في سبيل إنقاذ بنيان مساجدنا من على جرف هار ...
لــديّ حلـــــم

يحي فوزي نشاشبي في الثلاثاء ٠٦ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

بسم  الله  الرحمن  الرحيم

***********

لــديّ  حلم .

( في  سبيل  إنقاذ  بنيان  مساجدنا  من  على  جرف  هار )

كنت  بجانب  صديقي  داخل  سيارته، وكان من حين لآخر يريني بعض المعالم والمؤسسات التي تم تشييدها، أوهي في طور التشييد  بمدينته الكبيرة المترامية الأطراف، مثل: مستشفى مختص  بمعالجة أمراض معينة، أو مؤسسة رياضية، أو مطار جديد نعته بأنه دولي، ثم  التفت  إلى ما يراه  ذا  أهمية كبرى  قائلا  لي : أما هذا المسجد الذي هو في مرحلته  الأخيرة، فهو مسجد يتميز  بمئذنته، بل يمكن أن تكون أطول وأرفع مئذنة مسجد في شمال إفريقيا - على الأقل – وذلك ما بدأ  يفتخر به !?

وما أن طرقنا معا موضوع المساجد، والتسابق المحموم في تشييدها وأشكال بناءاتها، وتشييد مئذنة ناطحة للسحاب، والتفاخر والتفنن في شتى الروائع الهندسية والزخارف الداخلية والخارجية، حتى أطلت علــيّ مجموعة من أفكار وآراء متزاحمة، طالما روادتني، بل وآلمتني، وحاصرتني، وملأتني تفاؤلا، وأكثرها إحباطا ويأسا، بل وصيرتني صاحب حلم، ربما حلم يدرج في فصيلة أحلام اليقظة، وهكذا سافرت بي إلى عهد سنة ثلاث وستين وتسعمائة والف (1963) من القرن الماضي المنصرم، حيث وقف أحد الأمريكيين العظام أمام حشد هام من الآلاف المؤلفة من المواطنين مصرحا لهم قائلا: لديّ حلم، وهو ذلك المشهور المعروف تحت إسم "مارتن لوثر كينــج"وقد كان يحلم بأن يطيل الله عمره ليعيش إلى أن يسود الإحترام والوئام والود والحرية بين الأمريكيين، جميع الأمريكيين، بقطع النظر عن ألوانهم أو مذاهبهم أو  اعتقاداتهم.  

وإن حلم هذا الإنسان العبقري المخلص هو ذو أهمية كبرى لا يمكن أن يختلف في ذلك اثنان، أو ذلك هو المفروض، أما الحلم الآخر الذي أوحاه لي حلم "مارتن لوثر كينج" حلم أعتقد أنه الحلم المصيري، الهائل، الرائع، المهيب، ألا وهو الحلم الذي يتحقق ويجعل المسلمين المؤمنين، كل المسلمين المؤمنين يتجاوزون سن الطفولة، ثم سن التمييز، وأخيرا يبلغون سن الرشد، وينعمون بنعمة الإحترام، والود المتبادل، والحرية المطلقة.

وهناك جال بخاطري ذلك التحقيق الذي حققه صحفي مشهور عندما فوجئ أيما مفاجأة في عهد ما - ليس ببعيد - بأن هناك بمملكة عمان (ربما بعاصمتها مسقط ) مسجدا يتميز بأن رواده المصلين فيه يقفون كالبنيان المرصوص، ومرصوص حقا، لأنه متشكل ومتكون من شتى اللبنات والمواد المتينة ( إن جاز هذا التعبير) نعم لقد انبهر هذا الصحفي المحقق في أن المصلين بهذا المسجد  الجدير بوصفه – المسجد العامر– رواده والمصلون فيه هم من شتى المذاهب والنحل والملل، حيث أن هناك جنبا لجنب من هو مختلف مع جاره في صلاته، لاسيما من حيث الشكل: إذ لاحظ المنبهر أن هناك من يقف مطلقا الحرية ليديه، وآخر مقيدها أو مضما إياها إلى صدره، وآخر رافعها، وما إلى ذلك أيضا في جلسة التشهد بالنسبة لإصبع اليد، وهكذا، هذا من حيث الشكل، أما عن المضمون الذي يبقى سرا فلا يمكن أن يطلع عليه ويعلمه إلا المعبود  سبحانه وتعالى.

