كتاب الشّفاء (الجرعة : 2).

ربيعي بوعقال في الثلاثاء ١٣ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

كاتب الشفاء (الجرعة 2)

الفصل الأول: عن السوائل المذكورة في القرآن الكريم:

2ـ الجرعة االثانية: ـ لَبَنٌ يخرج من بطون ثلاثة، بينما الأنعام ثمانية.

ـ قبل أن يبدأ العرض والتجرع، أبادر إلى القول أن (الكبسولة السابقة) سقط منها هذا التنبيه:" كان عنوان البحث هكذا: (البكتر ودموع الناقة وكيف نخلق صيدلة عملاقة) وهو في رأيي عنوان يناسب البحث تماما، بيد أني خشيت أن يَستاء أقوام من عبارة (نخلق) أو يسيئوا فهم عبارة (البكتر) فأعدت صياغته، وجعلته موجزا صريحا كي أتفادى الأطالة والإزعاج، وما قد يثار من لجاج وغبار يفسد الراحة والسياحة...".

ـ ونواصل التنقل يين جنات ونجوم النحل/16 : ( وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ. 66).

1ـ الْأَنْعَامِ : (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ)( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) أي: الغنم والماعز والبقر والإبل (ذكورا وإناثا). وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، وحُمْر النَّعَم: هي كرائم الإبل،  يضرب بها المثل في الرغائب والنَّفائس. وقد شبهوا النوق بمراكب البحر (سفينة الصحراء)، وهو تشبيه صادق ومن كل وجه، بدليل أن القرآن الكريم جمع بين الإبل ومراكب البحر: (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ .22))المؤمنون/23.

2 ـ لَعِبْرَةً: أصل العبر: التجاوز من حال إلى حال، فأما العبور فيختص بتجاوز الماء، إما بسباحة، أو في سفينة، أو على بعير، أو قنطرة، ومنه: عبر النهر: لجانبه حيث يعبر إليه أو منه، واشتق منه: عبر العين للدمع، والعبرة كالدمعة، وفي المثل: ناقة عبر أسفار، وعبر القوم: إذا ماتوا، كأنهم عبروا قنطرة الدنيا، وأما العبارة فهي مختصة بالكلام العابر الهواء من لسان المتكلم إلى سمع السامع. أما الاعتبار فهو: النشاط الذهني الذي يجعلك تَعبُرُ من أية كونية مرئية لأية أخرى غير مرئية، أو قل: هو ما يُتوصل به من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد. وقد تكرر (فعل الاعتبار ومشتقاته) في مواطن كثيرة من القرآن الكريم أذكر منها:

( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.111) يوسف/12.

(  يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ. 44) النور/24 .

 (  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ . 26) النازعات/79

(  وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا. 21) المؤمنون/23

واقرأ مجددا : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ... 66﴾النحل/16.

تأمل عبارة:(مِّمَّا) وقل لي ما هذا الشي المعبر عنه بالموصولية ما؟  عرفنا أن اللبن يخرج من هذا الشيء ثم يمر بين الفرث والدم، فما هذا الشيء يا ترى؟  تأمل عبارة:(بطونه) فهل هذا (الضميرالمفرد المذكر) يعود على إناث الأنعام كلها، أم يعود على الناقة وحدها؟  وهل للناقة بطن واحد أم أن لها ـ بالفعل ـ بطون متعددة ؟ وما طبيعة هذه البطون؟ وهل كان الناس ـ زمن التنزيل ـ يعلمون أن للناقة بطون متعددة؟ ولماذا اختلفت الصياغة في سورة المؤمون/23: (نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ () وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ .22).

ـ نُعيد قراءة ما ذكرنا من نجوم سورة النحل/16، ثم نغوص في سيل من الأسئلة الخطيرة نسبيا : (تنبيه: إن كنت أخي القارئ مبتديء فاحذر الطوفان ولا يخدنك الظاهر، وتمسك بطرف القارب جيدا كي تعبر بسلام، أو تصبر إلى أن يأتيك الجواب الواضح الجلي المبرهن).

اقرأ معي: (وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ()) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ.66).

 قارن بين هذا اللبن ولبن آخر وُصف بعبارة: (لم يتغير طعمه) وقل للمفسراتية أيهما جدير بإسالة لعابكم؟ ثم عد إلى وراء وقارن بين ذاك الماء المنزل من السماء والذي يحيي الأرض، وماء آخر وُصف بهذه العبارة الموجزة: (غير آسن)..؟

واسأل نفسك: لماذا جاءت أوصاف مياه الدنيا موجبة مفصلة منعشة مغرية، بينما جاءت الأخرى موجزة سلبية منفية.؟  هل يعقل أن تكون مياه جنة الأٍرض وألبانها أفضل من مياه وألبان جنة المتقين ؟

ـ من سورة محمد: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ.15)47].

ـ تأمل هذا المختتم: (...وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ.)، ثم قارن بين صفة هذا الماء الجهنمي وصنعه، وذاك الماء المنزل من السماء لإيقاظ البكتيريا المدسوية في التربة كما قلنا في (الجرعة السابقة).

