نُصحا للفلسطينيين : أخيرا ... وماذا بعدُ ؟

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٠ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نصحا للفلسطينيين : أخيرا ...  وماذا بعدُ ؟

أولا : الى متى تستمر حالة اللا سلم واللا حرب ومعها معاناة الفلسطيننين ؟

1 ـ نتخيل لو أن العرب قبلوا بتقسيم فلسطين عام 1947 ، واسسوا سلاما بينهم وبين الاسرائيليين . كم عدد من كانوا سيُنقذون من القتل ، ومن التهجير ، ومن المعاناة ؟! لنتذكر ضحايا حرب 1948 ، 1956 ، و1967 ، وحرب الاستزاف ، و1973 ، وحرب لبنان ..الخ. وكلها انتهت بخسائر للعرب والفلسطينيين ، ولم ينتصر فيها إلا المستبد العربى ونضاله الحنجورى ، وعانى فيها العرب ــ ولا يزالون ــ من قهر الاستبداد والفساد والمذابح والحروب فيما بينهم . الأهم من هذا أن العرب كانوا سينعمون بتحول ديمقراطى طبيعى بدون حكم عسكرى مستبد مثل الذى حدث فى مصر ، وتبعته أنظمة أخرى ، إنتهت بالعرب الآن الى شلالات دم وجبال قهر .

2 ـ من عام 1947 وحتى ( الآن ) عانت أجيال من العرب . هذا عن (الآن ).. فماذا عن ( الغد) والمستقبل القريب ، وماذا عن أطفال اليوم ، وإستمرار الوضع على ما هو عليه يحمل لهم معاناة لا أمل فى التخلص منها ، ويكتب لهم مقدما شهادة وفاة بالقتل أو بالقهر .

3 ـ التخلف العربى دفعت ثمنه أجيال من عام 1947 وحتى الآن .فهل يسمح الفلسطينيون لهذا التخلف بأن يصادر حياة ومستقبل أطفالهم؟ الى متى يستمر سفك الدماء ؟ ماذا لو أمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه ؟

4 ـ الانسان المتحضر يستفيد من أخطائه ويراجعها ، ويصححها . إنسان الغابة يعيش نمط التخلف شأن حيوانات الغابة ، دون تجديد ودون تفكير . هل نسمح للتخلف السياسى أن يضيع الأجيال القادمة كما ضيع الأجيال الحالية والسابقة .؟ وإذا كانت سياسة الحنجورى قد أوصلت الفلسطينيين والعرب الى الحضيض أليس من الحتمى نبذها وإتباع سياسة مختلفة تعطى للفرد الفلسطينى حقوقه وكرامته ؟

5 ـ ما هى ملامح هذه السياسة المخالفة للحنجورى ؟

ثانيا : أن نختار الحسن بدلا من السىء ومن الأسوأ .

الحسن:

1 ـ  هو فى تعامل إسرائيل مع العرب المتجنسين بجنسيتها . فى معهد ابحاث إسرائيلى فى القدس أرانى مسئول فيه كتابات اساتذة فلسطينيين غيروا من إنتماءاتهم الحنجورية ، ورأوا مصلحتهم فى التعايش السلمى مع اسرائيل .

2 ـ هذا الحسن رأيته بنفسى فى رحلتى الى سيناء بعد إسترداها ولازلت اذكر تفصيلاتها وأستشهد بها لأنها صححت كثيرا مما تربيت عليه . السيناويون الذين قابلتهم كانوا فى حزن بسبب رجوعهم الى السلطة المصرية . قالوا إن الاسرائيليين يعاملونك بإحترام طالما لا تحمل سلاحا . وفى يوم واحد قاموا بإعطائهم بطاقات شخصية ، يصورونهم ثم يصدرون الهوية للشخص فى نفس المكان . وقد اسسوا لهم بنية تحتية وطرق مواصلات ، وأوصلوا المياه من اسرائيل حتى شرم الشيخ فى أنابيب صغيرة . إنتعشوا إقتصاديا وعاشوا فى أمن ورخاء . ( الأسوأ هو ما يفعله العسكر المصرى بأبناء سيناء الآن ، من قتل عشوائى وتدمير وإعتقالات بالجملة وتعذيب )