نعم كان هذا المسجد بالنسبة لهذا الصحفي اكتشافا، وهذا في حد  ذاته يوحي كثيرا من التأمل وربما كثيرا من التفاؤل الممزوج  بالأسى والحزن، وفي نفس الوقت أصبح هذا المسجد العامر حقــــا

نموذجا ينبغي أن يحتذى، لاسيما وأن هناك بحثا يفيد بأن مادة  رسمية هي واردة في الدستورالعماني، مفادها: أن احترام جميع المذاهب والمدارس والملل والنحل فرض وواجب، وذلك منذ تاريخ 1996.

أما من بين الآراء والتساؤلات التي جعلتني أشعر بأن أخوف ما أخافه هو أننا نحن المنتمين إلى المسلمين لا زلنا لم نقدر الموقف حق قدره من حيث الخطورة . ومن بين الآراء والتساؤلات :

01)ماذا علينا أن نفهم، وكيف نتصرف عندما نتدبر: ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل  وليحلفن إن أردنا  إلا  الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم  فيه أبدا  لمسجد  أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا  ريبة  في قلوبهم إلا أن تقطع  قلوبهم والله عليم  حكيم.) -  سورة التوبة (107/110).

ألا يجب علينا أن نتشجع ونحدق في الآيات القرآنية ونقولها ونقر بها صريحة شجاعة قوية بأن تصرفاتنا لا تبعد كثيرا عن الغلو في الدين وفي الغرور، ولا تبعد كثيرا عن التفريق بين مؤمن ومؤمن لمجرد المظهر الخارجي في الهيئة والملبس والوقوف والركوع والسجود والجلوس وباختصار من حيث الشكل؟

ألا يجب علينا أن نعي الدرس والإشارة والتحذير، عندما وجه الله تعالى القدير، أمره إلى عبده ورسوله بأن لا يقوم أبدا في مسجد  اتخذه  مرتادوه ضرارا  وكفرا وتفريقا بين المؤمنين؟

وعندما أمره بأن المسجد الذي هو أحق له بأن يقوم فيه هو ذلك النوع الذي أسس بنيانه على التقوى من أول يوم، ذلك المسجد الذي يعمره رجال يحبون أن يتطهروا، ولذلك فإنهم ينالهم حب الله، وهو المسجد الذي أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان لا  غير؟

2) والآية القرآنية الأخرى التي لا تقل خطرا ؟ : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم  ينبئهم بما كانوا  يفعلون ). 159- سورة الأنعام .

ونحن، عندما يكون الواحد منا مختلسا النظر من طرف خفي إلى جاره الواقف أو الجالس بجانبه بالمسجد ليطلع إلى شكله أو مظهره الذي يراه مختلفا عن شكله هو، ومظهره الذي استقاه وورثه من مذهبه أو مدرسته أو شيخه، أو من ملقنه، ألا نكون بمواقفنا تلك المستنكرة، بل  وحتى العدوانية؟ ألا  نكون شهدنا على أنفسنا بأننا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، أو على الأقل من الذين يلمحون إلى ذلك ويشجعون؟ وبالتالي من الذين حذر الله العلي العظيم عبده ورسوله - حذره خصيصا من أجلنا -  وأخبره  وأمره بأنه لا يمكن أن يكون منهم في شئ، بل أمره أن يتجاهلهم كليا ويفر منهم فرارا؟

