نعم .. التصوف ابن للتشيع .!!

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٦ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نعم .. التصوف ابن للتشيع .!!

مقدمة :

جاءنى هذا البحث الموجز من الاستاذ ( هيثم الشيخ ) معترضا على قولى أن التصوف ابن للتشيع . أنشره وأرد عليه بإيجاز من الذاكرة دون الرجوع الى كتاباتى السابقة :

أولا : قال :

( لي ملاحظه.  دائما في كتاباتك ما تربط بين التصوف والتشيع وتقول ان التصوف بن التشيع ولكن كل كتابات الشيعه تذم التصوف وتتبرا منه وتلعنه وحتي تصل الي ان الشيعه يكفرون معظم الصوفيه خاصه القائلين بوحده الوجود وساعطيك بعض اقوال الشيعه ورواياتهم في التصوف :

يقول المحدث الفقيه الحر العاملي :( لا يوجد للتصوف وأهله في كتب الشيعة وكلام الأئمة عليهم السلام ذكر إلا بالذم، وقد صنفوا في الرد عليهم كتباً متعددة ذكروا بعضها في فهرست كتب الشيعة. قال بعض المحققين من مشايخنا المعاصرين: اعلم أن هذا الاسم وهو اسم التصوف كان مستعملا في فرقة من الحكماء الزايغين عن الصواب، ثم بعدها في جماعة من الزنادقة وأهل الخلاف من أعداء آل محمد كالحسن البصري وسفيان الثوري ونحوهما، ثم جاء فيمن جاء بعدهم وسلك سبيلهم كالغزالي رأس الناصبين لأهل البيت.  أقول: هذا في معناه كأمثاله صريح مشتمل على غاية المبالغة في الرد عليهم والنص على فساد اعتقادهم وبطلان مذهبهم والحكم بكفرهم وخروجهم من الأمة فإن الجار متعلق بيخرج وإلا لتناقض الحديث على أن كونهم من الأمة مع الحكم عليهم بما حكم يدل على كونهم من الفرق الهالكة لو ثبت أن الجار غير معلق بالفعل المذكور.) ( المصدر:رسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية ص34   )

البزنطي ومحمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام أنه قال: ( من ذكر عنده الصوفية ولم ينكرهم بلسانه أو قلبه فليس منا ومن أنكرهم فكأنما جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه  .)

  السيد المرعشي:( عندي أن مصيبة الصوفية علي الإسلام من أعظم المصائب، تهدمت بها أركانه، وانثلمت بنيانه، وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجوّل في مضامير كلماتهم والوقوف علي ما في خبايا مطالبهم والعثور علي مخبيّاتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سري إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم. عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال:كنت مع الهادي علي بن محمد عليهما السلام في مسجد النبي صلى الله عليه وآله فأتاه جماعة من الصوفيه فقال عليه السلام:لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين فإنهم خلفاء الشياطين ومخربوا قواعد الدين، يزهدون لإراحة الأجسام ويتهجدون لتصيد الأنعام يجوعون عمرا حتى يذبحوا للإيكاف حمرا لا يهللون إلا لغرور الناس ولا يقللون الغذا إلا لملى العساس واختلاس قلب الناس، يكلمون الناس بإملائهم في الحب ويطرحونهم بادليلائهم في الحب، أورادهم الرقص والتصدية وأذكارهم الترنم والتغنية، ولا يتبعهم إلا السفهاء ولا يعتقدهم إلا الحمقى، فمن ذهب إلى زيارة أحد منهم - حيا أو ميتا - فكأنما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان، ومن أعان أحدا منهم وكأنما [أعان] يزيد ومعاوية وأبا سفيان. )

 يقول المحقق محسن بيدارفر (  :وان نسبة انتساب أحد الى التصوف يساوي نسبته الى الكفر والالحاد والزندقه وذلك ألجأ عموم العلماء المشهورين في هذا الزمان أن بؤوا يكتبون كتبا في الرد على التصوف والصوفيه وحتى الحكم بكفرهم وارتدادهم )

