، بما يؤكد أن الدور الإيراني ليس كما يتخيله البعض أنه يعتمد فقط على عاملي المذهب والأيدلوجيا، فهناك قوى أعظم وهي الأموال والخبرات العلمية وما يتبعهم من تأثير إعلامي يعزز عوامل المذهب والأيدلوجيا سالفة الذكر.

إنما مع كل هذه القوى تعاني إيران ضعفا في الخطاب السياسي، فقادتها كثيرا ما يصفون أمريكا بالشيطان الأكبر، وهذا خلط بين الخصومة القابلة للتفاوض، وبين العداء المستدعي للحرب، لأن الوصف أساسا إعلان حرب مثلما وصف جورج بوش الابن من قبل طهران بأنها عضو في دول ما يسمى "بمحور الشر" كذلك في دعمها لحركات الإخوان المسلمين وتواصلها معهم حتى بعد سقوطهم في مصر خلال ثورة يونيو 2013 وانكشاف الوجه الطائفي للإخوان المعادي للشيعة (مؤتمر إستاد القاهرة نموذج)

وكذلك في تصريح الصحفي الإيراني الكبير "حسين شريعتمداري" بأن البحرين جزء من إيران ردا على قمع الثورة البحرانية، فقد صدق ذلك رواية خصوم إيران في المنطقة أنها تريد إحياء مجد الفرس القديم ، ولا أفهم كيف يخطئ صحفي كبير هذه الغلطة؟..فحتى المزاح له حدود، والمازح ليس شخص عادي، أما لو قالها عمدا فالأمر خطير بالفعل، إنما يبقى السؤال الرئيسي: هل شريعتمداري ممثل للدولة؟..أو هل هو مقرب للسلطة؟..وما ميزان تصريحه ذلك في العلاقات الدبلوماسية؟..فالدول لا تُحاسَب بكلام صحفييها بل دبلوماسييها، إذ يمنع إسقاط مواقف وعقائد الأشخاص على الدولة.

كذلك يعاني الخطاب الإيراني خللا في المعايير بازدواجية واضحة دعم فيها ثورة البحرين وعارض ثورة سوريا بشعارات أقرب للروح المذهبية منها إلى دبلوماسية الساسة، وقد خصم ذلك من ثورة البحرين كثيرا، فرغم مشروعيتها في الأصل بقيامها ضد نظام ملكي سلطوي يضطهد الأغلبية الشيعية –حسب مناقشات البرلمان الأوروبي 2017- لكن لم يشفع ذلك للثورة، وتضررت بالتدخل المذهبي الأحادي لقادة طهران، حتى قضي عليها تماما وسجن قادتها وضاع الأمل في نقل البحرين لعصر حقوق الإنسان.

سيقول قائل: ولكن هذا التدخل الإيراني هو رد فعل على تدخل السعودية من قبل بقوات درع الجزيرة في البحرين، وبمليشيات طائفية في سوريا، أقول: هذا صحيح من الناحية الظاهرية، إنما جوهريا فإيران هي الطرف المذهبي المقابل لحكام المملكة، أي لو لم تقم سياسات طهران على أحادية مذهبية في غالب حالاتها ما وجدت السعودية حلفاء عرب وإقليميين لها ضد ما تسميه "بالتدخل الإيراني" وهو ليس تبرئة لحكام السعودية بل أرى أن المشكلة بالأساس في توجه السعودية المذهبي والعرقي منذ حرب صدام والخوميني في الثمانينات، ورعايتها من قبل للوهابية في الستينات بمعاركها الشهيرة ضد نظام عبدالناصر، حتى اعترف ولي العهد "محمد بن سلمان" مؤخرا بأن المملكة صدرت الوهابية للجهاد بأوامر أمريكية ضد الاتحاد السوفيتي وقيم الشيوعية.

وقلت "غالب حالاتها" لأن بعضا من سياسة إيران لا تقوم جوهريا على الطائفية، مثلما دعمت حركتي حماس والإخوان (السنيتين) ودعمها لنظام بشار الأسد العلماني، وقد يُفهم من ذلك أن هذا الدعم لسنة وعلمانيين العرب، والجواب قولا واحدا (لا ) فهذه الأطراف المدعومة من إيران هي محاربة لإسرائيل التي هي عدو إيران الأول في المنطقة، ومبعث التحشيد الثوري والديني الهائل منذ قيام ثورتها عام 1979 وبالتالي هذا الدعم يخفي ورائه مصلحة عليا تتعلق بقيم الثورة الخومينية.

هذا الجانب أعطى زخم للدور الإيراني بربطه بين أيدلوجيا المقاومة لإسرائيل وبين القوميات العربية والمحلية على نفس النسق، فمثل هذه القوميات أيضا عابرة للحدود حتى وضعها بعض ساسة بريطانيا على أجنداتهم الخارجية كالنائب البريطاني "جورج جالاوي" إنه يدعم إيران ليس لأنها شيعة، ولكن لأنها مقاومة لإسرائيل والإمبريالية التسلطية في العالم، وقد ساهم ذلك في عقد تحالف بين أنصار إيران والقوميين العرب بالخصوص فيما يتعلق في الموقف من إسرائيل وأمريكا والأسد معا.

لنا عودة

اجمالي القراءات 4808