وعندما يندهش الواحد  منا لأنه رأى بجانبه من هو مختلف عنه في صلاته بأي شكل من الأشكال أو حركة من الحركات، عندما يكبر اندهاشه ويستفحل إلى حماس أو إلى رغبة جامحة - لا لتقديم نصيحة مخلصة وهادئة ومتحضرة وموجهة،  بل  إلى  تقديم  تنبيه  من عـل، وبنبرة غارقة في غرور ممزوج  بنبرة شديدة الوقع  تشتم منها رائحة الغلو والغطرسة، بل إلى نبرة تنم عن وصف، واتهام،  فحكم، فاشتهاء إلى  تنفيذ  فوري؟

وإن الله وحده يعلم كم هم أولئك الذين تعرضوا إلى مثل هذه الإعتداءات، أو التحرشات الجائرة في مختلف المساجد، بما فيها وربما بصفة خاصة بما فيها  مسجد  الكعبة  نفسها ؟

وعندما نكون اقترفنا مثل هذه الإنتهاكات وهذه النوايا والمواقف العدوانية، ألا تكون جائزة فيها تلك المعاني والأوامر والتحذيرات الواردة في  الآيات (11) في  سورة الحجرات.

وعليه، فحسب نظرنا المتواضع:

إن المساجد، كل المساجد، لا تعتبر، ولا تقاس قيمتها إلا تلك  التي  بنيت وشيدت وأسست على تقوى من الله ورضوان، ولا يمكن أن يكون هناك أي  اعتبار أو أي وزن لبنيانها المادي ولا  لزخارفها ولا  لمآذنها  الشامخة  ما دامت  تفتقر إلى الأصل الثابت.

والنصيحة - دائما حسب نظرنا المتواضع - هو أن تكون نظرة ونظرية أو فلسفة المسجد الجاد المخلص هي  فلسفلة المسجد الذي  لا يرتاده إلا المصلون المطعّمون المطهّرون من أي  " فيروس " أو أي تلوث، أو ضغينة، أو غــلّ، لاسيما من فيروس التعصب  لأي مذهب ولأي مدرسة أو رأي أو فلسفة، بل إن درجة الحرية والإخلاص تقتضي حسب نظرنا أن ترصّع جردان مثل هذه المساجد التي تكون بلغت سن الرشد، أن ترصّع جدرانها وزواياها بالايات القرآنية المنبهة المناسبة، وبكل الأقوال الشارحة الحاثة  والمنبهة بأن الله يحب  المتطهرين، والمطهرين طبعا هم المخلصون الذين لا يجدون في  قلوبهم أدنى حرج، أو غلو أو غل للذين آمنوا وسعوا إلى المسجد لذكر الله وحده الواحد الأحد، وبكل الأساليب واللغات والأشكال،  بل يجب أن تكون هذه الآيات أو الإرشادات بمثابة تلك اللازمة التي اعتدنا سماعها في كل خطبة جمعة، بلا وعي ولا  تفقه، ومنها (من يضلل الله فلا ... وكل  بدعة  ضلالة، وكل ضلالة...إلخ...بل لعل الحكمة تقول: عندما يبلغ  الإخلاص القمة أن الأحداث عندما يلقنون كيفية أداء الصلاة  والصوم وما إلى ذلك، يجب أن ينوروا تنويرا سليما إلى ممارسة ما علموه بكل ثـقة واطمئنان، لكن مع ذلك بكل اطمئنان أيضا وثقة بأن للطرف الآخر المقابل أو المجاور الحرية، كل الحرية في أن يكون ذا ثقة  واطمئنان في ما تلقنه هو الآخر، وهكذا...)   

نعم بمثل كل هذا الحرص وأكثر من هذا، لعلنا ننجو من تلك المساجد التي حذر الله عبده ورسوله من ارتيادها، نعم هذا هو  الحلم في  حالة اليقظة الذي يجعل الحرية تمتد وتسترسل إلى أن يبقى كل مصل متشبثا بما تعلمه وبما لقنه وبما  يطمئن إليه، تاركا هذا الحق نفسه لأخيه  الواقف بجانبه وبدون ادنى بخس     .    

 

 

 

اجمالي القراءات 5503