 يقول اية الله الحجه جعفر مرتضى العاملي:فقد اورد في كتابه (تحفة الاخيار )) :لا يخفى أن اصحاب هذا المذهب الشنيع وان ظهروا في زي الاسلام واختفوا في لباس النفاق إلا ان كفرهم عند أرباب البصيره اظهر من كفر اليهود والنصارى لأنهم ينكرون مغايرة الخالق والمخلوق والذي هو من ضروريات . وبديهيات جميع الأديان....   انّ هناك دليلاً واضحاً على كفر محيي الدين (ابن عربي) في كل من هذه الكفريات المذكورة ومن لا يعتبر القائل بهده الكفريات كافراً فهو كافر أيضاً وبلا دين وخارج عن دائرة اليقين.  وأكثر الصوفيه على المذهب الـســنـي الأشعري وذكروا عقائد الجبر والحلول والتجسم وأمثالها من عقائدهم الفاسده في كتبهم واشعارهم فقد روى الكليني بسند معتبر ان الامام الباقر عليه السلام دعا ابا حنيفه وسفيان الثوري بلصوص الدين. واتبعواما تتلوا الشياطين كالغزالي وتلميذه محمد بن علي الطائي المعروف عندنا بمميت الدين ابن عربي ـ لعنهما الله    وفي الحقيقه اذا لم يكن محيي الدين كافرا لما كان بالامكان تكفير أي صوفي وكافر.  وهذا كفر أظهر من الشمس وأبين من الأمس).(1)الهامش:(1)قصص العلماء ص53 و 54.

يقول الشيخ محمد ال ابي خمسين الاحسائي ت 1316 :  ( والصوفيه(3) ـ لعنهم الله تعالى ـ جعلوا كنز الفاعليه هي الذات الاحديه لا أنها صفه فعليه لها في رتبة الفعل . يقول محقق كتاب (النور المضي) عبد المنعم العمران : الهامش (3 ) :الصوفيه : هم من يعتقد الاتحاد بالله تعالى ووحدة الوجود وغير ذلك وقد ذمهم الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وأهل بيته )

يقول العلامه محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني الكرباسي:( ومعلوم من مذهب الإماميه بطلان هذه الطريقه وأن أئمتنا يتبرأون منهم وليعرف هذا القوم بعدواتهم أهل العلم والعلماء. وللشيخ المفيد (ره) كتاب في الرد على الحلاجيه أصحاب هذا الرجل وأهل طريقته أثبت فيه كفرهم وارتدادهم وخروجهم عن قانون الشريعه.) المصدر:زهر الربيع ص379 طـ مؤسسة البلاغ . بيروت 

 يقول وجه طائفه الشيعه ابن بابويه الصدوق: (  الحلاجية ضرب من أصحاب التصوف وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول ولم يكن الحلاج يتخصص بإظهار التشيع وإن كان ظاهر أمره التصوف وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم . ويدعون للحلاج الأباطيل ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس.) المصدر:تصحيح الاعتقاد ص134 و 135 . بداية الفرق نهاية الملوك ـ )

ثانيا : واقول :

سبق ابن خلدون بالقول بالصلة بين التشيع والتصوف فى مقدمته . ولنا كتاب فى تحليل مقدمة ابن خلدون منشور هنا . والباحث العلّامة العراقى الاستاذ الدكتور ( كامل مصطفى الشيبى ) له بحث مشهور ومنشور ومترجم الى لغات عديدة عن ( الصلة بين التصوف والتشيع ) أثار ضجة . أنا الذى قلت إن التصوف ابن للتشيع . قلت هذا ، وأثبتُّه فى رسالتى للدكتوراة وبحوث تالية . وأعطى بعض التوضيح :

