الحُزن والحَزَن

محمد خليفة في الأحد ٠٦ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لطائف قرآنية ونظرات تحليلية  (22 / 14 )

الحُزن والحَزَن

منقول بتصرف

هناك فرق بين الحُزن والحَزن

أهل الجنة عندما يدخلونها يقولون

{ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (34) } فاطر      لم يقولوا الحُزن،

 وقال تعالى { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) } يوسف

الحُزن هو ضيق الصدر عن شيء مضى، يوسف ضاع، وأبوه بقي حزيناً فابيضت عيناه ، هذا حُزن. والحُزن هو ضيق الصدر مؤقتاً يوم، يومين، شهر، شهرين، سنة، سوف ينتهي وكأنه لم يكن، وفعلاً عندما عاد يوسف إلى أبيه ارتد ليعقوب بصره، هذا هو الحُزن.

أما الحَزَن فهو لا يموت ولا يبلى، وإنما يبقى مع الإنسان، أُصِبت بشيء تموت وأنت عليه حزين.


قبل ذلك علينا أن نفرق بين عدة ألفاظ، فعندنا لفظة حُزن، ولفظة غمّ، وعندنا أيضا لفظة همّ،  الحُزْن على شيء قد  مضى، والهمّ على شيء بالمستقبل، مثلا شخص عنده أولاد، يحمل همهم في المستقبل معيشتهم، دراستهم، تربيتهم، أخلاقهم، زواجهم، مصلحتهم، غيابهم، سفرهم، فكل شخص عنده أولاد همه مستقبلهم، هذا همّ .. لماذا؟ لأنه سيأتي، حين تهتم بشيء مستقبلي قطعاً هذا يسبب لك أرقاً بشكل هائل لكن على شيء مستقبلي.

 

والهمّ مقرون دائما بخوف، أماالماضي.. فلا، أنت عرفت الذي حدث.. فقط حُزْن، ضيق صدر فقط، بدون خوف لأن الحدث قد إنتهى، ووقع فعلا مسبب الحزن .

 

الغمّ المميت   :  شخص محكوم عليه بالإعدام ، في الحالات التي لا يُعفى عنه وينتظر تنفيذ حكم الإعدام، ضيق الصدر الذي فيه لا يشبه ذاك الضيق الذي وصفناه في تعريف الحُزن، لأن هذا يائس من الحياة

{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) } الأنبياء

هو سيموت، شخص ابتلعه الحوت ودخل به البحر يعني لا يوجد فرصة محتمله أنه سوف يعيش إنتهي .. ميت ميت، إذاً فالهمّ على شيء مستقبل، والغمّ على شيء أنت على يقين أن الهلاك قادم، وحيثما وجدت كلمة غم في القرآن الكريم، يعني أنه ثمة هلاك  لا محالة، فإذا نجوت فهذا من إعجاز الله وقال

 { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ  }

بترديده { أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }

 إذاً لا إله إلا أنت سبحانك تنجيك من ضيق الصدر المهلك حيت أنت هالك هالك،  والتاريخ يحدثنا كم من الذين وقعوا في المُهلكات، فرددوا هذه الآية، فأنجاهم الله كما أنجى نبي الله ذا النون، ولهذا الله قال وراءها

{ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }، لولا هذا المقطع من الآية، لقلنا هذا خاص بنبي الله ذا النون، ولكن الحق قال لك..لا.. أنما ينسحب ذلك أيضا على المؤمنين .

إذاً يكمن الحُزْن على ما مضى، الهمّ على ما سيأتي، الغمّ الحُزْن المُهلِك، أما الحَزَن هو ليس مهلكاً لكنه دائم.
ونعرج إلى رجاء إمرأة فرعون حيث قالت

 { لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (9) } القصص

 وفعلاً دلّلوه .. امرأة فرعون دللته دلالاً عجيباً غريباً وهي التي شفعت له، ورب العالمين قال { فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا (8) }القصص

وفعلاً هذا الطفل المجهول الذي جاءهم في التابوت من البحر، أسقط مملكة فرعون ، هذا اليتيم الذي التقطوه هُم ، ليكون لهم عدوا وحَزنا وليس حُزناً بل حَزن والأسرة الفرعونية تفرّقت غرق فرعون واندثر ملكه.


وطبعاً كل واحد منا يعرف حالة أو سبباً من الأسباب تسبب حَزناً وليس حُزناً ولهذا النبي لم يقل اللهم أعوذ بك من الحُزن بل قال " أعوذ بك من الهمّ والحَزَن "

الهَم .. النبي لا ينام الليل يخشى على مستقبل الأمة وخائف عليها

" أخاف عليكم من كذا وكذا" ،  

" لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتهم بكذا، وكذا ...الخ "

 والحَزن يعني يستعيذ بالله من حُزن لا ينقضي، ولهذا نقول الحُزن شيء والحَزن شيء آخر وهو ما كان يقول أعوذ بك من الحُزن لأنه كان يحزن وهذا طبيعي لكن أعاذه الله من الحَزَن ، وهذه الآية

 { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) } التوبة

 حَزناً ، ولذا هؤلاء الثلاث من الصحابة في معركة تبوك في الحقيقة كانت معركة حاسمة والمسلمون كان عندهم فقر شديد

 { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) } التوبة

حينئذٍ في هذه المحنة يأتون الصحابة وما عندهم شيء يركبوه فهؤلاء الثلاثة ليس لديهم راحلة لكي يصلوا بهاإلى أرض المعركة،

فقال لهم النبي {... لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ... }

وجاء تعقيب القرآن { ... تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا ... }

حينئذٍ هؤلاء قال عنهم حَزناً ...يا الله!! يا لدقة القرآن الكريم!

والله جلَّ في علاه، أعلا وأعلم،،،

 

منقول بتصرف

 

مهندس / محمد ع. ع. خليفة

الثلاثاء   9   يناير    2018        

الموافق   21   ربيع الآخر  1439 هـ    

اجمالي القراءات 16855