قالوا بالفرنسي ، وعَرَّبتُه بتصرف أحسبه جديرا بالتحفيف عن الحيارى السائلين: البكتيريا قسمان، فريق في جنات الأرض يأكل الصفر الهوائي(O )، وفريق لا هوائي ينعم في سواء الجحيم بالأمن والأمان، بل يرفلُ أسفل سافلين في سَموم وظل من يَحْموم، لا يخشى هضمَ إنسان ولا ظلم فيروس، وإنه ليسبح الآن في أعماق المحيط الهادي، ويطوف بالمداخن السُّود، وما أدراك ما سُود المداخن!؟

  قالوا والترجمة لي أيضا: بأعماق المحيطات نوع من البراكين يَصَّعَّدُ منها حميم وغاز مسموم.. وليل تلك الأعماق ليس كما تظنون كلا، بل سرمدي مسودٌ اسودادا يذهب بالأبصار ويطمس العيون، وثالث الأثافي ضغط مائي كبير ساحق ماحق يخشاه كل جسور غواص ، والرابع حر جهنمي يذيب صخور الرصاص.

قالوا: والبكتيريا قديمة قدم الحياة، غمرت الأرض غمر السَيْل واستعمرتها قَبل مجيئ الديناصور بملايين السنين.. والمفيدُ أنهم أكتشفوا مؤخرا ألوفا من هذه الكائنات الدقيقة مدسوسة ببرزح جليدي، وجدوها بين الموت والحياة مغموسة في سبات طويل مديد. وجاء في بيان لهم والترجمة لي:".. يؤسفنا أننا فقدنا عددا كبيرا منها، لكن البقية الباقية ستشهد لا محالة بأننا بذلنا أقصى الجهد لكي نعيدها للحياة، ونحن نحيّي صبرها على البرد الشديد، ونقدر مدة سباتها بخمسمائة ألف عام". تأمل(500.000 عام).  

اقرأ معي مجددا: ( ... نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ() وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ))

ـ على فرض أن السَّكَر ( بفتح أوله) هو السُّكَّرُ ( بضم أوله) كما قال بعض المفسراتية، فلماذا جاء التمييز بينه وبين الرزق الحسن، أم أن ٍالسُّكَّرُ (بضم أوله) ليس رزقا حسنا ؟  وماذا تقول لمن يزعم أن السكر(بفتح أوله) ليس عصيرا ولا خمرا، وأنما هو مُطهرٌ مستخلصٌ من بخار ما تخمر بفعل البكتيريا ( الإيثانول) ؟

ـ تأمل:(تَتَّخِذُونَ مِنْهُ) وليس ( منها ) برغم أن الثمرات (جمع) وليست مفرد. والسؤال: هل يصح القول أن الضمير بعود على محذوف تقديره عصير الشجرتين كما قالوا، أم أن وراء الضمير (شيء خفي) شأنه شأن الضمير في عبارة بُطُونِهِ ؟

  يتبع............ "سنكمل الجرعة بعد 4 أيام" إن كان في العمر بقية.. سائلين الله رب العالمين البركة والسداد والتوفيق : (... وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا .114) طه/20.

..............................................

شكرا لكم جميعا، ودمتم في صحة وعافية.

..............................................

ـ قصة على الهامش:

زعموا أن مدرسا للعلوم الطبيعية لقى جمعا من التلاميذ، فألقى أليهم بشبهة تقول: "من رأى بيضة من بيض النعام فقد رأي خلية حية شأنها شأن كل الخلايا المجهرية".. قال هذا، ثم غادر حجرة الدرس دون بيان. فلما شكاه الطلبة إلى المدير سأله هذا الأخير عن فعلته، فكان رده: ما فعلت ذلك تحديا ولا معاجزة لهم، وإنما أنسأت البيان وأخرته عمدا، اقتداء بالرجل الصالح الذي تسمونه (الخضر)، ليعلموا أن البُعد كالقُرب، كلاهما غشاء يمنع رؤية الأشياء على حقيقتها، وأن طالب العلم إن لم يتحلى بالصبر والأناة يفوته خير كثير.. قال هذا، ثم غادر مكتب المدير رافضا تقديم أي تبرير آخر! ! وطبعا استاء المدير من كلام المدرس، وقام من فوره فرفع القضية ـ هاتفيا ـ إلى السلطة الوصية، وكان منطوق الشكوى:" لدينا أستاذ بخيل يميل للتعمية وقلة البيان والتبيين، والمصيبة أنه (يقترف) الشبهة نقدًا ولا يَرد عليها إلا نسيئة". فما كان من الوزير إلا أن أصدر قرارا ممهورا بالصيغة التنفيذية، وكان منطوق قراره: "تُسحب منه شهادة الدكتوراه فورا، ويُعزل في الحين للسبب التالي: "مخالفة دين الملك وقوانين الجملوكية، وممارسة ما حُرم من الربا بباحة مدرسة عمومية".

شكرا مرة أخرى...

اجمالي القراءات 5147