1 ـ معروف الكرخى أول رائد صوفى كان مسيحيا ثم تشيع ، ثم أصبح مع تشيعه رائدا للتصوف ، وبدأ به التصوف ينفصل عن التشيع متخففا من الدعوة السياسية ومن الاضطهاد الذى كان يعانى منه الشيعة فى العصر العباسى . ومع ذلك لم ينج رواد الصوفية بعده من الاضطهاد ، فكان إضطهادهم فى خلافة المتوكل العباسى المتعصب للحنابلة السنيين والذى تتبع الشيعة والمعتزلة وأهل الكتاب بالاضطهاد . وبسبب الاضطهاد إصطنع الجنيد ( سيد الطائفة) عندهم التقية الشيعية خوفا ، وسار على طريقه فى النفاق كثيرون ، مما جعل الاضطهاد العباسى ينال من الصرحاء الصوفية خصوصا من لهم إرتباطات شيعية كالحلاج ، وكان هذا فى وقت تهديد القرامطة الشيعة للدولة العباسية . وعانت الدولة العباسية من تسلط الحنابلة وتحكمهم فى الشارع فى الوقت الذى كان تيار التصوف يسرى يكتسب له المزيد من الأنصار ، إجتذب التصوف اليه هواة الغناء والرقص وهواة الزنا والشذوذ والحشيش ، فقد جعلها التصوف شعائر دينية ، كما فتح الباب على مصراعيه للجهلاء ان يكونوا شيوخا بزعم العلم اللدنى . وبهذا الانتشار بدأ إعتناء الحكام السلاجقة وغيرهم بالصوفية بديلا عن الحنابلة وتزمتهم وتدخلهم فى السلطة ومناوأتهم لها . رفع الصوفية شعار ( عدم الاعتراض ) بديلا عن شعار السنيين الحنابلة فى تغيير المنكر ، وتخصصوا فى الرقص للسلطان ، فبدأ الحكام يبنون لهم الخوانق الأربطة والزوايا وينفقون عليهم ، مما زاد فى انتشار دين التصوف بين العوام . وجاء الغزالى ( 505 ) فطرح نموذجا من التصوف والسنة ، عقد الصلح بينهما لصالح التصوف ، وبهذا تمت ولادة التصوف السنى . وكتاب الغزالى ( إحياء علوم الدين ) هو الكتاب المقدس لأصحاب هذا الدين . وكان هذا الدين الجديد خصما للتشيع ، وقت أن كان للتشيع خطورته ودولته الفاطمية . وفرض صلاح الدين الأيوبى دين التصوف السنى بالقوة ، فهو الذى أنهى الدولة الفاطمية ، وهو الذى أيضا قتل الصوفى المتطرف السهروردى . أرسى تصوفا معتدلا يخفى عقائد التصوف من الاتحاد والحلول ووحدة الوجود ، ويقف ضد التشيع السياسى . ويضع ميزانا بين ( الشريعة : أى السنة فى العبادات ونظام التقاضى ) وبين ( الحقيقة ) وهى دين التصوف العقيدى الذى يقوم على تقديس قبور الأولياء والأئمة وآل البيت ، بعيدا عن أى شوائب سياسية . وبهذا إنتشر التصوف السنى وسيطر على العصرين المملوكى والعثمانى ، حتى تم بعث الحنبلية فى الدين الوهابى المعاصر.  والتفاصيل فى كتابنا عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية وعن إنتشار الوهابية فى مصر .

2 ـ على أن إنتشار التصوف السنى لم يجعل أساطين التشيع السياسى ينسون الأصل الشيعى للتصوف ، فإستغلوه فى خلق ( التصوف الشيعى ) وهو تيار خفى مجهول ، نجحنا فى إكتشافه وتعقب آثاره فى بحثنا للدكتوراة وفى أول كتاب ظهر لنا ، وهو ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) والذى صدر عام 1982 . أساطين التشيع السياسى أسسوا حركة سرية تصطنع التصوف ، وتمتد من المغرب الى العراق ، ومحورها بين مكة ومصر . وفشلت المؤامرة بسبب يقظة السلطان المملوكى الظاهر بيبرس . ولكن حركة أخرى من التصوف الشيعى أقامت الدولة الصفوية فى فارس . كشفنا النقاب عن أن مؤسسها كان صوفى الأصل ومن بيت صوفى ، حتى كان لقبه الشائع ( إسماعيل الصوفى ) . بالتصوف الشيعى أسّس دولته وقتل بسببها حوالى مليون شخص  . وتسبب فى إنهيار الدولة المملوكية أمام سليم العثمانى . والتفصيل فى كتابنا المنشور هنا عن أثر التصوف السياسى فى مصر المملوكية . المؤكد لنا تاريخيا أن التصوف ابن للتشيع . لا مراء فى ذلك .