السىء :

1 ـ هو ما تفعله إسرائيل مع نشطاء الفلسطينيين ضحايا الحنجورى . أبرزه مثال الفتاة الفلسطينية المناضلة (عهد التميمى ) التى صفعت جنديين إسرائيليين  فى 17 ديسمبر 2017 ، مما أدى الى إعتقالها فجر ذلك اليوم . جعلها الحنجورى العربى والفلسطينى أيقونة النضال . ( لو أن فتاة مصرية فعلت نفس الشىء سيكون مصيرها هى وأسرتها الإغتصاب والتعذيب والاختفاء القسرى ).

2 ـ المسكوت عنه فى قصة عهد التميمى  هى تلك الجُرأة فى النضال الفلسطينى فى الداخل بما لا يوجد فى مصر أو غيرها ، حيث الاستسلام التام للسلطة والخنوع لها . لو كانت عهد التميمى مصرية ما تصرفت على هذا النحو . ونرى مواجهات عنيفة بين فلسطينيين وجنود الاحتلال تبدو فيها هذه الجرأة الفلسطينية . هذا يتناقض مع الخنوع من الشعب العربى لأجهزة المستبد العربى التى تفعل فيهم ما تشاء .

3 ـ هذه الجُرأة سببها مناخ الحرية ( النسبى ) الذى أتاحه الحكم الاسرائيلى للفسلطسنيين وتجلى ليس فقط فى المظاهرات العنيفة بل وفى إنتفاضة الحجارة . هذه الجرأة لا تعرفها شعوب العرب تحت قهر المستبد العربى .

4 ـ مع هذا فإننا نعتبر التعامل الاسرائيلى مع عهد التميمى وغيرها يدخل فى باب السىء . فقد عاشت هذه الفتاة تحت ضغوط الاحتلال ، والاحتلال سىء ، لا يجوز وصفه بغير ذلك ، ثم أنها رأت معاناة أسرتها ، تعرض أبوها للتعذيب ، وأمها للضرب والاعتقال خمس مرات ..

5 ـ نشأتها بين الحنجورى العربى ومعاناة أبويها من الاعتقال والتعذيب خلق منها مناضلة مذ كانت طفلة . هى نموذج لهذا الجيل المتمرد الثائر . هذا الجيل يعطى إرهاصا سيئا للمستقبل لو إستمر الحال على ما هو عليه .

6 ـ الاحتلال الاسرائيلى سىء بلا شك .. ولكن الاحتلال المحلى للمستبد العربى هو الأسوأ  .

الأسوأ :

فى مقابل ( عهد التميمى ) نرى الأسوأ فى حال المناضلات المصريات المسالمات فى الثورة المصرية . ونعطى مثالين فقط :

1 ـ شيماء الصباغ ( 1984 : 2015 ) مناضلة مصرية معروفة من الاسكندرية ، تركت طفلها بلال ( 6 سنوات )، وجاءت لتشارك فى مظاهرة سلمية فى القاهرة تحمل الزهور . أطلق عليها ضابط بوليس الرصاص عمدا مع سبق الاصرار والترصد ، فقتلها يوم السبت 24 يناير 2015 .!

2 ـ إنتهاك حُرمة وأعراض المناضلات المصريات بعد ثورة 25 يناير السلمية بما يعرف بإختبار العذرية . القضية اصبحت مشهورة برغم تعتيم الحنجورى المصرى عليها ومحاولته إرهاب الضحايا على السكوت . إرتكبها الجيش المصرى ، تحديدا المخابرات الحربية وقائدها عبد الفتاح السيسى وقتئذ . وثقت منظمة أمنستى إنترناشيونال هذا الاعتداء ونشرته ، وإحتجت على السلطة العسكرية الحاكمة . وقد إعترف المجلس العسكرى بهذه الجريمة ، وبررها اللواء عبد الفتاح السيسى بأنها وسيلة لحماية الجيش من تهمة الاغتصاب .! .

