الخليفة
الخليفة

أسامة قفيشة في الثلاثاء ١٧ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الخليفة

بعد صراعٍ عصيبٍ مع الفكر المتولد من نار النقاش و التحليل و النظر و التمحيص يبزغ نور الحق و تشرق في أذهاننا الحقيقة , و أرجو المولى جل وعلا و هو الحق المطلق بأن يهدينا سبلنا و ينير قلوبنا و عقولنا لنوره سبحانه و تعالى .

أبدأ دربي مستعينا بمولاي جل وعلا و متوكلاً و مطمئناً لهدايته و تطهيره لنا من كل زيغ أو وهم , أبدأ مشواري متمعناً في كلام الحق حين بدأ خلق هذا الخليفة ,

يقول جل وعلا ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) 30 البقرة :

هي بداية الإنسان و لحظة خلقه , و هي بيانٌ لمسيرة حياته و وجوده على وجه الأرض , في تلك اللحظة ظنت الملائكة بأن الهدف الأسمى من هذا الخلق الجديد هو التسبيح و التقديس فقط , و لكن يجيب الحق جل وعلا بأن الموضوع أعظم و أكبر من هذا , و هو وحده الأعلم بخلقه ,

قالت الملائكة في ذلك اليوم عن هذا المخلوق بأنه سيفسد و يسفك الدماء , و تلك هي غاية الشيطان و مبتغاه !

إذا هذا هو المحور الرئيس و هو المفصل الحقيقي لطبيعة تواجد هذا المخلوق ,

لذا و حتى نكون في جانب الحق جل و علا فيما كلفنا فيه و كي نكون في الاتجاه المنسجم مع علم الخالق جل وعلا المغاير لظن الملائكة , فيتوجب علينا بأن لا نفسد في هذه الأرض و أن لا نسفك الدماء كما ظنت الملائكة , فالفساد و القتل لا ينسجمان مع الغاية من وجود هذا المخلوق الجديد .

إن الفساد و القتل يفضيان لبعضهم البعض و هما مرتبطان مع بعضهما , و حيثما يكون الفساد يكون القتل , و حيثما يكون القتل فحتما يتواجد الفساد ,

و نقيضهما هو الهدف الأسمى من خلق هذا المخلوق الجديد أي الإصلاح و الأمن , و هذا ما كان غائباً عن إدراك الملائكة بأن هذا المخلوق الجديد لن يكون بمقدوره العيش بسلامٍ و أمن , بل سيغرق في الفساد و القتل و الدماء , و لكن الله جل وعلا و هو عالم غيب هذا المخلوق يعلم بأنه قادرٌ و مؤهلٌ كي يعيش بسلام و يعمل على الإصلاح مبتعدا عن الفساد و الاقتتال .  

لذا نقول بأن التكليف الذي حمله هذا المخلوق المتمثل بإرادته المطلقة يتوجب عليه بأن يقضي حياته على وجه هذه الأرض مبتعداً عن الفساد و عن القتل بشكلٍ أساس ملتزماً بالإصلاح و حقن الدماء و هذا هو محور الصراع الأول الذي خاضه أبناء آدم حيث نجد بأن الابن الضال هو من هدد الآخر بالقتل و نفذ تهديده في حين نجد الآخر المهتدي لم يحرك ساكناً و قضى أجله ملتزماً بالهدف الأسمى و هو حقن الدماء .

خلاصة هذا الدرس و هو الدرس الأول للبشرية جمعاء هو أن الهدف الأسمى لوجود هذا المخلوق هو الإنسان بحد ذاته , فعلينا من الالتزام المطلق بالسلام و الأمن و العمل على إصلاح ما يتلفه الشيطان و أعوانه كي نرقى لمستوى التكريم الذي ناله هذا المخلوق , و نكون عند سوء ظن الشيطان الذي راهن علينا , و لكي نكون حقاً و عدلاً نستحق لقب ( خليفة ) و إلا أصبحنا تماما مثل من كان يفسد في هذه الأرض التي ورثناها عنه و جاء الإنسان عليها خليفةً لهذا المفسد .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين

اجمالي القراءات 4746