3 ـ مقولات بعض شيوخ الشيعة فى تكفير الصوفية وخصوصا صرحاء التصوف كالحلاج أمر طبيعى :

3 / 1 : الشيعة يكرهون التصوف السنى والذى أسّسه فكريا أبو حامد الغزالى  وأسّسه واقعيا وسياسيا صلاح الدين الأيوبى ، فقد إعتبرهم ( رافضة ) و( ناصبهم العداء ) ، ورد الشيعة بإعتبارهم ( نواصب ) أى يناصبون أهل البيت العداء .

3 / 2 : العداء مستحكم بين أهل الديانات الأرضية من ( المحمديين ) و ( المسيحيين ) ، والله جل وعلا كرّر وصفه لهم بأنهم فى شقاق ، ولنا مقال منشور هنا فى هذا . ويدفع المحمديون ثمن هذا الشقاق الآن بحمامات الدم .

3 / 3 : ولا يقتصر الشقاق بين الأديان الأرضية ، بل يتسلل الى داخلها ، فقد كان الشقاق عنيفا بين ( مذاهب ) الدين السنى ، إستدعت تعيين قضاة أربعة يمثلونها ، وكان لكل مذهب إمام فى الصلاة فى الحج . ونفس الخلاف بين طوائف التشيع ، وأظهر مثل له هو ذلك الخلاف بين فريقى الإمامية ( الاثناعشرية والاسماعيلية ) والخلاف بين الفاطميين الاسماعيلية والقرامطة . وفى كل هذه الخلافات بين الأديان الأرضية وطوائفها الداخلية تتناثر إتهامات التكفير والمروق عن الدين .

3 / 4 : الشقاق بين التصوف هائلة لأنه يقوم صراحة على ( الذوق ) أو ( الهوى ) فكل شيخ يقول بهواه حسب ( الحال ) . وتفرع التصوف الى نظرى فلسفى وعملى بالطرق الصوفية ، وتفرعت الطرق الصوفية بالمئات وتعلغلت فى كل شارع وقرية ، والخلافات بينها كانت فى أشياء تافهة مثل لون المرقعات التى يرتدونها والأوراد التى يتقيؤونها .

3 / 5 : الهجوم على صرحاء التصوف ( الحلاج بالذات ) بدأ به أساطين الصوفية الذين يزعممون الاعتدال . أشهرهم عبد الكريم بن هوازن القشيرى فى رسالته المشهورة ( الرسالة القشيرية ) والتى إضطر فيها للهجوم على متطرفى التصوف فى عهده ، وكتب هذا فى مقدمة رسالته تلك . هذا مع إنه كان يقول نفس العقائد الصوفية فى الحلول والاتحاد ووحدة الوجود فى ثنايا رسالته . وتابعه ابوحامد الغزالى الذى هاجم صرحاء الصوفية فى كتابه ( إحياء علوم الدين ) مع إنه بث فى سطور هذا الكتاب كل تلك العقائد المتطرفة وسوغها بإنتحال أحاديث وتأويل بعض الآيات ، ثم خصص لعقائد الاتحاد والحلول ووحدة الوجود كتابه :( مشكاة الأنوار ) . وعلى نفس الطريق سار الشيخ الشعرانى أكبر شيخ وفقيه صوفى فى العصرين المملوكى والعثمانى ، كتب يهاجم متطرفى الصوفية ، وكتب أيضا يقرر عقائدهم . والتفصيل فى كتابنا عن ( التصوف والعقائد الدينية فى مصر المملوكية ) وهو منشور هنا .  

أخيرا : أكتفى بما أسعفتنى به الذاكرة ، وأدعو الباحث الاستاذ هيثم الشيخ لقراءة ما كتبناه .

اجمالي القراءات 6650