3 ـ  إن مهمة أى جيش وطنى محترم ليس حكم الشعب ولكن الدفاع عن الوطن وشعب هذا الوطن . وحين يترك الجيش هذه المهمة المنوطة به ليحكم الشعب موجها سلاحه ضد الشعب الأعزل فقد تغيرت عقيدته العسكرية فأصبح يرى الشعب عدوا ، وطالما يراه عدوا فلا بد من قهره وإذلاله . وهذا بالضبط ما يفعله الحكم العسكرى بالمصريين الآن .

4 ـ  وفى هذا السياق يأتى إذلال المناضلات المصريات بكشف عورتهن للفحص عن عذريتهن ، كما يأتى فى السياق نفسه واقعة تعرية فتاة مصرية فى ميدان التحرير أمام كاميرات التصوير لإرهاب فتيات مصر ومنعهن من الاشتراك فى المظاهرات . ليس هناك طريقة لارهاب المرأة الشرقية أكثر من إغتصابها أو تعريتها على أعين الناس . وقد فعل العسكر هذا وذاك . ونستعيد تبريرات السيسى بأنهم فعلوا إختبار العذرية ( وسيلة لحماية الجيش من تهمة الاغتصاب ) ، أى هناك وقائع إغتصاب فعلا .

5 ـ  ليس متصورا من جيش وطنى أن يغتصب نساء الوطن لأن مهمته هى حمايتهن وليس إغتصابهن . ولكن الثقافة السياسية فى مصر أنهم هم ( الأسياد ) وأنهم ( الجهات السيادية ) أى أن الباقين هم العبيد خدم الأسياد . ومن حق السيد أن يغتصب من يشاء من الرعية ..

6 ـ هذا يطرح سؤالا بريئا :  من هو العدو الحقيقى ؟ إسرائيل أم المستبد العربى ؟ من هو الأسوأ : الاحتلال الاسرائيلى أم الاحتلال المحلى للمستبد العربى .؟

ثالثا : ملامح الإختيار الأحسن :

1 ـ هو إختيار حقوق الفرد الفلسطينى . بمعنى أن يتمتع الفرد الفلسطينى بحقوقه السياسية والانسانية فى ظل دولة ديمقراطية تضمن له هذه الحقوق يعيش فيها آمنا .  ليس مهما من يكون الحاكم ، المهم أن يكون الحكم حقوقيا ديمقراطيا .

2 ـ لا نتحدث هنا عن الحق فى إقامة دولة فلسطينية بنفس الثقافة العربية السائدة  ، لأن هذه الدولة يحتكر فيها المستبد كل الحقوق لنفسه ولا يرى فى الشعب إلا مطية له . هى نفس الثقافة التى يؤمن بها عباس وحماس ، ومن قبلهم عرفات الذى كان يضع أموال الشعب الفلسطينى فى جيبه ويرى نفسه الممثل للشعب الفلسطينى بما لا يختلف عن أى مستبد عربى . لا نريد هذه الدولة فهى الأسوأ .

أخيرا : كيفية العمل على تحقيق الاختيار الأحسن

1 ـ أن يثور الشعب الفلسطينى ضد عباس وحماس بمظاهرات سلمية تطالب بدولة ديمقراطية مُسالمة تنتهى بها سلطة الاستبداد العباسية والحماسية ، وأن تطالب المجتمع الدولى والأمم المتحدة بالاشراف على تكوين هذه الدولة الفلسطينية الديمقراطية .

2 ـ يرتبط هذا بالإعلان على توطيد سلام مع إسرائيل ، ويؤكد تأمين الثقة المتبادلة بينهما .

3 ـ جربتم الحنجورى فوصلتم الى الحضيض ، وليس بعده حضيض ، ولم يعد لديكم ما تخسرونه سوى المزيد من الدماء والمعاناة . ماذا لو جربتم التعايش السلمى ؟

أحسن الحديث :

(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) (44)  غافر) .  .   

اجمالي القراءات 6011